ترجمة وتحرير: نون بوست
كل مساء، تفتح تامي التلفاز لترى ما إذا كانت تستطيع تحديد مكان تواجد زوجها في ذلك اليوم، فضابط القوات الجوية الإسرائيلية غائب في غالبية فترة الحرب، وكلا الزوجين مرهقان.
قالت تامي، متحسرة على مائدة السبت المنضبة ليلة الجمعة: “إنه مرهق، أنا أتحمل مسؤولية المنزل بأكمله. كل جانب من جوانب الحياة أصبح مسؤوليتي منذ حوالي تسعة أشهر، بالإضافة إلى القلق والضغط النفسي”، مضيفة: “إنه متحمس جدًا، ولدينا إيمان قوي بأنه يجب أن يفعل كل ما في وسعه من أجل أمن إسرائيل، ولكن في نفس الوقت هو مرهق”.
تامي، التي لا يمكن نشر اسم عائلتها لأسباب أمنية، هي واحدة من مئات الآلاف من شركاء جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عندما بدأت إسرائيل أكبر تعبئة لها منذ عام 1973 وأطول حرب لها في غزة. واثنتان من بناتها الأربع أيضًا في مراحل مختلفة من الخدمة العسكرية، والثالثة، التي تبلغ 18 عامًا، تستعد للتجنيد في الصيف.
تقول تامي إن عبء الحرب وقع بشكل غير متناسب على حوالي 300,000 إسرائيلي يخدمون في الجيش والاحتياط، بينما استمرت نسبة محددة من السكان – البالغ عددهم 9.4 ملايين نسمة – حياتهم تقريبًا كما لو لم يتغير شيء. هذا الرأي، الذي يشترك فيه عدد كبير من الإسرائيليين، كشف عن خط صدع في المجتمع الإسرائيلي قد يؤدي حتى إلى إسقاط الحكومة.
ومن بين أولئك الذين لا يخدمون 63,000 رجل مسجلين في المدارس الدينية (يشيفوت) وليس عليهم الانضمام إلى الجيش بموجب قانون تم سنه عند تأسيس الدولة؛ حيث يُسمح لهم بدراسة النصوص الدينية بدوام كامل.
أصبح السكان اليهود الأرثوذكس المتشددون – المعروفون في إسرائيل باسم الحريديم – القطاع الأسرع نموًا في المجتمع الإسرائيلي بسبب معدل الولادة المرتفع. ويبلغ عددهم نحو 1.3 مليون نسمة، ويعيش الحريديم حياة منعزلة مع التزام صارم بالشريعة اليهودية والواجبات والتقاليد الدينية. وفي نهاية الأسبوع الماضي، تحولت احتجاجات جماهيرية إلى أعمال عنف بعد أن قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة بدء تجنيد اليهود الأرثوذكس المتشددين في الجيش. وأشارت لجنة من تسعة قضاة، بمن فيهم أعضاء دينيون، تحديدًا بحاجة إسرائيل إلى المزيد من الجنود للمساعدة في المجهود الحربي الحالي كسبب لحكمها بالإجماع.
كتب القاضي أوزي فوجلمان: “تتفاقم صعوبة هذا الوضع نظرًا للحرب المستمرة التي تجد دولة إسرائيل نفسها فيها”. ويقول الجيش إنه يحتاج إلى 5000 جندي إضافي، وتشير تقديرات أخرى إلى أضعاف هذا الرقم تحسبًا لتكثيف القتال على الحدود الشمالية مع لبنان، حيث تصاعدت حدة الصراع مع حزب الله، الوكيل الإيراني الأقوى بكثير من حماس، في الأسابيع الأخيرة.
ويوجد جنود متدينون يخدمون بالفعل في قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF). معظمهم من القطاع الديني الوطني، ويمكن التعرف عليهم من خلال الكيباه المحبوكة. والعديد منهم صهاينة بشدة، على عكس المجتمع الحريدي، ويؤمنون بالاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل، بما في ذلك الضفة الغربية المحتلة، وبعضهم في قطاع غزة.
وتشمل العناصر المتطرفة في صفوفهم السياسيين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وكلاهما أعضاء أساسيون في ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم. وخدم سموتريتش في الجيش لمدة 14 شهرًا، وتم منع بن غفير من الخدمة بسبب آرائه اليمينية.
ويعتمد نتنياهو على كل من الفصائل الحريدية والدينية الوطنية للبقاء في السلطة. وكان رئيس الوزراء بالفعل على خلاف مع قيادته العسكرية، الذين دعوا علنًا إلى اتفاق مع حماس في غزة. وانهار مجلس حرب نتنياهو الشهر الماضي بسبب رفضه تقديم رؤية لنهاية الحرب في غزة ومستقبل الجبهة الشمالية.
الآن، الجدل حول تجنيد الحريديم يهدد بتمزيق تحالف نتنياهو، فقد دعا حكم المحكمة الحكومة إلى تجنيد جميع الحريديم المؤهلين للخدمة العسكرية، وتحويل التمويل من المؤسسات التعليمية التي ترفض الامتثال. وقالت تامي: “قد تسقط الحكومة بسبب هذه القضية. يجب أن يجدوا طريقة لوضع قانون وتحديد من سيذهب إلى الجيش ومن لن يذهب؛ الوضع الراهن لم يعد ممكنًا بعد الآن”.
إن خطة التجنيد البديلة لتجنب استفزاز الحريديم ستشمل تمديد الخدمة الإلزامية ورفع سن الاحتياط لأولئك المؤهلين بالفعل، وقالت تامي: “سيجعل ذلك العبء أثقل”. يعمل زوجها في مجال التكنولوجيا العالية، وهو قطاع يشكل حوالي 20 في المائة من 350,000 جندي احتياط، وهي واحدة من الموقعين الأصليين الذين أثاروا قضية عدم المساواة في التجنيد أمام المحكمة العليا العام الماضي. وأضافت: “هناك الكثير من الجنود المتدينين جدًا الذين يدرسون التوراة ويخدمون في الجيش. لا يوجد صراع حقيقي هناك”.
يهوشوع شتاينبرجر، 40 عامًا، وهو أب حريدي لستة أطفال وجزء من مستوطنة حسيديم سلونيم؛ يرى الأمر بشكل مختلف؛ حيث قال: “أوافق على أن الجيش يحتاج إلى المزيد من الجنود، لكن السؤال الصعب هو من أين يجب أن يأتوا”، مضيفًا: “نحن نخدم البلد في عبء الخدمة الوطنية، ليس بالانضمام إلى الجيش الفعلي بل بالانضمام إلى الجيش الروحي من خلال التوراة، عبر صلواتنا، فدراسة التوراة تضيف إلى أمان الجيش.” وتابع: “السبب في عدم تجنيدي ليس بسبب السياسة، أو لأنني كسول، أو لأنني خائف، أو لأنني طفيلي. السبب هو أنني أعيش وفقًا لمعتقداتي. إذا قطعوا تمويلنا، سنتعلم كيف نعيش بدونه. إذا كانوا يظنون أننا سننهض ونذهب بعد أن يتم استدعاؤنا، فهم مخطئون”.
توجد ثلاث وحدات مخصصة فقط للحريديم في الجيش، وتلبي الاحتياجات الخاصة للطائفة: فهي وحدات مخصصة للذكور فقط، وتلتزم بشعائر السبت وأوقات الصلاة، وسيكون طعامها حلالًا بشكل كامل. ومع ذلك؛ يخشى قادة الحريديم من أن المجندين الحريديم سيضيعون في عالم علماني وغير مألوف؛ حيث قال شتاينبرجر: “الجيش لا يسمح بمستوى عالٍ من التدين. لذلك، معظم الأولاد المتدينين الذين يذهبون إلى الجيش يخرجون أقل تدينًا بكثير، أو يصبحون علمانيين تمامًا، وسنفقد نسبة كبيرة منهم”.
ويقدم موشيه لوربر، وهو يهودي حريدي ولد في بني براك، حي ديني شرق تل أبيب، قصة تحذيرية؛ حيث قال لوربر، البالغ من العمر الآن 31 عامًا: “تلقيت مكالمة من الجيش عندما كنت في ال يشيفا (مدرسة دينية) في سن 19 عامًا. في رأسي فكرت، أنا أعمل وأدرس على أي حال، لماذا لا أساهم في الدولة؛ سأكتسب مهارات جديدة، ربما سأصبح أقوى. قبل أسبوع من مغادرتي، قالت لي أمي: اختر، بيتك أو الجيش. عدت إلى التجنيد وأخبرتهم – والداي يطردانني، فوعدني الجيش بالعناية بي”.
وكان لوربر بلا مأوى خلال الأشهر الـ 11 الأولى من خدمته في وحدة مركبات متنقلة، وينام على الأرائك، وعلى مقاعد الحدائق وفي قاعدة الجيش. في النهاية، عُرض عليه العيش مع جنود آخرين في تل أبيب، وهي مدينة ترمز إلى الترف والعلمانية بالنسبة للجندي الحريدي. قال: “بعد عام، وبعد تراكم الكثير من الديون، أدركتُ أن الجيش ليس لي. حتى بعد تسريحي، لم يكن لدي مكان للنوم.. لقد دمروا حياتي من جهة – ومن جهة أخرى، تقول وسائل الإعلام إن الحريديم غير مستعدين للخدمة؛ شخص ما هنا يكذب”.
يعتقد لوربر أن كلًا من الجيش والمجتمع الحريدي بحاجة إلى التطور؛ حيث يقول “نحن في أزمة وطنية. مع تغير التركيبة السكانية، إذا لم يتجند الحريديم، فلن يكون هناك جيش في غضون سنوات قليلة. وإذا أرادوا أن يسجل الحريديم، فهم بحاجة إلى توفير الاحتياجات الأساسية لهم. الجيش كما هو الآن ليس مصممًا لتجنيدنا، وأولئك الذين ينضمون يسقطون من خلال الثغرات”.
وبينما أمرت المحكمة العليا بإنهاء الإعفاءات الجماعية، لم تحدد خطة أو حصة أو جدولًا زمنيًّا لكيفية تجنيد مجتمع يعارض بشدة الانضمام. ويقول شتاينبرجر إن تجنيد الحريديم بالقوة لن ينجح أبدًا. موضحًا: “سيكون تدميرًا لإسرائيل إذا وصلنا إلى التجنيد القسري، حيث تأتي الشرطة العسكرية وتأخذ الأطفال من مدارسهم الدينية، وتبدأ في اعتقال أبنائنا. لا قدر الله. إذا فكر أي شخص في مثل هذه المأساة، فقد يؤدي ذلك إلى حرب أهلية.”
المصدر: ذا تايمز