مشروع “المُجمع” أو ما يٌسميه اليهود بـ “خاميكلول“ وهي ما تعني في العبرية الشمول، وهو المشروع الذي يهدف إلى تكوين أضخم موسوعة دينية على الإنترنت خاصة باليهود المتشددين، في حركة موازية ومنافسة لموسوعة ويكيبيديا في نسخة يهودية تُهدد شفافية ومصداقية موسوعة المعرفة ويكيبيديا.
قد يبدو الأمر غريبًا على من يسمعه بعض الشيء، فما الإضافة في تكوين موسوعة موازية عن اليهود المتشددين، أو “الأصوليين” بينما توجد آلاف من المقالات عنهم و مصادر ومراجع عديدة على موسوعة “ويكيبيديا” نفسها؟، ربما يبدو ذلك غير منطقيًا من الوهلة الأولى، إلا أن موسوعة “المُجمع” لم يكن هدفها الوحيد هو خلق محتوى خاص فقط باليهود، بل كان هدفها إعادة كتابة التاريخ اليهودي حرفيًا.
من المعروف أن موسوعة “ويكيبيديا” هي موسوعة مجانية، وقابلة للتعديل والنسخ من قِبل أي مستخدم للإنترنت، ولهذا من السهل جدًا نسخ جميع المقالات الموجودة على ويكيبيديا المتعلقة بموضوع معين، والتعديل عليها وتحريرها، بل من السهل التغيير فيها على منصة ويكيبيديا نفسها، ومن خلال خاصية wiki المجانية والتي تسمح ويكيبيديا باستخدامها لكل راغب في ذلك، مما سمح لخلق موسوعة “المجمع” اليهودية التي تشبه كثيرًا موسوعة ويكيبيديا ولكن باللغة العبرية لمحتوى خاص بالأصوليين اليهود.
يهدف مشروع “المُجمع” صاحب الصبغة الدينية إلى خلق كيان مواز لويكيبيديا في شكل أضخم موسوعة دينية في التاريخ بلغة عبرية ومحتوى يعبر عن الديانة اليهودية، وعن قيم المجتمع اليهودي و شرائع التوراة، وتاريخ اليهود إلا أنه يحاول إعادة كتابة التاريخ حرفيًا
الأصوليين اليهود أو ما يُعرفون بـ”اليهود الحريدم”و هم جماعة من اليهود المتدينين، يعيشون حياتهم اليومية وفقًا للشريعة اليهودية، وهم من يحاولون تطبيق التوراة بحذافيرها في “إسرائيل”، حيث تراهم في الشوارع يرتدون أزياء يهود شرق أوروبا، من معطف أسود طويل وقبعات سوداء، وترتدي نسائهم البرقع الأسود، الذي يشبه إلى حد كبير النقاب، ولا يشاركون في طبقات القوى العاملة، ويعيشون في عزلة عن المجتمع اليهودي غير الديني أو العلماني، ويتميزون بأعداد الأسرة الكبيرة وذلك لأنهم لا يُطبقون تحديد النسل.
يعيد اليهود كتابة التاريخ حرفيًا
مشروع “خاميكلول” اليهودي
للأديان قدسية خاصة متعلقة بالكتب والنصوص الدينية، والشريعة المسطورة في الكتب والنصوص الكنائسية، حيث قدّست الأديان الكلمة المطبوعة، وارتبط الناس لوقت قريب بالكتب والنصوص التي يحملونها بين أيديهم، في المقابل كان مشروع ويكيبيديا من الأساس هو مشروع رقمي بحت، يهدف إلى نقل الكلمة المطبوعة إلى الفضاء الرقمي وتحويلها إلى نصوص رقمية قابلة للوصول في أي لحظة وبضغطة زر واحدة.
يهدف مشروع “المُجمع” صاحب الصبغة الدينية إلى خلق كيان مواز لويكيبيديا في شكل أضخم موسوعة دينية في التاريخ بلغة عبرية ومحتوى يعبر عن الديانة اليهودية، وعن قيم المجتمع اليهودي و شرائع التوراة، وتاريخ اليهود إلا أنه يحاول إعادة كتابة التاريخ حرفيًا، من خلال تحرير النصوص وإعادة كتابتها، وحذف كلمات معينة منها.
اعتبر محررو ويكيبيديا الأصلية باللغة العبرية مشروع “المُجمع” انتهاكًا واضحًا لمبادىء ويكيبيديا الخاصة بالشفافية والمصداقية في نشر المعلومات بشكل مجاني لكل المستخدمين، واعتبروه استغلالًا لترخيص ويكيبيديا المجاني لاستخدام تقنية wiki
وصفت الصحيفة “الإسرائيلية” هآترز أن مشروع “المُجمع” هو عبارة عن “كوشر”، الذي يُعرف بالأكل الحلال عند اليهود، أو الطعام المطبوخ طبقًا للأحكام اليهودية، في إشارة إلى كون المشروع طبخة يهودية تُحرف التاريخ اليهودي والديانة اليهودية على هوى المحررين لغرض “تلطيف” المحتوى المتشدد المتعلق باليهود الحريدم أو الأصوليين من يطبقون الشرائع اليهودية.
اعتبر محررو ويكيبيديا الأصلية باللغة العبرية مشروع “المُجمع” انتهاكًا واضحًا لمبادىء ويكيبيديا الخاصة بالشفافية والمصداقية في نشر المعلومات بشكل مجاني لكل المستخدمين، واعتبروه استغلالًا لترخيص ويكيبيديا المجاني لاستخدام تقنية wiki لإنشاء موسوعة منافسة لويكيبيديا خاصة باليهود الأرثوذكس أو يهود الحريدم تُعيد كتابة التاريخ اليهودي وتحذف ما تشاء من كلمات وتضيف ما تشاء.
العلم والعلمانية بوجهة نظر يهودية متشددة
امرأة من اليهود الأرثوذكس وأبنائها
من وجهة نظر ويكيبيديا، فإن الموسوعة هدفها الأساسي نشر العلم والمعلومات بصورة مجانية، حيث يؤمن أصحابها بمبادئ العلمانية المنتشرة منذ عصر التنوير، ويؤمن مؤسسوها أن اليهودية المتشددة تعارض مبادئ التنوير بشكل كلي، حيث يجدون أن اليهودية الأصولية تعتبر رد فعل معاكس للتنوير.
تجد كلمات بعينها فيما يتعلق بـ “نظرية التطور” حيث تُحذف الكلمة في أغلب النصوص، بالإضافة إلى عدم تغيير صورة اليهود الأرثوذكس عن المرأة التي يؤمنون فيها بحرمانية صورها، وبالتالي تحذف أيضًا
على العكس تمامًا تأتي وجهة نظر مشروع “المُجمع” اليهودي، إذ يرى القائمين عليه أن العلم المعاصر لا يتناقض بالضرورة مع المبادئ الدينية اليهودية، حيث تُقدم المبادئ العلمية عادة في صورة متشابكة مع العلمانية، ولكن هذا لا يعني أنها تتناقض بالضرورة مع الأرثوذكسية المتطرفة بحسب رأي مشروع “المُجمع”، حيث يحاولون إعادة كتابة العلوم والقيم اليهودية ولكن بنظرة أرثوذكسية، حيث تتبنى وجهات نظر علمانية لكنها تُقدم بالنسخة اليهودية منها.
هذا لا يمنع ألا يجد المستخدم كلمات بعينها في نسخة ويكيبيديا العبرية، مثل كل ما يتعلق بـ “نظرية التطور” حيث تُحذف الكلمة في أغلب النصوص الدينية المتعلقة بالأمر، بالإضافة إلى عدم تغيير صورة اليهود الأرثوذكس عن المرأة التي يؤمنون فيها بحرمانية صور المرأة، ويظهر ذلك في حذفهم لكل النساء الوزيرات الموجودات في الصورة التي تجمع الحكومة الإسرائيلية الأخيرة وتركهم الصورة معدلة يتواجد فيها الرجال فقط.
هل إنتاج المعلومات عمل مؤدلج؟
يعتبر محررو ويكيبيديا الأصلية مشروع “المُجمع” اليهودي مثالًا واضحًا لأدلجة عملية إنتاج ونشر المعلومات، إلا أنهم لا يستطيعون مقاضاة الموسوعة المنافسة، وذلك لأنها تستخدم ترخيص ويكيبيديا المجاني، بالإضافة إلى أن ويكيبيديا نفسها مصدر مفتوح ولهذا لا تتواجد قضية حقوق الملكية للمقالات والكتب والمصادر التي استوردها محررو المشروع اليهودي ليقوموا بإعادة كتابتها من جديد على حسب أيدولوجية اليهود الأرثوذكس الأًصوليين.
هذا المشروع يثير جدلًا حول فكرة “أدلجة” عملية نشر المعلومات بشكل حر ومجاني، حيث توجد وجهات نظر مختلفة حول مسألة نشر المعلومات، حيث يعتبرها الكثيرون أنها عملية تجارية لطالما كانت مؤدلجة عبر التاريخ، حيث لا تكون ويكيبيديا نفسها بريئة من الأدلجة في نشر محتواها المعرفي، حيث تعرضت للحجب أكثر من مرة بعد ثبوت عدم شفافيتها في نشر المحتوى، كما يثبت التاريخ أن الموسوعات العلمية والمعرفية لطالما كانت ردًا على حركات بعينها أو ثورات فكرية أيضًا.
بحسب رأي القائيمن على مشروع “المجمع” فإنه نشر العلم لا يتناقض بالضرورة مع المبادئ الدينية اليهودية، حيث تُقدم المبادئ العلمية عادة في صورة متشابكة مع العلمانية، ولكن هذا لا يعني أنها تتناقض بالضرورة مع الأرثوذكسية المتطرفة
كان مثالًا على ذلك موسوعة Encyclopaedia Britannica أو بالعربية موسوعة بيرتانيكا، وهي من أقدم الموسوعات المطبوعة باللغة الإنجليزية حيث صدرت لأول مرة في عام 1771، وعلى الرغم من أنها كانت حركة ثورية لنشر المعلومات، إلا أن كان غرضها الأساسي هو ترجمة الموسوعة الفرنسية إلى الإنجليزية من أجل إعادة كتابة المبادئ الحماسية الفكرية التي آلت للثورة الفرنسية لتقوم بتحييدها وجعلها أقل حدة وأهمية.
الأمر ليس جديدًا على “إسرائيل” أن تقوم بتحريف المعلومات والحقائق من أجل إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر يهودية، فلطالما لعبت دولة الاحتلال حرب المصطلحات من أجل تخفيف مصيبة التطهير العرقي للفلسطينين وتحويل يوم نكبتهم الكبرى في التاريخ إلى “عيد” لقيام “دولة اليهود” المنتظرة في التاريخ.
كما استغلت دولة الاحتلال الحرب نفسها للترويج لمآساة اليهود الأوروبيين، وتحريف التاريخ افتراءًا بأنها المذبحة الأكبر في تاريخ الإنسانية وهي على الرغم من بشاعتها فإنها ليست الأكبر في التاريخ، لتبرير جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني واعتبار فلسطين تعويضًا لما اقترفته أوروبا في حق اليهود المشردين، وما ارتكبه هتلر وألمانيا النازية من أبشع الجرائم في حق الإنسانية.