ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: فريد عليلات وفريدة الدهماني وفهد عراقي
تسعى الحكومات المغاربية من الرباط إلى تونس إلى الوقوف على المسافة ذاتها مع كل من الدوحة والرياض، على الرغم من النقاط التي يسجلها هذان البلدان الخليجيان، لفائدة الدول المغاربية.
كان الأمير القطري، تميم بن حمد آل ثاني، من بين الأوائل اللذين اتصلوا للاطمئنان على صحة الملك المغربي، بعد العملية الجراحية التي أجراها مؤخرا. ولم تذكر وكالة الأنباء “منافين”، التي أوردت هذه المعلومة، أي أخبار عن اتصال جمع بين الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، والعاهل المغربي. ولسائل أن يسأل، هل جدّ اتصال بينهما؟ عموما، أورد أحد المطلعين على الساحة الدبلوماسية المغربية، أن “من الشبه المؤكد أنه قد تم الاتصال بينهما. إذ يعتبر الاتصال الهاتفي من التقاليد التي يتبعها رؤساء الدول، وخاصة الملوك العرب. لكن، لا يتمثل الهدف من هذا النوع من “الصواب”(أي الواجب)، مثل ما يتم تسميته في المغرب، إظهار هذه المحادثات للعلن”.
في الأثناء، أكد نفس المصدر أن “تسريب معلومة بهذا الشكل من مكتب الأمير القطري، هو بمثابة رسالة مضمونة الوصول تشير إلى أن الإمارة الصغيرة ليست في عزلة، وأنها لا زالت تمتلك حلفاء. ويحظى محمد السادس بشعبية كبرى لدى الشعب القطري منذ زيارته الرسمية للدوحة في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017. كما يلقب العاهل المغربي بكاسر الحصار، وذلك نسبة للحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية وحلفائها على قطر في كانون الثاني/ يناير سنة 2017”.
التقارب المغربي القطري
منذ انطلاق الأزمة بين الأشقاء الخليجيين، توطدت العلاقات بين الدوحة والرباط، ووضعت حدا للأزمة الدبلوماسية بين الطرفين بسبب الملفات التي كانت تعدها القناة الإخبارية “الجزيرة” حول الأوضاع في المغرب. في نفس الوقت، قامت الجزيرة بإعطاء حقوق بث مونديال روسيا للقنوات المغربية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت قطر، خلال الخريف المنقضي، تسهيل حصول المواطنين المغاربة على التأشيرة القطرية بالتساوي مع الأوروبيين.
لن يروق هذا التقارب القطري المغربي، المملكة العربية السعودية التي تتبع منطق “معي أو ضدي”
تجدر الإشارة إلى أن المغرب قد أبدى العديد من المواقف غير المساندة لفرض عقوبات على قطر، في أعقاب اندلاع الأزمة السياسية الصيف الماضي. وقد أرسلت المملكة مساعدات غذائية إلى الإمارة القطرية، وتبنت رسمياً موقف الحياد في هذا الصراع. ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقات أكثر ودية بين البلدين، وعلى أعلى مستوى بين القيادتين.
في ظل تنامي العلاقات الاقتصادية بين المملكة المغربية وقطر، تنقل وفد للشؤون الاقتصادية المغربية نحو العاصمة الدوحة، من أجل تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين، والتي تتجاوز قرابة 70 مليون من الدولارات (أي ما يعادل 56 مليون يورو). ومن المرتقب أن تجتمع اللجنة العليا المشتركة للبلدين من أجل تقوية هذه الشراكة الاقتصادية بينهما.
في المقابل، لن يروق هذا التقارب القطري المغربي، المملكة العربية السعودية التي تتبع منطق “معي أو ضدي”. وإلى حد هذه اللحظة، لم توجه الرياض أي عتاب رسمي للرباط، التي ستفعل أي شيء من أجل عدم إفساد هذا التحالف المهم. وفي السياق نفسه، لم تدل الدبلوماسية المغربية بأي تعليق فيما يخص عمليات التطهير التي يقودها ولي العهد السعودي، محترمتا في ذلك مبدأ عدم التدخل في البلدان الأخرى، بما أنها حريصة كل الحرص على تطوير العلاقات الاقتصادية مع المملكة الوهابية، التي انطلقت في تنفيذ مشاريع استثمارية عملاقة في المغرب.
منذ بداية شهر شباط/ فبراير الماضي، تم إرسال أمين عام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، محمد علي الأزرق، إلى الرياض على رأس بعثة من أجل اجتماع تحضيري للدورة الثالثة عشرة للجنة التعاون المغربية السعودية المشتركة، المقرر عقده خلال سنة 2018 في الرباط. وسيكون مستوى التمثيل السعودي في هذا الحدث مؤشراً لقوة محور الرباط-الرياض. في المقابل، سيكون لهذا الحدث تأثير على الانتعاش الذي تشهده العلاقات القطرية المغربية.
انتقدت المعارضة التونسية التدخل القطري في البلاد، خاصة وأنها تمول بسخاء كبير العديد من الجمعيات الإنسانية والخيرية، والتي يتبنى بعضها الفكر الإسلامي
تونس والدولتين “الشقيقتين”
تقف تونس على المسافة ذاتها بين المملكة العربية السعودية وقطر نظرا للدعم المالي الذي تتلقاه من الطرفين، محافظة على تقاليدها الدبلوماسية التي تقضي بالحفاظ على الحياد. والجدير بالذكر أن قناة الجزيرة كانت في عداء معلن لبن علي، خلال السنوات التي سبقت سقوطه وعلى هذا النحو، جعلت هذه القناة قطر قريبة من المعارضة التونسية، التي وصلت إلى السلطة بعد ثورة سنة 2011.
وأثناء تولي حكومة الترويكا مقاليد السلطة في البلاد، بقيادة إسلاميي النهضة بين سنتي 2012 و2013، وطدت قطر العلاقات مع تونس من خلال استثمار قرابة 100 مليون دولار، بين سنتي 2012 و2016. وخلال سنة 2012، تحصلت تونس على قرض قدره 500 مليون دولار. ومن أجل سداده بحلول سنة 2022، قامت تونس باقتراض مليون دولار من الإمارة العربية خلال سنة 2017. وكان الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، ضيف شرف في الذكرى الأولى للثورة التونسية.
في المقابل، انتقدت المعارضة التونسية التدخل القطري في البلاد، خاصة وأنها تمول بسخاء كبير العديد من الجمعيات الإنسانية والخيرية، والتي يتبنى بعضها الفكر الإسلامي. وقد تمت هذه العمليات عبر منظمة “قطر الخيرية”. لكن، اتهمت هذه الجمعيات بإرسال الشباب التونسي للجهاد في سوريا. ويؤكد ذلك ما توصلت إليه لجنة التحقيق في مجلس نواب الشعب سنة 2017.
أدى سقوط الترويكا، بالتزامن مع الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من السلطة في مصر، بالإضافة إلى الصعوبات السياسية للإمارة، وتولي الشاب تميم بن حمد السلطة؛ إلى إضعاف تأثير قطر في تونس على الرغم من مشاركة الدوحة مع فرنسا في تمويل مؤتمر تونس سنة 2020.
لاحت علامات التوتر بين الإمارات وتونس عندما تم فرض تأشيرة على التونسيين، وحظر النساء التونسيات من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة عبر رحلات طيران الإمارات
انتعاش العلاقات مع الرياض بداية من سنة 2013
لقد ألقى التقارب التونسي القطري بضلاله على كل من الرياض وأبو ظبي، الذين يعارضان ثورات الربيع العربي. فقد اعتبرا أن هذه التحركات تمثل تهديد لأنظمتهما. وباعتبار أن الإمارات العربية المتحدة، الجهة التي تمثل الحليف التاريخي لآل سعود، نظرت هذه المملكة إلى الثورة التونسية بعين الارتياب، خاصة مع تولي الإسلاميين للسلطة. في نفس الوقت، ترى الإمارات العربية المتحدة أنه يجب إقصاء الإسلاميين من السلطة، مثلما حصل في مصر.
وقد لاحت علامات التوتر بين البلدين عندما تم فرض تأشيرة على التونسيين، وحظر النساء التونسيات من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة عبر رحلات طيران الإمارات، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 2017. ويعود سبب في ذلك إلى زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أوائل شهر يناير/ كانون الثاني من السنة الحالية إلى تونس، والتي تستنكرها أبو ظبي.
في المقابل، كانت العلاقات مع الرياض، دافئة نسبيا منذ سنة 2013. كما أرادت جميع الحكومات التي خلفت الترويكا “رفع أدنى درجة من التعاون بين البلدين الشقيقين”، وهو ما أكده رئيس الحكومة السابق، مهدي جمعة، خلال سنة 2015. وتشير مصادر دبلوماسية تونسية إلى أن محمد السادس، لعب دورا في انتعاش هذه العلاقات.
حلفاء ضد الإرهاب؟
لاح التأثير السعودي من خلال تمويل المملكة العربية السعودية لمشاريع استثمارية بلغت ذروة 800 مليون دولار. كما تعمل المملكة على إعادة إصلاح جامع عقبة بن نافع، علاوة على بناء ثلاثة مستشفيات في القيروان، والمناطق المحيطة بها. وخلال سنة 2015، شاركت تونس، على الرغم من أنها لم ترسل فيالق عسكرية، في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي تقوده الرياض، والتي زودت تونس في هذه العملية بخمسة طائرات إف-5.
منذ الاستقلال، حافظت الجزائر على تقاليدها الدبلوماسية، والتي تتمثل دائمًا في الحفاظ على المسافة ذاتها مع الدول العربية أو الإسلامية في الصراعات
في هذا السياق، قال دبلوماسي تونسي سابق: “إذا افترضنا أن كل دولة ستشترك وفق إمكانياتها، وإرادتها لمكافحة الإرهاب، فإن التحالف يعتقد أن تونس تلعب دورها في الصراع الذي التزمت به على أراضيها”. وأضاف: “السعوديون لا يطلبون من تونس أي شيء مقابل الانضمام إلى التحالف، فقد اعترفت تونس ضمنيا بقيادة المملكة العربية السعودية هذا التحالف ضد إيران، وهذا كاف بالنسبة لهم”.
خلال سنة 2017، تم اعتقال الأمير الوليد بن طلال، وصالح عبد الله كامل، مؤسس “دله البركة”، والذي وعد بإنشاء مشروع عقاري على ضفاف البحيرة في تونس العاصمة. وقد سبب هذا الاعتقال في حرمان تونس من شريكيها في المملكة. في المقابل، حافظت تونس على دبلوماسيتها، وعلى حيادها في خصوص المواضيع التي تثير الغضب، على غرار تقديم الرياض ملجأ لبن علي بالرغم من أن تونس طالبت بتسليمه سنة 2012. كما طالبت تونس أيضا بمراجعة حصة التونسيين من الحج.
الجزائر والحكمة في الخطاب
لا يصعب في الأراضي الشاسعة من الهضاب العليا أو في المساحات الشاسعة من الصحراء الجزائرية أن يلتقي كبار الشخصيات السعودية والقطرية مع بعضهم البعض، خلال رحلات صيد طويلة لطائر الحُبَارَى أو لصيد الغزلان أو لبعض الحيوانات المحمية، الأخرى تحت مراقبة الأجهزة الأمنية الجزائرية. ويدل ذلك على أن السلطات المحلية حريصة على الحفاظ على علاقات ودية مع الأخوين الذي يجمع بينهما عداء (المملكة العربية السعودية وقطر).
منذ الاستقلال، حافظت الجزائر على تقاليدها الدبلوماسية، والتي تتمثل دائمًا في الحفاظ على المسافة ذاتها مع الدول العربية أو الإسلامية في الصراعات. وإذا لزم الأمر، لا يتردد الجزائريون في عرض مساعيهم الحميدة، تماما كما حصل سنة 1975 أثناء المصالحة بين إيران والعراق، أو في الثمانينيات خلال الصراع الدامي بين هاتين الدولتين. وإلى غاية هذا الوقت، واصلت الجزائر في إثبات موقفها المحايد.
عبد العزيز بوتفليقة يرحب بحمد بن خليفة آل ثاني يوم سبعة كانون الثاني/ يناير سنة 2013 في الجزائر العاصمة.
وبدلاً من الانحياز إلى جانب أحد الطرفين، تفضل الجزائر الدفاع عن مبدأ الحوار والحكمة. وقد لاح هذا الموقف لدى الرئيس بوتفليقة، الذي ظل لفترة طويلة في الخليج خلال مرحلة “عبور الصحراء” في ثمانينيات القرن العشرين. كما أن له علاقات خاصة مع الأمراء السعوديين، والإماراتيين، أو القطريين.
من جانب آخر، لعبت الجزائر دور “الوسيط الحكيم” خلال الوصول إلى الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016، بين الدول الأعضاء في منظمة الأوبك، والدول غير الأعضاء لتقليص إنتاج النفط. ولقد نجح المحاورون الجزائريون مستندين على قوة الإقناع والدبلوماسية في إقناع السعوديين، والقطريين، والعراقيين، والإيرانيين بإبرام صفقة وصفت بأنها تاريخية.
تواصل السعودية دعم الجمعيات الدينية الجزائرية بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرغم من أن الحركة الإسلامية المحلية قد نأت بنفسها عن الوهابية، وعن الإخوان المسلمين في مصر، مفضلين إتباع النموذج التركي أو الماليزي
تدهورت العلاقات بشكل كبير بين الجزائر والدوحة خلال فترة الربيع العربي سنة 2011. فقد شك الجزائريون أن الإمارة الصغيرة تدعم العمليات السياسية والمالية لزعزعة استقرار الجزائر. وعلى الرغم من هذه الشكوك، إلا أن هذه التوترات والاحتكاكات تلاشت مع مرور الوقت، ولم تمنع من مواصلة الازدهار بين الطرفين.
في الأثناء، يشهد الاستثماران الهائلان القطريان على ذلك. ولعل من أبرزهما مجمع الصلب في ولاية جيجل، الذي تبلغ تكلفته ملياري دولار. ويضاف إلى ذلك النجاح الذي حققته شركة “أوريديو”، التي ترعى نادي باريس سان جيرمان وريال مدريد، حيث أصبحت في غضون عشر سنوات، أحد أكبر مشغلي الهاتف الرئيسيين في الجزائر. وبغض النظر عن كون الاستثمارات السعودية أقل أهمية، تتمتع الرياض بهالة ونفوذ مستمر؛ فالآلاف من الجزائريين يزورون الأماكن المقدسة كل سنة لأداء طقوس الحج.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل المملكة العربية السعودية دعم الجمعيات الدينية الجزائرية بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرغم من أن الحركة الإسلامية المحلية قد نأت بنفسها عن الوهابية، وعن الإخوان المسلمين في مصر، مفضلين إتباع النموذج التركي أو الماليزي. ويشير ذلك إلى أن كل شيء يسير على أفضل وجه بين الجزائر والرياض. ويتمثل الدليل على ذلك في الزيارة الرسمية التي أجراها وزير داخلية المملكة، عبد العزيز بن سعود، في أوائل شهر آذار/ مارس الحالي، إلى الجزائر، والتي استغرقت ثلاثة أيام.
المصدر: جون أفريك الفرنسية