كأس العالم الحلم الأعظم للاعبي الكرة، البطولة الرياضية الأغلى والأهم تطرق الأبواب، تسير نحونا في درب الأيام بخيلاء وتباهٍ، تعلم جيدًا أننا ننتظرها على أحر من الجمر.
تخفق القلوب وتترقب العيون في انتظار يونيو 2018 لكتابة صفحات جديدة في تاريخ كأس العالم.
أبحرنا في السابق بين أمواج الذكريات إلى نشأة فكرة البطولة والكأس الأول، ثم رست السفينة على شواطئ إسبانيا لمعرفة أبطال رواية العام 1982.
في صفحات الرواية قرأنا بعض الحكايات المثيرة والطريفة ورأينا وجهًا سعيدًا لكرة القدم، ولكن ماذا عن الأحزان والمآسي التي ارتبطت بالكأس الغالية؟ ماذا عن الوجه الآخر لكرة القدم؟ نتعرف اليوم على فصول حزينة من الرواية الخالدة، فلنعد أنفسنا كي ترسو سفينة الذكريات على شواطئ الأمريكتين .
الحكاية السادسة البرازيل 1950.. مأساة الماركانازو والملعون للأبد باربوسا
انتهت الحرب العالمية الثانية في 1945 وعانى العالم كله ويلات الحرب وحاول الجميع أن يعيد كأس العالم للحياة في عام 1946 بعد توقف في العام 1942 بسبب تلك الكارثة، ولكن باءت المحاولات بالفشل، وتقرر إقامتها في العام 1950 ورفضت أوروبا احتضان البطولة لكي تستطيع إكمال بناء ما دمرته الحرب.
فاتجهت الأنظار إلى قلعة السحر في كرة القدم إلى أمريكا الجنوبية، وبدأ صراع على التنظيم بين الأرچنتين تحت حكم رئيسها خوان بيرون وزوجته الشهيرة إيڤا بيرون من جهة والبرازيل من جهة أخرى تحت سيطرة جيتوليو فارجاس .
استطاعت البرازيل الفوز بالتنظيم بعد وعدها ببناء ملاعب عالمية من بينها ملعب ماركانا الرهيب، وبدأت أحلام البرازيليين في الفوز بالكأس الذي يمثل لهم الإيمان بمستقبل البرازيل.
تذكرة حضور مباريات البطولة
في البداية وافقت 32 دولة على المشاركة في البطولة، وانسحبت منها 7 دول مثل الأرچنتين وبعض الدول الأوروبية التي لم تستطع تحمل تكاليف السفر والهند التي رفض الاتحاد الدولي خوض لاعبيها للمنافسات من دون أحذية .
ثم استقر العدد على 13 دولة لخوض البطولة بمشاركة إنجلترا مهد كرة القدم للمرة الأولى بعد تكبرهم على المشاركة في البطولات السابقة وتلقت صفعة تاريخية على يد المنتخب الأمريكي حطمت الغرور الإنجليزي وتم إنتاج فيلم (The game of their life) في العام 2005 يحكي قصة تلك المباراة الشهيرة وعرف بعدها الإنجليز أن هناك من يلعب كرة القدم أفضل منهم.
قسمت الفرق إلى أربع مجموعات على أن يصعد أول كل مجموعة إلى نهائي البطولة الذي يقام من بطولة مصغرة تجمع الأربعة المتأهلين.
شاءت الأقدار أن تكون الجولة الأخيرة بين البرازيل وأورجواي نهائي البطولة، مع أفضلية عظيمة للبرازيليين
أربعة فرق في مجموعتين وثلاثة فرق في مجموعة وفرقتين فقط في مجموعة تضم الأورجواي التي صعدت للنهائي بالفوز في مباراة واحدة فقط، صعد للنهائي عن كل مجموعة البرازيل وإسبانيا والسويد وأورجواي.
في الجولة الأولى تعادلت أورجواي مع إسبانيا بهدفين لمثلهما، بينما اكتسحت البرازيل السويد بسبعة أهداف لهدف، في الجولة الثانية فازت أورجواي بصعوبة على السويد بثلاثة أهداف لهدفين، بينما واصلت البرازيل اكتساحها وفازت على إسبانيا بستة أهداف لهدف.
وبذلك شاءت الأقدار أن تكون الجولة الأخيرة بين البرازيل وأورجواي هي نهائي البطولة مع أفضلية عظيمة للبرازيليين وتوقع من العالم أجمع تتويج البرازيل باللقب الأول خاصة بعد فوز البرازيل على الأورجواي بخماسية في العام السابق، وبدأت الأفراح في شوارع ريو دي جانيرو قبل انطلاق المباراة التي كان يكفي البرازيليين فيها التعادل للفوز بالكأس لدرجة أن بلدية ريو دي جانيرو طبعت 22 ميدالية ذهبية بأسماء اللاعبين قبل المباراة.
منتخب البرازيل في كأس العالم 1950
بدأت المباراة في ملعب الماركانا بحضور 200 ألف متفرج يملأون مدرجات الملعب الرهيب يتوقعون اكتساحًا برازيليًا حتى إن مدرب أورجواي نفسه طلب من لاعبيه الدفاع وعدم الاستماع للمدرجات نهائيًا، ورغم 17 محاولة للبرازيليين على المرمى فإن الشوط الأول انتهى بالتعادل السلبي .
مع بداية الشوط الثاني أحرزت البرازيل الهدف الأول مع فرحة عارمة في أنحاء البرازيل وامتلأت قلوب اللاعبين بالحماس واندفعوا للهجوم، ولكن كان للاعبي الأورجواي رأي آخر، فمن هجمة مرتدة في الدقيقة 66 تعادلت الأورجواي، ولم تكن تلك النتيجة تمنع البرازيل من الفوز باللقب،.
رغم ذلك واصل البرازيليون هجومهم القوي حتى الدقيقة 79، ومن هجمة مرتدة شبيهة للهدف الأول ينطلق لاعب الأورجواي ألسيديس جيجا من الناحية اليمنى وتهيأ للعب كرة عرضية، ولكن حارس البرازيل باربوسا خرج من مرماه مبكرًا لملاقاة عرضية جيجا، ولكن اللاعب الأورجواني تنبه لذلك فوضع الكرة مباشرة في المرمى، محرزًا الهدف الثاني قبل 10 دقائق من نهاية المباراة ليعم الصمت ملعب المباراة والبرازيل كلها حتى نهاية المباراة وخسارة منتخب البرازيل للقب البطولة.
وعن تلك اللحظات يحكي جول ريميه رئيس الاتحاد الدولي في ذلك الوقت أنه ذهب لمتابعة استعدادات تسليم الكأس قبل الهدف الثاني وعندما عاد إلى الملعب وجد الصمت يطبق على المكان وأحس بالوحدة والعزلة وسط كل هؤلاء ولحسن الحظ وجد أمامه كابتن الأورجواي فأعطاه الكأس خلسة.
وقال جيجا صاحب هدف الفوز إنه لم يشاهد في حياته حزنًا مثل ذلك الذي عم الشعب البرازيلي يومها، حتى إنه أحس بالحزن من أجلهم.
رغم فوز البرازيل بعدها بخمسة ألقاب لكأس العالم منها ثلاثة في العشرين عامًا التالية للماركانازو، فإن مرارة الهزيمة وخسارة تلك البطولة لا تزال تعكر صفوهم حتى يومنا هذا
ورغم تألق الحارس باربوسا طوال البطولة وصنعه فرص لزملائه واعتباره أفضل حراس البطولة فإن خطأه في مباراة النهائي لم يغتفر أبدًا من جانب الجماهير ووصفوه بأنه ملعون للأبد، حتى إنه قال في العام 1994، إن أقصى عقوبة في تاريخ البرازيل هي 30 عامًا إلا أنه بعد 44 سنة ما زال يعاقب على هذا الهدف وما زال يحمل وزر خسارة اللقب.
ولم يكن باربوسا وحده من عانى بعد تلك المباراة، فهناك أيضًا هداف البطولة أديمير الذي أحرز تسعة أهداف وقال عنه البعض إن أديمير كان الأفضل في تاريخ البرازيل ولكن عدم إحرازه لأي هدف في النهائي مع خسارة اللقب جعلوه سطرًا منسيًا في تاريخ البرازيل.
وبعد تلك المباراة ترك المنتخب البرازيلي الزي الأبيض واتجه إلى قميصه الأصفر الشهير .
ورغم فوز البرازيل بعدها بخمسة ألقاب لكأس العالم منها ثلاثة في العشرين عامًا التالية للماركانازو فإن مرارة الهزيمة وخسارة تلك البطولة لا تزال تعكر صفوهم حتى يومنا هذا، ورغم الصعوبات التي واجهت تلك البطولة فقد كانت حجر الأساس الجديد للبطولة بعد الحرب العالمية الثانية.
الحارس البرازيلي باربوسا
الحكاية السابعة.. الولايات المتحدة 1994
(هدف في مرماه كلفه حياته (
تبدأ الأحداث مبكرًا بعد خروج المنتخب الكولومبي على يد روجيه ميلا في كأس العالم 1990، بدأ بعدها الكولومبيون في تكوين منتخب قوي بقيادة ڤالديراما وإسبريللا لخوض منافسات تصفيات كأس العالم 1994 واستطاعوا تحقيق الفوز تلو الآخر وخوض تصفيات في منتهى القوة، حتى إن المباراة الأخيرة في التصفيات بين كولومبيا والأرچنتين في الصراع على قمة المجموعة استطاع الكولومبيون الفوز بخماسية نظيفة على الأرچنتين على ملعبها ووسط جماهيرها الغفيرة .
مما دفع الأسطورة البرازيلية بيليه لإطلاق إحدى توقعاته (التي خاب معظمها بالمناسبة)، بأن كولومبيا قادرة على التتويج بكأس العالم في أمريكا 1994.
وللعجب صدق الشعب الكولومبي ذلك التوقع وانبهروا بمستوى المنتخب في التصفيات؛ فاندفع الجميع لمكاتب المراهانات أملاً في الحصول على ثروات من المراهنة على فوز المنتخب الكولومبي بالكأس، لدرجة تدافع زعماء المافيا والمخدرات في كولومبيا للمراهنة أيضًا.
وبدأت البطولة وفي أول مباراة تعرض منتخب كولومبيا لهزيمة قاسية أمام منتخب رومانيا بقيادة چورچ هاچى بثلاثة أهداف لهدف وحيد، وبذلك أصبحت المباراة الثانية أمام أمريكا مباراة حياة أو موت؛ فالخسارة تعني الخروج من البطولة مبكرًا.
بدأت المباراة مع ترقب الجميع في كولومبيا وتأتي الدقيقة 34 من الشوط الأول بهجمة لمنتخب أمريكا ومن كرة عرضية أرضية حاول المدافع الكولومبي أندريس إسكوبار تشتيتها، ولكن بدلاً من أن تخرج إلى خارج الملعب عانقت الكرة الشباك معلنة عن هدف أول في مرمى كولومبيا .
استطاع بعدها لاعبو أمريكا إحراز هدف آخر ولم يشفع لكولومبيا هدفهم الوحيد، ورغم فوز كولومبيا في آخر مباراة أمام سويسرا فإنهم ودعوا البطولة مبكرًا بعد أول هزيمتين في صدمة قاسية للشعب الكولومبي.
لحظة إحراز إسكوبار الهدف في مرماه
عاد أسكوبار إلى بلده بعد الخروج مباشرة من البطولة ورغم كونه نجمًا محبوبًا ونجمًا للإعلانات قبل كأس العالم ومفاوضاته مع العملاق ميلان، فإنه أصبح أكثر المكروهين في كولومبيا في ذلك الوقت.
وفي إحدى الليالي بعد عشرة أيام فقط من إحرازه هدف في مرماه كان إسكوبار في سهرة مع أصدقائه في أحد المطاعم وفي أثناء خروجه تحرش به بعض الأشخاص موجهين له بعض السباب والاتهامات بأنه السبب في خروج المنتخب من البطولة.
رغم تأكد الكولومبيين من تورط الأخوان جالون في قتل إسكوبار بسبب المراهانات، فإن قلة الأدلة لم تثبت تورطهما، دفع إسكوبار حياته ثمنًا لخطأ يحدث كثيرًا في ملاعب كرة القدم ولكنه كشف لنا وجهًا آخر لكرة القدم لا نحب أن نراه أبدًا
حاول إسكوبار الهرب منهم إلا أنهم ظلوا يطاردوه حتى أخرج أحدهم مسدسًا وأطلق منه بعض الرصاصات أردت إسكوبار قتيلاً بعد 30 دقيقة فقط من وصوله المستشفى.
ولم يصدق العالم أن غضب الشعب الكولومبي قد يصل لتلك الدرجة، رغم الحديث الدائر وقتها عن غضب بارونات المخدرات في كولومبيا من إسكوبار بسبب المراهانات.
ودع الشعب الكولومبى لاعبهم في جنازة ضخمة تقدمها رئيس الجمهورية، واعترف بعدها كارلوس مينوز الحارس الشخصي لرجلي العصابات والمخدرات الشقيقان بيدرو وخوان جالون بأنه من قتل إسكوبار وحكم عليه بالسجن 43 عامًا، ولكنه خرج من السجن في العام 2005 بعد 11 عامًا فقط من السجن لحسن السلوك.
ورغم تأكد الكولومبيين تورط الأخوان جالون في قتل إسكوبار بسبب المراهانات، فإن قلة الأدلة لم تثبت تورطهما، دفع إسكوبار حياته ثمنًا لخطأ يحدث كثيرًا في ملاعب كرة القدم ولكنه كشف لنا وجهًا آخر لكرة القدم لا نحب أن نراه أبدًا.
انتهت حكاية اليوم ولم تنته فصول الرواية بعد وما زلنا ننطلق بسفينة الذكريات في بحر التاريخ.