يولد الإنسان في عائلة وهو يرى أن من حوله سيكونون معه كالملائكة معاملة ولطفًا، وإذا به يُفاجأ بأبٍ قاسٍ يتلقى منه كل أنواع الإرهاب اللفظي والفعلي، وتأتي المرأة التي تملأ المكان رقةً وحنانَا فإذا بها تقع أسيرة لزوج فاحش القول والفعل، وتبقى ظاهرة العنف الأسري أو الإرهاب المختبئ وراء جدران المنازل من أصعب المشكلات تشخصيًا ومعالجة وخروجها من المنزل قليل؛ وهذا ما يجعل علاجها أو الحد منها غاية في الصعوبة، والتقرير سيركز على هذه الظاهرة بشكل مباشر.
ما أصل تسمية العنف الأسري؟
العنف هو إجبار الإنسان على القيام بتلك التصرفات اللامنطقية نتيجة شعوره بالألم لما تعرض له من أذى، فلا يجد وسيلة إلا تدمير الأشياء والممتلكات.
ويعرف العنف الأسري بأنه ظاهرةٌ مجتمعيةٌ منتشرةٌ عبر العالم وفي كل مكان، يقوم بها شخصٌ يعاني من مشاكلَ نفسيةٍ أوعقدٍ داخليةٍ تخرج عن طريق العنف والإكراه والقمع والسيطرة، فقد قيل إن من يعامل الآخرين بدونيةٍ شخصٌ تلقى معاملةً فوقيةً من آخرين.
ما صور العنف الأسري؟
للعنف الأسري أشكالٌ وأنواعٌ متعددة منها:
– العنف الجسدي: يكون باستخدام القوة في التعامل مع الضحية، فقد يكون بالضرب المبرح أو الرفس أو اللطم أو العض أو الحبس في غرف مظلمة أو الحمام أو التهديد بالسلاح، أو تكليف بأعمال قاسية شاقة لا تناسب الشخص.
للعنف الأسري آثار متعددة على الفرد والأسرة والمجتمع
– العنف النفسي: هو إهانة الشخص وتحقيره سواء كان ذلك بصورة انفرادية أم أمام الناس، والتعمد بجعل الشخص في صورة دنيئة فلا يسمع إلا اللعن والشتم والتعيير والكلام الجارح والصراخ ويحرم من سماع ألفاظ جميلة وعبارات راقية، ويمنع من أي شيء محببًا لديه فيمنع من رؤية أقاربه وأصدقائه والاتصال بالمجتمع.
– العنف المالي: يتجه الشخص المعنف باستخدام المال كوسيلة ضغط وإيذاء على الفرد وذلك بأن يجعل الشخص يعيش في حاجة دائمة للمال فلا يُعطى ما يفي بحاجته، أو أن يتسلط الزوج على مال زوجته فيأخذ راتبها مثلًا.
ولكل صورة من هذه الصور تأثيرها بشكل أو بآخر على نفسية الطفل أو والدته ولكن بالتأكيد أعلاها وأشدها خطورة العنف النفسي.
ما آثار العنف الأسري؟
للعنف الأسري آثار متعددة على الفرد والأسرة والمجتمع ولكل أثر نوع من التأثير يختلف عن الآخر:
1. فعلى الفرد: يتسبب في نشوء العقد النفسية وتفاقم حالات مرضية أو سلوكيات عدائية، وقد ينتهج الفرد هذا السلوك العنفي بالمستقبل، أما على الأسرة فيؤثر في تفكك الروابط الأسرية وتزول الثقة ويفقد الأمان وقد تضيع الأسرة بالكامل، أما على المجتمع فالأسرة هي أساس المجتمع، وتهديد الأسرة وتفككها سيقود حتميًا إلى تهديد المجتمع عامة.
يتحدث الدكتور طارق الحبيب الطبيب النفسي والمستشار في القضايا النفسية والأسرية عن آثار العنف الأسري من زوايةٍ نفسية وشريعة في برنامجه النفس والحياة:
أسباب العنف الأسري
تتعدد أسباب العنف لأشكال متعددة منها:
يكون على هيئة ضرب مؤلم أو على هيئة نقد وتحقير وتوبيخ مستمرّ، وعدم استخدام أيّ من عبارات المديح والتشجيع، بالإضافة إلى تكليف الابن بما لا يطيق، أو إجباره على تحقيق ما لم يستطع الوالدان تحقيقه، كما يُعدّ تعاطي الوالدين أو إحداهما للمُسكرات أو المخدّرات من أسباب العنف الأسري، وقد اعتبر العلماء هذا السبب من أهمّ أسباب العنف؛ لما للتّربية من دور كبير في تشكيل شخصية الأجيال.
وتضيف الدكتورة دعاء عرابي في موقع معلومة متحدثة عن أسباب العنف الأسري: ظروف المعيشة الصعبة كالفقر والبطالة والضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية، كذلك سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة في تعاملها، فالأفراد الذين يكونون ضحية للعنف في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل؛ فالعنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال نشأته.
الفهم الخاطئ للدين والعادات والتقاليد التي تركز على قيادة الرجل لأسرته بالعنف والقوة.
تعاطي الزوج للكحول أو المخدرات، فتشير بعض الدراسات على مستوى العالم الغربي والعربي أيضًا وبما فيها السعودي حسب مقال في جريدة الوطن يوم الأربعاء الموافق 5 من ربيع الآخر 1427هـ أن أبرز المسببات وأكثرها انتشارًا تعاطي الكحول والمخدرات.
يأتي بعده في الترتيب الأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو كلاهما، ثم اضطراب العلاقة بين الزوجين لأي سبب آخر غير المذكورين أعلاه، هذه الأسباب تتفاوت من أسرة إلى أخرى، فقد تكون مجتمعة في أسرة وغير مجتمعة في الأخرى، وقد تختلف باختلاف البلدان وطبيعة المدن.
دوافع العنف الأسري
ينطلق الإنسان للعنف من أشياء متعددة ولا تنحصر بشيء واحد إطلاقًا، ولعل أبرز هذه الدوافع ما تحدث عنه الدكتور زهير شاكر في صفحته على الفيسبوك قائلاً:-
1. الدوافع الذاتية
هي تلك الدوافع التي تكونت في نفس الإنسان نتيجة ظروف خارجية من قبيل الإهمال وسوء المعاملة والعنف الذي تعرض له الإنسان منذ طفولته، إلى غيرها من الظروف التي ترافق الإنسان وأدت تراكم نوازع نفسية مختلفة تمخضت بعقد نفسية قادت في النهاية إلى التعويض عن الظروف السابقة الذكر باللجوء إلى العنف داخل الأسرة.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل الذي يتعرض للعنف إبان فترة طفولته يكون أكثر ميلًا نحو استخدام العنف من ذلك الطفل الذي لم يتعرض للعنف فترة طفولته.
2. الدوافع الاقتصادية
إن هذه الدوافع تشترك فيها ضروب العنف الأخرى مع العنف الأسري، إلاّ أن الاختلاف بينهما كما سبق أن بينّا هو في الأهداف من وراء العنف بدافع اقتصادي.
ففي محيط الأسرة لا يروم الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف إزاء أسرته، وإنما يكون ذلك تفريغًا لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من الأب إزاء الأسرة.
تغفل غالبية الدول العربية الإشارة إلى العنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف الأسري
أما في غير العنف الأسري فإن الهدف من وراء استخدام العنف هو الحصول على النفع المادي.
3. الدوافع الاجتماعية
إن هذا النوع من الدوافع يتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمع ما وتتطلب من الرجل – حسب مقتضيات هذه التقاليد – قدرًا من الرجولة بحيث لا يتوسل في قيادة أسرته بغير العنف والقوة، ذلك أنهما المقياس الذي يمكن من خلالهما معرفة المقدار الذي يتصف به الإنسان من الرجولة وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال.
قوانين للحد من العنف الأسري
الدول العربية تتفاوت في تشريع قوانين للحد من العنف الأسري، فبعض الدول تقدمت خطوات جيدة في سن هذه القوانين كـ(الأردن والسعودية ولبنان والجزائر والبحرين)، فهي الدول العربية الوحيدة التي أقرّت قوانين خاصة لحماية المرأة من العنف الأسري، بينما تُخصّص كل من الإمارات العربية المتحدة واليمن وتونس، بنودًا محددة في قانون العقوبات تتناول هذه المسألة.
تغفل غالبية الدول العربية الإشارة إلى العنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف الأسري، وفي ظل الثقافة المجتمعية السائدة، يظل العنف ضد المرأة أمرًا عائليًا بحتًا، ولا يتمّ التبليغ عن معظم حالاته، وفي حال تم ذلك، غالبًا ما يفلت الجاني من العقاب.
وتنعدم هذه التشريعات في دول أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. العنف الأسري مشكلة رئيسة في مصر، والقانون لا يجرمه، إلا أنه من الممكن التقدم بشكوى الاعتداء، ويشترط لهذا النوع من الشكاوى وجود شهود عيان، وصعوبة تحقيق ذلك، يجعل التبليغ أمرًا نادرًا، كما أفادت منظمات حقوق الإنسان أن الشرطة غالبًا ما تتعامل مع قضايا العنف الأسري على أنها قضايا اجتماعية وليست جنائية.
2. لا تجرم القوانين العراقية العنف الأسري وغالبًا لا يتم التبليغ عن هذه القضايا بسبب العادات القبلية السائدة، وفي حال التبليغ لا يجري إيقاع أي عقوبة بحق الجاني، فضلًا عن أن ضعف التدريب لدى الشرطة والقضاة على التعامل مع هذه القضايا يحد من الوصول إلى العدالة.
3. لا يجرم القانون الكويتي العنف الأسري، ولكن غالبًا يجري تحويل هذه القضايا من المحكمة على أساس أنها حالات إيذاء، ويحق للضحية التقدم بشكوى للجهات الأمنية، لكن في غالب الأحيان لا تلجأ الضحية إلى التبليغ، وقلما تعتقل الشرطة المعتدين، حتى مع إظهار أدلة على الاعتداء، إذ يجري التعامل مع هذه الحالات على أنها قضايا اجتماعية.
علاج العنف الأسري
1. نشر الوعي بين أفراد المجتمع وتزويدهم بمعلومات صحيحة عن مدى انتشار العنف الأسري ودوافعه وسبل التعامل مع مرتكبيه وإيضاح كيفية تحكم الفرد في تصرفاته العنيفة.
2. للتنشئة الدينية الصحيحة واتباع سنة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام والاقتداء بسيرته العطرة لا سيما في تعامله مع أهل بيته، دور في معالجة هذه الظاهرة.
3. محاولة تصحيح العادات والتقاليد التي لا تزال المتحكمة في معظم تصرفاتنا؛ فبمقتضاها نجد التسلط والعنف والتزويج بالإكراه والانحياز للذكور على حساب الإناث وهذا التسلط يختلف وفقًا لمستوى ثقافة الأسرة.
4. الحد بشكل تدريجي من استخدام العقاب البدني للأطفال ونحاول قدر الإمكان الوصول إلى طرق أخرى للعقاب بدلاً من الضرب كالحرمان من المرغوبات.
سن قوانين للحد من هذه الظاهرة ضرورة نفسية ومجتمعية لأن الإرهاب الأسري لا يقل خطورة عن الإرهاب الفكري
5. إيجاد مؤسسة أو دار متخصصة لرعاية هذه الفئة المعنفة يتوفر بها الاختصاصيون الاجتماعيون والنفسيون وتكون الوسيط بين المعنف وأسرته لإيجاد الاستقرارالنفسي.
6. وضع قوانين رادعة تتضمن التأكيد على الحق الخاص والعام وتعريف النساء والأطفال بحقوقهم وكيفية اللجوء إلى الحماية إذا تعرضوا للأذى.
7. إبعاد الأطفال قدر الاستطاعة عن مشاهدة العنف المعروض في الفضائيات وبعض الألعاب الإلكترونية.
8. الابتعاد عن كل الضغوطات التي تتسبب في لجوئنا للعنف وأن نخلق جوًا أسريًا سليمًا قائمًا على المحبة والحوار الهادئ البعيد عن التشنج.
بعد هذه الجولة السريعة مع مشكلة تحدث كثيرًا في عالمنا العربي والإسلامي ونتيجةً لجهل مُركز وخصوصًا ما يتعلق بقضايا المرأة وتفاصيلها وإلباس العادات والتقاليد ثوب الدين، فضلًا أن هذه الظاهرة في كثيرٍ من الأحيان تكون حبيسة المنازل ويصعب التفتيش عنها أو السماع به إلا القليل، أبرز ما يمكن أن نخرج به بعد هذه الجولة السريعة هو:
1. سن قوانين للحد من هذه ظاهرة ضرورة نفسية ومجتمعية لأن الإرهاب الأسري لا يقل خطورة عن الإرهاب الفكري.
2. إخراج المشكلة من المنزل إلى العلن والحديث عن وجودها لأن إبراز الظاهرة يسهل من علاجها.