لم تكن لعملية غصن الزيتون أهمية بالنسبة للمعارضة المسلحة في مناطق “درع الفرات” لولا أن هدفها يتوافق مع أهدافهم في تحرير البلدات العربية التي احتلتها ميليشيا الوحدات مطلع عام 2016، وإعادة مهجري المنطقة إلى ديارهم بشكل أو بآخر، والعملية نفسها التي شهدت زخمًا إعلاميًا لم تناله منطقة أخرى.
فعندما سيطرت الوحدات الكردية على مناطق عربية وأبرزها تل رفعت لم تنل ما نالته منطقة عفرين على الساحة السياسية وحتى العسكرية، وهذا الاحتلال خلف دمارًا هائلًا في ممتلكات المدنيين والممتلكات العامة من خلال القصف الهمجي الروسي خلال شن ميليشيا الوحدات حملاتها العسكرية على المنطقة، ناهيك عن دمار البنى التحتية الذي تعرضت له المدينة، وما جرى من نهب إبان سيطرة الميليشيات عليها لم يكن بالشيء القليل.
ما زال يوجد 400 ألف نسمة قرب الحدود السورية التركية قرب معبر باب السلامة موزعين على مخيمات رئيسية أنشئت من منظمات إنسانية، وأخرى عشوائية على شكل تجمعات سكنية من خيام، وجلهم هجر من بلدته إبان سيطرة ميليشيا الوحدات عليها، فلم يكن لديهم خيار سوى الخيام.
يعانون ما يعانون من برد الشتاء وحر الصيف ويفتقدون لأدنى مقومات الحياة، يرسمون أمل العودة في صباح كل يوم، أرسلوا أبناءهم في معركة غصن الزيتون والهدف تحرير بلداتهم قبل عفرين، لكن الخطوط الحمراء والاتفاقيات الدولية شرعت أيدي خفية تلعب تحت الطاولة لتزيل ما كانوا يحلمون، على مدار العامين الفائتين لا زال يأمل الكثير منهم في العودة إلى ديارهم علهم يعيشون ما افتقدوه طوال الأعوام الفائتة.
احتقان الشارع بريف حلب الشمالي في يوم الخميس 22 من مارس تولد على خلفية ورود أنباء تتحدث عن انتهاء عملية غصن الزيتون التي شنتها قوات المعارضة المسلحة بدعم تركي عسكري وجوي، كما عبر ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عن رفضهم القاطع لإنهاء عملية غصن الزيتون التي يجب أن تستمر لتحرر بلدات وقرى تل رفعت ومنغ ودير جمال وغيرها.
في حال لم ينتفض أبناء تلك البلدات والقرى سيقعون في مأزق: إما أن تذهب دماء شهدائهم وتضحيات أبنائهم سدى أو يستعينون بالمظاهرات وغضب ربما يغير شيئًا في التفاهمات السياسية من أجل منطقتهم التي خسروها مطلع عام 2016
كما عبر آخرون عن رفضهم خلال اعتصام قام به أهالي القرى عند معبر باب السلامة مساء الجمعة، ودعوا فيه الجيش السوري الحر لاستئناف العملية رغم تخلي الجانب التركي عنه، لأنها أرضه ويجب عليه تحريرها، كما رفعوا لافتات تقول: “على الجيشين التركي والسوري الحر الإسراع في إعادة 400 ألف مهجر من المخيمات إلى قراهم”، ولافتات أخرى تثير العجب “غصن الزيتون انتهت ولا يزال حزب الـPKK في المنطقة”، فيما استمر اعتصام أهالي المخيمات بقرية سجو إلى صباح يوم الجمعة.
كما نظم ناشطون مظاهرات يوم أمس الجمعة تحت عنوان “غضب الزيتون” ورفع فيها المتظاهرون لافتات تحث الجيش الحر على متابعة العملية وتحرير المناطق العربية، فيما خرجت مظاهرات في مدن أعزاز ومارع طالبت باستمرار عملية غصن الزيتون وطرد الأعداء من المناطق العربية وإعادة المهجرين إلى ديارهم قبل عفرين.
وفي حال لم ينتفض أبناء تلك البلدات والقرى سيقعون في مأزق إما أن تذهب دماء شهدائهم وتضحيات أبنائهم سدى أو يستعينون بالمظاهرات وغضب ربما يغير شيئًا في التفاهمات السياسية من أجل منطقتهم التي خسروها مطلع عام 2016.
التعقيدات بشأن مصير تل رفعت وريفها
تبدو المعادلة هنا أكثر تشعبًا وتعقيدًا في المناطق المتبقية من الجهة الغربية لعفرين وهي مناطق عربية، كما تقع هذه المناطق بين سيطرة الجيش التركي ومناطق سيطرة النظام ببلدتي نبل والزهراء، ومن المتوقع أن يتقدم الجيشان التركي والسوري الحر إلى عمق محدد يجري الاتفاق عليه لمنع احتكاك بين قوات المعارضة وقوات النظام.
ومن المتوقع أن يتم تحديد خط يفصل بين القوات سينتشر فيه الجيش التركي باعتباره امتدادًا لنقاط المراقبة التي يقيمها الجيش التركي بموجب اتفاق مناطق عدم الاشتباك الذي جرى في أستانة، في حين يبقى الوضع مبهمًا بشأن المناطق ذات الأغلبية العربية مثل “تل رفعت”، وهل ستكون ضمن مناطق سيطرة الجيش التركي والمعارضة، أم أنها ستكون ضمن مناطق نفوذ النظام الذي ربما يتقدم قليلًا من نبل والزهراء للسيطرة على بعض المناطق التي ما زالت تسيطر عليها الوحدات.
ذكر ناشطون بنودًا لاجتماع جرى بين قيادات عسكرية في قوات غصن الزيتون وضباط في الجيش التركي مساء السبت، أشارت البنود إلى أن العمليات العسكرية لن تتوقف قبل تحرير مدينة تل رفعت والقرى المحتلة المجاورة له
فيما لا تزال التفاهمات التركية الروسية مطروحة على الطاولة إلى الآن في ظل هذا الاحتقان الذي تعرضت له المنطقة، كما أن عدم تحرير تل رفعت أدى إلى استقالة العديد من عناصر قوات الجيش السوري الحر لفقدان الأمل بقيادتهم وخذلانها لهم، وقد ينعكس سلبًا في أعمال فردية تعكس على الأرض.
إلا أن الرئيس التركي قال لنظيريه الروسي والأمريكي إن بلاده لن تتراجع عن الخطوات التي اتخذتها في المنطقة، جاء ذلك في كلمة له أمام تجمع جماهيري في مدينة إسطنبول يوم الجمعة، كما أكد أن عملية غصن الزيتون لن تقتصر على عفرين، وستتبعها إدلب ومنبج، لحين إحقاق الحق في تلك المناطق.
وهذا ما يؤكد أن عملية غصن الزيتون مستمرة على عكس الأنباء الواردة عن انتهائها، وما يخشاه أهالي المناطق المحتلة أن يطيل موعد تحرير البلدات والقرى العربية في ظل التفاهمات السياسية على تقسيم المناطق السورية، وقد تزيد المعناة أكثر عليهم في ظل اقتراب فصل الصيف وموجات الحر الشديدة.
فيما ذكر ناشطون بنودًا لاجتماع جرى بين قيادات عسكرية في قوات غصن الزيتون وضباط في الجيش التركي مساء السبت، أشارت البنود إلى العمليات العسكرية لن تتوقف قبل تحرير مدينة تل رفعت والقرى المحتلة المجاورة لها، كما أن للمدينة أولوية أساسية بالنسبة لتركيا، وستكون تل رفعت وما حولها من القرى المحتلة قبل مدينة منبج، ولا تزال المفاوضات مع الروس مستمرة بشأن تسليم المدينة لتركيا مقابل مقايضات دولية أخرى، وإعادة الأهالي إلى بيوتهم تحت سيادة وحماية تركية فور انتهاء المفاوضات مع الجانب الروسي.
وعلى ما يبدو أن معركة تل رفعت ستكون في فترة لاحقة وهذا ما يبدي التمسك الروسي بالمنطقة للعب دور آخر في المقايضات الدولية، وربما تستلمها قوات غصن الزيتون خلال أيام قليلة دون أن تخضع لمقاومة، ولكن إلى الآن لا يزال المصير مجهولاً إن لم يوجد تحركًا جديدًا على الأرض.