علم النوم: كيف اكتسب العلماء أيامًا إضافية على الأسبوع من عادات نومهم

ربما تمنيت يومًا ما أن تكون هناك ساعات إضافية في اليوم لتُنجز فيها مهامك كلها كي لا تأجلها لوقت لاحق، وجربت في سبيل ذلك طرقًا مختلفة، إلا أن أغلبها لم يكن له علاقة بنظام يومك على الأرجح، فسيكون تقليل ساعات النوم في اليوم حلاً مثاليًا لاكتساب ساعات إضافية في اليوم لإنجاز المهام، إلا أنه غير عقلاني بالنسبة للكثيرين، ولكنه بدا حلًا منطقيًا تمامًا بالنسبة لأذكى العلماء في التاريخ.
هل تخيلت كيف سيكون يومك إذا قللت عدد ساعات نومك من ثماني إلى ست أو أربع ساعات، بل يثبت البعض أنه يمكنك تقليلها إلى ساعتين فقط، هناك أطوار مختلفة من عادات النوم، من بينها الطور العادي حيث ينام الفرد 8 ساعات متواصلة في الليل، أو المرحلة الثانية التي تُسمي ثنائية الطور “biphasic” ينام المرء فيها خمس ساعات متواصلة في الليل و90 دقيقة خلال النهار وتُسمى “قيلولة الطاقة” ليكون في المُجمل قد نام 7 ساعات ونصف، أما الطور الثالث فهو خاص بمن يُقسم ساعات نومه على ثلاث مراحل في اليوم ليكون المجموع 4 ساعات ونصف في اليوم، فيفوز بثلاث ساعات إضافية بدلًا من نومه 8 ساعات.
لم يتوقف الناس عن المحاولة في التلاعب بأنظمة النوم لرؤية تأثير ذلك على مدى إنتاجيتهم في اليوم، فلم تكن الأطوار الثلاث السابقة كافية للكثيرين، حيث قللوا منهم في طور رابع من خلال النوم لمدة 30 دقيقة وتكرارها 4 مرات خلال اليوم، لينام الإنسان في المجمل ساعتين في اليوم فقط مُقسمة على أربع مرات، المدهش في ذلك أن هذا لم يكن الطور الأخير في محاولات الناس، فقد كان هناك طور إضافي يُسمي “uberman” وهو عبارة عن النوم لمدة 20 دقيقة فقط وتكرارها 6 مرات خلال اليوم.
ربما تبدو تلك الأنظمة خيالية تمامًا وغير قابلة للتحقيق، إلا أن الدراسات العلمية أثبتت أن من بين كل الأطوار المذكورة سابقًا، هناك ثلاثة عوامل مهمة مشتركة فيما بينهم، وهي زيادة الإنتاجية وزيادة الأحلام، أي يحلم المرء أكثر في أثناء نومه، وزيادة السعادة، حيث وجدت الدراسات أن من ينام أكثر من 8 ساعات يوميًا يكون عرضة للاكتئاب أكثر ممن يقلل ساعات نومه في اليوم.
عادات النوم الغريبة للعباقرة
صورة توضح عادات النوم الغريبة لأشهر العباقرة والسياسيين
على الرغم من أن النصيحة الشائعة بأن مراعاة المرء لساعات النوم الكافية يوميًا ينعكس بشكل إيجابي على صحته الجسدية والنفسية، لم يطبق كثير من السياسيين الذين حكموا العالم والعباقرة الذين اخترعوا أعظم الاختراعات التي غيرت البشرية هذه القاعدة، بل على العكس تمامًا نجد أنهم كانوا يفضلون قليل من النوم على كثير من الإنتاجية من أجل أن يكتسبوا ساعات إضافية يوميًا تبدو وكأنها أكسبتهم أيامًا إضافية على أيام الأسبوع السبع لإنجاز مزيد من المهام.
إذا ألقينا نظرة على عادات النوم الخاصة بالعالم الأمريكي “توماس إديسون” مخترع المصباح الكهربي، سنجد أنها صارمة للغاية، كان إديسون يتبع نظام النوم المعروف بـ”polyphasic”، هذا النظام لا يسمح لصاحبه بأن يجعل نومه الأساسي في الليل، بل يقسمه على 20 دقيقة أو 30 دقيقة لعدة مرات خلال اليوم، فيستفيد المرء من العشرين الدقيقة أو النصف ساعة التي يحتاجها الدماغ لتفريغ الضغط العصبي وإعادة الشحن ويستيقظ بعدها ليعيد الكرة بشكل منتظم لبضعة مرات خلال اليوم ليكمل ساعتين إلى ثلاثة ساعات من النوم خلال 24 ساعة كاملة.
يُقال إن إديسون كان يرى النوم مضيعة للوقت، ولم ير أن الإنسان يحتاج لساعات طويلة للراحة ويكفيه القليل منها لاستعادة طاقته من أجل تحقيق مزيد من الإنتاجية خلال يومه بدلًا من أن يهدر نصفه في النوم
يوجد نظام “polyphasic” في الحيوانات كثيرًا، كما تجده بشكل ملحوظ في الأطفال، حيث ينام الرضيع بشكل متقطع في أثناء الليل، ويعوّض ذلك من خلال مجموعات متفرقة من القيلولات، حتى يبدأ في النوم على فترتين خلال اليوم حينما يبلغ عامه الأول، ليتبع المرء هذا النظام لبقية عمره، فيتبع أغلب الناس نظام النوم المعتمد على فترة نوم واحدة عادة ما تكون كاملة في الليل أو أغلبها في الليل بالإضافة إلى قيلولة في النهار.
ليوناردو دافنشي واكتساب 20 سنة إضافية في حياته
إلى يمين الصورة العالم تسلا وإلى يسارها الفنان دافنشي
لقد كان الفنان المعروف “ليوناردو دافنشي” صاحب عادات غريبة في النوم كذلك، فقد اعتاد أن ينام 15-20 دقيقة كل 4 ساعات في اليوم مما كان يكسبه ما يقارب ساعتين من النوم فقط خلال 24 ساعة، وهو ما منحه 6 ساعات إضافية يوميًا، وهو ما منحه أيضًا 20 سنة من الإنتاجية خلال حياته التي دامت 67 عامًا من اتباع هذه العادات الغريبة في النوم.
لم يكن دافنشي وحده صاحب عادات النوم الغريبة، فقد شاركه في ذلك العديد من العباقرة والسياسيين، كان من بينهم واحد من أعظم العلماء الذين عرفتهم البشرية وهو “نيكولا تسلا” المؤسس للطاقة الكهربائية ومخترع أول محرك كهربائي، فعُرف عنه أيضًا في التاريخ أنه نادرًا ما ينام، حيث لم ينم في حياته أكثر من ساعتين خلال الـ24 ساعة الكاملة من أجل الحصول على مزيد من الوقت وهو ما يعني بالتبعية مزيدًا من الإنتاجية.
يحتاج كل من يقبل على تغيير نظام النوم أن يدخل مرحلة تُسمى “مرحلة التكيّف” التي تستغرق من أسبوعين إلى شهر
عشق “تشرشل” نظام القيلولة، فقيل إنه كان بومة الليل، يستيقظ فترات طويلة في الليل ويعوضها بقيلولات منتظمة في النهار، حيث كان يؤمن أن القيلولة سبب نجاحه، فكان يُبقي فراشًا بجوار غرف اجتماعاته لكي يحظى بالقيلولة وقتما يحتاج.
يبدو ذلك غريبًا على كل من يرى في نفسه أنه لا يستطيع أن يكمل يومه بشكل طبيعي من دون النوم لوقت كافٍ في الليل، ويحتاج مساندة من الكافيين الموجود في القهوة والشاي أو من خلال الاستعانة بمشروبات الطاقة لو نام أقل من 6 ساعات يوميًا، فما بالكم بعلماء اعتادوا أن يناموا ساعتين أو ثلاث ساعات في الـ24 ساعة كلها؟
يحتاج كل من يقبل على تغيير نظام النوم أن يدخل مرحلة تُسمى “مرحلة التكيّف” التي يحتاجها الراغب في تغيير نظام نومه لكي يعتاد على ما سيتعرض له جسمه من صدمة تُعرف بالحرمان من النوم، قد تستغرق تلك الفترة أسبوعين إلى شهر لكي يتكيف الإنسان على نظام النوم الجديد.
يصعب على كل من يعمل فترات طويلة في النهار لمدة 7 ساعات متواصلة أن يُطبق مثل هذا النظام، إلا أنه إذا استطاع أخد قيلولته في منتصف يوم العمل فهذا سيمنحه القدرة على متابعة تغيير نظامه في الليل وتقليله إلى 3-4 ساعات فقط، ولكن الأمر يختلف من شخص لآخر على قدرة تنظيم الوقت والالتزام بنظام معين بشكل منتظم ويومي.
الحرمان من النوم والانهيار العقلي
صورة لـ”سيلفادور دالي” أهم فناني القرن العشرين ومن أكثر المشاهير غرابة نسبة إلى عادات النوم، حيث كان ينام وفي يده مفتاح معدني أو أقلام وطبق معدني على الأرض ويدع النوم يأخده، في حالة وصوله لحالة السبات العميق، تقع الأقلام أو المفتاح على الطبق وتوقظه على الفور
لا تحاول التقليد، الجسم البشري مُبرمج على أن ينام الليل بشكل كامل، وإن نامه بشكل جزئي فإنه يعوضه بقيلولة خلال النهار، نعم، تزيد أنظمة النوم التي تحرم الجسم من النوم بشكل كامل في الليل من الإنتاجية، وربما تزيد من طاقة الإنسان على أداء مزيد من المهمات قد تكون فوق قدرته في الأيام العادية، إلا أنها قد تتسبب في انهيار عقلي، كما حدث للعالم الأمريكي تسلا الذي اتبع نظام النوم لساعتين من خلال النوم 30 دقيقة على أربع فترات، حيث انهار عقليًا حينما وصل إلى سن الخامسة والعشرين، لم توقف تلك الحادثة “تسلا” عن العمل، حيث أكمل بعدها في مسيرته العلمية وأسس علم الطاقة الكهربائية.
تعرض العالم تسلا لانهيار عقلي في سن الخامسة والعشرين بسبب حرمان جسمه من النوم
على الرغم من فوائد أنظمة النوم المختلفة من أنها تمنح الإنسان مزيدًا من الطاقة بعد فترة التكيف عليها، وتساعده على التخلص من الأفكار العشوائية التي تحتل عقله خاصة قبل النوم وترفع من قدرته على التركيز، فلها سلبياتها كذلك، حيث أثبتت عديد من الدراسات أن حرمان الجسم من النوم المنتظم في الليل قد يعرضه لضعف في جهاز المناعة ويكون عرضة أكثر للسمنة أو مرض السُكري بالإضافة إلى الاكتئاب.
ليس هناك قاعدة محددة لنظام النوم الصحي، يحتاج الدماغ البشري مقدارًا معينًا من الوقت لتفريغ الضغط العصبي وأن يستعيد طاقته من أجل مواصلة العمل بإنتاجية متوسطة، فكلما زاد هذا المقدار أو نقص سيتعرض الجسم لتغيرات هرمونية وكيميائية قد تتسبب في زيادة هذه الإنتاجية بشكل إيجابي على المدى القصير وربما سلبي على المدى الطويل، لا يجب على الفرد التقليد من دون دراية بإيجابيات وسلبيات أنظمة النوم المختلفة ومعرفة ما إن كانت تناسب نظام حياته وطبيعة جسده أم لا.