في الـ7 من يونيو/حزيران العام الماضي، أعلنت الحكومة الأردنية تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، بعد 48 ساعة فقط من إعلان كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر قطع العلاقات مع الدوحة، وهو ما فسر حينها بأنه استجابة لضغوط مورست على عمان.
وبعد مرور عشرة شهور تقريبًا على تلك الخطوة التي رغم اتخاذها سعى الأردن إلى الحفاظ على “شعرة معاوية” في علاقته بقطر، ها هي بوادر انفراجة في الأزمة تلوح في الآفق عبر عدد من الرسائل المتبادلة بين الطرفين، ربما تكون مقدمة نحو إعادة الأوضاع إلى ما قبل الـ7 من يونيو/حزيران.
أوساط سياسية وشعبية تتحدث عن ضغوط مورست ضد عمان من الرياض وأبو ظبي للحيلولة دون عودة العلاقات مع الدوحة مرة أخرى، غير أنها تتناقض بشكل كبير مع المزاج الشعبي الذي لم يقتنع بالدوافع التي ساقتها الحكومة الأردنية لتبرير موقفها، فهل ينجح هذا المزاج المغلف سياسيًا في كسر حالة الجمود في العلاقات بين البلدين؟
الأردن وشعرة معاوية
حرصت الحكومة الأردنية منذ الوهلة الأولى التي أعلنت فيها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، على الإبقاء على “شعرة معاوية” في علاقاتها مع الدوحة، حتى وإن استجابت للضغوط التي مورست عليها من دول الحصار، وهو ما كشفه البيان الصادر على لسان وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، الذي نقلته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية.
البيان تطرق في تبريره لتلك الخطوة بأنها جاءت “بعد دراسة أسباب الأزمة التي تشهدها العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ودولة قطر، قررت الحكومة تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر وإلغاء تراخيص مكتب قناة الجزيرة في المملكة”، إلا أنه في الوقت ذاته أعربت الحكومة عن أملها في حل الأزمة قريبًا، وهو ما أكده المومني بقوله: “الحكومة تأمل بتجاوز هذه المرحلة المؤسفة، وحل الأزمة على أرضية صلبة تضمن تعاون جميع الدول العربية على بناء المستقبل الأفضل لشعوبنا”.
بعض المحللين الأردنيين وصفوا موقف بلادهم في الأزمة الخليجية بأنه “معتدل غير منحاز” ومن ثم لا داعي للاستمرار فيه طالما أنه في تلك المنطقة الحيادية، ومن ثم علت العديد من الأصوات التي تطالب بكسر حالة الجمود وعودة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل ذلك.
السؤال هنا: ما الذي طرأ على الساحة ليدفع تلك الأصوات للمطالبة بعودة العلاقات بعد عشرة شهور تقريبًا استجاب فيها النظام الأردني الحاكم لرغبة أبو ظبي والرياض الساعية إلى قطع أواصر العلاقات مع الدوحة؟
رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأردني: نحن مع الانفراج في العلاقات ومع فتح القنوات وإعادة التمثيل إلى مستواه مع قطر وغيرها، بأن نكون لاعبين رئيسيين في رأب الصدع مع الأشقاء العرب
المحلل والكاتب الأردني فهد الخيطان، يرى أن بلاده لديها مبررًا قويًا لإعادة العلاقات مع قطر، مستندًا في رؤيته إلى التأثيرات التي أحدثتها الأزمة الخليجية على المزاج الشعبي والسياسي الأردني – على حد سواء – تجاه دول الخليج خاصة تلك التي تبنت فكرة الحصار.
الخيطان أوضح أن هناك عاملين يدعمان موقف قطر داخل الأردن، سواء كان شعبيًا أو رسميًا، أولهما: فشل دول الحصار في تقديم حجج قوية متماسكة لإجراءاتها التصعيدية ضد قطر، لافتًا إلى أن غالبية الشارع الأردني بما فيهم النخب السياسية ترى أن حجة هذه الدول ضعيفة تجاه قطر”.
أما العامل الثاني – بحسب المحلل الأردني – فيتمثل في وجود قناعة شعبية وسياسية أردنية في عدم تقديم الدول التي تضغط على المملكة – السعودية والإمارات – لاتخاذ مواقف عدائية ضد قطر، أي دعم يعوضها عن الخسائر الناجمة عن قطع العلاقات مع الدوحة، مؤكدًا أن الدفع الشعبي وحتى في أوسط الرسميين لإعادة العلاقات مع قطر بات ضرورة ملحة، لا سيما مع عدم وجود زخم شعبي يتفهم الموقف السعودي الإماراتي.
رغم ضغوط السعودية والإمارات حرص الأردن على شعرة معاوية في علاقتها مع قطر
الاقتصاد.. بوابة العودة
الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن خلال الآونة الأخيرة ربما تكون دافعًا قويًا نحو عودة العلاقات السياسية مع قطر، خاصة بعد عدم وفاء السعودية والإمارات بالتزاماتهما المادية تجاه المملكة، وهو ما دفع الكثير من المقربين من دوائر صنع القرار في عمان إلى المطالبة بضرورة تنويع مصادر الاقتصاد، وأن تكون مصلحة الشعب الأردني فوق أي اعتبارات أخرى.
ورغم تقليص الأردن لمستوى تمثيله الدبلوماسي مع قطر فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تتأثر، ولم تسحب الدوحة استثماراتها من المملكة رغم خطوة سحب سفيرها والانصياع لموقف دول الحصار.
ففي وقت سابق من مارس/آذار الحاليّ زار وفد اقتصادي أردني رفيع المستوى الدوحة، ترأسه رئيس غرفة تجارة الأردن عضو مجلس الأعيان نائل الكباريتي، وبحث مع رئيس غرفة قطر الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني آفاق التعاون، وتم الاتفاق على عقد مجلس أعمال مشترك بين البلدين في عمان في وقت لاحق من هذا الشهر.
أوساط سياسية وشعبية تتحدث عن ضغوط مورست ضد عمان من الرياض وأبو ظبي للحيلولة دون عودة العلاقات مع الدوحة مرة أخرى
يقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 400 مليون دولار، بحسب الشيخ خليفة بن جاسم، بينما أكد الكباريتي أن الحصار المفروض على الدوحة لم يؤثر سلبًا على العلاقات التجارية على مستوى القطاع الخاص في البلدين، إذ إن قطر تأتي في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث حجم الاستثمارات في الأردن الذي يقدر بنحو ملياري دولار، وتتركز في القطاعين المالي والعقاري.
علاوة على ذلك فقد أشارت بعض المصادر إلى أن رجال أعمال قطريين قد تلقوا دعوة أردنية لتنظيم مجلس أعمال مشترك بين البلدين في عمّان خلال شهر مايو/أيار المقبل، وهو ما يدفع إلى عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.
بوادر ذوبان الجليد
مؤشرات عدة كشفتها الفترة الماضية تذهب إلى مساعي كلا الدولتين كسر حالة الجمود في العلاقات بينهما، فبجانب الاقتصاد كانت السياسة حاضرة أيضًا وإن لم تكن بالشكل السابق، ففي 7 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، هاتف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”.
وفي الـ14 من الشهر ذاته، هنأه بالعيد الوطني لاستقلال بلاده (يحتفل به القطريون في 18 من ديسمبر/كانون الأول من كل عام)، حيث قدم العاهل الأردني “أحر التهاني باسم شعب المملكة وحكومتها متمنيًا للأمير تميم موفور الصحة والعافية وللشعب القطري مزيدًا من التقدم والازدهار”، بحسب الوكالة الرسمية الأردنية.
وفي الـ20 من مارس/آذار الحاليّ، وقع 45 نائبًا في مجلس النواب الأردني (البرلمان) مذكرة نيابية تُطالب بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة، حيث أشار الموقعون على المذكرة إلى أنها “تهدف لرأب الصدع مع الأشقاء على أن نبدأ ذلك بإعادة سفيرنا إلى الدوحة”.
يبدو أن هذه المذكرة ليست الأولى الصادرة عن نواب أردنيون بهدف الضغط على الحكومة لإعادة العلاقات مع الدوحة، وهو ما أشار إليه عبد الله العكايلة، رئيس لجنة الأخوّة الأردنية القطرية في مجلس النواب الأردني، ورئيس كتلة الإصلاح في البرلمان الذي قال: “اللجنة والكتلة طالبتا مرات عدة بإعادة التمثيل الدبلوماسي بين الأردن وقطر”.
وتابع في حديثه لـ”الجزيرة” أن لقطر مواقف تاريخية مشرّفة مع الأردن، معتبرًا أن الوضع الطبيعي أن تكون هناك علاقات متميزة بين عمّان والدوحة، ومشيرًا إلى أن تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين يسهم في تعزيز العلاقات بينهما.
الاقتصاد بوابة البلدين لكسر حالة الجمود في العلاقات
تطور إيجابي.. لكن بطيء
كما قيل سابقًا فإن علاقة الأردن بدول الخليج تتسم بالتوازن وعدم التطرف في المواقف، فهو الدولة الوحيدة التي نجحت في الحفاظ على علاقتها مع الدوحة – اقتصاديا وسياسيًا – رغم تخفيض التمثيل الدبلوماسي معها، عكس بقية الدول الأخرى، وهو ما جعل الباب مفتوحًا مع الأطراف كافة.
العلاقات الجيدة بين الأردن ودول الخليج أبقى الباب مفتوحًا في كثير من الأوقات للقيام بدور الوسيط في حل الأزمة مع قطر، معتمدًا في ذلك على سياساتها التوازنية مع طرفي الأزمة، ولعل هذا كان السبب في توتر العلاقات بين عمان من جانب والرياض وأبو ظبي من جانب آخر خلال الفترة الأخيرة.
في الـ20 من مارس/آذار الحاليّ، وقع 45 نائبًا في مجلس النواب الأردني (البرلمان) مذكرة نيابية تُطالب بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني رائد الخزاعلة، في تصريحات له قال: “مصلحتنا تكمن في أن تعود العلاقات مع كل الأشقاء العرب، نحن كشعوب تواقون لأن يكون هناك علاقات بالأقطار كافة”، مضيفًا “نحن مع الانفراج في العلاقات ومع فتح القنوات وإعادة التمثيل إلى مستواه مع قطر وغيرها، بأن نكون لاعبين رئيسيين في رأب الصدع مع الأشقاء العرب”.
الخزاعلة دعا حكومة بلاده إلى إعادة حساباتها مرة أخرى في موقفها من الأزمة الخليجية، مطالبًا أن تكون جزءًا من المصالحة وأن تلعب دور الوساطة، معتبرًا أن الأمة الآن في أضعف أحوالها، وإن لم تتحد الآن فالكل خاسر وليس هناك رابح.
العلاقات بين الأردن وقطر تسير باتجاه التقارب وعودة العلاقات وإن كانت بخطوات بطيئة نسبيًا، مما يعكس الجهود المبذولة من البلدين لكسر حالة الجمود الراهنة، وتأتي المذكرة النيابية الأخيرة في الاتجاه الصحيح – بحسب محللين أردنيين – كونها تأخذ في الاعتبار المصلحة الأردنية في المقام الأول، خاصة أن ما يزيد على 40 ألف أردني يعملون في قطر، بخلاف استثمارات الأخيرة داخل المملكة، وهو ما يمثل ورقة ضغط على الحكومة الأردنية للتسريع من خطوات المقاربة، غير أن الضغوط السعودية الإماراتية ربما تبطئ من وتيرة هذا التقارب.