تحتل دير الزور في شرق سوريا أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى إيران وميليشياتها، نظرًا إلى موقعها الجغرافي الحسّاس الذي يربط بين الحدود العراقية والسورية، ما يجعلها محورًا رئيسيًا في مشروع إيران لتأمين طريق برّي يصل بين طهران وبيروت مرورًا بالعراق ودمشق، والذي يتيح لها دعم حلفائها في المنطقة بسهولة ونقل الأسلحة والإمدادات اللوجستية.
وعلى مدى السنوات الماضية تعمل إيران على تعزيز نفوذها في المنطقة عبر بناء قاعدة اجتماعية موالية، مستخدمةً في ذلك أساليب متعددة تشمل التشييع وتقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الاجتماعية، بهدف كسب ولاء السكان المحليين، إلا أن مخططها يواجَه بعدة عقبات.
نحاول من خلال هذا الملف كشف الهيمنة الإيرانية على دير الزور شرق سوريا، عسكريًا وثقافيًا، ومحاولة التغلغل في الحياة الاجتماعية والتعليمية عبر المراكز الثقافية الإيرانية.
بداية مرحلة جديدة
على مدى الأشهر الماضية، عززت ميليشيات الحرس الثوري الإيراني المنتشرة في دير الزور شرق سوريا إجراءاتها الأمنية بشكل صارم، بعد تأكدها من وجود خرق أمني كبير داخل منظومتها العسكرية، حيث كثفت منذ أواخر عام 2023 وحتى أبريل/ نيسان الماضي مراقبتها لعناصرها المحليين، ما أدى إلى تنفيذ سلسلة من الاعتقالات الواسعة التي شملت عشرات العناصر بتهمة العمالة والتجسس لصالح التحالف و”إسرائيل”.
هذه الإجراءات الأمنية جاءت بعد تصاعد الهجمات على مقراتها وشاحناتها العسكرية من قبل الطيران الإسرائيلي أحيانًا، وطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أحيانًا أخرى، حيث استخدمت الميليشيات الإيرانية عدة أساليب لتهريب الأسلحة والذخائر عبر سوريا والعراق، من أبرزها استخدام شاحنات التجار التي تنقل الخضار واللحوم، والمعروفة محليًا بـ”البراد”.
بالإضافة إلى ذلك، قامت بنقل الأسلحة وعناصر الميليشيات عبر حافلات النقل العمومية التي تحمل زوارًا عراقيين شيعة يتوجهون إلى دمشق لأداء طقوس دينية.
هذه الشاحنات القادمة من العراق والمحملة بالأسلحة والعناصر كانت هدفًا متكررًا للغارات الإسرائيلية والأمريكية، آخرها كانت في 21 يونيو/ حزيران الماضي في قرية عشاير بريف البوكمال بدير الزور، عندما استهدفت طائرة مسيّرة مجهولة يُعتقد أنها إسرائيلية شاحنة قادمة من العراق عبر معبر القائم-البوكمال الحدودي محملة بالأسلحة والذخائر، ما أدى إلى مقتل السائق عراقي الجنسية والمنتسب إلى ميليشيا سيد الشهداء العراقية، إحدى الميليشيات التابعة للحشد الشعبي العراقي والتي تدور في فلك إيران.
وسبقت هذه الحادثة عملية قصف مماثلة في 14 مارس/ آذار الماضي في قرية الهِري شرق البوكمال، حيث استهدف طيران مسيّر مجهول الهوية شاحنة براد تابعة لميليشيا الحشد الشعبي كانت محملة بالأسلحة والذخائر.
استهداف الشاحنات والمقرات العسكرية للميليشيات كانت متفاوتة خلال الأشهر الماضية، إلا أن قصف القيادة الأمريكية في 3 فبراير/ شباط الماضي لمواقع الميليشيات الإيرانية في شرق سوريا والعراق ردًّا على مقتل 3 جنود أمريكيين في قاعدة البرج بالأردن، كانت بداية مرحلة جديدة عنوانها “التشديد الأمني”.
بدأت التحركات الأمنية للميليشيات من خلال جهاز استخبارات يُعرف بـ”الأمن العلوي” التابع للحرس الثوري، بقيادة شخص لبناني يُدعى أبو الحسن. قام أبو الحسن باعتقال حوالي 50 عنصرًا من عناصر الميليشيا المحليين في محافظة دير الزور العاملين في منطقة البوكمال، بتهم التعاون مع جهات خارجية وتزويدها بإحداثيات ومعلومات حول مواقع الميليشيات وتصوير مقرات عسكرية.
كما استدعى الجهاز الأمني عشرات العناصر المشكوك فيهم للتحقيق، حيث تم تفتيش هواتفهم المحمولة بدقة، قبل نقل قسم منهم إلى جهة مجهولة، بينما أُطلق سراح الآخرين.
وحسب مصادر محلية، فإن جهاز “الأمن العلوي” اعتقل أواخر فبراير/ شباط الماضي 10 أشخاص في دير الزور بتهمة التجسس، بينهم اثنان متعاقدان مع المركز الثقافي الإيراني في المحافظة، وشخص ثالث متعاقد مع الحرس الثوري بصفة ممرض، في حين كان البقية عناصر في الميليشيا.
ومنعت قيادة ميليشيا الحرس الثوري في دير الزور العناصر المحليين من استخدام الموبايل، إضافة إلى نقل معظمهم من البوكمال إلى النقاط العسكرية في البادية السورية، كما قلصت إجازاتهم إلى أسبوع واحد فقط كل شهر مقابل 3 أسابيع خدمة.
ولم تقتصر الاعتقالات على العسكريين فحسب، بل طالت مدنيين وجامعين، خاصة بعد سلسلة غارات جوية، يرجَّح أنها إسرائيلية، استهدفت عدة أهداف للحرس الثوري الإيراني في حي القصور بمدينة دير الزور وحي التمو بمدينة الميادين في مارس/ آذار الماضي، ما أدّى إلى مقتل عدد من العناصر.
وعقب القصف مباشر، اعتقل جهاز “الأمن العلوي” عددًا من الأشخاص المدنيين بتهمة تصوير منطقة عسكرية ومن بين المعتقلين 5 طلاب جامعيين، كما وثّقت شبكات محلية اعتقال عدة أشخاص من بينهم نساء في ريف دير الزور بتهم التجسس والتصوير.
الفساد يغزو منظومة الحرس
إلى جانب قضايا الاختراق التي أثّرت بشكل كبير على ميليشيا الحرس الثوري شرقي سوريا، بدأت ظاهرة “التفييش” التي تُهيمن على منظومة نظام الأسد العسكرية منذ عقود بالتسلل إلى داخل صفوف الميليشيا في المنطقة، حيث لجأ العديد من العناصر إلى دفع المال للقادة مقابل عدم خدمتهم وخاصة بعد نقلهم إلى البادية.
ويعود كشف ملف الفساد ضمن الميليشيا إلى أبريل/ نيسان الماضي، عندما فرَّ عدد من العناصر من نقاطهم العسكرية في البادية، ما دفع الحرس الثوري إلى فتح تحقيق بشأن هذه الحوادث المتكررة وتحديدًا في منطقة الميادين شرق دير الزور، ليكتشف وجود العشرات من أسماء العناصر المسجلين في قيود الميليشيات لكنهم غير موجودين في الخدمة الفعلية.
وتأكيدًا على الفساد، وقع خلاف كبير في منتصف مايو/ أيار الماضي بين قائد القطاع الشرقي في ميليشيا الحرس الثوري الإيراني حاج حسين، ومؤيد الضويحي قائد ميليشيا فوج السيدة زينب التي تعمل في منطقة الميادين والتابعة للحرس الثوري، بعد كشف عدة عمليات فساد داخل الميليشيا بقيادة الضويحي.
تتمحور قضية الفساد حول بيع بطاقات عسكرية لعدة أشخاص بدعوى أنهم منتسبون لفوج السيدة زينب، بالإضافة إلى تسهيل عبور أشخاص مطلوبين للنظام من مناطق الجزيرة، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، باتجاه مدينة الميادين مقابل المال.
وعلى خلفية هذا الخرق، اعتقلَ جهاز “الأمن العلوي” عدة عناصر وأفراد ضالعين في الفساد، من بينهم متزعّم الميليشيا مؤيد الضويحي الذي بقيَ معتقلًا لعدة أيام قبل الإفراج عنه لاحقًا، حسب ما ذكرت شبكات أخبار محلية، كما شملت الاعتقالات عناصر من الحرس الثوري بتهمة بيع سلاح وذخائر من داخل المستودعات في الميادين.
ووصلت تداعيات القضية إلى مدينة البوكمال، حيث اعتقل “الأمن العلوي” في 27 مايو/ أيار الماضي مسؤول مكتب الانتساب والتطويع في ميليشيا الفوج 47 المحلية التابعة للحرس الثوري، محمد الذاكر الملقب بـ”أبو شيخة”، من منزله في بلدة السكرية شرق دير الزور بتهمة الفساد المالي.
ووجّهت حوادث الفساد المتكررة هذه ضربة قاسية للميليشيات الإيرانية، ما دفعها إلى زيادة تنفيذ اعتقالات في صفوف عناصرها المتورطين، ثم فصلهم عن الخدمة وتسليمهم للشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري، لتقوم الأخيرة بسوقهم إلى الخدمة الإلزامية.
هيمنة إيرانية
يعود تأسيس الحرس الثوري لميليشيات تابعة لها في شرق سوريا إلى عام 2017-2018، بعد انتهاء العمليات العسكرية لنظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس ضد تنظيم “داعش”، والسماح للسكان المحليين بالعودة إلى مناطقهم.
وضمّت هذه الميليشيات، التي يعود مخطط إنشائها إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي اغتيل بقصف أمريكي في العراق عام 2020، عناصر سوريين وهدفها الحفاظ على المصالح الإيرانية في سوريا، وتأمين الطريق البري الواصل بين طهران وبيروت مرورًا بالعراق ودمشق.
وأبرز الميليشيات الإيرانية العاملة الموجودة اليوم في شرق سوريا هي فوج السيدة زينب، أبو الفضل العباس، حراس القرى، قمر بني هاشم، الفوج 47 وتتفرع عنها ميليشيا هاشميون، لواء الشيخ، لواء الحسين، ميليشيا الباقر وتتفرع عنها ميليشيا لواء أسود العشائر، إضافة إلى ميليشيا “حزب الله” السوري ولها فرعان آخران في شرق سوريا هما الحزب اللبناني والعراقي.
ويبلغ تعداد منتسبي هذه الميليشيات قرابة 13 ألف عنصر، معظمهم سوريون بقيادة إيرانية التي يكمن دورها في إدارتها وتقديم الاستشارة والدعم والتمويل.
كما يوجد في المنطقة ميليشيات عراقية في مدينة البوكمال، منها ميليشيا سيد الشهداء، والنجباء، وكتائب الإمام علي، بالإضافة إلى ميليشيا فاطميون الأفغانية وميليشيا زينبيون ذات الأغلبية الباكستانية، اللتين تخدمان في البادية الشامية شرقي حمص.
تعدّ هذه الميليشيات التي أنشأها الحرس الثوري كيانًا عسكريًا شبه مستقل عن جيش النظام السوري، حيث يُدرج عناصرها ضمن ما يُعرف بـ”قوات الدفاع المحلي” أو “الأصدقاء” في السجلّات العسكرية للنظام.
وتتميز بعدة خصائص تجعلها وجهة مرغوبة لدى شباب المنطقة العاطلين عن العمل والراغبين في التهرب من الخدمة الإلزامية في جيش النظام، ومن أبرز هذه الميزات،\ المردود المالي الجيد الذي تقدمه الميليشيا لعناصرها، إضافة إلى فترة الخدمة التي لا تتجاوز 20 يومًا في الشهر، فضلًا عن حصول العناصر على بطاقات أمنية تتيح لهم التحرك دون ملاحقات من أجهزة النظام.
وتنقسم منطقة دير الزور إلى 3 قطاعات رئيسية، تخضع جميعها إلى القادة الإيرانيين الذين يهيمنون على مواقع صنع القرار، الأول هو القطاع العام (الرئيسي) ويشمل مدينة دير الزور ويتولى قيادته “حاج كميل” المسؤول الأعلى لميليشيا الحرس الثوري الإيراني في دير الزور، ويعتبر الشخصية الأبرز في شرق سوريا.
القطاع الثاني هو الشرقي ويشمل الريف الشرقي لمحافظة دير الزور مع قطاعات البادية، ويتولى إدارته “حاج حسين” الذي يعتبر الرجل الثاني والشخصية الأهم بعد “حاج كميل”.
أما القطاع الثالث، المعروف بالقطاع الغربي، فيديره “حاج علي نور” ويشمل أجزاء من الريف الغربي لدير الزور، ويُعتبر القطاع الأصغر ضمن مناطق نفوذ الميليشيا، وذلك بسبب التفاهمات القديمة بين قبيلة البوسرايا وقيادة النظام التي تمنع وجود الحرس الثوري داخل بلداته، حيث يتولى مسلحو القبيلة المنتسبين إلى ميليشيا الدفاع الوطني مسؤولية حماية مناطقهم الممتدة من بلدة عياش حتى بلدة التبني غرب دير الزور، بالتوازي مع انتشار قوات الفرقة الرابعة.
بينما يشمل القطاع الشمالي مناطق الحسينية وحطلة ومراط وخشام ومظلوم بدير الزور، ويديره “حاج أمير عباس” المسؤول عن إدارة الموارد البشرية والسجلات.
وجميع هؤلاء القادة هم إيرانيو الجنسية، ويتبع لهم قياديون من “الصف الثاني” الذين يكونون أيضًا إيرانيين، بالإضافة إلى قادة أفغان ولبنانيين بدرجة أقل، كالمسؤول عن قسم المعلومات والمعروف بـ”الحاج تيمور”، و”الحاج جواد” القائد العام لميليشيا “حزب الله” في دير الزور.
في المقابل، يقتصر التواجد السوري على إدارة ميليشيات صغيرة في شرقي محافظة دير الزور، مثل مؤيد الضويحي الذي يقود ميليشيا فوج السيدة زينب، وعدنان السعود متزعّم ميليشيا أبو الفضل العباس، وأبو العيس المشهداني قائد ميليشيا الفوج 47.
قنابل موقوتة تخيف السكان
منذ اليوم الأول لوصول ميليشيا الحرس الثوري الإيراني إلى محافظة دير الزور في أواخر عام 2017، بدأت بممارسة سياسات تعسفية أثارت غضب السكان واستيائهم، كونها لا تختلف كثيرًا عن ممارسات نظام الأسد.
وأغرقت هذه الميليشيات المنطقة بالمخدرات، حيث تحولت من جلبها من العراق عبر معبرَي السكك والقائم في البوكمال، إلى صناعتها محليًا في دير الزور عبر مصانع خاصة يُشرف عليها قادة الميليشيات، وبدأت بتوزيعها في المناطق المجاورة خاصةً الجزيرة الخاضعة لسيطرة “قسد”، والتي أصبحت سوقًا مفضّلًا للمروجين والتجار، لتصبح هذه الظاهرة الخطر الأول الذي يهدد شباب شرق سوريا.
وتشرف ميليشيا “حزب الله” العراقية على معبرَي السكك والقائم وتدير عمليات التهريب، بإشراف المسؤول الأمني والاقتصادي المعروف بـ”أبو راما العراقي” الذي يوصف بـ”عرّاب تجارة المخدرات”.
وإلى جانب المخدرات، يتحكم قادة الميليشيات بكل نواحي الحياة في دير الزور وخاصة في مدينتَي البوكمال والميادين، اللتين تحولتا إلى عاصمتَي الميليشيات الإيرانية، حيث تم الاستيلاء على عشرات المنازل التي تعود ملكيتها إلى مدنيين وتحويلها إلى مقرات عسكرية للحرس الثوري ومستودعات ذخيرة.
وإلى جانب ذلك، حوّل الحرس الثوري المناطق الأثرية إلى أماكن تابعة له، حيث سيطرت ميليشيا أبو الفضل العباس على قلعة الرحبة في بادية الميادين وحولتها إلى مستودع ذخيرة، بينما تم تحويل مدينة دورا أوروبس الأثرية في صالحية البوكمال إلى ثكنة عسكرية.
واتخذت الميليشيات مقرات عسكرية لها وسط الأحياء السكنية في دير الزور، ما زاد من معاناة المدنيين في حياتهم اليومية خوفًا من تعرض هذه المقرات إلى قصف أمريكي وإسرائيلي، كما حصل في 24 مارس/ آذار الماضي عندما طالت غارات جوية مقرًّا للحرس الثوري الإيراني في حي القصور بمدينة دير الزور، ما أدى إلى مقتل مدني وإصابة 10 آخرين.
وشهدت بعض المناطق التي نشرت فيها الميليشيات مقرات عسكرية، حركة نزوح لسكانها خوفًا من الغارات، وحدث ذلك في حي التمو بمدينة الميادين حيث نزح العديد من السكان تاركين منازلهم، بعد استيلاء ميليشيا فاطميون عليها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية.
كما تخوف الأهالي من تحول هذه المقرات إلى قنابل موقوتة تهدد حياة القاطنين بسبب تخزين الذخائر فيها، كما حدث العام الماضي عندما هزَّ انفجار كبير في منزل بحي الحميدية استولت عليه ميليشيا الحرس الثوري وجعلته مقرًّا لها، ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص وعدة جرحى إضافة إلى دمار كبير في المبنى.
اليد الناعمة
في ظل مساعي إيران الحثيثة لخلق بيئة حاضنة لها في شرق سوريا، حاولت خلال السنوات الماضية التقرب من السكان عبر انتهاج عدة طرق، منها عمليات تأهيل وترميم المدارس والمستوصفات الطبية، وتوزيع المساعدات الإنسانية عبر مؤسسة “جهاد البناء” الشهيرة.
كما لعب المركز الثقافي الإيراني دورًا كبيرًا في الحياة الثقافية منذ بدء نشاطه عام 2019، ويقع مقر المركز الرئيسي في مدينة دير الزور، ويتفرع عنه 4 أفرع في البوكمال والميادين وحطلة والتبني بريف المدينة.
وتشمل أنشطة المركز دورات محو الأمية ودورات بالمنهاج الحكومي للمرحلتَين الإعدادية والثانوية، وتعليم اللغة الفارسية، ودورات تعليمية للنساء متخصصة بالخياطة والتمريض، كما تشمل افتتاح روضات للأطفال ومحاضرات ومقاومة أمريكا وغيرها من المواضيع النمطية التي تمجّد دور إيران وتشيطن الغرب.
ويشرف على المركز الحاج الإيراني “أبو رقية الأهوازي” الذي تولى منصبه مطلع العام الحالي خلفًا للمسؤول السابق المدعو “حج أبو رسول”، بينما يتولى بقية المناصب التشغيلية والإدارية موظفون سوريون من بينهم نساء وشباب، منهم منسقة المركز الثقافي ابنة دير الزور جلنار الحسين.
وتتبع للمركز الثقافي في دير الزور عدة دوائر ومراكز فرعية، كل منها متخصص في نشاطات معينة، من بين هذه المراكز “النور الساطع” في مدينة الميادين و”الأخوة” في البوكمال، حيث ينظم كلاهما دورات تعليمية للأطفال والشباب ورحلات ترفيهية، بالإضافة إلى ذلك يوجد مركز مستقل خاص بالنساء يحمل اسم “مركز المرأة”.
كما تعاون المركز الثقافي مع منظمة “جهاد البناء” لإنشاء مراكز طبية في مختلف مدن وبلدات محافظة دير الزور، إضافة إلى تأهيل الحدائق والمدارس مثل حديقة كراميش في حويجة صكر بمدينة دير الزور، التي تم تغيير اسمها إلى “ملهى الأصدقاء”.
هل يتشيّع السكان؟
خلال السنوات الماضية، ضجّت وسائل الإعلام المحلية والدولية بعشرات القصص والروايات التي غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع وما يجري على الأرض بشأن تشيُّع سكان المنطقة، الذين لا تتجاوز نسبتهم 30% من العدد الأصلي بعد هجرة جزء كبير منهم نتيجة تعاقب الأطراف المسيطرة، من سيطرة تنظيم “داعش” في عام 2014 إلى سيطرة قوات النظام في عام 2017.
ورغم سعي إيران الحثيث إلى تشيع الأهالي، إلا أن هناك عوامل تحول دون نجاح هذه المساعي، أبرز هذه العوامل الهوة الأيديولوجية الكبيرة بين ما تخطط له طهران وطبيعة مجتمع دير الزور، الذي يغلب عليه الطابع السنّي المحافظ والمعادي للتشيع.
أما فيما يخص المتشيعين في محافظة دير الزور، فأعدادهم لا تكاد تُذكر، وغالبًا ما يكون التشيع مؤقتًا بدافع الحاجة المادية أو لتحقيق منصب معيّن. يُذكر أن تجارب التشيع في المنطقة تعود إلى فترة قديمة، واقتصرت على عدد قليل من العائلات في بلدة حطلة المتاخمة لمدينة دير الزور، حيث بدأ التشيع هناك منذ مطلع الثمانينيات بدعم من نظام حافظ الأسد.
والعامل الوحيد الذي قد يشكّل فارقًا مستقبليًا في دير الزور هو الوجود طويل الأمد لإيران وأذرعها في المنطقة، حيث يلعب عامل الزمن دورًا مهمًا، خاصة أن فعاليات المركز الثقافي الإيراني تركز جهودها على الأطفال والمراهقين بالدرجة الأولى، وتلقّنهم خلال الدورات التعليمية مفاهيم عن المذهب الشيعي ومنطلقات “الثورة الإسلامية في إيران”.