ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: كريستوف ب. شيلتس وكلاوس غايغر
من النادر أن تذعن ميركل لرغبات الآخرين. أما صباح يوم الجمعة، وتحديدا على الساعة الحادية عشر ونصف، رضخت المستشارة الألمانية لرغبات الآخرين. وفي هذا اليوم، جرت قمة الاتحاد الأوروبي، التي من المقرر أن تستمر ليومين، بحضور كل رؤساء حكومات ودول 19 دولة أوروبية بهدف التشاور بشأن تعميق منطقة اليورو.
في الحقيقة، انعقدت هذه القمة على عكس رغبة ميركل، التي تنظر إليها بعين الريبة. في هذا السياق، لسائل أن يسأل، ألا يواجه زعماء الاتحاد الأوربي، البالغ عددهم 28، العديد من المشاكل التي تستوجب التشاور بشكل عاجل ودقيق على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وروسيا والتجارة؟ هل من الضروري أن تستغل دول على شاكلة بولندا هذه القمة كذريعة لإلقاء اللوم على بقية دول المجموعة الأوروبية جراء استبعادها من اتخاذ القرارات المهمة، التي تؤثر في نهاية المطاف على الاقتصاد الأوروبي؟ وما هي المواضيع التي نوقشت صباح يوم الجمعة؟
لم يقدم قادة الاتحاد الأوروبي مقترحات جدية لإجراء إصلاحات على مستوى منطقة اليورو، خلال هذه القمة التي انعقدت بمبادرة من الرئيس الفرنسي ماكرون. وسرعان ما استجاب رئيس المجلس الأوروبي الضعيف، دونالد تاسك، لمبادرة الرئيس الفرنسي بسرعة، علما وأن تاسك يتحمس كثيرا عندما يتعلق الأمر بمواضيعه المفضلة على غرار الهجرة وروسيا وبلده بولندا؛ ليضع بذلك مسألة توسيع منطقة اليورو على جدول أعمال القمة الأوروبية.
من جانبها، لا ترى ميركل أن الوقت مناسب لعقد القمة لاسيما وأنها تعلم أن أولويات ماكرون تتجاوز مسألة توسيع منطقة اليورو، حيث يطالب الرئيس الفرنسي بوضع ميزانية وبرلمان ووزير مالية خاص بمنطقة اليورو، بالإضافة إلى اتفاق سريع على ضمان أموال المودعين على المستوى الأوروبي.
أفاد العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين، الذين رفضوا الإدلاء بأسمائهم الحقيقية بأن هذه الدول تخشى من التحالف بين وزير المالية الألماني المنتمي للحزب الديمقراطي الاجتماعي، أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي ماكرون فيما يتعلق بالمخطط الفرنسي لتعميق منطقة اليورو
إلى جانب ذلك، تدرك ميركل صعوبة التحكم في هذا الرجل الحيوي والقوي على خلاف أسلافه فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي. من جهة أخرى، لا تملك الحكومة الاتحادية الألمانية أفكارا ملموسة تطرحها على طاولة النقاش خاصة وأنها حديثة العهد وتفتقر للتنسيق، وهو ما يدفعنا للتساؤل، ماذا قالت المستشارة ميركل؟
لم تخرج ميركل عن نطاق ما كانت تقوله في السابق. فخلال العديد من المناسبات، كانت المستشارة الألمانية تصرح قائلة “لا نريد الخلط بين المسؤوليات أو تقاسم الديون دون خلق روح تنافسية”. ومن الواضح أن هذا التصريح يفسح المجال لتقديم بعض التنازلات. ولعل هذا ما تخشاه العديد من الدول، على رأسها هولندا والنمسا والمملكة المتحدة، حتى وإن كانت لا تنتمي لمنطقة اليورو، لأن ذلك من شأنه أن يتسبب في فقدانها لأهم حلفائها. ولكن، على من ستراهن هذه الدول بعد أن فقدت العديد من دول منطقة اليورو الثقة في المستشارة الألمانية ميركل منذ أن حاد وزير المالية السابق، فولفغانغ شويبله، عن طريقها؟
في هذا الصدد، أفاد العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين، الذين رفضوا الإدلاء بأسمائهم الحقيقية بأن هذه الدول تخشى من التحالف بين وزير المالية الألماني المنتمي للحزب الديمقراطي الاجتماعي، أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي ماكرون فيما يتعلق بالمخطط الفرنسي لتعميق منطقة اليورو. وبعبارة أخرى، تخشى بعض الدول الأوروبية من أن يتحول مخطط تعميق منطقة اليورو إلى مطالبة بتكوين اتحاد قائم على المسؤوليات المشتركة، واتحاد نقل.
بناء على ذلك، ترفض ثمان دول من شمال ووسط أوروبا، على رأسها هولندا وإيرلندا والدنمارك وليتوانيا، فكرة تعميق الوحدة النقدية بشكل كبير كما ينوى ماكرون. في المقابل، تطالب هذه الدول بالالتزام بالقواعد الحالية وترك صلاحية اتخاذ القرارات بيد الدول القومية. علاوة على ذلك، تطالب هذه الدول بأن يشمل مخطط توسيع منطقة اليورو كل دول الاتحاد الأوروبي.
يوم الجمعة الماضي، كانت الدول الأوروبية الثماني الآنف ذكرها ترغب في توجيه رسالة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. ومن بين القادة الذين يعارضون فكرة تعميق منطقة اليورو، مستشار النمسا، سيباستيان كورتس، الذي رفض التوقيع على توسيع منطقة اليورو لأسباب تكتيكية.
ليس ماكرون وحيدا، حيث تقف في صفه كل من اليونان وإيطاليا وقبرص، علاوة على الديمقراطيين الاجتماعيين الألمان
هل تحدث خلافات بين ميركل وباريس
هل تثق ميركل في أن دول شمال ووسط أوروبا ستتخلى عن دعم مخططات ماكرون لتقاسم الديون وتأمين الودائع، عبر تكفل البنوك الألمانية بسداد ديون البنوك الميتة في جنوب أوروبا؟ هل تتجنب برلين المواجهة مع باريس أم سنشهد نشوب أول الخلافات بين ميركل وصديقها المفضل ماكرون؟
في هذا السياق، أورد المسؤول السابق لدى المفوضية الأوروبية، جوناثان فاول، أنه “يجب على ألمانيا أن تتخذ قراراتها كما تشاء، ولكن ليس بالمعنى الفلسفي للكلمة، بل يجب أن يكون ذلك في إطار الممارسة اليومية”. وتجدر الإشارة إلى أن فاول شغل طيلة 40 سنة العديد من المناصب في المفوضية الأوروبية، وكان من أحد المسؤولين النافذين. كما أضاف فاول أنه “يتعين على ألمانيا أن تفتح قنوات التواصل مع بقية الدول الأوروبية”.
أما ماكرون، فهو يفكر في اتخاذ طرق أخرى. ففي الصيف الماضي، دعا الرئيس الفرنسي إلى “تحالف الثقة”، حيث أوضح “أتمنى أن نعود إلى روح التعاون التي كانت تميز العلاقة بين الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتيران، والمستشار الألماني الأسبق هلموت كول”. ولكن، يعتبر نهج تحالف الثقة أمرا عفا عليه الزمن، حيث زاد عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لتتعزز ثقة الدول المنضمة حديثا للمجموعة الأوروبية في أنفسهم. في المقابل، أصبحت هذه الدول غير متحمسة لفكرة الوحدة مطالبة بالحصول على سيادتها القومية.
في حقيقة الأمر، ليس ماكرون وحيدا، حيث تقف في صفه كل من اليونان وإيطاليا وقبرص، علاوة على الديمقراطيين الاجتماعيين الألمان. في الأثناء، تطالب هذه الأطراف بمليارات اليوروهات من أموال دافعي الضرائب بهدف تخفيف ما يسمى بالصدمات غير المتكافئة، مثل الأزمات الاقتصادية البريئة في الدولة الواحدة. وحيال هذا الشأن، أفاد دبلوماسي أوروبي أنه “يبقى تحديد معنى كلمة “غير متكافئة” مرتبطا بوجهة نظر كل طرف تماما مثلما حصل مع التفسير القانوني لاتفاق الاستقرار والشراكة بين المجموعات الأوروبية”.
يبدو أن ميركل تأمل في أن ماكرون سيعدل عن تنفيذ مخططاته بمرور الوقت
في نهاية المطاف، ستحاول ميركل لعب دور الوسيط بين الشمال والجنوب، لكنها ستضطر إلى الاعتراف بلون واحد. وفي هذا الصدد، أكد المسؤول السابق لدى المفوضية الأوروبية فاول أن “الصورة معقدة، لكن لا يعني ذلك أن كل القرارات ستتخذ في برلين وباريس. وفي كل الأحوال، لا يمكن أن يحدث شيء دون موافقة كل من فرنسا وألمانيا”.
خلال شهر حزيران/ يونيو المقبل، من المنتظر أن يتم اتخاذ جملة من القرارات في اتجاه تعميق منطقة اليورو. في هذا السياق، أورد وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، أنه “في حال لم يتم توسيع منطقة اليورو، فإن ذلك يعني في الحقيقة أننا لا نريد أن نتقدم”. ويجب أن تتخذ كل القرارات بالإجماع، لكن يبدو أن ميركل تأمل في أن ماكرون سيعدل عن تنفيذ مخططاته بمرور الوقت، علما وأن هذا الأمر غير مؤكد خاصة وأن طباع ماكرون مختلفة عن طباع كل من وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، والسياسي الألماني ينس سبان.
المصدر: فيلت