لم تأت الرياح كما تشتهيها السفن السعودية هذه المرة، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجهة ضربة قوية وموجعة للرياض بعد الحديث عن تأجيله طرح “صفقة القرن” التي تبنتها السعودية رغم مخاطرها ورفضها بشكل قاطع من الفلسطينيين وهم الطرف الرئيسي في تلك الصفقة.
“الرياض” كانت تطمح لأن تلعب دورًا مهمًا في المنطقة وأن تضع نفسها كوسيط حصري ووحيد بين الإدارة الأمريكية والدول العربية، وتدخل على خط العلاقات والتطبيع العلني مع “إسرائيل”، وكان باب ذلك بالنسبة لها “صفقة القرن” لكن سرعان ما بدأت طموحاتها تتلاشى تدريجيًا.
تحدثت تقارير أمريكية وإسرائيلية مشتركة خلال الأيام الأخيرة عن تأجيل الرئيس الأمريكي، طرحه لـ”صفقة القرن”، لأجل غير مسمى، بذريعة إعطاء الفرصة لتوفير الأجواء المناسبة لضمان نجاحها، في ظل رفض فلسطيني للدور الذي تلعبه الرياض لتمرير الصفقة رغم مخاطرها على القضية والمشروع الوطني.
خطوة مفاجئة
بحسب موقع “تيك ديبكا” العبري، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرر تأجيل إعلان مبادرته لعملية السلام التي أطلق عليها (صفقة القرن) للعام المقبل 2019 أو 2020. ونقل الموقع العبري عن مصادر خاصة قولها: “جيسون غرينبلات المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط أبلغ هذه الرسالة إلى مجموعة من ممثلي دول الشرق الأوسط الذين حضروا إلى البيت الأبيض لحضور اجتماع خاص بشأن قطاع غزة”.
ونوه الموقع بأن الرسالة لم تُسلم رسميًا في المؤتمر لكن أُبلغت في المحادثات التي عقدها غرينبلات مع ممثلين إسرائيليين وعرب في أروقة البيت الأبيض خارج قاعة المؤتمرات. وقال الموقع ذاته: “عندما سئل غرينبلات عن طول مدة التأجيل ومتى سينظر الرئيس ترامب مرة أخرى فيما إذا كان سيضع الخطة على الأجندة السياسية للشرق الأوسط أجاب: هذا تأجيل لسنة واحدة على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك”.
قرار تأجيل الصفقة يؤكد حالة الغموض التي تلف تفاصيلها وزمن إعلانها
وبحسب الموقع، فقد أشار غرينبلات إلى أنه لا يوجد أي تغيير في موقف الولايات المتحدة بشأن نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس وهذا النقل سيجري في موعده المقرر في 14 من مايو/أيار المقبل.
قرار تأجيل الصفقة، يؤكد حالة الغموض التي تلف تفاصيلها وزمن إعلانها، وطبيعة مواقف الأطراف كافة المرتبطة بها، وسط تسرب أنباء عن خلافات وتحفظات سياسية، تحديدًا من الجانبين الأردني والفلسطيني على تفاصيل ومحاور عدة بالخطة الأمريكية المرتقبة والدور”المشبوه” الذي تلعبه الرياض. وأرجع مسؤولون فلسطينيون وسياسيون أردنيون تأجيل إعلان الصفقة إلى الموقف الصلب للأردن والقيادة الفلسطينية الرافض للعديد من محاور مشروع الصفقة.
الموقف الأردني الذي دخل في تسخين وتوتر سياسي واضح مع الإدارة الأمريكية بعد رفضه وتحذيره من قرار ترامب بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لـ”إسرائيل”، شن -أي الأردن – حملة دبلوماسية وسياسية واسعة لعزل القرار الأمريكي تجاه القدس، عبر إجراء اتصالات واسعة النطاق مع الاتحاد الأوروبي والدول الغربية وعواصم دولية، لرفض الخروج عن الشرعية الدولية وحل الدولتين.
تتضمن الصفقة الخطيرة، بحسب التسريبات ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة للاحتلال الإسرائيلي
الجانب الفلسطيني، ساهم، وفق مسؤولين فلسطينيين، بتأجيل إعلان الصفقة، حيث أعلن مقاطعته اللقاءات بالإدارة الأمريكية، انطلاقًا من أن الولايات المتحدة لم تعد طرفًا حياديًا في عملية السلام، حيث كانت وما زالت داعمًا أساسيًا لـ”إسرائيل”.
ولا ينكر هؤلاء أن المواقف الأوروبية المتمسكة بحل الدولتين قد تشكل ضغطًا على الإدارة الأمريكية و”إسرائيل”، وكانت تسريبات صحفية انتشرت مؤخرًا عن تفاصيل الخطة الأمريكية التي ينوي ترامب عرضها على الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتتضمن الصفقة الخطيرة، بحسب التسريبات ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة للاحتلال الإسرائيلي، وإعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وإبقاء السيطرة الأمنية لـ”إسرائيل”، بالإضافة للاعتراف بـ”إسرائيل” كدولة يهودية، مع انسحابات إسرائيلية تدريجية ومحدودة من مناطق فلسطينية محتلة.
السيناريو الأخطر
في ذات السياق، أكد مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدولية والعلاقات الخارجية نبيل شعث، أن التسريبات بشأن تراجع الولايات المتحدة أو تأجيلها لإعلان ما يسمى “صفقة القرن” لمدة عام، يثبت الفرق بين ما تعلنه واشنطن وما تستطيع أن تفعله على الأرض.
وأوضح شعث، أن القيادة الفلسطينية أبلغت الولايات المتحدة من خلال رؤساء الدول العربية والحكومات الأوروبية، أنه لا يمكن فرض تطبيق ما تسمى “صفقة القرن” على الطرف الفلسطيني.
أبراش: “ترامب عمل بنصيحة إسرائيلية تتمثل بسياسة فرض الأمر الواقع وتنفيذ بنود الصفقة خطوة بخطوة وامتصاص ردود الفعل بعد كل خطوة كما جرى بشأن القدس واللاجئين والتراجع عن حل الدولتين”
وأضاف “القيادة الفلسطينية لن تستبعد الولايات المتحدة، ولكنها لن تقبل بوجودها إلا ضمن إطار دولي إلى جانب روسيا والصين والهند والدول الأوروبية وغيرها من الدول التي باتت تشكل التوازن العالمي الجديد للقوى”.
الكاتب والمحلل السياسي الدكتور إبراهيم أبراش، يقول: “قرار تأجيل طرح صفقة القرن، يحتاج لتفكير جاد عن مفهوم التسوية السياسية وما يجري بالفعل على أرض الواقع”، متسائلًا: هل الرئيس ترامب أجل الصفقة بالفعل أم أنه بتفاهم مع “إسرائيل” وأطراف عربية ينفذ الصفقة من طرف واحد خطوة بخطوة ودون موافقة الفلسطينيين أو التفاوض معهم حولها؟
ويضيف “هذا التأجيل يذكرنا بقرار “إسرائيل” تنفيذ الانسحاب من طرف واحد من غزة عام 2005 دون اتفاق رسمي مع القيادة الفلسطينية، وبعد الخروج من غزة تداعت الأحداث بما يتوافق مع المخطط الإسرائيلي بنزع غزة من السلطة الفلسطينية وعن السياق الوطني”.
ويتابع المحلل السياسي حديثه “من المؤكد لو أن الرئيس الأمريكي ترامب وجد تجاوبًا من القيادة الفلسطينية لأعلن الصفقة، إلا أن الرفض الفلسطيني الصارم والتحفظ من أغلبية الدول العربية وحتى الأجنبية على الصفقة لأن ما تسرب عنها يتعارض مع القرارات الدولية بشأن الصراع كما يتعارض مع مرجعيات التسوية، أيضًا تطور الخلاف الروسي الأمريكي بشأن سوريا وإقالة وزير الخارجية تيليرسون، كل ذلك دفع ترامب ليس للتراجع عن الصفقة بل تغيير آلية تنفيذها وتمريرها”.
“صفقة القرن” مصطلح أطلقه ترامب على خطة يسعى من خلالها لتسوية الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال
ويوضح أن ترامب عمل بنصيحة إسرائيلية تتمثل بسياسة فرض الأمر الواقع وتنفيذ بنود الصفقة خطوة بخطوة وامتصاص ردود الفعل بعد كل خطوة كما جرى بشأن القدس واللاجئين والتراجع عن حل الدولتين، مضيفًا “التسوية تُرسخ يومًا بعد يوم وتشارك فيها أنظمة عربية وأطراف دولية وفلسطينيون بجهل من البعض وبتواطؤ من آخرين، إنها تسوية التلاعب بفكرة حل الدولتين لتقتصر الدولة الفلسطينية على غزة وتصفية الحالة الوطنية في الضفة من خلال سياسة الاستيطان والتهويد وتفريغ السلطة الفلسطينية من مضامينها الوطنية لتتحول لمجرد أداة تخدم تسوية الأمر الواقع والتعايش مع الاحتلال وإخراج قضيتي القدس واللاجئين من مجال التفاوض أو النقاش”.
و”صفقة القرن” مصطلح أطلقه ترامب على خطة يسعى من خلالها لتسوية الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، بعد أن توقّفت المفاوضات بينهما منذ أبريل 2014؛ بسبب تنصّل تل أبيب من استحقاقات عملية التسوية.