ترجمة حفصة جودة
قد تبدو 51 عامًا حياة قصيرة للقيام بأي شيء، لكنها بالنسبة لفنانة استثنائية مثل ريم بنا تعد 1000 عام مشرق، رحلت ريم بابتسامتها الفخورة عن عالمنا القبيح تاركة قلوبنا في ألم شديد، أتذكر ريم في أيام حياتها الأولى وقد اعتادت المشاركة في الأحداث السياسية في الناصرة – مدينتنا – وأتذكر مشاركتها في الأمسيات التطوعية بمخيمات الناصرة أواخر الثمانينيات.
كانت معسكرات تطوعية سياسية جمعت الفلسطينيين من جميع أنحاء فلسطين، كانت بديلاً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي الظالمة العدوانية، كنت طفلة لكن ريم كانت أسطورة بالنسبة لي.
منذ البداية؛ اختارت ريم طريقها الخاص، اختارت أن تكون فنانة لمبادئها وأن تكون مثالاً للإلهام، اختارت القيم على المكسب المادي واختارت الأصالة على الشهرة والنجومية، كانت فنانة وموسيقية متواضعة كرست حياتها لما تؤمن به، كان صوتها نادرًا في عالم من النجوم والمشاهير.
عبرت ريم بلا أدنى خوف عن دعمها للثورات في جميع أنحاء العالم العربي
كانت ريم موسيقية نشيطة سجلت 13 ألبومًا، كتبت ريم ولحنت وغنت، لكنها غنت أيضًا لشعراء فلسطينيين بارزين مثل توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش وآخرين، وغنت أيضًا لأمها الشاعرة الفلسطينية زهيرة صباغ.
مواقف واضحة كالشمس
غنت ريم للحرية والثورات والأسرى السياسيين وغيرهم، كما أصدرت 3 ألبومات للأطفال جعلتها مميزة للغاية، وأحيت تهويدات الأطفال التقليدية القديمة، وبذلك كانت حاضرة في كل بيت فلسطيني وفي ذاكرة كل طفل.
قاتلت ريم وقاومت وعملت حتى النهاية، فقبل شهرين من رحيلها سافرت إلى السويد للعمل على ألبومها الجديد الذي كان من المقرر صدوره في فصل الربيع، وعبرت ريم بلا أدنى خوف عن دعمها للثورات في جميع أنحاء العالم العربي.
ربما كان هذا هو موقف الجميع بالنسبة للربيع العربي، لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا؛ كانت ريم أحد الأصوات القليلة من الفنانين والموسيقيين في عصرنا هذا التي كان صوتها واضحًا وعاليًا في وقوفها بجانب الشعب السوري ضد الطاغية بشار الأسد، لم تتردد ريم لثانية واحدة وكان موقفها واضحًا طوال الوقت: الوقوف مع المظلوم في وجه الظالم.
أصدرت ريم 3 ألبومات للأطفال تحيي بها التهويدات الفلسطينية القديمة
هؤلاء الذين يعرفون التحديات التي واجهتها ريم في حياتها، يقدرون مليون مرة صمودها وقدرتها على نقل الأمل والتفاؤل والقوة، كانت ريم أمًا عزباء كافحت في حياتها لتربية أطفالها الثلاث، وفعلت ذلك بكل فخر وكبرياء، كما حاربت السرطان وبعض المشكلات الصحية الأخرى التي أصابتها في العقد الأخير؛ حيث فقدت صوتها وفقدت بذلك قدرتها على القيام بعملها الذي تؤديه بشغف وعاطفة شديدة.
مشاهد جميلة
كصديقة، كانت ريم متاحة دائمًا حتى في أصعب أوقات حياتها، كانت تحب الرسائل الصوتية عن النصوص المكتوبة، حتى في تلك الأوقات التي خانها فيه صوتها، بالنسبة للجميع كان من السهل الوصول إليها فلم تكن تضع أي حواجز، ليس هناك أقنعة أو غرور شخصي، وعندما كانت تجلس هادئة كنا نعلم أن بها أمرًا ما، لقد تركت الجميع يدخلون حياتها من خلال أفكارها وصورها على حسابات التواصل الاجتماعي النشطة الخاصة بها، شاركت ريم مع الجميع مخاوفها ومشاعرها وحكمتها وتفاؤلها.
https://www.youtube.com/watch?v=WMXSbLUju9U
كانت ريم تشاركنا على صفحاتها صورة يومية جميلة لمنزلها الجميل في مدينة الناصرة القديمة؛ عندما لا تكون مسافرة، وبشكل ما هناك رابط مشترك بين منزلها وجسدها وقلبها، فقد كان منزلها يحتوي على مجموعة من الإكسسوارات الجميلة التي جمعتها من جميع أنحاء العالم، تمامًا مثل قلبها التي يحمل صداقات وعلاقات تتجاوز كل الحدود والقيود.
رحلت ريم بعد أن أدت واجبها الوطني تجاه شعبها الفلسطيني وجميع المظلومين في العالم
كانت صورها تنقل مزيجًا رائعًا من الألوان، مثل مشهد لغروب الشمس من النافذة، أو صور لزهورها ونباتاتها، وصور لحليها المصنوعة يدويًا ومفروشاتها من الكروشيه، كنا نتحدث كثيرًا عن الصور وكانت تخبرني عن جميع التطبيقات التي تستخدمها في التصوير حتى أشعر أنني جاهلة تمامًا، حتى إنني في إحدى المرات قلت لها لو لم تكوني موسيقية لأصبحت مصورة رائعة، وضحكنا على ذلك.
قالت عائلتها في البيان الذي كتبوه: “رحلت ريم بعد أن أدت واجبها الوطني تجاه شعبها الفلسطيني وجميع المظلومين في العالم”، هذه هي ريم وهذا هو إرثها الذي خلفته وراءها، وهكذا كانت تحب أن نتذكرها دائمًا: فنانة للمبادئ والقيم.
قبل 3 أسابيع من رحيلها ودعتنا ريم بطريقتها الخاصة؛ حيث كتبت على صفحتها: “هذه الحياة جميلة.. والموت كالتاريخ فصلٌ مزيف”، فلترقدي في قوة وسلام عزيزتي ريم، وسوف نتذكرك دائمًا كامرأة استثنائية وصديقة، وسيبقى تراثك معنا للأبد.
المصدر: ميدل إيست آي