بعد فضيحة تسريب فيسبوك لمعلومات أكثر من 50 مليون حساب لشركة تحليل البيانات “كامبريدج أنالاتيكا” لاستغلال معلوماتهم الشخصية وتفضيلاتهم التجارية من أجل فهم سلوكهم وتفضيلاتهم والقدرة على تغيير قناعاتهم عبر قياس مدى انفتاحهم أو تعصبهم لموضوع أو شخص معين، وذلك لاستغلالهم في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لدعم فوز الرئيس الحاليّ “ترامب”، قرر مستخدمو فيسبوك لأول مرة منذ تاريخ إنشاء المنصة شن حملة هجوم بعنوان “احذفوا فيسبوك”.
لقد وصفت العديد من الصحف الغربية فضيحة تسريب معلومات المستخدمين الشخصية بالقشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك، لتحفز الملايين من المستخدمين على مسح حساباتهم الشخصية من على تلك المواقع والتوقف عن استخدامها كليًا، بما فيهم إيلون ماسك صاحب شركة تسلا وسبيس إكس، بعدما تحداه الكثير من الناشطين والمغردين على تويتر أن يمسح الصفحات الخاصة بشركاته على فيسبوك، ويتابعها أكثر من مليوني متابع لكل صفحة، تضامنًا مع حملة “احذفوا فيسبوك”.
“إنهم يثقون في، يا لهم من حمقى”، عبارة قالها مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك عام 2004 في أثناء تأسيسه للمنصة في جامعة هارفرد، حينما تطوع 4000 شخص بتعزيز المنصة بمعلوماتهم الشخصية في بدايتها، حيث قال زوكربيرغ حينها: “لا أعرف لماذا تطوعوا في أن يمنحوا معلوماتهم الشخصية بهذه السهولة، ربما يصدقوني، لا أعرف، يا لهم من حمقى”.
عرّض هؤلاء (من نعتهم زوكربيرغ بالحمقى) شركة فيسبوك لأكبر خسارة قد تتعرض لها منذ تاريخها، وعرضوه هو وشركته للمساءلة القانونية في صدام مع القانون لأول مرة في تاريخ مواقع التواصل الاجتماعي، ليوافق زوكربيرغ على الإفادة بشهادته ويؤكد أن ما حدث خطأ الشركة في عدم حماية بيانات المستخدمين بشكل جيد، إلا أن هذا لم يوقف المستخدمون عن حذف حساباتهم على المنصة، في مقابل ذلك دعا نفس المستخدمين إلى ترك فيسبوك والتوجه إلى منصات أخرى هي في الحقيقة ملك لإمبراطورية فيسبوك أيضًا.
الوداع فيسبوك، أهلًا بإنستغرام
“ماذا لو كانت منصة إنستغرام هي النسخة الأكثر “صحية” من منصة فيسبوك؟ كان هذا سؤال مشروع في كثير من الصحف المهتمة بالتكنولوجيا والتداخل بين التكنولوجيا وحماية بيانات المستخدمين، حيث ركزوا على نظرية أن يكون إنستغرام بديل فيسبوك والمنصة التي تنقذ فيسبوك من الفشل، ليس بمساعدة فيسبوك، بل بسحب المستخدمين من فيسبوك إلى إنستغرام، ليكون النسخة “المتواضعة” و”الجيدة” من فيسبوك.
تعرضت منصة فيسبوك خلال السنتين الماضيتين إلى كثير من الانتقادات حيال مسألة الأخبار الكاذبة، وعدم حيادية المنصة وتدخلها في الشؤون السياسية للبلاد، وعدم احترامها لخصوصية المواطنين واستخدام معلوماتهم واستغلالها لأغراض تجارية في الدعاية والإعلان أو لأغراض سياسية للتلاعب بآرائهم حيال مرشحين بأعينهم في الانتخابات الرئاسية.
كانت منصة إنستغرام صفقة فيسبوك الأهم منذ تاريخ تأسيس المنصة، حيث اشترى فيسبوك إنستغرام بمبلغ 12 مليار دولار عام 2012
كان البديل منصة أكثر تواضعًا وأكثر خصوصية، تسمح للمستخدمين بنشر صور خاصة بهم ليكونوا أكثر حميمية وارتباطًا بالمنصة من خلال نشرهم لذكرياتهم وقصصهم، تكون فيها المنشورات قصيرة نسبيًا ومركزة أكثر، ولا ترتبط المنصة بأي نشاطات سياسية، في بدايتها، وتعتمد فقط على اللحظات المميزة في حياة كل مستخدم يود أن يشاركها مع العامة أو مع دائرة أصدقائه بشكل خاص.
كانت منصة إنستغرام صفقة فيسبوك الأهم منذ تاريخ تأسيس المنصة، حيث اشترى فيسبوك إنستغرام بمبلغ 12 مليار دولار عام 2012، لتكون المنصة واحدة من بين عشر منصات أخرى تتبع إمبراطورية فيسبوك، في البداية لم يبد الأمر مهمًا، إلا أن بعد تعرض فيسبوك للكثير من التخبطات والمساءلات القانونية، عوّضت إمبراطورية زوكربيرغ النقص الحاد في ساعات زيارة المستخدمين لمنصة فيسبوك بالزيادة الملحوظة لعدد زيارات المستخدمين لإنستغرام.
“إنهم يثقون في، يا لهم من حمقى”
– مارك زوكربيرغ
كما استخدمت الشركات والمؤسسات المنصة لأغراض الدعاية والإعلان ولأغراض تجارية من خلال الصور ومقاطع الفيديو أو البث المباشر والقصص “Stories”، بدلًا من فيسبوك الذي كان اختيارهم الأول للدعاية والإعلان من خلال ترويج منشوراتهم للوصول لأكبر عدد من الجمهور.
واتساب.. الصفقة الأضخم لفيسبوك
أعلن تطبيق “واتساب” العام الماضي أنه بدأ في مشاركة بيانات المستخدمين مع الشركة الأم، فيسبوك التي اشترت التطبيق مقابل 19 مليار دولار، الصفقة الأضخم من صفقات فيسبوك عام 2014، وذلك من أجل تطوير خدمة حماية البيانات ومن أجل خدمات إعلانية هادفة وتعزيز هدف التطبيق وهو التواصل مع الجميع بطريقة أفضل وأكثر جودة.
لقد كان الخبر صادمًا لسببين: الأول أنه لم يُذكر من قبل أن واتساب يجمع بيانات المستخدمين الشخصية من الأساس، لكي يشاركها مع منصات أخرى أو الشركة الأم! فإن كان المستخدمون الآن غاضبين من تسريب فيسبوك لمعلوماتهم لشركات تحليل البيانات مثل شركة “كامبيردج أنالاتيكا”، فكان من الأولى أن يعرفوا أن فيسبوك ليس وحده من يجمع بياناتهم ويستخدمها، كل تطبيق ومنصة تمتلكها إمبراطورية “مارك زوكربيرغ” تفعل الشيء ذاته ولأغراض مشابهة.
شركات لا تعرفها ولكنها مملوكة لفيسبوك
“مارك زوكربيرغ” يرتدي أحد منتجات شركة “oculus vr” التي امتلكها
ربما كان لديك علم من قبل أن كل من إنستغرام وواتساب من الشركات المملوكة لفيسبوك، إلا أن الشركة تملك ثماني شركات أخرى من بينها شركة “أوكولوس” التي ربما تتساءل عن السبب الذي يجعل فيسبوك يشتري شركة خاصة بتقنيات الواقع الافتراضي، إلا أن فيسبوك دخل سباق سماعات الواقع الافتراضي بشراسة حينما زاد عدد مبيعات السماعات بشكل واضح في السوق، ليمتلك شركة خاصة بتصميم سماعات واقع افتراضي تُدعى “أوكولوس”.
أعلن زوكربيرغ امتلاكه شركة “أوكولوس” لتكنولوجيا الواقع الافتراضي بحماسة شديدة عام 2014، وذلك لأنها برأيه تساعده على الوصول إلى هدفه من “إمبراطورية فيسبوك” وهو جعل الناس متصلين ببعضهم البعض بشكل أفضل، ولهذا فهو يرى أن شركة “أوكولوس” تعمل على جعل المرء موجودًا في مكان آخر دون أن يحرك ساكنًا، وهي وسيلة ممتازة للتواصل.
هذا التطبيق “Onavo” يسمح لتطبيق فيسبوك أن يراقب نشاط المستخدمين على أجهزتهم من خلال التطبيقات المختلفة الأخرى في سبيل حماية بياناتهم الشخصية المهمة
شركة “أونافو” وهي شركة خاصة بتطبيق vpn أو شبكة افتراضية خاصة تستخدم لإضافة الأمان والحماية على الشبكات الخاصة والعامة، وتسمح لبعض البلاد بتخطي الحظر والحجب على بعض المواقع المعينة، اشترت شركة فيسبوك التطبيق عام 2013، ويمكن استخدامه الآن على أغلب الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل IOS على تطبيق فيسبوك، حيث يمكنك أن ترى تطبيق الحماية “أونافو” تحت PROTECT في إعدادات تطبيق فيسبوك على الجهاز.
هذا التطبيق “Onavo” يسمح لتطبيق فيسبوك أن يراقب نشاط المستخدمين على أجهزتهم من خلال التطبيقات المختلفة الأخرى في سبيل حماية بياناتهم الشخصية المهمة، مثل المعلومات الخاصة ببطاقة الدين أو بطاقة البنك، ولكن في المقابل يستغل فيسبوك المستخدمين لمراقبة نشاطاتهم على التطبيقات الأخرى، بل ليراقب جديد التطبيقات الأخرى أيضًا ليكون لديه علم بكل التحديثات والخصائص الجديدة لكل تطبيق قبل إعلانها.
فيسبوك يراقب نشاطك الصحي أيضًا
تطبيق “moves” للياقة البدنية
إن كنت تعتقد أن فيسبوك يراقب المعلومات الشخصية فقط فأنت مخطئ، فيسبوك يراقب نشاطك الصحي أيضًا، اشترت الشركة تطبيق “Moves” الخاص بمتابعة النشاط الرياضي والصحي للمستخدمين من خلال متابعة مقدار حركتهم لتحولها إلى معلومات مفيدة عن صحة المستخدم، كانت الصفقة حركة ذكية من فيسبوك لمنافسة كل من جوجل وآبل في سوق اللياقة البدنية الذي بات يحظى بمنافسة شرسة بين شركات التكنولوجيا، كما أعلن فريق “moves” أن الشركة الناشئة ستنضم للعمل مع فريق فيسبوك، ليعلن زوكربيرغ بعدها أن الشركة تعمل على تطوير علامات تجارية جديدة وخاصة بها بعضها سيكون أصلي من فيسبوك نفسها والبعض الآخر ستكون فيسبوك قد استحوذت عليه.
لقد أبدى فيسبوك انجذابًا واضحًا بكل شركة ناشئة تنمو بشكل سريع في وقت قصير، بات ذلك واضحًا في صفقاته لشراء إنستغرام وتطبيق المراسلة الفورية واتساب، وبات واضحًا أيضًا حينما يشتري تطبيقًا لن يُفيد الشركة الأم (فيسبوك) بشكل مباشر، إلا أنه يثبت نظرية امتلاكه لكل تطبيق يحقق أرقامًا كبيرة في بداية أيامه.
اشترى زوكربيرغ شركة للتسويق تدعى “Atlas” تتبع نشاط المستخدمين من البداية إلى النهاية، وهذا يعني تحليل سلوك المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة
اشترت فيسبوك تطبيق “Masquerade”، وهو تطبيق ناشئ غرضه تحسين وتصفية الصور الخاصة بالسيلفي، حقق التطبيق أكثر من مليوني تحميل، وهو الرقم الذي تضاعف وصولًا إلى 8 مليون تحميل بعد مرور شهرين فقط على إصدار التطبيق، ليحقق بعدها 4 ملايين عدد التنصيبات خلال أسبوع واحد فقط، وهو ما جذب مارك زوكربيرغ بشدة ليضمه إلى إمبراطورية فيسبوك كونه كان من أكثر التطبيقات شعبية عام 2016.
اشترى زوكربيرغ أيضًا شركة للتسويق تدعى “Atlas” تطبق طريقة تُسمى (people-based measurement) التي تتبع نشاط المستخدمين من البداية إلى النهاية، وهذا يعني تحليل سلوك المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من كل كلمة يستخدمونها وكل حساب يتابعونه وكل صورة يعجبون بها وكل منشور يعيدون نشره، من أجل استنتاج توقعات خاصة بسلوكياتهم المستقبلية سواء كانت لأغراض تجارية أو غير تجارية.
لقد نشر المستخدمون غضبهم الجم على شبكة فيسبوك لتسريب البيانات إلى شركة “كامبيردج أنالاتيكا” للتلاعب بآرائهم السياسية لدعم مرشح سياسي بعينه والبعد كليًا عن حيادية الانتخابات، ولكن لم ينتبه الغاضبون أن فيسبوك ليس وحده المسؤول، والإمبراطورية التي تضم مختلف الشركات والتطبيقات كانت وما زلت تفعل الشيء نفسه لمراقبة نشاط المستخدمين والتنبؤ بتفضيلاتهم المستقبلية، وبالتالي ليس فيسبوك وحده من يحتاج للمحاسبة.