تشكلت حكومة الإنقاذ السورية أواخر عام 2017، من عدد من المعارضين في الشمال السوري المحرر، مبرزة نفسها على أنها أول حكومة مشكلة في الداخل ومعلنة عدم اعترافها بحكومة الائتلاف أو الحكومة السورية المؤقتة التي تشكلت في الخارج ولها بعض المكاتب في الداخل السوري.
برزت حكومة الإنقاذ كواجهة مدنية بينما لم يخف دور فصيل هيئة تحرير الشام كواجهة عسكرية لها وكجهة منفذة لقراراتها كون هذا الفصيل الأقوى في محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حماة، ورغم نفي الحكومة أن تكون ذراعًا سياسية لأي فصيل على الأرض، فإنه يستحيل أن تتشكل مثل هذه الحكومة إلا بموافقة تحرير الشام بل وتأييدها.
ولعل أبرز أسباب تشكيل هذه الحكومة إبعاد شبح التدمير الذي بدأت بعض الدول تلوح وتهدد به محافظة إدلب لمنع تكرار سيناريو الرقة، وكأنها حل إسعافي رضيت به تحرير الشام وهي المصنفة كفصيل إرهابي، كونها تضم شخصيات قيادية وعناصر محسوبين على تنظيم القاعدة رغم إعلانهم الصريح التنازل عن بيعة الظواهري وتنظيمه.
انتقادات لحكومة الإنقاذ مع بداية تشكيلها
من أبرز الانتقادات التي وُجهت لحكومة الإنقاذ المشكلة حديثًا أنها ضمت 11 حقيبة وزارية كان لمحافظة إدلب النصيب الأكبر منها، حيث تقلد 7 وزراء من محافظة إدلب مناصب وزارية من بينهم رئيس الحكومة الدكتور محمد الشيخ ووزيرين من حلب ووزير من حماة وآخر من دمشق العاصمة.
أما الانتقاد الآخر الذي تصاعدت وتيرته شيئًا فشيئًا مع الوقت، كونها أي الإنقاذ أصبحت حكومة جباية وليست حكومة رعاية وخدمات، فقد أعلنت الحكومة أنها ستعمل على توفير الخدمات وتحسين واقع البنية التحتية في الشمال السوري؛ لذلك أنشأت وزارة الإدارة المحلية والخدمات، وجعلت مهمتها إعادة تنظيم الخدمات والتعامل مع المنظمات الخدمية والإغاثية والمؤسسات الحكومية، بالإضافة لمنظمات المجتمع المدني العاملة مع المجالس المحلية.
تشكلت حكومة الإنقاذ وأعلنت انطلاقتها من محافظة إدلب التي تسيطر عليها عسكريًا هيئة تحرير الشام وهو فصيل استفرد بالساحة بعد تحييده لحركة أحرار الشام وتفكيكه لأبرز مكوناتها
إلا أن الواقع لم يتغير ولم تتحسن الخدمات، بل أصدرت هذه الحكومة عدة قرارات تتعلق بالجباية وفرض الضرائب على فئات من الشعب السوري المشرد في المخيمات؛ مما أدى إلى موجة غضب عارمة وانتقادات لاذعة وجهت لها وأحيانًا بشكل مباشر أمام بعض أعضائها، ومن ذلك ما حصل في مخيمات أطمة في جلسة حضرها رئيس الحكومة محمد الشيخ وبعض من أعضاء حكومته؛ حيث تكلم أحد شيوخ العشائر المقيمين في المخيم قائلًا: “الآن أنتم كوزراء وكحكومة وكمسؤولين نطالبكم بداية أن تأخذوا أغراضكم ومتاعكم وتسكنوا في تلك المخيمات، وأن تركبوا الدراجات النارية، وتجلسوا في تلك المحال التجارية، ومن ثم أصدروا هذه القرارات”.
اتهام حكومة الإنقاذ بارتباطها بهيئة تحرير الشام
كما قلنا تشكلت حكومة الإنقاذ وأعلنت انطلاقتها من محافظة إدلب التي تسيطر عليها عسكريًا هيئة تحرير الشام، وهو فصيل استفرد بالساحة بعد تحييده لحركة أحرار الشام وتفكيكه لأبرز مكوناتها، وبالتالي كانت هذه الحكومة تحت وصايته تسير ضمن أجندته وأهدافه.
وما يدل على ما ذكرنا موقف حكومة الإنقاذ من الحكومة السورية المؤقتة، فقد أصدرت بيانًا أنذرت فيه الأخيرة بوجوب إغلاق مكاتبها في المناطق المحررة ضمن مدة أقصاها 72 ساعة فقط وهو موقف يوافق تمامًا موقف تحرير الشام الرافض للاعتراف بالحكومة المؤقتة أو مؤسسات المعارضة التي تشكلت خارج سوريا وبدعم غربي أو إقليمي.
مؤسسات وهيئات مدنية ترفض الاعتراف بحكومة الإنقاذ
بعد أشهر من الأحداث الجسام التي شهدتها محافظة إدلب ومعها أرياف حلب الجنوبية والغربية، سواء من هجمة واسعة للنظام جوًا وبرًا أو ما حصل مجددًا من اقتتال بين تحرير الشام وفصائل أخرى كحركة نور الدين زنكي وأحرار الشام، عادت قضية حكومة الإنقاذ إلى الواجهة من جديد؛ حيث أعلنت مدن وبلدات عديدة في ريفي حلب وإدلب رفضها الاعتراف بهذه الحكومة، وصدرت بيانات معنونة باسم أهالي وفعاليات كل من مدينة أريحا ومعرة النعمان وخان شيخون بإدلب وكذلك مدينة الأتارب ودارة عزة في ريف حلب الغربي.
تصريح الرئيس التركي يدل على أن هيئة تحرير الشام ستكون مستهدفة في المرحلة القادمة وهي المصنفة تركيًا على لوائح الإرهاب
اتفقت البيانات في مضمونها على اعتبار حكومة الإنقاذ تابعة لهيئة تحرير الشام مؤكدة عدم الاعتراف بها كون إساءاتها قد كثرت؛ إذ تقوم بجمع الأتاوات وتعرقل عمل المنظمات الإنسانية على حد تعبير الموقعين.
وبالتالي أصبحت الأجواء مواتية لإسقاط هذه الحكومة لا سيما مع تصاعد وتيرة الاقتتال بين الفصائل واستخدام فصيل تحرير الشام للأسلحة الثقيلة في مواجهة الفصائل الأخرى ومقتل عدد من المدنيين في المواجهات، فاجتمعت إساءات الجهة العسكرية المتمثلة بهيئة تحرير الشام مع إساءات الواجهة المدنية المتمثلة في حكومة الإنقاذ التي ازدادت النقمة الشعبية تجاهها يومًا بعد يوم بسبب فرض الأتاوات والضرائب والتدخل أيضًا في شؤون الجامعات والتعليم وعدم تقديمها في المقابل أي شيء يحسن واقع المناطق المحررة من الناحية الخدمية أو الإنسانية.
غصن الزيتون ونهاية محتملة لحكومة الإنقاذ
أعلن الجيش التركي يوم السبت 24 من مارس/آذار 2018، سيطرته الكاملة على منطقة عفرين في إطار عملية غصن الزيتون التي أطلقتها تركيا بالتعاون مع فصائل الجيش السوري الحر، في حين صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عمليات غصن الزيتون مستمرة وستمتد إلى إدلب ومنبج، لافتًا إلى أنّ تركيا ستعمل على تطهير محافظة إدلب ومدينة منبج من التنظيمات الإرهابية، وستوفر الأمن لسكان تلك المناطق.
تصريح الرئيس التركي يدل على أن هيئة تحرير الشام ستكون مستهدفة في المرحلة القادمة وهي المصنفة تركيًا على لوائح الإرهاب وأن تجربة درع الفرات ستُنقل إلى إدلب وهو ما يعني بالضرورة إنهاء حكومة الإنقاذ أو بقاءها اسمًا من دون أن يكون لها أي صلاحيات للتدخل في شؤون المدنيين، لا سيما بعد انتشار القوات التركية وبسط سيطرتها على الأرض.
وبالتالي فمن المرجح أن ينتهي دور هذه الحكومة التي لم يكن لها يومًا أي رصيد شعبي، بل تراكمت أخطاؤها حتى غدت في عداد الهيئات المنتهية الصلاحية، وسيكون شأنها شأن الحكومة السورية المؤقتة التي ليس لها أي وجود حقيقي في ريف حلب الشمالي (منطقة درع الفرات)، حيث تتولى الحكومة التركية هناك بالتعاون مع المجالس المحلية إدارة المنطقة وتدعم قطاعات التعليم والأمن والطب، وهي تجربة يؤكد المسؤولون الأتراك عزمهم على استنساخها في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في أرياف حلب وحماة واللاذقية، في إطار تطبيق اتفاق خفض التصعيد وإيجاد مناطق آمنة تحتضن مئات الآلاف من المدنيين.