عبّاس غضب من مؤتمر واشنطن فلماذا لم يرفع العقوبات عن غزة؟

8638256

“أمريكا عقدت مؤتمر واشنطن للتباكي على الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، الآن استيقظوا أن غزة بحاجة لإنقاذ، وتمر بحالة إنسانية، لماذا لم يستيقظوا منذ عشر سنوات”.

هكذا قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته الأخيرة في 19 من مارس 2018 رافعًا وتيرة الخطاب السياسي ضد أمريكا في مفترقات عدة أهمها مؤتمر واشنطن الذي عقد في 13 من مارس 2018 لمناقشة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة أهمها مشكلة المياه الملوثة والكهرباء والفقر والأمن الغذائي، بحضور 20 دولة وهيئة دولية أهمها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومصر والسعودية والإمارات وقطر وكندا والاحتلال الإسرائيلي.

ولعل ظاهر الأمر أن مؤتمر واشنطن عقد لمناقشة حالة إنسانية استمرت عشر سنوات عنوانها الحصار اللاأخلاقي لغزة، لكن فحواه السياسي أبعد من ذلك، فتفكيك الأزمة الإنسانية في غزة تسعى واشنطن إلى تمريرها عبر صفقة سياسية تفرضها على مصر والسعودية، ضمن تقاطعات الشرق الاقتصادي الجديد.

لنعد للذاكرة بداية سنوات الحصار 2006-20013 مرحلة ظهور اقتصاد الأنفاق في غزة الذي سمح بدخول البضائع والمواد التشغيلية لغزة نتج عنها فترة إنعاش مهمة للاقتصاد الغزاوي، وكذلك خروج السلع المصنعة في القطاع لمصر بعيدًا عن اتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس الرابع، أي أن البضائع لم تمر من خلال معبر كرم أبو سالم حسب اتفاق باريس وعبر “إسرائيل”، أو عبر معبر رفح الحدودي مع مصر وفق اتفاقية المعابر 2005.

لكن الحال لم يستمر بعد تغير النظام في مصر، وتدهور الأوضاع الأمنية في سيناء، فدُمرت غالبية الأنفاق الحدودية، لتتحكم “إسرائيل” بكل السعرات الحرارية التي يحتاجها قطاع عزة في الطور الثاني الأكثر خطورة من الطور الأول للحصار.

تكمن المشكلة هنا في تفاعل الخطاب الداخلي مع مرحلة الحصار الثانية، وبدأ يصدر عن الهيئات والمؤسسات الرسمية بما فيها حركة حماس في قطاع غزة، وقد تحول على مدار سنوات الحصار إلى خطاب إنساني، استغلته أمريكا لمحاولة محو القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مشروع مساعدات.

اعتبرت الخبيرة في الاقتصاد الفلسطيني ليلى فرسخ أن “مأساة أوسلو في إضعاف القدرة المحلية الفلسطينية على الإنتاج”

واشنطن تطرح الحل الاقتصادي بعيدًا عن السياسة

أهم ما يلفت الانتباه في مؤتمر واشنطن حضور الدول العربية الكبرى كالسعودية ومصر التي تملك الحل لأزمات غزة لو أرادت، لكن مخططًا يخشى البعض تمريره أكبر من القضية الإنسانية التي تطرحها أمريكا، وهي التي أمرت بوقف كل أشكال المساعدات التنموية عن قطاع غزة، مع بقاء المساعدات الإغاثية التي تحول شكلها إلى وهم، طالت فيما بعد الأونروا المؤسسة الأهم التي تعتني بغوث وتشغيل اللاجئين، لتمرير مخطط القبول بأي حل اقتصادي مقابل طرح حل سياسي غير منصف للفلسطينيين كـ”صفقة القرن”.

يرى المختص في الاقتصاد السياسي الفلسطيني والمتابع لمسار المساعدات الدولية نور أبو عجوة أن مؤتمر واشنطن الأخير يكرس غزة بأنها قضية فلسطين، ويتعامل معها كقضية إنسانية.

وقال أبو عجوة لـ”نون بوست”: “مؤتمر واشنطن يبعد الأنظار عن القضايا الأساسية للفلسطينيين، وهي قضايا الوضع النهائي، ويحول الصراع لمشكلة إنسانية تنتهي بحل اقتصادي وليس سياسي”.

في هذا الإطار اعتبرت الخبيرة في الاقتصاد الفلسطيني ليلى فرسخ أن “مأساة أوسلو في إضعاف القدرة المحلية الفلسطينية على الإنتاج”.

وقالت ضمن محاضرة عقدتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية عن التنمية الاقتصادية الفلسطينية وآفاق حل الدولتين: “الاقتصاد حتى ينطلق يحتاج إلى حرية، ومفهوم السيادة الاقتصادية انعدم في عهد النيوليبرالية الاقتصادية الجديدة، فلا يوجد شيء اسمه سيادة اقتصادية في ظل العولمة، بل هناك فئات اقتصادية ومصالح وتفاوتات اقتصادية، لكن السيادة هي السيادة السياسية”.

حادثة تفجير موكب الحمد الله تأتي لضرب المصالحة الفلسطينية بشكل تام

إذا غضب الرئيس لماذا لا يرفع العقوبات عن غزة؟

لمرات عديدة طالبت الفصائل الفلسطينية الرئيس الفلسطيني محمود عباس برفع العقوبات عن قطاع غزة فورًا لأنها تدفع باتجاه أنسنة القضية وكسر صمود الغزيين أمام رغبات الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، لكن استمرار الرئيس عباس بسياسات عقابية تجاه غزة تتناقض مع غضبه في كلمته الأخيرة من مؤتمر واشنطن الذي اعتبره ينظر للقضية الفلسطينية على أنها مشروع مساعدات.

ولعل تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله في أثناء قدومه لغزة، كان الشعرة التي قصمت ظهر المصالحة، إذ قبضت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة على ما تصفهم مدبرين للهجوم، وقالت حركة حماس إن تفاصيل مذهلة توصلت إليها لجنة التحقيق المستمرة في كشف ملابساتها التي لم تعلنها بشكل نهائي.

وعلم مراسل “نون بوست” أن المخابرات المصرية تلعب دورًا جديدًا وكبيرًا لمحاولة إغلاق ملف تفجير موكب الحمد الله والعودة لإتمام المصالحة الفلسطينية، في ظل اتصالات متواصلة مع قادة حركة حماس في قطاع غزة.

وفي كل الأحوال فإن حادثة تفجير موكب الحمد الله تأتي لضرب المصالحة الفلسطينية بشكل تام، لانتزاع مواقف سياسية من كلا الطرفين (حركتي فتح وحماس على حدة)، والتفرد في صياغة حل اقتصادي يُفرض على الطرفين، تظل بموجبه الضفة الغربية تحت حكم الاحتلال وإدارة السلطة المدنية، وتأسس لكيان سياسي مستقل في غزة أشبه بالدولة تحاصره “إسرائيل” من الجوانب كافة مع إبقاء الوضع السيادي على ما هو عليه.