كان هناك تحذيرات من حدوث انعاكسات سلبية على نسبة الأصوات التي يتوقعها حزب العدالة من مناطق الكثاقة الكردية وتحديدًا شرق وجنوب تركيا في انتخابات 2019 منذ أن بدأ الإفصاح عن خطط حزب العدالة والتنمية للتحالف مع حزب الحركة القومية الذي اقترب كثيرًا من حزب العدالة والتنمية خلال الآونة الأخيرة إلى حد ما قبل التطابق، وقد بدأت هذه العملية تنمو تحديدًا بعد 15 من يوليو/تموز، حيث تعتبر انتخابات 2019 حرجة وجوهرية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وللرئيس رجب طيب أردوغان.
في البداية فلنلق نظرة على الأصوات التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطية وحزب العدالة والتنمية في آخر عملية انتخابية للبرلمان في المناطق التي تعتبر مناطق الكثافة الكردية في يونيو ونوفمبر 2015 وقد نقلتها عن مقالة للباحث جمعة تشيشيك في مجلة بريكيم عام 2015:
توضح الخريطة أعلاه نسب تأييد حزب الشعوب الكردي في منطقة جنوب شرق تركيا وفق انتخابات نوفمبر 2015، ويشير اللون الأخضر إلى المناطق التي يعتبر حزب الشعوب الديمقراطية ذو الأغلبية الكردية فيها قويًا ولا يستطيع أن ينافسه حزب آخر؛ حيث تزيد نسبة تأييده عن 50%، ويعتبر الفرق بينه وبين أي حزب آخر على الأقل 20%.
أما المنطقة الصفراء فهي منطقة يحصل فيها حزب الشعوب على أصوات تتغيير من فترة لأخرى ولكنها تتراوح بين 30-50%، أما المنطقة الحمراء فهي منطقة يحصل فيها الحزب على نسبة أصوات تقارب 10%، أما المنطقة البرتقالية فنسبة حزب الشعوب فيها أقل من 10%، والمنطقة باللون الأزرق وهي مناطق تضم نحو 10 مدن كبرى فإن النسبة 5%.
أما الخريطة التالية فهي توضح النسبة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية في نوفمبر 2015:
يتضح من الخريطة أن حزب العدالة يحافظ على قوته في 6 مدن (المنطقة الخضراء) ويحافظ على التوازن في 3 مدن (المنطقة الصفراء)، أما 11 منطقة أخرى تم تصنيفها بأنها تتبع للمعارضة وهي المنطقة الحمراء.
لكن هناك ملاحظة مهمة وهي أن السكان في المنطقة الأولى 4.7 مليون والثانية 5 ملايين أي بمجموع يقارب 9.7 مليون، فيما مجموع الـ11 مدينة الأخرى هو 5.22 مليون.
المدن التي يتفوق فيها حزب العدالة والتنمية هي: أرضروم وشانلي أورفا وبينغول والعزيز وأدي يمان وغازي عنتاب، أما المدن التي يحافظ فيها على التوازن فهي: بيتليس وكارس وأرداهان، وتشكل بقية المدن الأخرى سيطرة المعارضة.
ومن نوفمبر 2015 إلى 16 من أبريل حيث الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حدثت بعض التغيرات؛ حيث يوضح لنا الرسم البياني أعلاه عمليات التنقل في التصويت بين انتخابات نوفمبر 2015 واستفتاء 2017 حيث نجد أن ما نسبتهم 5% إلى 13% من الذين صوتوا بنعم في الاستفتاء لصالح الرئيس أردوغان، كانوا قد أعطوا أصواتهم لحزب الشعوب في 2015، علمًا أن 76-85% من مؤيدي حزب الشعوب صوتوا بـ”لا” في عملية الاستفتاء، لكن النسبة التي قالت “نعم” ليست بالقليلة خاصة أن الاستفتاء نجح بنسبة 51.3%.
كانت نسبة التصويت بـ”نعم” في الاستفتاء في محافظات ديار بكر 32.42% وهكاري 32.35% وشرناق 28.41% وتونجلي 19.66%، ويتضح من هذا أن النسبة أعلى من نسبة الحزب في انتخابات 2015، وقد ارتفعت النسبة أيضًا في محافظة أغري وفان وسيعرت وباطمان وغيرها، مع العلم أن قسم من حزب الحركة القومية قد صوت بنعم أيضًا، ولكن مع ضعف حضور حزب الحركة القومية في تلك المناطق، اعتبر الارتفاع في نسبة التصويت بنعم بأنه زيادة في نسبة دعم حزب العدالة والتنمية.
يبدو تحالف حزب العدالة مع الحركة القومية للوهلة الأولى أنه سيؤثر سلبًا على أصوات الأكراد لحزب العدالة، لكن المسار التصاعدي لصالح حزب العدالة في المنطقة الكردية والحساسية العالية التي يبديها المسؤولون بتصريحاتهم عن المكون الكردي
ويظهر لنا هذا الأمر أن مسار يونيو/حزيران 2015 مرورًا بانتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وصولاً إلى استفتاء أبريل/نيسان 2017 يعد مسارًا تصاعديًا داعمًا لحزب العدالة وإن كان غير مرتفع بشكل كبير.
أشار الكاتب التركي عبد القادر سيلفي في أحد مقالاته في صحيفة حرييت بأن هناك كتلة ثابتة مؤيدة لحزب الشعوب لا تتراجع عنه، ذكر أنها أكثر من 90% من مؤيدي الحزب؛ وبالتالي فإن تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية سواء حدث أم لا فإن كتلة ثابتة داعمة لحزب الشعوب لن تتغير، ومع حقيقة أن هؤلاء لا يمثلون كل الأكراد فإن حزب العدالة والتنمية أيضًا سوف يهتم بهذه النسبة أو على الأقل لن يعمل على استفزازها.
ومن الطبيعي أن يستخدم حزب الشعوب الديمقراطي تحالف الحركة القومية مع حزب العدالة كبروباغندا لتحريض الأكراد على حزب العدالة، ولكن هذا الأمر لا ينقص من حقيقة أن حزب الشعوب الديمقراطي هو الآخر يعيش مشاكل كبيرة.
وكما ذكرنا فإن خطاب حزب العدالة والتنمية سيراعي المكون الكردي كمكون من مكونات الدولة التركية وسيبدي اهتمامًا كبيرًا خاصة بالمدن الكبرى، وقد رأينا زيارة داوود أوغلو الأسبوع الماضي لمدينة فان وما حظي به من استقبال، وربما تحمل زيارة داوود أوغلو إلى فان دلالات معينة خاصة أنه كان له دور كبير في عملية السلام الداخلية.
على الصعيد الدولي كان موضوع عفرين موضوعًا قد يكون له تبعات على الصوت الكردي، لكن الحكومة تعاملت بحساسية عالية تجاه هذا الأمر وتعاملت مع المدنيين بكل اهتمام وهذا منع أي تأثيرات سلبية
ولا ننسى أيضًا أن هناك عاملاً مهمًا وهو أن تأثير حزب العمال في المناطق الكردية تراجع، حيث كان يتم إجبار الناس في الانتخابات على التصويت ضد حزب العدالة وضد الرئيس أردوغان أيضًا، وقد كان خطاب أردوغان في ديار بكر مؤيدًا لهذا الأمر حيث قال: “لقد فعلت المنظمات الإرهابية الكثير ضد مواطنينا الأكراد ولكن بعد الآن لن يستطيعوا”، وسوف يتراجع دور حزب العمال خاصة مع بشائر فتح جبهة معه في العراق، ومن ناحية أخرى يركز حزب العدالة والتنمية على المشاريع التنموية في المناطق الكردية بشكل كبير.
صحيح أن القومية الكردية قد تدفع كثيرين إلى اختيار المرشح أو الحزب الكردي، ولكن على الأغلب لن يكون هناك مرشح عن حزب الشعوب في الانتخابات الرئاسية القادمة وسيدعم حزب الشعوب على الأغلب حزب الشعب الجمهوري حتى إن لم يكن التحالف بينهما معلنًا، وهذا التخفي إن وجد سيصب في صالح حزب العدالة، أما إن كان معلنًا بقوة فسيزيد من دعم القوميين في الحركة القومية والخط القومي في حزب الشعب لصالح أردوغان، وأيضًا لن ينسى الناخب الكردي أن أعظم الإصلاحات التي قدمت للأكراد كانت في عهد حزب العدالة والتنمية.
وعلى الصعيد الدولي كان موضوع عفرين موضوعًا قد يكون له تبعات على الصوت الكردي، لكن الحكومة تعاملت بحساسية عالية تجاه هذا الأمر وتعاملت مع المدنيين بكل اهتمام وهذا منع أي تأثيرات سلبية، كما أعادت تركيا علاقاتها مع إقليم شمال العراق وأمس أعادت الخطوط الجوية الحركة بين تركيا ومطار إربيل، وهذا سيكون عنصرًا إيجابيًا لصالح خيارات حزب العدالة والتنمية ورئيسه.
يبدو تحالف حزب العدالة مع الحركة القومية للوهلة الأولى أنه سيؤثر سلبًا على أصوات الأكراد لحزب العدالة، لكن المسار التصاعدي لصالح حزب العدالة في المنطقة الكردية والحساسية العالية التي يبديها المسؤولون بتصريحاتهم عن المكون الكردي والخدمات التي تقدم للمنطقة والحرب الدائرة على حزب العمال الذي هزم في عفرين وتحجيم أذرعه السياسية في داخل تركيا سيكون له دور إيجابي في عدم تراجع دعم حزب العدالة والتنمية في تلك المنطقة خاصة مع وجود أحزاب كردية داعمة للرئيس أردوغان مثل حزب الهدى بار وهو حزب إسلامي كردي.