في اليمن، وخلال أسبوع واحد استقال كل من نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية عبد العزيز جباري، وتبعه وزير النقل صالح الجبواني، ليلحق بهم خلال أقل من 48 ساعة وزير الدولة صلاح الصيادي.
استقالة هؤلاء الوزراء الثلاث تحمل في طياتها رسائل واضحة ومبطنة في نفس الوقت لطبيعة العلاقة التي كانت تجمع حكومة هادي مع قيادة التحالف العربي التي أشار إليها عبد العزيز جباري في حوار تليفزيوني عقب تقديم استقالته إلى أنها تابع ومتبوع.
وقال الوزير اليمني المستقيل صلاح الصيادي إن بوصلة التحالف العربي في اليمن انحرفت عن أهدافها، والقرار السيادي اليمني قد سُلب، وجاءت هذه التصريحات بعد أن كان قد صرح منذ عدة أيام بأن الرئيس عبد ربه منصور هادي يخضع للإقامة الجبرية في الرياض، وحذّر من نتائج سيئة في انتظار اليمنيين إذا لم يعد للبلاد.
وكان كل من جباري والجبواني والصيادي، قد اتهموا كلّاً من السعودية باحتجاز هادي، والإمارات بالخروج عن أهداف التحالف وإدارة مشروع خاص بها في شبوة والجنوب، وطالب هادي باتخاذ موقف معلن وصارم من بقاء الإمارات ضمن التحالف، وألمح جباري من خلال تصريحاته بأن السعودية لم تكن “تحترم” الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأضاف “نحن نحترم كرامتنا ويجب التعامل مع الرئيس هادي باحترام”.
أما صالح الجبواني، فقد اتهم الإمارات صراحةً بإنشاء جيوش مناطقية وقبلية وبوضع العراقيل أمام الحكومة الشرعية.
استقالة ثلاثة وزراء يمنيين من حكومة المنفى، فسرها البعض أنها بسبب عدم رضاهم عن أداء التحالف الذي تقوده السعودية، لكن يبدو أن تلك التفسيرات غير حقيقية.
فهم يدركون أن التحالف منذ بدايته في اليمن، لا يسعى لإعادة الشرعية، وإنما تركيع البلاد سياسيًا وهدم بنيتها التحتية، والقضاء على الجيش كان الهدف الحقيقي وراء تلك العاصفة، ولو كان غير ذلك لما ساعد الحوثيين على التشبث في الحكم طيلة ثلاثة سنوات، وساعدهم على قتل علي عبد الله صالح.
يسابق الحوثيون الزمن سعيًا منهم لإبطاء أو تعطيل عملية إنشاء تحالف يمني يقوده أقرباء الرئيس اليمني السابق الذي غدروا به
ولو عدنا إلى الخلف قليلًا، فإن الوزراء الذين قدموا استقالتهم، هم أنفسهم من كشفوا أن الرئيس عبد ربه منصور هادي إما معتقل أو تحت الإقامة الجبرية أو حريته محتجزة، ولا يستطيع أن يكون لديه قرار عسكري أو سياسي أو حتى اجتماعي مستقل، وهذا ما يؤكده “جباري” في حديثه لقناة اليمن اليوم، الذي دعا إلى أهمية تصحيح العلاقة بين الحكومة اليمنية والتحالف، وأن تبنى على احترام متبادل، وليس “تابع ومتبوع”.
إضافة إلى بيان استقالة وزير الدولة صلاح الصيادي الذي قال فيها إن العلاقة بين الدولة “الشرعية اليمنية” والتحالف العربي باتت علاقة غير متكافئة وغير طبيعية وانتقلت من الشراكة إلى التبعية التامة، وهو ما يعني أن الاستقالة فرضت عليهم فرضًا.
المعلومات التي سربت قبل تقديم استقالات الوزراء الثلاث عما يجري خلف الكواليس بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية أو قيادة التحالف، من حوار يسعى الحوثيون إلى إبرام اتفاقيات مع الرياض بعيدًا عن هادي أو الإمارات العربية المتحدة، وحيثيات بيان الاستقالات للوزراء الثلاث أو حديثهم التليفزيوني، يشير إلى أن هناك واقعًا جديدًا تريد المملكة العربية السعودية فرضه في اليمن، مما يؤكد ما كنا قد أشرنا إليه في مواضيع سابقة عن أن هناك تحالفات جديدة يتم إنشاؤها بعيدًا عن الشرعية.
تفاهمات بعيدة عن الشرعية
يسابق الحوثيون الزمن سعيًا منهم لإبطاء أو تعطيل عملية إنشاء تحالف يمني يقوده أقرباء الرئيس اليمني السابق الذي غدروا به، وكذلك من قيادات في المؤتمر الشعبي العام، وقيادات عسكرية كبيرة في الحرس الجمهوري اليمني الذي يتم العمل حاليًا على إعادة ترتيب صفوفه بعد تفريق شمله منذ 2012 بحجة هيكلة الجيش، إضافة إلى شخصيات قبلية ومجتمعية ترفض أن يكون اليمن ضمن الوصاية الإيرانية.
ولهذا لجأ الحوثيون إلى جولات مكوكية دولية، تارة من أجل تقديم مبادرة سلام لإنهاء الحرب، وأخرى لبحث وسيط دولي قادر على إقناع السعودية بالجلوس معهم من أجل الحوار.
وفد الحوثيين في مهمة ترويج لمبادرتهم عن السلام في اليمن
ووفقًا لدبلوماسي يمني يرفض الكشف عن اسمه نتيجة للوضع السياسي في البلاد، فإن معلومات وصلت الحكومة الشرعية بأن الحوثيين وإيران نجحا بجر المملكة العربية السعودية إلى طاولة حوار مباشرة مع الحوثيين بوساطة عمانية وباكستانية من أجل التفاوض لوقف الحرب مقابل تنازلات يقدمها الحوثيون للمملكة العربية السعودية، وتوقيع اتفاقيات ومعاهدات بعدم المساس بالحدود السعودية، وأن يكون اليمن ضمن إطاره العربي، وأن يكون للمملكة حيزًا في رسم معالم السياسة الداخلية والخارجية لليمن تشاركها إيران عن طريق الحوثيين.
الدبلوماسي أشار إلى أن المفاوضات كانت ندية، وأن الحوثيين استخدموا أوراق ضغط عسكرية، وكشفوا أن جماعتهم أصبحت تمتلك صواريخ متطورة سواء كانت هجومية أم مضادة للطيران الحربي، خصوصًا بعد السيطرة على مخازن أسلحة كانت ترفض تسليمها قيادات موالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وهذا ما جعل السعودية ترضخ للحوار المباشر مع الحوثيين بعيدًا عن الشرعية.
يضع الحوثيون شرطًا أساسيًا في الحوار السري المباشر بين مكونات من الحوثيين، وقيادات عسكرية سعودية، بأن تتخلى الرياض عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتشرف على إجراء انتخابات رئاسية بعد عام من تكوين مجلس حكم انتقالي يكون للحوثيين نصيب الأسد منه، لكن السعودية متخوفة من عدم جدية الحوثيين في حوارهم هذا.
الرئيس اليمني أخطأ خطاءً فادحًا بعدم استغلال الأوراق التي أتيحت له خلال الفترة القليلة الماضية
تقليص الدعم السعودي
لكن يبدو أن الإمارات العربية المتحدة والسعودية، أصبحتا لا تثقان بالحوثيين نتيجة لغدرهم بشريكهم الذي كان يمثل لهم غطاءً شرعيًا وعسكريًا، ولا بالشرعية المتمثلة بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد ثلاثة أعوام انقضت دون أن تسجل قواته أي اختراق في جدار العاصمة اليمنية صنعاء.
وقلصت المملكة العربية السعودية، دعمها العسكري واللوجستي للقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتراجع أداء التحالف الجوي كثيرًا خلال الفترة القليلة الماضية، ولم تعد الغارات الجوية على العاصمة صنعاء كما كانت قبل أشهر قليلة، فضلاً أن التغطية الجوية في الجبهات تراجعت إلى حد كبير.
وقالت وسائل إعلام يمنية إن المملكة العربية السعودية منعت الحكومة اليمنية من شراء أسلحة تلبي احتياج الجبهات القتالية، بعد أن قلصت الرياض دعمها العسكري، وهو ما جعل حكومة هادي تستشعر خطورة ترك الجبهات بلا سلاح خاصة مع استمرار المعارك مع طرف الحوثيين.
نعيد القول، إن الرئيس اليمني أخطأ خطاءً فادحًا بعدم استغلال الأوراق التي أتيحت له خلال الفترة القليلة الماضية، المتمثلة بمقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والعمل على لم شمل اليمنيين بمختلف فئاتهم، إضافة إلى رفضه مطالبة الأمم المتحدة برفع العقوبات عن أحمد علي صالح، ليكون هو القائد الوحيد، لكنه كابر وعاند وتمسك بموقف المنتصر علي عبد الله صالح رغم أن من قتله أعداءه وأعداء اليمنيين كافة.
تقول الأحداث على الأرض إن الشرعية في عامها الأخير، وستصاب بمرض اسمه “سرطان التهميش”
كانت تلك الفجوة التي منحت التحالف ضوءًا أخضر بتكوين تحالفات جديدة، بعيدة عن الشرعية، لمحاربة الحوثيين المواليين لإيران، وسببًا فيما وصل إليه وضع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته.
فشل هادي خلال ثلاثة أعوام في إدارة المعركة عسكريًا، لكنه صمد سياسيًا، ولن يصمد أكثر من ذلك مع اقتراب العام الرابع، لكن يبدو أنه سيصارع العام القادم على شرعية تموت ببزوغ شرعية أخرى.
تقول الأحداث على الأرض، إن الشرعية في عامها الأخير وستصاب بمرض اسمه “سرطان التهميش” سينخر في جسدها خلال الفترة القادمة، وسيتقلص الدعم لها، وسيتحول لصالح طارق صالح والتعاون معه والاعتراف بحضوره وحضور المؤتمر الرافض للحوثيين كقوة سياسية وعسكرية مناهضة للحوثيين، وستكون الحكومة الشرعية الخاسر الأكبر من المتغيرات.
فبعد ساعات من الآن تحل الذكرى الرابعة لتدخل التحالف العربي في اليمن، وما بين اليوم الأول لانطلاق تلك العمليات التي جاءت تحت مبرر استعادة الشرعية وما يجري اليوم بون شاسع.
الواقع يقول إن هناك فصيلاً جديدًا وتحالفات جديدة يتم العمل على إنشائها لتكون بديلة عن الشرعية
يجري التضييق على الحكومة الشرعية التي جاءت السعودية وحلفاؤها من أجل نصرتها بينما تهرول السعودية إلى الحوثي الذي تقول إنها تحاربه وتفتح معه الحوار والتواصل.
يأتي هذا بالتزامن مع تحرك المبعوث الأممي الجديد، وهو ما يشير إلى وجود تناغم بين تلك الاستقالات والزيارة الأخيرة للمبعوث الأممي إلى اليمن، الذي سيمكث ضيفًا لدى الحوثية أسبوعًا كاملًا.
ولعل ذلك التناغم يرسم سيمفونية على أوتار جديدة، وواقع يبعد عن الأهداف المرسومة للتحالف العربي الذي تكوّن أو شُكل من أجله وهي إعادة الشرعية إلى اليمن، غير أن الواقع يقول إن هناك فصيلاً جديدًا وتحالفات جديدة يتم العمل على إنشائها لتكون بديلة عن الشرعية، ولن يبقى عبد ربه منصور هادي إلا كشماعة تُعلق عليها أسباب تدخل التحالف العربي التي تقوده السعودية في اليمن.