مرة أخرى يعود الحديث تركيًا عن سنجار وضرورة تطهيرها من عناصر حزب العمال الكردستاني، ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016 قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو: “لن تسمح تركيا لمنظمة بي كا كا بجعل منطقة سنجار في محافظة نينوى، معقلاً آخر لها بعد قنديل”، ثم أكد ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال الإدلاء بتصريحات تحمل نفس المعنى حينما قال: “نفكر أن نطلق عملية مماثلة لدرع الفرات في العراق، ونطلب من القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لفكرتنا”.
اليوم يعود الرئيس التركي لتكرار نفس التصريحات التي تفيد عزم تركيا الوصول إلى سنجار وتطهيرها من عناصر حزب العمال الكردستاني، إلا أنه هذه المرة أضاف عبارة: “في حال لم تقم الحكومة العراقية بتطهير المدينة منهم”، وهو بالتالي يفتح الباب واسعًا للتفاهمات مع الحكومة العراقية عن هذا الموضوع.
سبق للعراق وتركيا أن اتفقتا خلال زيارة رئيس الوزراء التركي لبغداد في 7 من يناير/كانون الثاني 2017 أن تخرج الحكومة العراقية حزب العمال من سنجار مقابل سحب القوات التركية الموجودة في مدينة بعشيقة العراقية، إلا أن الحكومة العراقية لم تف بالتزاماتها حتى الآن، وهذا ما جعل الرئيس التركي يذكّر بواجبات الحكومة العراقية للالتزام باتفاقها مع تركيا بضرورة تطهير سنجار من حزب العمال.
كان رد فعل الحكومة العراقية سريعًا على تصريحات المسؤولين الأتراك على غير العادة، حينما أعرب وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري عن رفض بغداد لأي عملية عسكرية تقوم بها تركيا على الأراضي العراقية.
على الرغم من أن الحديث عن تدخل القوات التركية في سنجار ما زال مبكرًا جدًا، ذلك لأن الأتراك أمامهم مهام تُعتبر من الأوليات، متمثلة بتحرير منبج وتل رفعت وشرق الفرات والقامشلي وغيرها من المدن، وفي حال كانت وتيرة المعارك القادمة مشابهة لما حدث في عفرين، فأمامنا شهور طويلة لإنجاز تلك المهام، هذا مع افتراض أن الأمور ستجري مثلما تخطط له تركيا ودون معرقلات أمريكية أو روسية وحتى إيرانية.
في حركة ذكية من إيران لسحب البساط من الساسة الأتراك وإلغاء مبرراتهم للتدخل في سنجار، قامت بالإيعاز لحكومة بغداد لتأمر حزب العمال بالخروج من سنجار والانسحاب إلى مناطق أخرى بالعراق
تركيا تريد من خلال حديثها عن سنجار وضرورة تطهيرها من حزب العمال، تحقيق هدفين، أولهما التمهيد لمثل هكذا عملية في المستقبل في حال اضطرارها لذلك، والثاني الضغط على الحكومة العراقية لاتخاذ إجراءات بحق هذا الحزب وإخراجه من سنجار، وهي بذلك تتجنب خوض معركة غير محسوبة العواقب.
لكن أين سيذهب هؤلاء المقاتلون في حال تحقيق أحد الهدفين؟ من المؤكد أنهم سوف سيذهبون إلى داخل المدن التي تسيطر عليها الأحزاب الكردية المتناغمة مع إيران، وهذا واضح من مواقف الاستنكار التي أبداها زعماء الأحزاب الكردية في السليمانية من القصف الجوي التركي قبل أيام على مقرات حزب العمال في المناطق المتاخمة للحدود التركية.
وتعبيرًا عن سوء العلاقة بين الأحزاب الكردية في السليمانية والقيادة التركية، اتهم أحد قيادات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، تركيا بشق الصف الكردي من خلال السماح باستخدام مطار أربيل واستثناء مطار السليمانية من ذلك.
لذلك فإن على تركيا التواصل مع إيران للضغط على وجود هذا الحزب في تلك المدن، وهذا ما يفعله المسؤولون السياسيون الأتراك منذ الآن، وتركيا على يقين أن بإمكان إيران إخراج حزب العمال من المدن الكردية، كما فعلت ذلك عندما أخرجتهم من كركوك وقت اجتياحها من القوات العراقية والحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني بعد الاستفتاء الكردي الفاشل.
لم تتفاعل تركيا بشكل جدي مع تلك التصريحات العراقية الرافضة لتدخلها في سنجار لأنها تعتبرها تصريحات موجه إلى الداخل العراقي قبل الانتخابات البرلمانية، لكن من الواضح أن هذه المواقف تعبر عن حقيقة الموقف الإيراني من هذه العملية، وليست لها علاقة بالانتخابات النيابية العراقية، فقد سبق للنظام الإيراني أن أبدى انزعاجه الشديد من عملية غصن الزيتون في عفرين، ولم يجعله يغض النظر عن تلك العملية سوى الموقف الروسي الداعم للعملية.
تركيا تبتغي من عملية تطهير سنجار من حزب العمال، قطع الإمداد الذي يقوم به هذا الحزب لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، فهل لدى تركيا ضمانة ألا يقوم الحشد الشعبي بنفس ما كان يقوم به حزب العمال من دعم لأكراد سوريا؟
وفي حركة ذكية من إيران لسحب البساط من الساسة الأتراك وإلغاء مبرراتهم للتدخل في سنجار، قامت بالإيعاز لحكومة بغداد لتأمر حزب العمال بالخروج من سنجار والانسحاب إلى مناطق أخرى بالعراق.
لكن الجميع يعلم أن حزب العمال شكل وحدات عسكرية باسم حماية سنجار كما شكل إدارة محلية لهذه المدينة تابعة تمامًا له، بما يشبه وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وهذا يعني أن هذا الحزب لم ينسحب من المدينة عمليًا، إنما يتم التلاعب بالمسميات بغرض التعمية عن الولاءات الحقيقية لتلك القوات، سواء في العراق أم في سوريا.
ماذا سيفعل الأتراك في هذه الحالة لكي يجدوا المبررات القوية لمحاربة هذا الحزب وهو يتلون بكل الألوان ويستعمل كل أساليب التمويه على ميلشياته التي يؤسسها في المنطقة؟ الأمر يحتاج بالتأكيد إلى دراسة جدية من الأتراك.
التحدي الثاني الذي تواجهه تركيا في موضوع سنجار، هو الرفض الأمريكي المتوقع لتلك العملية، ذلك لأن عملية غصن الزيتون التي دارت رحاها في عفرين كانت بتوافق تركي روسي، كما أن الولايات المتحدة ليست اللاعب الأساسي في سوريا، إنما روسيا اللاعب الأساسي، وبالتالي فقد مرت عملية غصن الزيتون دون مشاكل كبيرة.
بينما الوضع مختلف في العراق، فهذا البلد يعتبر منطقة نفوذ أمريكية خالصة ويرتبط الأمريكان مع الحكومة العراقية باتفاقية أمنية تتيح لهم التدخل العسكري في حال تعرض العراق لخطر أمني، ولا نعتقد أن الحكومة العراقية تتوانى بالطلب من الجانب الأمريكي التدخل لصالحها لمنع الأتراك من الدخول إلى سنجار.
وعلى افتراض أن كل هذه المشاكل المذكورة أعلاه تمت تسويتها والتغلب عليها من المسؤولين الاتراك، أليس على هؤلاء السياسيين التفكير بفترة ما بعد تطهير سنجار؟ هل يتركون سنجار للقوات الحكومية العراقية وقوات الحشد مثلًا؟
إن تركيا تبتغي من عملية تطهير سنجار من حزب العمال، قطع الإمداد الذي يقوم به هذا الحزب لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، فهل لدى تركيا ضمانة ألا يقوم الحشد الشعبي بنفس ما كان يقوم به حزب العمال من دعم لأكراد سوريا؟ لا سيما أن الأدلة على التعاون بين هذا الحزب والحشد الشعبي أكثر من أن تحصى، وإذا كان هذا الافتراض حقيقي فإن العملية العسكرية التركية في سنجار، كأنها لم تكن ولن تحقق أغراضها التي يرجوها الأتراك منها.