ترجمة وتحرير: نون بوست
من المثير دائمًا معرفة أي الأصوات تُعتبر صالحة وأيها ليست كذلك، وأيها “تكتيكية”، أيها تعبر عن “اهتمامات مشروعة” وأيها مجرد “طائفية“. إن المرشحين المستقلين الأربعة الذين فازوا في الانتخابات الأسبوع الماضي من خلال استغلال الإحباطات بشأن غزة يتم التعامل معهم بالفعل كعلامة مقلقة على ظهور سياسة طائفية. والمعنى الضمني هو أن المسلمين فقط هم الذين يهتمون بغزة، وأنهم يفعلون ذلك على حساب اهتماماتهم وولاءاتهم المحلية.
والحقيقة هي أن صدى غزة يمتد عبر تركيبات ديموغرافية متنوعة؛ حيث إنه مرتبط بمظالم سياسية أخرى ومؤطر بها، وقد أصبح تعبيرًا عن شيء جعل مناخنا السياسي من الصعب تحمله، وهو أن الناخبين يمكن أن يكون لديهم مبادئ يهتمون بها دون أن يكون ذلك مؤشرا على التطرف أو اللامبالاة.
لقد كانت هناك ميول مستمرة للتعامل مع الإحباطات بشأن غزة كأمور بدائية، انفصالية، ومقتصرة على أقلية صغيرة ولكنها مسموعة. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي المستمرة تشير إلى أن غالبية الجمهور تدعم وقف إطلاق النار، إلا أن السياسيين، ولا سيما قيادة حزب العمال، استمروا في تجاهل القضية.
ونتيجة لذلك؛ حصل أربعة مرشحين كانت حملاتهم تركز بشكل أساسي على غزة على أربعة مقاعد، أحدهم في ليستر الجنوبية: حيث أزاحوا النائب جوناثان أشوورث، القائم بأعمال السكرتير العام السابق.
ويمكن لمقر حزب العمال أن يواسي نفسه بأن هذا عدد قليل ضمن المخطط الكبير، وأن غزة ليست (كما نأمل) قضية دائمة، وأنها لن تكون ذات صلة بعد خمس سنوات. وأن المسلمين فقط هم الذين يتركزون بأعداد كبيرة في عدد قليل من المقاعد. لكن هؤلاء المرشحين المستقلين الأربعة فازوا لأن الأشخاص غير المسلمين صوتوا لهم أيضًا، ولأن العديد من الأشخاص امتنعوا عن التصويت.
لنأخذ إلـفورد نورث كمثال؛ حيث كادت ليان محمد أن تطيح بويس ستريتنج. إن فكرة خروج المسلمين بأعداد كبيرة للتصويت ببساطة ليست صحيحة، إذ يشكل المسلمون ربع الدائرة الانتخابية. ولو حصلت ليان محمد على جميع أصواتهم، لفازت بسهولة. وربما صوت لها عدد كبير، ولكن الآخرين صوتوا لحزب العمال، والمحافظين، والخُضر، أو لم يصوتوا على الإطلاق. وقد انخفضت نسبة المشاركة بأكثر من تسع نقاط مئوية في جميع أنحاء الدائرة الانتخابية.
وينطبق الأمر نفسه على مقعد بيري بار في برمنغهام، حيث حصل الفائز على عدد من الأصوات يقل بكثير عن عدد الناخبين المسلمين المؤهلين في الدائرة الانتخابية، وانخفضت نسبة المشاركة بنحو 10 نقاط مئوية.
القصة هي عن عدد أكبر من المسلمين الذين صوتوا للمرشحين المستقلين، وعن عدد أقل من الناس الذين صوتوا بشكل عام. والصورة الأكبر هي انتخابات غير ملهمة أدت إلى نفور العديد من الناخبين، مسلمين وغير مسلمين، مقرونة بقضية حركت الناخبين، وكثير منهم كانوا مسلمين، وبعضهم لم يكن كذلك.
لا يوجد تحليل لتصويت الناخبين بناءً على الأسس العرقية أو الدينية، لكن هناك دلائل على أن المستقلين لم يفوزوا فقط على خلفية كتلة تصويتية واحدة. وتعتبر خسارة جورج غالاوي في روتشديل استثناء يخبرنا بشيء عن مدى حاجة مثل هؤلاء المرشحين إلى جاذبية أوسع للفوز. وقد خلق تصويت المسلمين محوَرًا تم التكتل حوله. وإذا أخذنا عينة من استطلاعات الرأي على مستوى البلاد بشأن غزة وتنوع الاحتجاجات الكبيرة في مختلف أنحاء البلاد، فمن الواضح أن غزة بعيدة عن أن تكون مصدر قلق ديموغرافي واحد.
ولا تكون القضية منعزلة عن الإحباطات الأوسع تجاه حزب العمال، فخلال الشهور التي قضيتُها في الكتابة عن كيفية تأثير غزة على السياسة الداخلية، لم أسمع أبدًا أن الموضوع ذُكر دون أن يكون مرتبطًا بأمور أخرى. لقد أصبحت وسيلة لتحديد المجتمعات بأنها غير مسموعة لدى السياسيين، وأنهم وحيدون.
لقد تم التعبير عنها كإشارة على أن الحزب، في تعامله مع الحرب، أظهر غياب ميزة أخلاقية حاسمة. لقد أصبحت الثقافة السياسية المغلقة تتعامل مع الأمور المبدئية على أنها أمور أيديولوجية قدمت وسائل قليلة لفهم أو معالجة فقدان الثقة هذا.
إن الأشخاص الذين شعروا بقوة بشأن غزة ورفضوا التصويت لحزب العمال على هذا الأساس فعلوا ذلك جزئيًا لأن القضية تعني الكثير: فقد أشارت إلى أن إعادة ضبط الحزب قد أزال أساسه الأخلاقي. فعندما يقول كير ستارمر إنه سيحكم “بدون عقيدة”، فإن ما لا يدركه هو أن الوسطية في الوطن و”الواقعية التقدمية” في الخارج هي عقيدة واحدة تستثني نوع التعاطف والتضامن الذي يعني الكثير للآخرين.
ويمكنك أن تتفق أو تختلف مع نهج حزب العمال، لكن سيكون متحيزًا (بل وقد أقول طائفيًا) ألا تعترف أنه قائم على أيديولوجية تستثني الكثيرين، وليس أسلوب حكم محايد يمكن فقط لغير العقلانيين أن لا يوافقوا عليه.
كل هذا قد لا يأتي بشيء، ويمكن أن يُجادَل بأنه بالفعل كذلك، فلقد فاز حزب العمال بأغلبية ساحقة والسباق لتحديد المخاطر في الانتخابات المقبلة هو مجرد تمارين في قراءة الطالع. لكن ما يهم الآن هو كيف نتحدث ونفكر فيما يشكل ديمقراطية صحية، وكيف نتحدث عن الناخبين، وكيف نُعرّف حقوقهم في التعبير عن الإحباطات السياسية عبر صندوق الاقتراع، حتى عندما لا نشاركهم شغفهم. فهذا البلد بلدهم أيضًا. وعندما يتعلق الأمر بغزة؛ تم التعامل مع حلقة تاريخية من المشاركة السياسية أظهرت كيف يمكن للتعبئة خارج ويستمنستر أن تزعزع مسؤوليات سياسية قوية بعدم اهتمام وتحيز.
في عصر ما بعد المحافظين؛ يمكننا اختيار محاولة فهم هذا كازدهار للتعددية السياسية التي يمكن أن يتبناها حزب العمال إلى أقصى قوته. أو يمكننا تجاهلها وتشخيصها، وبذلك؛ نحول ما أظهرته غزة إلى شيء آخر من الاستياء الذي يغذي قلة المشاركة، وقلة الثقة السياسية واستغلال الإصلاح السام لكليهما، وكل التوترات التي ستستمر في التصاعد ما لم يتم معالجتها.
إن الأغلبية توفر القوة السياسية، ولكن الأقليات يمكن أن تحقق التفاهم السياسي، والله يعلم أننا في أمس الحاجة لذلك.
المصدر: الغارديان