ترجمة حفصة جودة
كتبت هانا داهلن وليليان بيترز
ارتفعت نسبة التدخلات الطبية والجراحية في الولادة بشكل كبير عالميًا في الفترة الأخيرة، ففي أستراليا فقط، هناك امرأة بين كل 3 نساء تلجأ للولادة القيصرية، كما أن نحو 50% من السيدات يلجأن إلى تحفيز المخاض من خلال الهرمونات الصناعية.
في بحثنا الجديد المنشور في مجلة “Birth” وجدنا أن الأطفال المولودين نتيجة تدخلات طبية أكثر عرضة للمشكلات الصحية، بعضها قصير المدى مثل الصفراء ومشكلات الرضاعة، وبعضها طويل المدى مثل مرض السكري وأمراض الجهاز التنفسي والإكزيما، من المؤكد أن التدخلات الطبية ضرورية في بعض الولادات الصعبة، لكنها يجب أن تحدث فقط عند الضرورة الطبية.
ماذا وجدنا؟
حلل فريقنا الدولي – الذي يعمل في 5 دول – البيانات الصحية لما يقرب من 500 ألف امرأة وضعوا أطفالهم في نيو ساوث ويلز في الفترة ما بين عام 2000 وعام 2013 وكذلك وضع أطفالهم، وقد بحثنا في الوضع الصحي لأطفالهم خلال أول 28 يومًا ثم الوضع عند بلوغهم خمس سنوات.
الأطفال الذين يتعرضون لتدخل طبي مثل الشفط أو الملاقيط بعد الحث على المخاض بالهرمونات الصناعية أكثر عرضة لخطر الإصابة بالصفراء
بعد ذلك قمنا بالمقارنة بين النتائج الصحية للأطفال الذين ولدتهم أمهاتهم ولادة طبيعية والأطفال الذين ولدوا من خلال تدخل طبي أو جراحي، بالنسبة للتدخل الطبي فهو يحدث عندما يبدأ المخاض باستخدام هرمونات صناعية أو تحفيز وزيادة المخاض لتحدث تقلصات أقوى، أما التدخل الجراحي فيشمل الجراحة القيصرية واستخدام أدوات مثل الملقاط أو غطاء شفط بلاستيكي لسحب الطفل من المهبل.
نتيجة لذلك وجدنا أن الأطفال الذين يتعرضون لتدخل طبي مثل الشفط أو الملاقيط بعد الحث على المخاض بالهرمونات الصناعية أكثر عرضة لخطر الإصابة بالصفراء ومشكلات الرضاعة التي تتطلب علاجًا في أول 28 يومًا.
أما الأطفال المولودون نتيجة عمليات قيصرية فهم أكثر عرضة للإصابة بالبرودة والحاجة إلى العلاج في المستشفى مقارنة بالأطفال المولدين طبيعيًا، وبالنسبة للأطفال الذين يولدون من خلال عمليات قيصرية طارئة فهم أكثر عرضة للاضطرابات الأيضية مثل السكر والسمنة عند بلوغهم 5 سنوات.
أما معدلات الإصابة بعدوى الجهاز التنفسي مثل الالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية والاضطرابات الأيضية والإكزيما فهي أعلى بين الأطفال الذين تعرضوا لأي تدخل طبي مقارنة بالأطفال المولودين طبيعيًا.
ترتفع معدلات العدوى بين الأطفال الذين تعرضوا لأي تدخل طبي
تزداد الأدلة العلمية على أن الأطفال المولودين طبيعيًا أقل عرضة للمشكلات الصحية قصيرة أو طويلة المدى، كما أخذت الدراسة بعين الاعتبار الأسباب التي أدت إلى التدخل سواء من خلال تحفيز المخاض أو اللجوء للقيصرية نتيجة إصابة الأم بالسكر أو ارتفاع ضغط الدم، فقد تم حذف جميع السيدات الذين كانوا عرضة للخطر من الدراسة.
لماذا يزداد الخطر؟
أظهرت الدراسة وجود علاقة بين الأشكال الشائعة للتدخلات الطبية أو الجراحية وبعض المشكلات الصحية للأطفال، لم تجد الدراسة أيهما يسبب الآخر، لكن هناك بعض الأسباب الواضحة لتلك المشكلات.
بالنسبة للولادة باستخدام الملقاط أو سحب الطفل قد يسبب ذلك نزيفًا وكدمات في فروة رأس الطفل، مما يؤدي إلى تكسر خلايا الدم فيطلق الجسم مادة “البيليروبين” التي تسبب الصفراء، أما الأطفال المولدون قيصريًا فهم أكثر عرضة لإصابتهم بالبرودة لأن غرفة العمليات تكون باردة، ورغم التوصيات بوضع الطفل قريبًا من صدر الأم بمجرد ولادته، فإن ذلك لا يحدث دائمًا.
أما أسباب المشكلات الصحية على المدى الطويلة فهي أقل وضوحًا، لكن هناك فرضيتان مهمتان بهذا الشأن، تعتمد النظرية الأولى على “علم التخلق” بأن أحداث الميلاد تؤثر في عمل الجينات وتنتقل إلى الجيل التالي، فالمخاض والجهد المبذول في الولادة يعد من أشكال الضغط الإيجابي على المولود وتؤثر على الجينات المسؤولة عن مكافحة الجراثيم وتنظيم الوزن وقمع الأورام، في حالة عدم وجود ضغط؛ كما هو الحال في الولادة القيصرية، أو وجود المزيد من الضغط؛ في حالة الاستعانة بهرمونات صناعية لتحفيز المخاض، فإن ذلك يؤثر على عمل هذه الجينات.
استخدام العديد من الطرق لرعاية الأم في أثناء المخاض والولادة يؤدي إلى زيادة معدلات الولادة الطبيعي
أما النظرية الثانية فتعتمد على فرضية النظافة الممتدة، هذه الفرضية تقول إن الولادة الطبيعية توفر فرصة مهمة لتمرير بكتيريا الأمعاء من الأم إلى الطفل لإنتاج الميكروبيوم الصحية ووقايتنا من الأمراض، أما إذا كان لدينا ميكروبيوم غير صحية فسنكون أكثر عرضة للإصاب بالعدوى والحساسية وأمراض السكري والسمنة.
كيف نحد من التدخل غير الضروري في الولادة؟
أصدرت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا عدة توصيات للحد من التدخلات الطبية والجراحية دون سبب ومن بينها:
– يجب أن تحصل المرأة على الرعاية الطبية من نفس الطبيب خلال فترة الحمل وفي أثناء الولادة وبعدها للحد من التدخلات غير الضرورية.
– يجب عدم التدخل مبكرًا، فالمخاض في النساء أصبح أبطأ من ذي قبل، فالأطباء يؤمنون بأن عنق الرحم يتمدد بمقدار سنتيمتر كل ساعة، لذا عندما يتأخر التمدد يعتقد الأطباء أن المخاض بطيء وعليهم التدخل، لكننا نعلم الآن أن بطء التقدم في المخاض أصبح شائعًا.
– عدم استخدام المراقبة الإلكترونية المستمرة للطفل ما لم يكن الوضع خطيرًا، وبدلا منذ ذلك يمكن الاستعانة بجهاز المراقبة الصغير، فالمراقبة المستمرة تؤدي إلى زيادة التدخلات دون وجود خطر حقيقي على الأم.
يجب أن تكون الأم على دراية بجميع الإرشادات المتعلقة بالولادة لتجنب التدخلات غير الضرورية
كما أن استخدام العديد من الطرق لرعاية الأم في أثناء المخاض والولادة يؤدي إلى زيادة معدلات الولادة الطبيعية والحد من التدخلات غير الضرورية.
متى يكون التدخل ضروريًا؟
هناك مستويات من التدخل في أثناء الولادة من شأنها أن تحسن من وضع الأم والطفل، لكن منظمة الصحة العالمية توصي بأن يقل معدل الولادات القيصرية إلى أقل من 15%، ربما يحتاج الوضع إلى تحفيز المخاض في حالة صغر حجم الطفل، أو عند وصول الأم إلى ما بين الأسبوع 41 و42 من الحمل.
قد تكون الولادة القيصرية ضرورية قبل أن يبدأ المخاض في حالة المشيمة المتقدمة (حيث يكون وضع المشيمة أمام عنق الرحم)، أو في حالة تقدم المخاض مع إصابة الطفل بـ”ضائقة جنينة” (مثل انخفاض ضربات قلب الطفل أو نقص الأوكسجين).
في حالة الحاجة إلى تحفيز المخاض أو الخضوع لولادة قيصرية نتيجة حدوث مضاعفات، فهناك بعض الأشياء التي قد تساعد في علاج الآثار طويلة المدى على الطفل، يجب أن يحدث تلامس جسدي بين الأم والطفل “skin-to-skin” بعد الولادة مباشرة وأن ترضع الأم الطفل طبيعيًا فقط منذ الولادة.
من الضروري أن تكون النساء وأزواجهن على علم بالآثار قصيرة وطويلة المدى للتدخلات الطبية والجراحية، ليتمكنوا من اتخاذ القرار الصحيح بشأن الرعاية في أثناء الحمل والولادة.
المصدر: ذي كونفرسايشن