يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن (81 عامًا) ضغوطات قوية من الديمقراطيين لإفساح المجال لمرشح آخر لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في مواجهة منافسه الجمهوري دونالد ترامب المتفوق عليه جماهيريًا في استطلاعات الرأي الأخيرة.
وتصاعدت حدة تلك الضغوط التي انضم إليها بعض المانحين المؤثرين عقب انتهاء المناظرة التلفزيونية التي جمعت بايدن وترامب في 27 يونيو/حزيران الماضي، والتي أثارت قلق الديمقراطيين بشأن قدرة مرشحهم على هزيمة منافسه الجمهوري الذي بدا أكثر حيوية وقوة على مستوى الأداء والصحة العامة.
وأمام تلك الضغوط المتصاعدة أكد بايدن تمسكه بخوض الماراثون الانتخابي، مؤكدًا أن القدرة الإلهية وحدها هي القادرة على وقف حملته الانتخابية، فيما يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة حراكًا برلمانيًا وسياسيًا بين الديمقراطيين لحسم هذا الملف، فهل يُكمل بايدن الماراثون أم يرضخ ويُعلن انسحابه قبل أن يُطاح به إذا رفض الخيار الطوعي؟ وفي حال غيابه عن المعركة من أبرز المرشحين لخلافته؟
ضغوط الديمقراطيين تتصاعد
بدأت بعض التحركات العملية داخل الحزب الديمقراطي بشأن مطالبة بايدن بالانسحاب طواعية وفتح الباب أمام أسماء أخرى أكثر ملاءمة لطبيعة المرحلة، حيث القدرة على منافسة ترامب والجمهوريين، إذ قالت مصادر من الحزب الديمقراطي في مجلس النواب إن بعض الأعضاء شرعوا في توزيع رسائل واضحة ومباشرة تطالب الرئيس بالتنحي.
كما دعا زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، إلى اجتماع طارئ للنواب الديمقراطيين، على الإنترنت، لمناقشة مسألة انسحاب بايدن، فيما يسعى السيناتور الديمقراطي مارك وارنر إلى تنظيم اجتماع مماثل في مجلس الشيوخ.
وفي السياق ذاته طلب 5 نواب ديمقراطيين بشكل مباشر من بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي، بعدما استقر في يقينهم عدم قدرة بايدن على استكمال المرحلة، وضرورة الدفع بدماء جديدة قادرة على التعاطي مع المنافسة الشرسة المتوقعة مع الجمهوريين.
ويرى البعض أن بايدن أصبح عبئًا على الديمقراطيين في ظل الانتقادات الحادة التي تعرض لها خلال الآونة الأخيرة بسبب إدارته لبعض الملفات المهمة منها الحرب في غزة والتي سحبت كثيرًا من رصيده الشعبي، هذا بخلاف الفشل في التعامل مع الجبهة الروسية الصينية، كذا الملفات الداخلية التي تهم المواطن الأمريكي التي لم يرتق التعامل معها للحد الأدنى من طموحات الأمريكيين.
وعليه يخشى الديمقراطيون من أن يتسع الفارق بين بايدن وترامب بشكل أكبر مما أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة التي كشفت تقدم المرشح الجمهوري على نظيره الديمقراطي بـ6 نقاط كاملة، مع ميل 5 ولايات رئيسية من الولايات المتأرجحة للتصويت للجمهوريين، ما يؤثر سلبًا على فرص الحزب الديمقراطي في الفوز بهذا الماراثون، ومن ثم جاءت تلك التحركات الاستباقية قبل فوات الأوان.
مناظرة بايدن – ترامب.. الضربة القاضية
رغم الانتقادات التي تعرض لها بايدن بسبب إدارته للملفات الداخلية والخارجية والعجز عن تحقيق أي انتصار حاسم بشأنها، فإنها ظلت حبيسة المنطقة الدافئة، مكتفية بالشد والجذب بين الديمقراطيين، حتى جاءت المناظرة الشهيرة بينه وبين ترامب في 27 يونيو/حزيران الماضي لتسكب الزيت على النار، وتفجر براكين الغضب إزاء بايدن وتقوض فرصه في خوض الماراثون الانتخابي القادم.
ووصف مراقبون أداء بايدن خلال تلك المناظرة بـ”الكارثي”، سواء على مستوى لغة الجسد الهزيل، أم مضمون كلامه المتعثر والذي أثار القلق بشأن قدرته على المنافسة أمام ترامب الذي بدا أكثر حيوية وجرأة وثباتًا.
وأثارت الحالة الصحية لبايدن، التي ظهرت جلية خلال المناظرة، مخاوف الديمقراطيين بشكل ملحوظ، وسط إصرار منه على عدم إجراء أي فحوصات طبية للاطمئنان على صحته التي أكد خلال لقاء أجراه معه الصحفي جورج ستيفانوبولوس على قناة “إيه بي سي” أنها جيدة، مجيبًا عن سؤال بشأن رفضه إجراء تلك الفحوصات بأن وظيفته تشبه “الخضوع لاختبار إدراكي كل يوم” قائلًا: “أنا أخضع لاختبار إدراكي كل يوم (…) أنا لا أقوم بحملتي الانتخابية فحسب، بل أقود العالم”.
وفي السياق ذاته قال القيادي في الحزب الديمقراطي وعضو لجنة الخدمات العسكرية بمجلس النواب فى الكونغرس أدام سميث، إن أداء الرئيس بايدن خلال مناظرته مع منافسه ترامب كان كاشفًا للحالة الصحية للرئيس بايدن على نحو يدعو للقلق، مطالبًا الرئيس بالتخلي عن فكرة الاستمرار في السباق الرئاسي في ظل ظروفه الصحية الحاليّة.
وتابع سميث: “كل الدعوات التي تطالب الرئيس بايدن بعدم الاستمرار لم تفلح في إقناعه، غير أن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن الناخب الأمريكي غير مقتنع بأن بايدن في تلك الظروف الصحية ومع تقدمه في السن سوف يكون قادرًا على الاستمرار في منصبه لفترة رئاسة قادمة”، حسبما نقل عنه روبرت تايت في مقاله المنشورة بصحيفة “الغارديان” البريطانية.
التشبث بالسلطة
لم يلق بايدن بالًا للانتقادات الموجهة إليه، معتبرًا نفسه الشخصية المثلى لإدارة الولايات المتحدة في هذا التوقيت، مؤكدًا بأنه لن ينسحب من الترشح إلا “إذا جاء الرب وأخبرني بذلك” في رسالة مفادها رفض كل الضغوط التي يتعرض لها وأنها لن تجني ثمارها.
وتماهيًا مع هذا الغرور الذي يتملك الرئيس الديمقراطي وثقته بأنه الأصلح، تواصل حملته الانتخابية نشاطها دون أي تغيير، حيث كشفت النقاب عن روزنامة مكثفة لشهر يوليو/تموز الجاري، يتضمن لقاءات صحفية وتلفزيونية وتجمعات انتخابية في عدد من الولايات.
وفي ذات السياق يتوقع أن يستغل بايدن قمة دول حلف شمال الأطلسي التي تستضيفها واشنطن الأسبوع الجاري للتسويق لنفسه بصفته الرئيس الأفضل والقادر على حماية الحلف وتماسك وحدته، والتحذير من نتائج فوز ترامب على العلاقة بين أمريكا والناتو وأوروبا بصفة عامة.
ويرى خبراء أنه من الصعب أن ينسحب بايدن بسهولة من الماراثون الانتخابي، لا سيما بعدما نجح في تحقيق حلمه في تولي منصب الرئيس بعد سنوات طويلة قضاها في العمل السياسي على أمل تحقيق هذا الحلم، الذي لا يتوقع أن يتخلى عنه دون ثمن أو ضغوط قوية.
التعديل 25 من الدستور.. هل يكون المخرج؟
في ظل رفض بايدن لكل الضغوط التي يتعرض لها، وتشبثه بالاستمرار في السباق الانتخابي رغم مناشدات الانسحاب الطوعي، خرجت أصوات تتحدث عن إمكانية استخدام التعديل 25 من الدستور الأمريكي، فما قصة هذا التعديل؟
– في فبراير/شباط 1967 أُجري تعديل على الدستور الأمريكي حمل رقم 25 تطرق لحالات نقل سلطات وصلاحيات الرئيس الأمريكي في حال خلو المنصب بسبب استقالة أو وفاة الرئيس أو أي سبب يمنعه من ممارسة صلاحياته وأداء واجباته، ومن بينها بطبيعة الحال المرض والحالة الصحية.
– يتكون التعديل من 4 أقسام: الأول يتعلق بوفاة الرئيس أو تقديمه لاستقالته وهنا يصبح نائب الرئيس هو الرئيس الجديد وليس مجرد قائم بأعمال الرئيس، أما القسم الثاني فيتعلق بحالة شغور منصب نائب الرئيس سواء بالاستقالة أم الوفاة، يرشح الرئيس نائبًا آخر ويمارس مهامه بعد موافقة أغلبية غرفتي الكونغرس عليه.
– ينظم القسم الثالث نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه طواعية ليمارس مهامه كرئيس بجانب مهامه كنائب، ويمكن للرئيس إعلان عودته لمهامة مرة أخرى بصورة كتابية كما نقل جو بايدن صلاحياته إلى نائبته كامالا هاريس، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لإجرائه حراجة منظار في القولون. وأصبحت هاريس أول امرأة قائمة بأعمال الرئيس.
– أما القسم الرابع وهو ما يتحدث البعض بشأن استخدامه للإطاحة ببايدن حال تعنته، فيتعلق بتنظيم الوضع في حالة ما إذا كان الرئيس غير قادر على أداء عمله لظروف صحية أو غير ذلك، ولا يرغب في نقل صلاحياته لنائبه، وهنا يجوز لنائب الرئيس ومعه أغلبية الموظفين في مجلس الوزراء (15 وزيرًا، هم وزراء: الخارجية والداخلية والدفاع والخزانة والزراعة والتجارة والصحة والعمل والإسكان والنقل والطاقة والتعليم وشؤون قدامى المحاربين والأمن الوطني بالإضافة إلى المدعي العام) أو أغلبية الكونغرس، إرسال إعلان مكتوب للكونغرس بأن الرئيس غير قادر على أداء عمله، وبعدها يصبح نائب الرئيس قائمًا بالأعمال.
– في تلك الحالة من المتوقع أن يصدر بايدن خطابًا بأنه قادر على أداء مهامه، وهنا لنائب الرئيس مهلة 4 أيام فقط للرد، فإذا لم يرد يعود الرئيس لمباشرة عمله مرة أخرى، وإذا رد وأكد أن الرئيس غير قادر، هنا يتدخل الكونغرس للفصل في هذا الخلاف، من خلال طرح المسألة للتصويت، وإذا صوَّت ثلثا أعضاء الغرفتين (النواب والشيوخ) بأن الرئيس غير قادر على أداء مهامه يبقى نائب الرئيس قائمًا بالأعمال.
– يذكر أن هذا التعديل تم اللجوء إليه أكثر من مرة في تاريخ الولايات المتحدة من بينها عندما تولى الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، المسؤولية خلفًا للرئيس المستقيل بسبب فضيحة “ووتر غيت” ريتشارد نيكسون، وهو ما دفع البعض للحديث عن احتمالية اللجوء لهذا التعديل مرة أخرى اليوم إذا أصر بايدن على رفض مطالب الانسحاب من السباق الانتخابي.
المرشحون لخلافة بايدن
تشمل بورصة الترشيحات لخلافة بايدن في السباق الرئاسي المقبل، إذا انصاع لضغوط الديمقراطيين المتوقع تصاعدها خلال الفترة المقبلة، عددًا من الأسماء أبرزها:
كامالا هاريس (59 عامًا).. نائبة الرئيس، والخيار الأكثر جاهزية لتمثيل الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة، حيث تتمتع بشخصية قيادية استقلالية بشكل كبير، ولها سجل حقوقي واجتماعي مُرضٍ للأمريكيين، وهو ما أهلها لأن تنال استحسان الشارع الأمريكي كونها أول امرأة وأول أمريكية من أصول إفريقية وآسيوية تشغل منصب نائب الرئيس.
غريتشن ويتميرت (53 عامًا).. تشغل منصب الحاكم الـ49 في ولاية ميشيغان منذ يناير/كانون الثاني عام 2019، وتتمتع بشعبية كبيرة في تلك الولاية، لها نشاط بارز في الحقل التعليمي والصحي ولديها رؤية ذات شعبية كبيرة في استراتيجيات الإصلاح البنيوي.
جافين نيوسوم (57 عامًا).. حاكم ولاية كاليفورنيا، وعمدة مدينة سان فرانسيسكو السابق، ويعد من الرافضين لإزاحة بايدن عن الماراثون الانتخابي، حيث قال في مقابلة مع شبكة “إم إس إن بي سي” عقب مناظرة بايدن-ترامب إنه “لا يوجد حزب يدير ظهره لمرشحه بسبب أدائه في إحدى المواجهات”.
جي بي بريتزكر (59 عامًا).. من أغنياء أمريكا، إذ تبلغ ثروته 3.5 مليار دولار، وهو حاكم ولاية إلينوي الـ43، شريك إداري ومؤسس مشارك لشركة بريتزكر كروب، وعضو عائلة البريتزكر صاحبة سلسلة فنادق “حياة” وأحد أشد المعارضين لترامب وخاض ضده جولات سجالية قبل ذلك أكثر من مرة.
ميشيل أوباما (60 عامًا).. رغم أنها أكدت أكثر من مرة عدم اهتمامها بالترشح للرئاسة، فإن حظوظها في خوض التجربة كبيرة كونها صاحبة شعبية وجماهيرية كبيرة فسبق وأن تصدرت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة إبسوس قبل ذلك بفارق كبير عن ترامب (50% مقابل 39% لترامب).
وهناك أسماء أخرى مطروحة على بورصة التكهنات من بينها وزير النقل في حكومة بايدن الحاليّة، بيت بوتيجيج (42 عامًا) الذي شغل منصب عمدة مدينة ساوث بيند الصغيرة بولاية إنديانا عام 2011، كذلك حاكم بنسلفانيا، جوش شابيرو (51 عامًا) الذي يتمتع بدعم كبير داخل الولاية.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة سجالًا قويًا داخل الحزب الديمقراطي لحسم هذا الملف قبل الإعلان رسميًا عمن يمثل الحزب في الانتخابات القادمة، التلويح بالإزاحة إن لم يتنح الرئيس طواعية، معركة ثنائية بين بايدن والديمقراطيين.. من يربحها؟