بعد 22 يومًا من المفاجأة التي فجرتها صحيفة “نيويورك تايمز” عبر تقريرها المنشور في الـ3 من مارس/آذار الحاليّ بشأن تمويل الإمارات لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن طريق رجل الأعمال الأمريكي الجنسية جورج نادر الذي يقدم نفسه مستشارًا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ها هي صحيفة “أسوشيتد برس” تكشف تفاصيل جديدة بشأن أدلة تؤكد استخدام أبو ظبي للمال السياسي بهدف التأثير على القرار الأمريكي.
الأدلة التي ساقتها الصحيفة تتهم مستشار محمد بن زايد الذي استدعي من رحلة خارجية للإدلاء مرة أخرى بشهادته أمام المحققين الذي قاموا بدورهم باستجواب عدد من الشهود، بشأن علاقاته بمسؤولين كبار في إدارة ترامب، وعن دور محتمل له في تحويل مال إماراتي لصالح جهود ترامب السياسية، تشير إلى تقديمه رشاوى لبعض المشرعين الأمريكيين عن طريق إليوت برودي، أحد كبار جامعي التبرعات لحملة ترامب، من أجل تبني موقف عدائي ضد قطر.
رشاوى للتحريض ضد قطر والإخوان
كشفت “أسوشييتد برس” اليوم الإثنين، النقاب عن حزمة من الرشاوى التي قدمها نادر لبرودي في أبريل/نيسان الماضي، في صورة منح وتبرعات، حيث أرسل مبلغ 2.5 مليون دولار إلى كبير جامعي التبرعات لحملة ترامب، من خلال شركة في كندا، وفق ما أفاده مصدران رفضا كشف هويتيهما بسبب حساسية المسألة.
مصدر منهما أفاد – بحسب الصحيفة – أنه بعد استلام برودي الأموال من نادر بشهر تقريبًا قام برعاية مؤتمر عن العلاقات المزعومة بين قطر وجماعات التطرف الإسلامي، وخلاله أعلن عضو الكونغرس الجمهوري، إد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أنه كان يطبق تشريعًا من شأنه أن يصنف قطر على أنها “دولة إرهابية” مقابل رشاوى على شكل تبرعات دعائية بقيمة 5400 دولار وهو الحد الأقصى المسموح به بموجب القانون.
وهذا المبلغ جزء من مبلغ بقيمة 600000 دولار قدمها برودي لأعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري واللجان السياسية للجمهوريين مقابل التشريع ضد قطر، وفق ما أفاد تحليل سجلات الكشف عن تمويل الحملات الانتخابية الذي قامت به “أسوشييتد برس”.
ألمح نادر إلى إمكانية حصول كبير جامعي التبرعات لحملة ترامب على عقود لشركته الأمنية الخاصة “سيرينوس”، تفوق قيمتها المليار دولار، هذا بخلاف مساعدته في تأمين صفقات مع الإمارات بأكثر من مئتي مليون دولار
في 25 من مارس/آذار العام الماضي، أرسل برودي لنادر عبر البريد الإلكتروني برنامجًا يتضمن حملة للإدارة الأمريكية وحملة علاقات عامة تستهدف التحريض على قطر وتنظيم “الإخوان المسلمين” وبحسب الرسالة، فإن الاقتراح يحدد تكلفة الحملة وهي 12.7 مليون دولار.
مقربان من برودي قالا إن الخطة أعدها طرف ثالث لإطلاع مانحين أمريكيين متفقين معنا على هذه الرؤية، وإن بعضًا فقط مما تضمنته تمّ تنفيذه، غير أن “نيويورك تايمز” أشارت في تقريرها إلى أن نادر قدم لبرودي نحو 2.7 مليون دولار، مقابل خدمات استشارية وتسويقية له، لكن الصحيفة تذهب إلى أن هذا المبلغ ربما يكون كلفة إقامة عدد من المؤتمرات التي نظمت في اثنين من مراكز الأبحاث في واشنطن، هما “مركز هادسون” و”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، التي تضمنت انتقادًا قويًا لقطر والإخوان.
جورج نادر يدلي بشهادته أمام مولر بشأن المال الإماراتي في الانتخابات الرئاسية
أجندة عدائية
حمل جورج نادر الذي يعمل مستشارًا سياسيًا لمحمد بن زايد، أجندة عدائية واضحة ضد الدوحة وجماعة الإخوان المسلمين لصالح أبو ظبي والرياض على حد سواء، وذلك عبر تجنيده لإليوت برودي واستخدامه كوسيلة تأثير وضغط داخل البيت الأبيض، لخدمة أهداف ابن زايد وابن سلمان، وذلك وفق مقابلات ووثائق نقلتها “نيويورك تايمز” لم تكشف من قبل.
نجح رجل ابن زايد في واشنطن في إغراء برودي بالمال وهو ما سهل طريقة تجنيده والحصول على خدماته المطلوب منه القيام بها على أكمل وجه، حيث ألمح نادر إلى إمكانية حصول كبير جامعي التبرعات لحملة ترامب على عقود لشركته الأمنية الخاصة “سيرينوس”، تفوق قيمتها المليار دولار، هذا بخلاف مساعدته في تأمين صفقات مع الإمارات بأكثر من مئتي مليون دولار، فضلاً عن تسويق برودي خليجيًا من خلال تقدير دوره وتجليل خدماته، فطالما أخبر نادر حكام الإمارات والسعودية، عن “الدور السحري المحوري وغير القابل للاستغناء عنه” الذي يلعبه (أي برودي) لمساعدة هذين البلدين.
مئات الصفحات من الرسائل بين نادر وبرودي أشارت إليها الصحيفة تكشف الجهد المبذول من كلا الشخصين من أجل التأثير على قرار دونالد ترامب وتوجهاته الخارجية لصالح الإمارات والسعودية على وجه الخصوص، بصفتهما أكبر حليفتين لواشنطن في المنطقة، هذا بخلاف الوثائق التي حصلت عليها “نيويورك تايمز” تتضمن أدلة لم تنشر سابقًا، على أن نادر نصب نفسه أيضًا وسيطاً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لدى إدارة الرئيس الأمريكي الحاليّ.
في 25 من مارس/آذار العام الماضي، أرسل برودي لنادر عبر البريد الإلكتروني برنامجًا يتضمن حملة للإدارة الأمريكية وحملة علاقات عامة تستهدف التحريض على قطر وتنظيم الإخوان المسلمين
الأجندة التي تبناها مستشار ابن زايد تضمنت أيضًا الإطاحة بكل الشخصيات التي من الممكن أن تعرقل الأهداف السعودية الإماراتية، وبحسب الصحيفة، كان دفع البيت الأبيض للتخلي عن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، على رأس تلك الأجندة، وكذلك دعم مقاربة تصادمية مع إيران وقطر، والضغط المتواصل على ترامب لكي يلتقي خارج البيت الأبيض وبشكل غير علني، ولي عهد أبو ظبي، وبالفعل قالت “نيويورك تايمز” إن ترامب طرد تيلرسون، واعتمد سياسة صارمة تجاه إيران وقطر.
في فبراير/شباط 2017 نشرت الصحيفة بريدًا إلكترونيًا بين برودي ونادر وثق ماذا تريده الرياض وأبو ظبي من واشنطن بصورة مباشرة، كان على رأس تلك الأهداف المنشودة، إقناع الولايات المتحدة بضرورة التحرك ضد الإخوان المسلمين أو الضغط على قطر.
كذلك منع السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة آن باترسون، من تولي أي مناصب بارزة داخل البنتاغون وهي التي كانت مرشحة بقوة لذلك، بسبب انتقادات الرياض وأبو ظبي لتوجهات السفير ومواقفها السياسية، خاصة أن القيادة السياسية في كلا البلدين اعتقدت أنها تعاطفت كثيرًا مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، خلال فترة حكمه التي استمرت عامًا.
موقع “ميديل إيست آي” البريطاني كان قد كشف عن تنظيم نادر قمة سرية عام 2015، جمع فيها ولي ولي العهد السعودي آنذاك محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد الكويتي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، مقترحًا عليهم إنشاء مجموعة إقليمية نخبوية من ست دول لتحلّ محل كل من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، في محاولة لإعادة رسم خريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط وفق الرؤية السعودية الإماراتية المدعومة بالطبع أمريكيًا بما يخدم الأهداف الصهيونية في المنطقة.
مصادر تشير إلى أن نادر وسيط ابن سلمان لدى ترامب
الهروب للإمارات
غادر نادر فور الانتهاء من سماع أقواله أمام المحقق مولر إلى الإمارات العربية المتحدة حسبما أشارت صحيفة “ديلي ميل” نقلاً عن مصدرين مقربين من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
مغادرته للولايات المتحدة باتجاه الإمارات ربما تتيح له الهروب مؤقتًا من المساءلة مجددًا غير أنه لن يستطيع الاختباء بها لفترة طويلة، إذ هناك مذكرة جلب بحقه، وملفه بالكامل بات اليوم بيد مولر، هكذا قال أحد المصدرين تعليقًا على هروب نادر إلى أبوظبي بعد التحقيقات معه.
أما عن دوافع هذا الهروب، أشار المصدر الثاني إلى أن محمد بن زايد كان متعطشًا لمعرفة تفاصيل ما دار بين مولر ونادر، مضيفًا “جورج عاد إلى الإمارات، رغم أنني كنت أعتقد أنه سيكون خائفًا جدًا أن يقوم بمثل هذه الخطوة، أن يعود إلى الإمارات يعني أنه غير قلق، ولكن محمد بن زايد سيكون راغبًا بلقائه، ومعرفة ماذا قال للمحقق الخاص مولر”.
كانت الشرطة الأمريكية قد أوقفت مستشار ابن زايد في واشنطن يناير/ كانون الثاني الماضي، حينما كان في طريقه للمشاركة في احتفال نظمه ترامب في منتجعه “مار- إي – لاغو”، وذلك بعد اتهامات له بدعم وتمويل حملة الرئيس الأمريكي الانتخابية التي تأتي في إطار تحقيقات مولر بشأن التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ليوسع من دائرة تحقيقاته التي كانت محصورة في روسيا لتشمل معها الإمارات.