على مدار العصور كانت النكتة والسخرية والتورية من أهم الطرق التي اتبعها الكُتَّاب لمحاولة التعبير عن رأيهم، في الفترات التي لم يكن مسموحًا فيها بالتعبير أو بتلك الأوقات التي وقفت فيها الكنيسة أو السلطة أو المجتمع في وجه كل من أراد أن يعلق تعليقًا سلبيًّا على ما يحدث. دعوني أحدثكم عن أشهر هؤلاء الأدباء التعساء العالميين الذين تعرضوا للاضطهاد سواء بسبب ما كتبوه أم بسبب سلوكهم.
توماس مور (Sir Thomas More) (فبراير 1478 – يوليو 1535)
“أي عدالة في هذا؛ أن يعيش نبيل أو تاجر ذهب أو مصرفي أو أي شخص لا يفعل شيئًا – أو في أحسن الأحوال يفعل أشياء لا فائدة منها – في رخاء وترف عظيمين كسبهما بصورة غير مشروعة”- (يوتوبيا – توماس مور)
السير توماس مور القديس، شهيد الكلمة والرأي والمؤلف الشهير والقائد السياسي والعالم الإنجليزي الذي عاش في القرن السادس عشر. من أشهر أعماله كتاب “المقطوعة اللاذعة” عام 1505 و”تاريخ الملك ريتشارد الثالث” الذي استغرق كتابته خمسة أعوام ما بين (1513 – 1518)، وكتابه الأهم “اليوتوبيا” عام 1529.
يتحدث مور في كتابه اليوتوبيا عن ضرورة التسامح في المجتمعات المتعددة الأديان، كذلك يحذر من مخاطر إطلاق السلطة والمال للحكام والحروب التي يَشِنُّوها على بعضهم البعض، حيث يبني في كتابه عالمًا تسوده المساواة بين الرجال والنساء، بل إنه اقترح انخراط المرأة في الجيش. حيث يعتبر عمله هذا “نسيج وحده” استثنائي في الفلسفة والسياسة.
هذا العمل لا يُعد فقط أكثر أعمال توماس مور شهرة وذيوعًا؛ بل أيضًا قد يكون العمل الأول الذي يتحدث عن العوالم المثالية الخالية من كل شر. وصدرت الطبعة العربية منه عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمة الدكتور أنجيل بطرس سمعان.
كما صدرت نسخة أخرى للشباب عن دار فاروس للنشر والتوزيع، تابعة لمجموعة (روايات عالمية).
انضم السير توماس مور إلى مجلس الملك “هنري الثامن” كمستشار له في العام التالي لنشره كتاب “اليوتوبيا”، وقد تتعجب من انضمامه لمجلس هنري الثامن بعد نشره كتابًا كهذا، لكن على الأرجح أن الملك هنري رغم ما اشتهر به من علم لم يستطع أن يتحمل قراءة الكتاب باللاتينية، ومات قبل أن تُنشر الترجمة الإنجليزية.
لقد تمسك السير توماس مور بكلمته ورأيه إلى النهاية؛ مما أدى إلى فقدانه حياته، فرفض انفصال الكنيسة الإنجليزية عن البابوية والاعتراف بالملك هنري الثامن رئيسًا روحيًّا للكنيسة الإنجليزية، كما أنه رفض أيضًا طلاق الملك من زوجته الأولى كاثرين، وزواجه من آن بولين.
أُدين توماس مور بتهمة خيانة الدولة، ثم أُعدم بعد ذلك نتيجة لتمسكه برأيه، تاركًا خلفه العديد من الأعمال الأدبية، ويعتبر كتابه “تاريخ الملك ريتشارد الثالث” – الذي لم ينهه – في مقدمة كتب التاريخ الإنجليزي الذي استقى منها المؤرخون أسلوبهم ومنهجهم.
فولتير (Voltaire) (نوفمبر 1694 – 1778)
“عندما يكون الحديث عن المال؛ فإن كل الناس على دين واحد”- فولتير
كاتب غزير الإنتاج وفيلسوف فرنسي يعتبر المدافع الأكثر صراحة عن الإصلاح الاجتماعي، كتب في كل الأشكال الأدبية تقريبًا من شعر ومسرح وروايات ومقالات وأعمال تاريخية، بل وعلمية أيضًا، كذلك أصدر عددًا كبيرًا من الخطابات والمنشورات التي بالطبع لم تعجب الدولة آنذاك، ومن أشهر تلك الأعمال القَدَر وكانديد والساذج والمعجم الفلسفي.
يعتبر الفيلسوف الفرنسي فولتير المدافع الأكثر صراحة عن الإصلاح الاجتماعي في تلك الفترة، وذلك على الرغم من صرامة القوانين الخاصة بالرقابة، والعقوبات القاسية التي كانت تُطبق على كل من يخرق تلك القوانين، لكن براعة فولتير الجدلية جعلته دائمًا يحسن استغلال المواقف لينتقد تزمت الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الاجتماعية الموجودة في ذلك العصر، لكن هذا لم يمنعه من التعرض لبعض الاضطهاد.
كان فولتير واحدًا من الشخصيات البارزة في عصر التنوير؛ فتركت أعماله وأفكاره بصمات واضحة على كل الثوار؛ لهذا لم يكن مستبعدًا أن يدخل فولتير في مشاكل كبيرة مع السلطة بسبب هجومه على الوضع الاجتماعي والديني والحكومي أيضًا؛ وقد أدى ذلك الهجوم إلى تعرضه للسجن والنفي مرات عديدة أولها عند نفيه إلى باريس بسبب طريقته الاستفزازية والساخرة في الكتابة، بعد ذلك تعرض للسجن في الباستيل بسبب قصيدة فاضحة كتبها.
أوسكار وايلد (Oscar Wilde) (أكتوبر 1854 – نوفمبر 1900)
“ليس هناك أدب أخلاقي وأدب غير أخلاقي، المعيار الحقيقي هو الجودة”
– أوسكار وايلد
من مِنًّا لا يعرف أوسكار وايلد الكاتب والشاعر والمسرحي الأيرلندي الشهير الذي هجر زوجته وطفليه، كما قطع جميع علاقاته بعائلته، فهل اضطهد المجتمع أوسكار وايلد بسبب ميوله المثلية أم كان هو من اضطهد نفسه؟
كتب أوسكار وايلد أشهر أعماله وروايته الوحيدة “صورة دوريان جراي” عام 1890، وقد نجحت نجاحًا شديدًا، تلاها بكتابة مسرحية “سالومي” تلك المسرحية التي رُفضت ولم تُرخص، ورُغم هذا تابع وايلد إنتاج أعماله، فكتب أربعة أعمال مهمة ورائعة من بينهم “أهمية أن تكون جادًا”.
ورغم القيمة الأدبية لمسرحية “سالومي” فإنها أصبحت شبه ممنوعة، وعُتِّم عليها بحجة معاداتها للسامية، كما يُقال أن تلك المسرحية السبب الرئيسي الذي جعل السلطات تضع أوسكار وايلد تحت مجهر المراقبة والاتهام.
“كان الجمال موجودًا قبل 1881، لكن أوسكار وايلد أول من رآه” – الكاتب البريطاني ماكس بيربوم
كل تلك الشهرة التي نالها وايلد تداعت في لحظات فور الحكم عليه بالإعدام بسبب علاقته المشبوهة بأحد اللوردات، وهو الحكم الذي خُفف بعد ذلك إلى سنتين، بعد خروجه من السجن انتقل إلى باريس وقضى هُناك أيامه المتبقية القليلة، وهكذا مات، وحيدًا ومريضًا وبائسًا، تاركًا موهبته الفذة خلفه، وتاركًا طريق المسرح فارغًا لمن هم دونه.
4- أوه هنري (O Henry) (سبتمبر 1862 – يونيو 1910)
“اكتب ما تُحب؛ فلا يوجد قانون للكاتب”
أو هنري
برع الكاتب الأمريكي أوه هنري في رسم نهايات مفاجئة لقصصه التي سُميت (نهايات أو هنري)، هو قاص غزير الإنتاج، إلا أن أسلوبه لم يتحسن كثيرًا بسبب إدمانه للخمور الذي أدى إلى موته في النهاية.
اسمه الحقيقي هو “وليام سيدني بورتر”، وقد استخدم عددًا من الأسماء المستعارة في أثناء كتابته وهو في السجن، من أشهرها “أو هنري” وهو الاسم الذي استمر يستخدمه عند خروجه من السجن. نشأ في بيئة فقيرة، تنقل بين أعمال حقيرة وتافهة، لم يكن المجتمع هو الذي اضطهد هنري، بل كان هو من فعل ذلك بنفسه!
عمل أو هنري صرافًا في أحد البنوك، مما جعله يختلس بعضًا من النقود، فحُكم عليه بالسجن، خلال سنوات سجنه بدأ يعمل على تحسين أسلوبه الكتابي، وجعل صديقًا له يرسل قصصه إلى مجلات وصحف تحت اسم أو هنري، لاقت قصصه تلك نجاحًا باهرًا، وقد تمكن في النهاية من الخروج من السجن بحسن السير والسلوك، ثم بعد ذلك بدأ في إدمان الويسكي، فلم يستمتع كثيرًا بتلك الشهرة التي حققها.
من أهم أعماله “ماسة كالي” و”فدية زعيم الهنود الحمر” و”القبلة المفتونة” و”التنازل الأعلى” و”هدية المجوس” التي تحولت إلى مسرحيات عديدة، وتحكي عن زوجين شابين يحاولان شراء هدية لعيد الميلاد، فباعت الزوجة شعرها كي تجلب لزوجها سلسلة لساعته، وباع الزوج ساعته كي يجلب لزوجته مشطًا مطعمًا بالجواهر.
والآن بعدما قصصت عليكم بعض من قصص الكتاب الذين تعرضوا للاضطهاد، أخبروني عن بعض الكتَّاب الذين اضطُهِدوا بدورهم في بلادكم.