“بسم الله وعلى بركة الله أُعلن لشعبنا العزيز أنني قررت الترشح لانتخابات الرئاسة”، كلمات خاطفة لسيف الإسلام القذافي، عبر بها عن نيته خوض عملية استرداد عرش والده، وأكدتها خطوط سير الأحداث، وأزالت شكوك كثيرة، كانت تحيط دائمًا بمصداقية حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، رغم النفي الرسمي حتى الآن من محاميه، بامتلاك القذافي لأي حسابات تفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي.
القذافي والسوشيال ميديا
السياسي المخضرم الذي عرف كيف تدار اللعبة حاليًّا في المنطقة، ينفي دائمًا امتلاكه الحساب المثير للجدل على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، خصوصًا أنه يرفض توثيقه لأغراض تبدو واضحة؛ فكيل المديح للسعودية وبعض دول المنطقة، ليلاً نهارًا، لا يتفق مع تورم كبرياء آل القذافي الذي كان كبيرهم الراحل يعتبر نفسه ملك ملوك إفريقيا والزعيم الذي لا يمكن منازعته في كلمة أو قرار، إلا أن الأفكار الواردة عن الحساب تتسق تمامًا مع موقف العائلة الراهن وتشابكاته، كما يتفق مع التصريحات التي نسبت إلى سيف الإسلام، ونقلها عنه محاميه، أو أدلى بها هو بنفسه، خلال لقاءاته من الشباب، لتسويق نفسه سياسيًا، قبل إعلان قرار ترشحه للرئاسة.
يدعو سيف الإسلام القذافي الذي كان يتهيأ لقيادة البلاد، قبل اندلاع ثورة فبراير عام 2011، الأطراف الليبية لوقف العنف ويمد يديه للعمل مع جميع الأطراف من أجل وقف القتال الدائر وإعادة بلاده كما كانت وأقوى، باستثناء من أسماهم المرتزقة الذين ساهموا في تدمير ليبيا بدعم من الخارج، واكتفى بالقول إن الشعب يعلم من هؤلاء، دون الإشارة إليهم، أو لأسمائهم وصفاتهم وقوتهم في الواقع الليبي على الأرض.
المتابع لوسائل الإعلام العربية، خصوصًا في السعودية والإمارات، يجد حالة من الترحيب والتقدير بالرجل، والحديث عن سيف الإسلام يسبقه أو يخلفه دائمًا عبارات إعزاز وربما خجل من المصير الذي آل إليه ابن الزعيم الليبي الراحل، وكان الجميع شريكًا فيه، عندما كانوا يتفقون في لحظات يندمون عليها الآن، مع الثورات العربية، قبل أن يتراجعوا مؤخرًا، ويعتبرونها فعاليات خراب وتدمير وعمالة للخارج.
كانت البداية مع الصحف ووسائل الإعلام الإماراتية، وانتقل الأمر بدوره إلى الصحافة السعودية، وهو ما يعزز من أنباء الوساطة الإماراتية بين المملكة العربية السعودية وسيف الإسلام، خصوصًا أن الأخير يضع المملكة في مقدمة العالم العربي ولا يألوا جهدًا في كيل المديح والاعتذار من المواقف السابقة لوالده تجاهها، لدرجة أنه اتهم نظام والده بالفجر معها، وبات يحذر كل نظام عربي أو إقليمي، من محاولة الإساءة إليها؛ فهي برأيه صاحبة الزعامة الحقيقية التي انتصرت على جميع من ناصبها العداء من عبد الناصر لالقذافي.
الحساب الذئبقي على تويتر، لم يهتم القذافي بتوثيقه بالعلامة الزرقاء، بل على العكس تبرأ من التواصل على السوشيال ميديا على لسان محاميه، إلا أن هناك من يعطي للحساب شرعية، وتحديدًا كبار الصحفيين المقربين من الديوان الملكي، على رأسهم عثمان العمير ومحمد آل الشيخ اللذين يهتمان بشكل خاص بنقل تغريداته، خصوصًا تلك التي يحتفي فيها بالدور السعودي في المنطقة، وتفوقه الكاسح على أقرانه، بجانب إشارات القذافي الدائمة، إلى اختلاف سياساته عن والده، وتأكيده عدم وجود أي نية لديه للعودة إلى ما قبل 2011، والتطلع دومًا إلى الأمام، ولن يحدث ذلك بالتأكيد دون مساعدة “المملكة”.
يقول القذافي: “السعودية بثقلها السياسي والروحي، تستطيع قيادة وساطة، لتقريب وجهات النظر بين الليبيين، مع التأكيد على دور مصر المحوري في الملف الليبي”، ولكنه يعود ويعطي الأمر لأهله أيضًا ويضيف: “لكننا نأمل أن يتحقق ذلك بحوار وطني بين الليبيين أنفسهم، وسنؤيد أي جهود تبذل في سبيل ذلك”.
كيف استرد القذتفي حريته؟
حصل نجل معمر القذافي على حريته، شهر يونيو من العام الماضي، وتضاعفت لديه طاقة التطلع إلى استرداد ملك أبيه، بعدما أفرجت عنه كتيبة مسلحة موالية لحفتر كانت تحتجزه، إثر قرار وزارة العدل الليبية الموالية لبرلمان طبرق المنتهية ولايته، بالعفو العام عن المعتقلين سياسيًا، بعد ثورة 2011 التي انتهت بالإطاحة بالقذافي.
تغير الأوضاع في المنطقة والأزمة القطرية والإخوانية مع التحالف العربي ضد الدوحة، جاء إلى سيف الإسلام على طبق من ذهب؛ فنجل القذافي لم ولن ينسى الدور القطري – السياسي والإعلامي ـ في الإطاحة بوالده عام 2011، مناصفة مع جماعة الإخوان التي يكن لها عداءً شديدًا، ويفرغ نفسه لكيل الاتهامات لها بجانب قطر في تمزيق ليبيا والوطن العربي والإسلامي، وهو ما يتوافق مع أهدف التحالف الذي يجتهد في جمع الشمل على العداء للنظام القطري الحاليّ.
القذافي لم ينسب القدرة على حل الأزمة في بلاده إلى هذا التحالف الثلاثي، إلا إلى مصر التي تشارك بقوة مع التحالف العربي بجانب السعودية والإمارات والبحرين
لذا كان الاجتماع الذي سُرب عمدًا لوسائل الإعلام بين نورالدين بوشيحة مدير مكتب رئيس الوزراء السابق محمود جبريل والمقرب من الحكومة الإماراتية، وآمر الكتيبة العجمي العتيري، في 22 من مايو 2016، وانتهى بإطلاق سراح سيف الإسلام القذافي.
موقع “وطن يغرد خارج السرب” الذي تنقل عنه العديد من وسائل الإعلام العربية ويحظى بمصداقية كبيرة، لدرجة أن وسائل إعلام أوروبية كبيرة، وحتى إيران الرسمية تنقل عنه، قال إن الإمارات عرضت تقديم ملايين الدولارات، للإفراج عن سيف الإسلام والاستعانة به في حل الأزمة الليبية المعقدة بعد الإفراج عنه، وهو ما يجعل “القذافي الصغير” يقف بكامل إرادته، ويرهن نفسه ومقدرات بلاده لرد الجميل لـ”آل زايد”، بما يساهم في توسيع النفوذ الإماراتي في المنطقة ويضيق الخناق أكثر على قطر.
تجاهل الدور التونسي والجزائري.. لماذا؟
خلال تعقد المشهد الليبي، على مدار السنوات الماضية، والخواف من انتقال تداعياته إلى دول المنطقة بأسرها، كانت دول الجوار تسعى بكل قوة لحل الأزمة الليبية للوصول إلى تسوية سياسية شاملة في البلاد، ورغم ذلك لم يتطرق القذافي في تدويناته إليهم.
كانت تونس من أشد الدول المجاورة تأثرًا بما يجري في المشهد الليبي، وهو ما دعا الرئيس السبسي، خلال مشاركته في القمة العربية التي انعقدت في 29 من مارس العام الماضي، بالبحر الميت في الأردن، إلى التمسك التام بضرورة تنفيذ وتحقيق أهداف مبادرة تونس والجزائر ومصر، لمساعدة الأشقاء الليبيين، بهدف إيجاد تسوية شاملة تنعكس إيجابًا ليس على ليبيا فقط وإنما على دول الجوار التي تتضرر بشدة من استمرار أزمة ليبيا.
يعتبر القذافي السعودية وحدها رب السياسة العربية ومحركها، ولن تقوم له قائمة وعائلته إلا باسترضائها وتفكيك العداء القديم بين والده والمملكة
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها كل من مصر وتونس والجزائر، في حلحلة الأوضاع وإيجاد حلول قابلة للتطبيق مع الواقع، بما يتناسب مع فهم هذه الدول للأزمة ومسبباتها، فإن القذافي لم ينسب القدرة على حل الأزمة في بلاده إلى هذا التحالف الثلاثي، إلا إلى مصر التي تشارك بقوة مع التحالف العربي بجانب السعودية والإمارات والبحرين، خصوصًا بعدما احتل ولي العهد السعودي الحاليّ محمد بن سلمان الصورة الكاملة في المملكة، وبات المحرك الأساسي لكل كبيرة وصغيرة فيها، وربما كان الأمر سيتغير قليلاً مع القذافي لو كان ولي العهد السابق محمد بن نايف ما زال في الصورة.
فالأخير، أشاد بالمبادرة التونسية لإيجاد تسوية سياسية شاملة في ليبيا، وأكد دعم السعودية لها بما يخدم مصلحة تونس وليبيا ودول الجوار ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، وكان ذلك خلال المحادثات التي أجراها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، العام الماضي، مع الأمير محمد بن نايف خلال مشاركته في الدورة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، وهي المبادرة التي كانت تدعمها أيضًا جامعة الدول العربية، قبل أن تخرج جميع هذه الدول والكيانات والمبادرات، مؤخرًا من الصورة، لصالح رؤى وتصورات التحالف العربي الجديد.
وهو الخيط الذي التقطه جيدًا سيف الإسلام القذافي، لذا يعتبر السعودية وحدها رب السياسة العربية ومحركها، ولن تقوم له قائمة وعائلته إلا باسترضائها وتفكيك العداء القديم بين والده والمملكة، بعد أن استطاع إقناع حكام الدول الثلاثة أنه بديل مقنع للنسخة الأصلية من والده، ولا حل في ليبيا إلا بإعادته لسدة الحكم من جديد.