حدثني نائب عراقي سابق – ومرشح حاليًَا لمجلس النواب – قبل أسبوعين تقريبًا أن المال السياسي هو الفيصل في الانتخابات العراقية السابقة والمقبلة، وصناديق الانتخابات مجرد ديكور مضاف لإكمال سيناريو الديمقراطية في البلد.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق في 12 من شهر مايو/أيار المقبل، بدأ الحديث هنا وهناك عن احتمالات كبيرة لتزوير الانتخابات تمامًا كما حصل في الانتخابات الماضية، وهذه القضية صارت من المسلمات لدى الناخب العراقي ولهذا – ربما – سعت بعض القوى الفاعلة في الساحة السياسية العراقية لتزيين التزوير أو لإيهام الناخب أنهم حريصون على الشفافية ونزاهة الانتخابات.
وقبل يومين، تم التوقيع على ميثاق الشرف الانتخابي الذي وقع عليه قادة الكتل والقوى السياسية برعاية الأمم المتحدة، وتضمنت مسودة الميثاق 24 بندًا تحكم خلالها الانتخابات التشريعية المقبلة.
الكلام المنمق المذكور في الوثيقة لا يعنينا بشيء لأن الموقعين – قبل غيرهم – يعلمون أن تلك الوعود أو المبادئ لن تُحترم، والذي يعنينا هنا الجزئية المتعلقة بالانتخابات القادمة
ومن أهم بنود ميثاق الشرف الانتخابي: “الإيمان باحترام وتعزيز حقوق الجميع الديمقراطية في التنافس الشريف والحر، وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين وأعضاء الأحزاب السياسية المتنافسة، وإدانة أي خطاب طائفي أو عرقي، والعمل على تبني الخطاب المعتدل بعيدًا من التشنج والحقن الطائفي وتعزيز التسامح، ورفض العنف بكل أشكاله والتصدي لأي ظاهرة أو ممارسة تهدف إلى تمزق وحدة الصف والوحدة الوطنية، والعمل بروح الفريق الواحد والتزام القوانين النافدة للتصدي لأي ظاهرة تؤثر على سلامة العملية الانتخابية، والابتعاد عن أساليب التسقيط والتشهير والتجريح، وعدم توظيف النزعة الطائفية أو العرقية أو الإثنية”.
وتأكد الوثيقة على: “حرية التنافس والحوار على أساس البرامج الانتخابية، وعدم التورط بعمليات تزوير أو تشجيع عليها أو ترويجها عبر الوسائل المختلفة، واحترام صوت الناخب كحق مقدس وعدم إهماله أو السطو عليه من خلال التأثير على المراقبين والعاملين في مراكز الانتخابات، وعدم التدخل في أنشطة ومهام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مع دعم الجهود الدولية لمراقبة العملية الانتخابية، والالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة والممارسة الديمقراطية والقبول بنتائج الانتخابات بعد إقرارها رسميًا”.
وجميع هذه المثالب الخُلقية والسياسية مورست في انتخابات الأعوام الماضية، ومن المتوقع أنها ستحصل في الانتخابات المرتقبة، وفي تأكيد لعدم جدية الأطراف الفاعلة في تنفيذ هذا الميثاق، طالب النائب عن دولة القانون محمد العكيلي – وبعد يوم واحد من توقيع الميثاق -، مفوضية الانتخابات بتفعيل مبدأ العقوبة لمن يخرق ضوابط وقواعد الانتخابات، لإعطاء رسالة إلى الموقعين على “الميثاق الشرف الانتخابي” بأن المفوضية جادة في عملها.
هل هذه الوثيقة تأكيد على أن الخلل فيمنْ يطمحون للوصول إلى قبة البرلمان بدليل أنهم يريدون أن يتفقوا بينهم على عدم التزوير وعدم التدخل في مفوضية الانتخابات
واليوم هناك خروقات من مرشحين وكتل بنشر الصور والدعايات المبكرة مع التلاعب بالكلمات في سبيل البدء بحملة إعلامية انتخابية قبل الموعد المحدد، وقد شخصنا تهاونًا من الفرق التابعة للمفوضية”!
المشكلة في عموم الانتخابات العراقية ليست في المواطن وإنما في غالبية الشخصيات المرشحة لهذه العملية الحساسة في البلاد ذلك لأن غالبيتهم ينظرون للأمر على أنه مغنم ومكسب وليس مجرد وسيلة لتقديم الأفضل للمواطنين؛ ولهذا نرى هذا التنافس غير النزيه بين المرشحين في عموم البلاد، والسعي للحصول على مقعد البرلمان بالسبل المشروعة وغير المشروعة.
وسؤالنا هنا: هل هذه الوثيقة تأكيد على أن الخلل فيمنْ يطمحون للوصول إلى قبة البرلمان بدليل أنهم يريدون أن يتفقوا بينهم على عدم التزوير وعدم التدخل في مفوضية الانتخابات، أم أنهم متفقون فيما بينهم على آلية ما تضمن للحيتان الكبيرة الاستمرار في التحكم بالمشهد السياسي، وهذه الوثيقة والتصريحات الإعلامية مجرد رسائل تخديرية للجماهير، لا أكثر ولا أقل؟
وثيقة الشرف الانتخابي لم تتحدث عن جملة من القضايا الدقيقة ومنها المال السياسي الداعم للكثير من المرشحين سواء كانوا أعضاء في تكتلات أم مستقلين، وأيضًا لم تتطرق لقضية استغلال المال العام للانتخابات أو الدعاية الانتخابية وغيرها من الجوانب التي ربما اتفقوا بينهم على أن تكون لهم جميعًا وعدم التطرق لها في الميثاق، وفقًا لقاعدة التوافقات المعمول بها منذ العام 2003!
الكلام المنمق المذكور في الوثيقة لا يعنينا بشيء لأن الموقعين – قبل غيرهم – يعلمون أن تلك الوعود أو المبادئ لن تُحترم، والذي يعنينا هنا الجزئية المتعلقة بالانتخابات القادمة، فإذا كانت الكتل الكبيرة، قد وقعت على هذا الميثاق، فمن الذي زور الانتخابات السابقة، وكل من شارك في العملية السياسية أو اقترب منها يؤكدون أن التزوير جرى على قدم وساق في التجارب الانتخابية السابقة في الأعوام 2005، 2010، 2014، ولهذا لا نظن أن من وصل إلى البرلمان بالتزوير يمكن أن يصل إليه غدًا بالسبل الصحيحة دون التقرب من اللجان الرقابية أو مفوضية الانتخابات لإغرائهم من أجل الوصول ثانية للبرلمان؟
القضية ليست في ميثاق وطني يوقع ويظهر للإعلام، وإنما المشكلة في أداء غالبية الشخوص الذين يمثلون العملية السياسية، وهم من أهم أسباب تعقيد المشكلة العراقية، وهم – بسياساتهم الطائفية والانتقامية والعشوائية وغير العشوائية – نقلوا البلاد لهذه المراحل المؤلمة من التخلف والخراب والضياع، واليوم هم أنفسهم من وقعوا هذا الميثاق، فهل نتوقع أن ينقلبوا إلى شخصيات إيجابية ووطنية بين ليلة وضحاها؟