ترجمة وتحرير: نون بوست
تستقبل صناديق الاقتراع في مصر ابتداء من اليوم حوالي 60 مليون مصري بمناسبة الانتخابات الرئاسية، التي ستتوج دون أي مجال للشك بإعادة انتخاب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، خاصة إثر تصفيته لجميع منافسيه سواء سياسيا أو قضائيا. “السيسي هو الأمل”، هذا هو شعار الملصقات الانتخابية التي أغرقت مصر معلنة الدعم للرئيس السيسي، المرشح الذي يطمح إلى إعادة انتخابه، حيث يتأمل من الأعلى ونصف ابتسامة تعلو محياه، مدى معاناة الشعب المصري ويشجعه على المشاركة في هذه الانتخابات التي تعتبرها المعارضة بمثابة مهزلة. كما تتوقع المعارضة حدوث بعض المفاجآت، فضلا عن ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت.
أدى انفجار السيارة المفخخة في مدينة الإسكندرية، ثاني أهم مدينة في البلاد، إلى مقتل شخصين وإصابة العديد من الأشخاص. وإلى حد اللحظة، لم تعترف أي جهة بمسؤوليتها عن هذا الهجوم، الذي استهدف موكب مدير أمن المدينة، الذي تمكن من النجاة دون أن يصاب بأذى، في الوقت الذي اعتاد فيه تنظيم الدولة والمنظمات المتطرفة الأخرى مهاجمة قوات الأمن المصرية بانتظام. ومن المتوقع أن تدفع هذه الحادثة، التي سبقت موعد بداية التصويت بيومين، إلى تعزيز الإجراءات الأمنية الخاصة بالرئيس السيسي، الذي ركز خلال حملته الانتخابية على نقطة واحدة، ألا وهي المعركة ضد الإرهاب.
سيستمر التصويت لمدة ثلاثة أيام، في محاولة من السلطات لزيادة نسبة التصويت التي من المتوقع أن تكون ضئيلة.
من جانب آخر، قدم السيسي، الذي تولى السلطة منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي في تموز/يوليو سنة 2013، وبعد تحققه من صلاحياته في الانتخابات بعد سنة من ذلك، نفسه على اعتباره المرشح الوحيد، بعد أن تخلص من جميع منافسيه المعارضين من خلال الضغط والتهديدات والاعتقالات في إطار حملة تطهير لم يسبق لها مثيل.
خلافا لسنة 2014، حيث ترشح حوالي 14 منافس أمام السيسي، لم ينجح هذه المرة سوى موسى مصطفى موسى في ترشيح نفسه، وهو أحد السياسيين المجهولين تقريبا على الساحة السياسية، الذي عُرف على أنه واحد من أشد المدافعين والموالين للرئيس. وقد تمكن موسى من النجاة من عملية التصفية التي قام بها السيسي ليكون منافسه الوحيد خلال هذه الانتخابات. وقد اعترف موسى بنفسه بأن ترشحه للانتخابات يهدف إلى إضفاء نوع من الواقعية على الانتخابات، على الرغم من أنها ليست كذلك على الإطلاق. كما أكد السيسي، الذي لم يكلف نفسه حتى الظهور في المسيرة الانتخابية، بشكل مثير للسخرية، أنه كان يود أن يكون هناك عدد أكبر من المنافسين ضده، في حين دعا إلى تعزيز المشاركة في هذه الانتخابات.
عموما، سيستمر التصويت إلى غاية يوم الأربعاء، في محاولة من قبل السلطات لزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، التي من المتوقع أن تكون ضئيلة جدا. وفي هذا السياق، دعت الحركة الديمقراطية المدنية، الكتلة المتكونة من ثمانية أحزاب، التي انضمت إليها العديد من الشخصيات السياسية، إلى مقاطعة هذه الانتخابات، التي ستسجل غياب المراقبين الدوليين. ويتوافق ذلك مع آراء المعارضة التي ترى أنه لم يتم توفير أي شروط لضمان عملية انتخابية شفافة.
بين الإحباط والاستسلام
في شوارع القاهرة الفوضوية، يعيش الشعب المصري مزيجا من الإحباط والاستسلام قبل انتصار السيسي المحتوم. فمن الناحية الاقتصادية، لا يمكن وصف ولاية السيسي الأولى سوى على أنها إخفاق تام بكل المعايير. فقد أدى تخفيض قيمة العملة إلى التضخم بنسبة 30 بالمائة، في حين وقع تنفيذ إجراءات تقشف قاسية بأمر من صندوق النقد الدولي بعد القرض الذي منحه إلى البلاد في سنة 2016، التي استهدفت الطبقات الشعبية والمتوسطة بلا رحمة.
في هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط عمرو عدلي، إن “سياسة التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي وارتفاع نسبة الضرائب غير المباشرة، فضلا عن انخفاض قيمة العملة، قد أدى إلى تقويض القدرة الشرائية للغالبية العظمى من المصريين”. في الأثناء، بالكاد تعافى القطاع السياحي من حالة التفكك الناجمة عن التقلبات الشديدة التي عاشت البلاد تحت وقعها في السنوات الأخيرة، والتي تزامنت في مرحلة أولى مع الثورة وتواصلت بعد ذلك بسبب النشاط الإرهابي المتنامي في شبه جزيرة سيناء وبعض المنتجعات الأخرى في مصر. وقد تسبب ذلك في تقلص عدد الزوار إلى مصر من 14 مليون سائح في سنة 2010 إلى 5.3 مليون سائح في سنة 2016. وخلال السنة الماضية، شهدت البلاد تحسنا طفيفا من حيث تدفق السياح.
يوجد حالياً 60 ألف سجين سياسي في السجون المصرية، من بينهم إسلاميون ومعارضون ومدافعون عن حقوق الإنسان.
من جهته، ركز السيسي على إعادة الانتعاش إلى أحد أهم القطاعات ضمن اقتصاد البلاد في حين تجاهل جميع المشاكل البنيوية التي تعاني منها البلاد. وقد ركز السيسي في حملته الانتخابية وبالاعتماد على صلاحياته على اعتباره رئيسا للبلاد، على مكافحة الإسلام الراديكالي الذي زادت وتيرته منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، ليكون ذلك أفضل خدعة لتبرير أعماله ضد الجهات المعارضة. وفي هذا الصدد، يعتقد الخبير عمرو عدلي أن “وجود تهديد إرهابي حقيقي في مصر وفي البلدان المجاورة قد زاد من تقبل المصريين لتدابير الطوارئ التي تم فرضها في البلاد”.
باسم الاستقرار وأمن الدولة، تمر البلاد بفترة قمع منقطعة النظير، حيث يوجد حوالي 60 ألف سجين سياسي في السجون المصرية، بما في ذلك الإسلاميين والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقد هيأت البلاد متسعا لجميع هؤلاء المساجين، فمنذ سنة 2011، تم بناء حوالي 19 سجنا جديدا، وذلك وفقا لإحصائيات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. من جهته، أكد المخرج وصانع الأفلام المصري-الإسباني المقيم في مدريد، الذي يسافر إلى مصر باستمرار، باسل رمسيس أن “مصر تعيش، دون أدنى شك، أسوأ فتراتها منذ 65 سنة، خاصة مع تزايد جرائم القتل والتعذيب والاختفاء المعتادة في البلاد”.
شارك رمسيس في حملة الحزب التقدمي، العيش والحرية، بقيادة خالد علي، المحامي الذي لطالما دافع عن حقوق الإنسان، والذي أثار من جديد، منذ بضعة أسابيع، مسألة سوء المعاملة التي يتلقاها اليساريون وثوار ميدان التحرير، وذلك قبل أن يعلن سحب ترشحه من الانتخابات الحالية إثر الحملة التي شنها النظام ضد بقية المنافسين. وأفاد باسل رمسيس، قائلا: “لقد كان تقديم حل بديل في الانتخابات أمرا خطيرا، لكنه ضروري جدا. لم يتوقع أحد أن يتصرف السيسي بمثل هذه الوحشية ضد خصومه”.
“تعلم أنهم خلال وقت ما سوف يأتون إليك”
أدت الحملة الحالية، التي يدعي النظام أنه يشنها ضد الإرهاب، إلى جانب تواصل إعلان حالة الطوارئ، إلى وضع نهاية للحق في التظاهر، وتزايد مفزع في عدد الاعتقالات، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، والأحكام القاسية، بالاستناد إلى قانون جنائي يساوي بين العصيان المدني والإرهاب. ويمثل أنصار الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين القسم الأعظم من ضحايا هذه السياسة، إلا أن المعارضة الليبرالية أيضا، التي تتكون من نشطاء وصحفيين، تعد هدفا للنظام، حيث طالتها الاعتقالات والأحكام القضائية العشوائية، حتى صار واضحا أن لا أحد في مصر في مأمن من النظام. وقد تعرضت الشابة منة، وهي موظفة في منظمة غير حكومية محلية، وعضو في حزب العيش والحرية، إلى الاعتقال في شهر تشرين/الثاني نوفمبر الماضي، في حين كانت بصدد الالتحاق بمظاهرة ضد عملية تسليم الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير، الواقعتين في البحر الأحمر، للمملكة العربية السعودية. وقد أدى هذا الحدث حينها لاندلاع واحدة من المظاهرات القليلة التي شهدتها مصر خلال السنوات الماضية.
في هذا الشأن، أفادت منة، أن “عامل التوقيت لم يسمح لي بحضور المظاهرات، فقد قضيت أربعة أيام في السجن، دون توجيه أية اتهامات لي. لقد هددوني بالاغتصاب والاختفاء القسري”. وعلى الرغم من ذلك ترى منة أنها كانت محظوظة في ذلك الوقت، حيث أعتقل صديقها أثناء وجوده في منزل أحد أصدقائه من النشطاء السياسيين، وحكم عليه بقضاء سبعة أشهر وراء القضبان. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في مصر، حيث يروي كل المستجوبين القصص ذاتها، حول حملات الاعتقال التي تطال أشخاصا لم يتدخلوا من الأساس في المجال السياسي، في حين يكون مصيرهم الاختفاء العشوائي لمدة أيام، وأحيانا لأسابيع وأشهر. وغالبا ما يختفي المختطفون من على وجه الأرض، ولا يعودون للظهور مجددا، أو يودعون السجن بعد أن تسلط عليهم أحكام تتراوح بين 5 و15 و25 سنة، وأحيانا السجن مدى الحياة، بعد محاكمات جماعية وسريعة دون إفساح أي مجال للدفاع.
أما طاهر، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، فقد كان شاهدا على اعتقال رفيقه في السكن والعديد من زملائه العاملين في منظمات غير حكومية تعنى بالدفاع عن حرية التعبير. وأورد طاهر، أنه “في النهاية، تعتاد على العيش بهذا الشكل، فأنت تعلم أنهم في وقت ما سوف يأتون إليك”. وقد قامت المنظمات المحلية والدولية، على غرار هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بتوثيق مئات الحالات من التعذيب والاختفاء القسري، خلال السنوات الأربع الماضية. وقد أكدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، مقتل 50 معتقلا أثناء وجودهم في مراكز الشرطة، بين سنتي 2013 و2016، كما أنه خلال السنة الماضية فقط، تلقى محامو التنسيقية 830 شكوى حول التعرض للتعذيب.
في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتفاقم الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، يشعر الأشخاص الذين خرجوا قبل سبع سنوات للمطالبة بالعدالة والحرية في ميدان التحرير، اليوم بأنه لا توجد أي إمكانية لتحقيق مستقبل ديمقراطي في مصر
طالت موجة القمع أيضا المنظمات غير الحكومية، فمنذ بداية منتصف سنة 2017، تم وضع قانون جديد يفرض إجراءات رقابة صارمة على هذه المنظمات، الأمر الذي أجبر العشرات منها على غلق أبوابها. في الوقت ذاته، شهدت هذه المنظمات العديد من المضايقات والاعتقالات في صفوفها، في حين منع الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان من مغادرة البلاد. في الأثناء، لم تنج الصحافة بدورها من القمع، حيث يعتبر ما لا يقل عن 30 مراسلا صحفيا حاليا رهن الاعتقال أو صدرت أحكام ضدهم بالسجن، لتصبح مصر بذلك واحدة من أكبر سجون الصحافة في العالم. كما تم غلق حوالي 500 موقع إخباري محلي ودولي، من بينها موقع هيومن رايتس ووتش، ومراسلون بلا حدود، وموقع مدى مصر المستقل، وصحيفة “ديلي نيوز إيجيبت”.
خلال الأسابيع الأخيرة، أضيف إلى كل هذه الإجراءات، إطلاق الحكومة لحملة ضد الصحافة العالمية. وإلى جانب قناة الجزيرة التي لا تحظى بالرضا أو القبول منذ فترة طويلة، تسبب تقرير لشبكة “بي بي سي” البريطانية حول التعذيب في مصر، نشر في الشهر الماضي، إلى نشوب ردة فعل قوية من قبل السلطات، التي هددت بتوجيه تهمة الخيانة لكل من ينشر ما تعتبره “أخبارا كاذبة”، خاصة أثناء فترة الانتخابات. في سياق متصل، منعت وسائل الإعلام المسموح لها بتغطية هذه الانتخابات، من إجراء أي حوارات واستطلاعات الرأي في الشارع، أو طرح أسئلة غير مرغوب فيها، أو “مزج الأخبار بالدعاية”. ومن أولى ضحايا هذه الرقابة المشددة، مراسلة صحيفة التايمز البريطانية، التي تم طردها من مصر بعد وقت قصير من اعتقالها، أثناء إجرائها للقاء صحفي في القاهرة. ولكن صحفيين أجانب سبقوها انتهى بهم الأمر في المحكمة بسبب ممارستهم لمهنتهم، أو تم إجبارهم على مغادرة البلاد خوفا من الأعمال الانتقامية.
في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتفاقم الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، يشعر الأشخاص الذين خرجوا قبل سبع سنوات للمطالبة بالعدالة والحرية في ميدان التحرير، اليوم بأنه لا توجد أي إمكانية لتحقيق مستقبل ديمقراطي في مصر. من جهتها، أفادت غادة، وهي طالبة جامعية تعيش في لبنان، أنه “في سنة 2011، كان عمري 16 سنة، وقد تغيبت عن الدراسة للذهاب إلى ميدان التحرير، وحتى في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2013، عندما طالبنا بتنحي محمد مرسي، كنت هناك ووقفت أمام دبابة أثناء المظاهرات. ولكن اليوم عندما تنشب احتجاجات، لم أعد مستعدة للذهاب والمخاطرة بحياتي من أجل بلدي. الناس باتوا يرغبون فقط في العيش، في حين غادر البلاد الكثير من الأشخاص، حيث لدي أصدقاء رحلوا إلى العديد من البلدان. في الماضي كانت لدينا رغبة في أن نكافح ونقاتل، ولكن اليوم فقدنا الأمل”.
في المقابل، يعتقد آخرون مثل محمد زكي، المتحدث باسم الشباب في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (الحزب المعارض الذي يحظى بأكثر عدد من المقاعد في الانتخابات)، أن الثورة كانت تستحق العناء رغم كل شيء. وفي هذا الصدد، أقر محمد زكي، بأن “تلك الثورة أطلقت شرارة الالتفات إلى الساحة السياسة في المجتمع المصري، وخاصة في صفوف الشباب، ووضعت على الطاولة قضايا لم يتم التطرق إليها سابقا، مثل حماية البيئة، وحقوق المرأة، وحقوق الشواذ، ودور الدين. لقد كانت قبل كل شيء ثورة اجتماعية، أما على المستوى السياسي فإنها ستستغرق سنوات لإعادة بناء توازنات القوة في الدولة”.
المصدر: بوبليكو