شهد البرلمان التونسي أمس الإثنين حالة من الفوضى والتراشق بالتهم بين نواب من حركة النهضة وآخرين من نداء تونس بسبب الخلاف بشأن التمديد بسنة لهيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بملف العدالة الانتقالية.
وللجلسة الثانية على التوالي، لم يتوصّل البرلمان إلى توافق ينهي “أزمة” التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة من عدمه، بعد رفض نواب حزبي نداء وآفاق تونس وكتلة الحرة عن حركة مشروع تونس، مواصلة سهام بن سدرين عملها على رأس الهيئة.
بحسب قانون العدالة الانتقالية، تتمثل مهمة هيئة الحقيقة والكرامة في “كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان” الحاصلة منذ الأول من يوليو 1955، وحتى 31 من ديسمبر 2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم.
وكانت هيئة الحقيقة والكرامة قد باشرت منذ أشهر إحالة ملفات متعلقة بالانتهاكات في فترة ما قبل الثورة إلى القضاء، واشتكت من أن السلطات لا تتعاون معها بما يكفي من أجل إنجاز تسويات مالية مع متهمين بالفساد.
رئيس البرلمان غير محايد
خلال جلسة الإثنين، وجّه نواب من المعارضة ومن حركة النهضة جملة من الانتقادات لرئيس البرلمان محمد الناصر (نداء تونس) بسبب عدم حياديته، في حين اتهمته النائبة بحركة النهضة منية إبراهيم بأن لديه ملفين في الهيئة على علاقة بقضايا تعذيب وقتل، وهو ما نفاه الناصر.
وكانت جلسة السبت 24 من مارس 2018 المخصصة للتصويت على التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، قد شهدت حالة من الفوضى والتشنج، وصل حدّ التدافع بالأيدي بين النائب عن الكتلة الديمقراطية مبروك الحريزي وعماد الدايمي من جهة ونواب من حركة نداء تونس.
بيّنت بن سدرين أن العدالة الانتقالية خيار شعب ومكرسة بالدستور، وأن الهيئة ملتزمة بهذا الخيار للقطيعة مع منظومة الاستبداد والفساد وإرساء نظام ديمقراطي يليق بتونس
وعلى إثر رفع الجلسة، قال المدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ قائد السبسي: “العدالة الانتقالية ليست سهام بن سدرين ولن تصوت الحركة لبقائها…”، مما دفع رئيس كتلة الحزب بالبرلمان سفيان طوبال للدعوة إلى استقالة بن سدرين لأنها تمثل عقبة أمام تواصل مسار العدالة الانتقالية، مشيرًا إلى أن كتلة النداء تتعهد بالمصادقة على قرار التمديد في عمل الهيئة إن استقالت رئيستها الحاليّة.
رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين أكدت خلال حضورها جلسة الإثنين، أنّ قرار التمديد المعلل الذي رفعته إلى مجلس نواب الشعب هو قرار ملزم بالنص القانوني والدفاع عن استقلاليته واجب دستوري.
ودعت في تدخلها خلال الجلسة العامة إلى التحلي بروح المسؤولية لتذليل العقبات والعراقيل أمام الهيئة واستكمال مسار العدالة الانتقالية وإنجاحه، والتصدي إلى كل من يسعى لإجهاضه وتنمية خطاب الكراهية.
وبيّنت بن سدرين أن العدالة الانتقالية خيار شعب ومكرسة بالدستور، وأن الهيئة ملتزمة بهذا الخيار للقطيعة مع منظومة الاستبداد والفساد وإرساء نظام ديمقراطي يليق بتونس الجمهورية الثانية مهما كانت القوى التي تسعى إلى إفشال المرحلة الانتقالية والنظام الديمقراطي.
الهيئة ستكشف كل الحقيقة
بن سدرين التي غادرت قاعة الجلسة بعد توتر الأجواء داخل البرلمان، أشارت إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة تعد الشعب بأنها ستكشف كل الحقيقة وستُسائل جميع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وستجبر الضرر وتحقق المصالحة، كما ستصلح المؤسسات وتقدم مقترحات لذلك لضمان عدم التكرار.
بن سدرين: مسار العدالة الانتقالية ضبطه القانون الأساسي المتعلق بالعدالة وأوكل للهيئة مسؤولية تنفيذ هذا المسار وإنجاحه بالشراكة مع مختلف مؤسسات الدولة التي من بينها البرلمان
وذكّرت بن سدرين بأن الهيئة التي أنجزت القسط الأوفر من مهامها، طلبت التمديد في عملها لستة أشهر من أجل كتابة تقريرها النهائي واستخراج ما توصلت إليه في أعمال التقصي ورد الاعتبار للضحايا، مؤكدة في هذا الجانب أنه لا يمكن بناء سلم اجتماعي دون رد الاعتبار للضحايا.
وقالت: “مسار العدالة الانتقالية ضبطه القانون الأساسي المتعلّق بالعدالة وأوكل للهيئة مسؤولية تنفيذ هذا المسار وإنجاحه بالشراكة مع مختلف مؤسسات الدولة التي من بينها البرلمان”، موضحة أن مسار العدالة الانتقالية ينطلق بكشف الحقيقة ثم مساءلة المسؤولين سواء على مستوى الهيئة بالصلح أو عن طريق القضاء.
وأكدت أن العراقيل التي تعرضت لها الهيئة هي التي أدت إلى اتخاذها قرار التمديد بإضافة 6 أشهر لاستكمال أعمالها، مبينة أن هذه العراقيل تتمثل أساسًا في امتناع جزء كبير من أجهزة الدولة عن تطبيق ما جاء بالفصول 37 و40 و51 و52 و54 من القانون الأساسي وتتعلق أساسًا بالقضايا المنشورة أمام القطب القضائي المالي والمحكمة العسكرية.
كما لفتت أيضًا إلى وجود تعطيل لآلية التحكيم والمصالحة بسبب التعاطي السلبي للمكلف العام بنزاعات الدولة في عملية استرجاع الأموال المنهوبة وتطبيق آلية التحكيم والمصالحة في هذا الاتجاه.
البرلمان عطل عمل الهيئة
شددت بن سدرين على أن الهيئة كانت قد راسلت البرلمان في العديد من المناسبات تعلمه فيها بالعراقيل رغبة منها في استدعاء هذه الجهات المعرقلة كوزارة الداخلية والدفاع وأملاك الدولة واستفسارها وحثها على تطبيق أحكام الدستور والقانون الأساسي للعدالة الانتقالية، لكنه لم يقم بذلك ولم يستجب كذلك لطلبات سد الشغور وتطبيق الفصل 37 من القانون الأساسي.
المحكمة الإدارية قضت مساء الإثنين برفض طلب كتلة آفاق تونس الطعن في قرار مجلس هيئة الحقيقة والكرامة المتعلق بالتمديد في مدة عملها بسنة واحدة
وعن الاتهامات الموجّهة إليها من النواب أبرزت “أنّ الرد الأفضل لخيار الكراهية هو رفض الانخراط فيه وعدم التجاوب معه لأنه يؤدي للانقسام وضرب مسار العدالة الانتقالية”، مضيفة أن “الرهان ليس هيئة الحقيقة والكرامة ولا رئيستها بل هو العدالة الانتقالية التي اختارها الشعب كآلية لمعالجة إرث الماضي لانتهاكات حقوق الإنسان بطريقة سلمية بعيدًا عن الخيارات التي انتهجتها بعض البلدان التي أدت إلى الحروب الأهلية”.
وتجمع عدد من المحتجين أمام مقر البرلمان صباح الإثنين بدعوة من حزب حراك تونس الإرادة للتعبير عن تأييدهم لقرار التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة.
يذكر أن المحكمة الإدارية قضت مساء الإثنين برفض طلب كتلة آفاق تونس الطعن في قرار مجلس هيئة الحقيقة والكرامة المتعلق بالتمديد في مدة عملها بسنة واحدة، معللة ذلك بأن قرار الهيئة يدخل ضمن صلاحياتها إذا ما قامت بذلك قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها، ولا يشكل تعديًا على صلاحيات المجلس المكلف بالتشريع الذي يحتفظ بكامل صلاحياته بالنظر في قرار مجلس الهيئة التمديد في مدة عملها.