ترجمة وتحربر: نون بوست
هذه خمس طرق يمكن من خلالها لستارمر أن يحدث تغييرًا في الحكومة: الاعتراف بفلسطين، واستئناف تمويل وكالة الأونروا، واحترام القانون الدولي، والتواصل مع الجالية المسلمة، ونشر المشورة حول بيع الأسلحة لإسرائيل.
لا يمكن للحكومات السماح بإفلاس البنوك بينما ترمي عملاءهم من أصحاب المعاشات التقاعدية للكلاب. ودفاعًا عمّا يسمونه بالديمقراطية الليبرالية – وهي ليست كذلك – تلجأ هذه الحكومات بشكل متزايد إلى الوسائل غير الليبرالية. إن هذا النظام السياسي المتداعي هو المسؤول الرئيسي عن صعود اليمين المتطرف.
في عطلة نهاية الأسبوع، كانت هذه الرسالة واضحةً وضوح الشمس في فرنسا، إذ تحوّلت انتخابات مبكّرة دعا إليها المساند لبلير إيمانويل ماكرون إلى كارثة انتخابية بالنسبة له، ولكن ليس بالنسبة لفرنسا. حقّق اليسار، الذي كان لفترة طويلة مغيبًا وفي حالة سبات، انتصارًا ساحقًا في الانتخابات البرلمانية حطّم بها كل التوقعات، دافعًا اليمين المتطرّف المتمرّد إلى المركز الثالث. وبذلك يكون الشعب الفرنسي قد وجّه رسالة واضحة للغاية: وهي أنه متعطّش إلى التغيير الحقيقي والجذري أكثر بكثير من الرئيس الذي يدعي قيادته.
رسالة واضحة
في بريطانيا، تم توجيه نفس الرسالة إلى كير ستارمر، الذي فاز بأغلبية برلمانية كبيرة بعدد ضئيل من الأصوات. فقد حصل ستارمر على 34 في المئة فقط من الأصوات، أي أقل بمقدار 600 ألف صوت من الأصوات التي حصل عليها جيريمي كوربين في سنة 2019 وأقل بثلاثة ملايين صوت مما حصل عليه زعيم حزب العمال السابق في سنة 2017. وفي الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة، كانت الرسالة إلى ستارمر أكثر وضوحًا.
يظهر تحليل تمت مشاركته مع “ميدل إيست آي” لكنه لم يُنشر بعد أن حصة حزب العمال من الأصوات في أكبر 20 دائرة انتخابية مسلمة تراجعت بين 15 في المئة و44.6 في المئة. ومنذ انتخابات سنة 2019، انخفضت النسب في برادفورد الغربية بنسبة 44.6 في المئة، وفي برمنغهام هول غرين وموسلي بنسبة 35.5 في المئة، وفي برمنغهام ليديود بنسبة 40.5 في المئة، وفي ديوسبري وباتلي بنسبة 36.2 في المئة، وفي ليستر الجنوبية بنسبة 35 في المئة، وفي إلفورد الشمالية بنسبة 20 في المئة، وفي لوتون الشمالية بنسبة 15 في المئة.
في سؤاله عن علاقته بالجالية المسلمة، استهان رئيس الوزراء البريطاني الجديد بهذه الفئة من الناخبين قائلًا: “لدينا تفويض قوي لكننا لم نؤمّن الأصوات. سنعالج ذلك، على الرغم من أنني لا أعتقد أن هناك جدلًا حول التفويض الذي لدينا، وهو تفويض من أجل التغيير والتجديد والسياسة كخدمة عامة”. لكن رفض الجالية المسلمة لم يمر دون أن يلاحظه كبار الشخصيات في حزب العمال.
اضطر وزير الصحة الجديد ويس ستريتينغ، الذي صوّت مرارًا وتكرارًا كعضو معارض ضد وقف إطلاق النار في غزة، والذي بالكاد نجح بفارق 528 صوتًا فقط في إلفورد الشمالية إلى الاعتراف بأنه: “بالنظر إلى النتائج في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك إلفورد الشمالية، من الواضح جدًا أن غزة كانت قضية حقيقية بالنسبة لحزب العمال في هذه الانتخابات”.
وتعتبر أصوات الجالية المسلمة أكبر كتلة تصويتية في الحزب وهي لا تتعارض مع كوربين أو اليسار الشعبي. وهم يتفقون على فلسطين وعلى موقفهم المعارض للعديد من الحروب الغربية المدمّرة في الدول الإسلامية التي عارضها كوربين باستمرار وبشجاعة، بينما يختلفون حول بعض القضايا الاجتماعية.
إن قوة التصويت المسلم، التي أزاحت أربعة نواب لبراليين لصالح نواب مستقلّين موالين لغزة، يجب ألا تكون مفاجئة بالنسبة لستارمر الذي بذل جهده كقائد معارض لكسب رضا اللوبي المؤيد لإسرائيل. لقد حصل ستارمر بجدارة وعن وعي على رفض تصويت الجالية المسلمة مخططًا ببرود لأنه يمكنه الحصول على أصواته من المحافظين الساخطين بدلاً من ذلك. لذا فقد فكّك زعيم حزب العمال بوعي بعض المبادئ الأساسية لسياسة حزبه تجاه فلسطين.
إخفاقات مُعاد تدويرها
غيّر ستارمر سياسة الحزب بقول إن حزب العمال سيعترف فقط بدولة فلسطينية مقبولة لإسرائيل. وقد رفض معاداة الصهيونية وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، التي كان ناشطًا فيها سابقًا بصفته محامي حقوق الإنسان. لم يكتف بدعم القصف الوحشي الذي شنته إسرائيل على غزة بقوله مرارًا إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، بل قال أيضًا لراديو “إل بي سي” إن لإسرائيل لها الحق في قطع الكهرباء والماء عن غزة وصوّت ضد وقف إطلاق النار الفوري.
عند سؤاله في بداية حرب غزة عن عدد الفلسطينيين القتلى الذي يحتاجه حزب العمال قبل المطالبة بوقف إطلاق النار، ردّ أحد كبار مستشاريه في الشرق الأوسط: “أكبر عدد ممكن”.
منع ستارمر الممثلين المنتخبين من حضور المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، وحظر الحزب “حملة التضامن مع فلسطين” من وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري في أدبياته لمؤتمر الحزب الأخير. رفض زعيم حزب العمال لقاء أي وفد فلسطيني خلال سنواته الأربع كقائد للمعارضة. وبدلاً من ذلك، لجأ إلى طلب رأي توني بلير حول كيفية التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
يُشاع أن “بليريّين” مثل ديفيد ميليباند سيشغلون مناصب مثل سفير إلى واشنطن. ويتم أخذ آراء بلير حول الهجرة مجددًا على محمل الجد. هذا الشخص [أي بلير] هو الذي ارتكب أسوأ وأكبر خطأ في السياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط منذ أزمة السويس. غزا بلير العراق بناءً على حجج كاذبة، مما أطلق حربًا أهلية طائفية مريرة دمرت البلاد وخلقت نسخة أكثر وحشية من القاعدة في جماعة تنظيم الدولة.
في جنازة أرييل شارون، ألقى بلير خطبة واصفًا الزعيم الإسرائيلي الذي أشعل الانتفاضة الثانية بجولته في الأقصى والذي كان الجنرال المسؤول عن مجازر صبرا وشاتيلا، بـ”رجل الدولة العظيم”. وفي الواقع، إن إعادة توظيف القادة الذين فشلوا بشكل واضح هي واحدة من ميزات الإمبراطورية المحتضرة. لكن يتضح أن الفشل ليس عائقًا أمام العودة للساحة السياسية. فقد أعيد تعيين ديفيد كاميرون، الذي كان رئيس الوزراء المسؤول عن الحرب الأهلية الليبية، على رأس وزارة الخارجية من قبل ريشي سوناك. ويتم إعادة توظيف بلير وفريقه ليكونوا تحت تصرف ستارمر. فهل نفِد رصيدنا من القادة بهذه السرعة لدرجة أننا مجبرون على إعادة تدوير القادة الذين سبق أن أثبتوا فشلهم؟
كسب المصداقية
إن الرسالة التي يوجّهها الناخبون في جميع أنحاء العالم الغربي إلى قادتهم مختلفةٌ تمامًا. حتى تصبح جديرًا بالمصداقية عليك أن تكسبها، وعليك أن تستمع إلى ما يقوله شعبك. وصل ستارمر إلى السلطة بقول أقل ما يمكن سواء كقائد للمعارضة أو كمرشح في الانتخابات. هل يتذكر أي شخص شيئًا واحدًا قاله؟ أو سياسة واحدة اقترحها في هذه الانتخابات؟ لا أتذكر.
هذا جيّد للوصول إلى السلطة لكن ليس للبقاء فيها. فللبقاء في السلطة، على ستارمر أن يظهر أنه أحدث تغييرا في الحكومة. لقد فشل بشكل ملحوظ في فعل ذلك كقائد للمعارضة، حيث كان يسير جنبًا إلى جنب مع سوناك في ما يتعلق بغزة.
هناك خمس أمور يمكن لستارمر فعلها فورًا لإظهار أن الحكومة قد تغيرت حقًا. أولًا، يمكن لبريطانيا أن تعترف بدولة فلسطينية دون انتظار إذن إسرائيل – الأمر الذي يشبه انتظار غودو الذي لن يأتي أبدًا.
اقترح إد ميليباند هذه الخطوة – على الرغم من أنها تعتبر في الغالب خطوة رمزية – للاعتراف بدولة فلسطين، والتي تم تبنيها من قبل البرلمان. دولة فلسطين معترف بها كدولة ذات سيادة من قبل 145 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وحان الوقت منذ فترة طويلة أن تصبح بريطانيا إحداها.
ثانيًا، يجب على بريطانيا على الفور استئناف تمويل الأونروا، الوكالة الوحيدة للأمم المتحدة القادرة على تقديم التعليم وإغاثة الكوارث والتوظيف والرعاية الصحية والتغذية للاجئين الفلسطينيين في غزة وفي جميع أنحاء العالم العربي.
لم يتم تقديم أي دليل على ادعاء إسرائيل بأن أعضاء الأونروا شاركوا في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أو أن ما يصل إلى 10 في المئة من موظفيها عملوا لصالح حماس. كل الأدلة الموجودة لها دوافع سياسية في محاولة لتجريد الوكالة الوحيدة للأمم المتحدة التي تعترف صراحة باللاجئين الفلسطينيين من التمويل. لا يجب على بريطانيا أن تكون جزءًا من هذا العمل المشين لتخريب وكالة تشكل العمود الفقري لجهود الإغاثة. كيف يمكنك أن تدعو لدولة فلسطينية في حين تساعد إسرائيل في تدمير نظامها التعليمي الذي تقدمه الأونروا فقط؟
احترام القانون الدولي
في الآونة الأخيرة، قامت مجلة “ذا لانسيت” بإعادة حساب حصيلة الوفيات في غزة باستخدام الوفيات غير المباشرة بمعدل ثلاثة إلى خمسة عشر ضعف عدد الوفيات المباشرة. وورد في تقريرها: “باستخدام تقدير متحفظ لأربعة وفيات غير مباشرة لكل وفاة مباشرة من الوفيات البالغ عددها 37396 حالة وفاة، من غير المستبعد تقدير أن يصل عدد الوفيات إلى 186 ألفا أو حتى أكثر بسبب الصراع الحالي في غزة. باستخدام تقدير عدد السكان في قطاع غزة لسنة 2022 والبالغ 2.375.259، فإن هذا يترجم إلى وفاة 7.9 في المئة من إجمالي السكان في قطاع غزة”. ومواصلة تجريد الأونروا من التمويل في هذه الظروف لا يقل شيئا عن التواطئ في القتل.
ثالثًا، ينبغي على بريطانيا تطبيق القانون الدولي – لسبب بسيط جدا وهو أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تتراجعان كقوى عالمية وستضطر المملكة المتحدة إلى الاعتماد على الإقناع ونظام عالمي قائم على القواعد بدلا من القوة الغاشمة أو العقوبات.
ينبغي أن يكون واضحًا لستارمر أن بريطانيا لا يمكنها أن تدعو لنظام عالمي قائم على القواعد إذا كانت تكسر جميع القواعد بدعمها لإسرائيل.
على بريطانيا أن تتخلى عن اعتراضاتها على المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر حاليًا في إصدار مذكّرة توقيف بحق نتنياهو. كان هناك تقرير يفيد بأنه من غير المحتمل أن تمضي المحكمة قدما في الخطوة القانونية، وهو أمر مشجع إذا حدث. وتعيين ريتشارد هيرمر كمدعي عام، وهو محامي متمرس تحدث ضد انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، يبعث بإشارة إيجابية أخرى.
لكن تعيين هيرمر يمكن أن يتبعه إجراء رابع وهو نشر نصائح المحامين الحكوميين حول قانونية الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة خلال الأعمال الحربية التي تتعارض مع اتفاقية الإبادة الجماعية أو اتفاقية جنيف. وقال وزير خارجية الظل ديفيد لامي إنه لديه “مخاوف جدية” بشأن سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة وحثّ الحكومة آنذاك على نشر النصيحة القانونية بشأن مبيعات الأسلحة لإسرائيل. لا شيء يمنعه من القيام بذلك الآن. فهل سيفعل ذلك؟
خامسًا، يجب على رئيس الوزراء كير ستارمر أن يكسر عادة طويلة الأمد من خلال الاجتماع والانخراط مع ممثلي الجالية المسلمة. على الرغم من ميله للتصرف كحاكم استبدادي، لا ينبغي على ستارمر تكرار خدعة بلير القديمة بخلق منتديات بديلة لمجلس المسلمين البريطاني فقط لأنه لا يستطيع الحديث معهم.
تغيير كامل
أنشأ بلير المجلس الصوفي الإسلامي في سنة 2006. وقد أطلِقت مؤسسة كويليام – المنحلة الآن – في سنة 2008 بتمويل من وزارة الداخلية بلغ 674.608 جنيه إسترليني (864.000 دولار). وكان هدفها الأساسي تحديد الإسلام السياسي كمحرك للتطرف. ذكر إيان كوبين من “ميدل إيست آي” كيف أخبره مسؤول حكومي بريطاني أن مؤسسة كويليام “أنشِئت بالفعل من قبل مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية”.
كانت الخطة الأصلية تمويل هذه المؤسسة بشكل سري من أموال تبدو وكأنها تأتي من متبرع من الشرق الأوسط لكن كان يتم ذلك في الواقع عبر قناة تابعة للاستخبارات البريطانية. يجب على ستارمر أن يوقف كل هذا الهراء، لأن هذه المؤسسة لا تعمل. إن إنشاء منظمات حكومية وهمية هو ما يفعله الطغاة مثل فلاديمير بوتين. إنها لا تخدع أي شخص في روسيا ولا تخدع أي مسلم يعيش هنا. إذا كان هناك شيء ما فإنه يعيق عمل الاستخبارات المضادة. كما أنها لن تُعيد لحزب العمال أصوات المسلمين. ينبغي على ستارمر أن يبدأ الحديث مع ناخبي وممثلي الجاليات المسلمة. لدينا الكثير منهم وهم بليغون.
إن بريطانيا بحاجة إلى تغيير كامل في سياستها الخارجية والعلامات تشير إلى أنه من غير المحتمل أن تحصل عليها. يبدو وزير الخارجية ديفيد لامي وكأنه لا يزال مرتبطًا بالحبل السري بالسفينة الأم في واشنطن. هل هذه فكرة حكيمة في الوقت الذي يكافح فيه الديمقراطيون مع العديد من الهفوات في أداء بايدن، ويقف دونالد ترامب المليء بالحقد والمتعافي في الأفق؟
ما هي خطة ستارمر البديلة إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟ أين ستكون المملكة المتحدة؟ لقد قطعت علاقتها بالاتحاد الأوروبي وتنجرف في مكان ما في المحيط الأطلسي. وعد ستارمر بالاستقرار. ينبغي أن تهدف السياسة الخارجية البناءة والمتوازنة إلى نزع التصعيد وليس مفاقمته كما يحدث الآن. لن يقدم سياسة مناسبة للقرن الواحد والعشرين من خلال التمسك بكتاب اللعب الأطلسي الذي فقد صلاحياته بالفعل.
إذا كانت كل حرب انخرط فيها التحالف الغربي منذ حرب كوسوفو في سنة 1998 قد سارت بشكل خاطئ، مع محاولة دفع روسيا للخروج من أربع مناطق في أوكرانيا كونها أحدث مثال على الفشل العسكري، فقد حان الوقت لإعادة كتابة قواعد السياسة. حتى اتفاقية دايتون للسلام، التي اختتمت الحرب البوسنية التي استمرت ثلاث سنوات ونصف، قد تنهار الآن تحت ضغوط جديدة من القومية الصربية. واللحظة التي يُدين فيها ستارمر الفظائع الروسية الأخيرة في أوكرانيا، بينما يلتزم الصمت حيال نفس الفظائع التي ترتكبها إسرائيل كل ساعة في غزة، تظهر أن تغيير الحكومة في بريطانيا لم يحدث مطلقًا.
المصدر: ميدل إيست آي