توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع الأسبوع الحاليّ إلى بلغاريا لحضور القمة التركية الأوروبية رفقة 3 وزراء هم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير الاتحاد الأوروبي عمر جيلك ووزير الطاقة بيرات البيرق بالإضافة إلى عدد من النواب في زيارة تعتبر مؤشرًا على رغبة الطرفين في تحسين العلاقات.
ومن المعلوم أن تباعدًا حصل في العلاقة ووصل إلى أقصى درجاته خلال السنتين الأخيرتين توترت فيها علاقات أنقرة مع بعض العواصم الأوروبية المهمة مثل برلين وباريس وغيرها وربما كان آخرها موقف فرنسا من العملية التركية في عفرين والتوتر والمشادات الكلامية التي حصلت، حيث رأت فرنسا أن عفرين تندرج تحت قرار وقف إطلاق النار الذي صدر عن مجلس الأمن، بينما تجاهلت تركيا ذلك، معتبرة الأمر غير ذي علاقة، بل صنف بعض الأتراك القريبين من الحكومة الموقف الفرنسي بأنه داعم للإرهابيين.
وإذا نظرنا إلى هذه التوترات يمكن القول إنها توترات مؤقتة هي والتوترات الناجمة عن انتقادات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة وغيرها مما صاحب العمليات الانتخابية سواء في تركيا أو في دول الاتحاد الأوروبي خاصة مع صعود ملحوظ لليمين وتزايد للإسلاموفوبيا.
لكن هناك إشكاليات قديمة لم تحل منها الخلاف مع اليونان والمفاوضات المتعطلة بشأن قضية قبرص، وإذا أضفنا العدو الذي من شأنه أُنشئ حلف الناتو وهو روسيا فإن علاقات تركيا معها في تحسن مطرد خصوصًا بعد توقيع صفقة المنظومة الدفاعية إس 400 والتنسيق المشترك في سوريا، كما يضاف لهذا النزعة الإسلامية المتزايدة في تركيا ودفاعها عن قضايا العالم الإسلامي وليس دفاعها فحسب، فتركيا تعتبر الآن أكثر من يدافع عن القضايا الإسلامية وحقوق المسلمين في المحافل الدولية، منها قضية القدس والدفاع عن مسلمي الروهينغا وبناء المساجد في أنحاء العالم، ومع اعتبار تركيا دولة ذات شعب مسلم فإن قبول العواصم المسيحية في الغرب لها كان دائمًا موضع نقاش.
القوة التركية في الخطاب مع أوروبا ترجع إلى إدراك تركيا الحاجة الأوروبية الماسة لها فيما يتعلق بالأمن الأوروبي وتحديدًا موضوع الهجرة واللجوء
وعلى كل حال دخلت تركيا في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي ولكن لا بد أن نقف على حقيقة مفادها أنه لا الاتحاد الاوروبي هو نفسه الاتحاد الأوروبي الذي كان يفاوض تركيا بالأمس ولا تركيا اليوم هي تركيا الأمس؛ وعليه فإن الحقائق الجديدة والتطورات ومنها خروج بريطانيا من الاتحاد وخلاف أنقرة مع الكتلة الغربية بخصوص عدة ملفات كلها تزيد من صعوبة عملية دخول تركيا وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ولكن مع هذا ما زالت تركيا ترى في هذا الأمر هدفًا إستراتيجيًا؛ حيث قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي سيبقى هدفًا إستراتيجيًا لتركيا التي لن تسمح بعرقلة تحقيق هذا الهدف، مؤكدًا ضرورة مواصلة المحادثات بشأن العضوية، ومستشهدًا بأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تحسنت في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية وهو الأمر الذي تراه بعض الأطراف المتشددة في أوروبا خطرًا عليها.
وعلى كل حال يذهب أردوغان إلى بلغاريا وهو منتصر في عفرين وقد بدا هذا من لهجته ومن الموقع الذي وصلت له تركيا في السياسة الإقليمية، حيث أكد أنه “سيطالب الاتحاد الأوروبي بتقديم تعاون غير مشروط ولا يتسم بالتردد لتركيا في معركتها ضد الإرهاب”.
كما انتقد أردوغان بعض التصريحات الأوروبية السلبية بحق تركيا، داعيًا إلى ضرورة حصول تركيا في معركتها مع الإرهاب على “دعم كامل من الأصدقاء الأوروبيين لإعادة بناء الثقة”، وتؤكد الكلمات الأخيرة حالة الثقة المتدهورة في العلاقات.
لكن هذه القوة التركية في الخطاب مع أوروبا ترجع إلى إدراك تركيا الحاجة الأوروبية الماسة لها فيما يتعلق بالأمن الأوروبي وتحديدًا موضوع الهجرة واللجوء؛ حيث تشكل الإجراءات الأولية في تركيا حاجزًا أمام طوفان من اللاجئين إلى أوروبا، كما أن العلاقات التجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي مهمة للطرفين، بالإضافة إلى بعض قضايا التوافق؛ فقد وقفت أوروبا ضد قرار ترامب في الأمم المتحدة وما حدث كان لتركيا دور رائد في مواجهته على الصعد الدبلوماسية.
كانت تركيا قد تعهدت في 2016 بسياسة تمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا مقابل تقديم 3 مليارات يورو من الاتحاد لتركيا لخدمة اللاجئين، لكن أوروبا لم ترسل المبلغ كاملاً
ومع الإدراك الحاليّ للطرفين، فما الذي سيناقش في اجتماع بلغاريا؟ ذكر موقع بي بي سي التركي 5 مواضيع ستُناقش في اجتماع فارنا ببلغاريا وهي كالتالي:
التوتر بخصوص الغاز المكتشف قبالة سواحل قبرص
كان هناك احتكاك مع السفن التركية في شهر فبراير/شباط الماضي، ومنعت البحرية التركية سفينة إيطالية من التنقيب عن الغاز، وهو موضع خلاف حاليّ بين الطرفين وستستخدم تركيا هذا الأمر في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
الإعفاء من التأشيرة
هو أمر تطالب به تركيا منذ عامين؛ حيث كان مطلبًا تركيًا تمت الموافقة عليه في مارس 2016 عند توقيع اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وقال وزير الخارجية التركي عن هذا الموضوع: “الكرة حاليًّا في الملعب الأوروبي”، ويمكن الإشارة إلى أن هناك العديد من الدول الأوروبية تخشى من هذه النقطة.
الدعم المالي لمساعدة اللاجئين
كانت تركيا قد تعهدت في 2016 بسياسة تمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا مقابل تقديم 3 مليارات يورو من الاتحاد لتركيا لخدمة اللاجئين، لكن أوروبا لم ترسل المبلغ كاملاً، بل إن الرئيس أردوغان أشار إلى أن القسم الأول من المبلغ لم يصل بشكل كامل، وغالبًا سيكون هذا الموضوع محل تركيز تركيا وستطلب الوضوح بهذا الشأن مع جدول زمني.
تجديد الوحدة الجمركية
هي اتفاقية وقعت بين الطرفين عام 1995 وتطلب تركيا تجديد الاتفاقية وما زال هذا الموضوع موضع خلاف مع الاتحاد الأوروبي، لكن ربما يحدث تقدم في المفاوضات.
هناك خلافات مبدئية بين تركيا والاتحاد الأوروبي ولكن إدراك كل منهما للمصالح المشتركة سيحث الطرفين على مواصلة التعاون
الحريات الشخصية في تركيا
موضوع لطالما كان على الأجندة الأوروبية تجاه تركيا خاصة في الثلاث سنوات الأخيرة وتحديدًا بعد حالة الطوارئ والحديث عن حكم الإعدام بعد انقلاب 15 تموز 2016 والاعتقالات التي تلته.
وعند هذه النقطة ستواجه تركيا أوروبا بما قامت به فرنسا بعد تفجيرات باريس وستبرر حالة الطوارئ بما تتعرض له البلاد من تهديدات منذ انقلاب 15 تموز ومواجهتها مع حزب العمال الكردستاني وتنظيم فتح الله غولن اللذين تصنفهما على أنهما تنظيمان إرهابيان، وستطلب أنقرة من دول الاتحاد الأوروبي إيقاف احتضان هذه المجموعات ومنعها من الاعتداء على المؤسسات التركية كما حدث في الهجمات على المساجد والمؤسسات التي يؤمها الأتراك في عدد من المدن الألمانية، ولكن في الغالب لن تجد هذه الدعوات صدى كبيرًا.
ومن كل ما سبق يمكن القول إن هناك خلافات مبدئية بين تركيا والاتحاد الأوروبي وعملية الانضمام للاتحاد الأوروبي أصبحت أكثر صعوبة وسيستمر الخطاب المناوئ للآخر من الطرفين، ولكن إدراك كل منهما للمصالح المشتركة سيحثهما على مواصلة التعاون خاصة أن الاتحاد الأوروبي ودول الغرب عمومًا دول تغلب مصالحها دائمًا، وتركيا هي الأخرى لديها ميزة الفصل بين ملفات الخلاف وملفات التعاون وقد فعلت هذا مع كل من روسيا وإيران والاتحاد الأوروبي ومع هذا لن تكون المباحثات في فارنا سهلة.
وكما تذكرنا الصحفية التركية ناغيهان التشي فإن الاجتماع يجري في فارنا ثالث أكبر مدن بلغاريا التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 2007 واليوم ترأس هذه الدورة من الاتحاد الأوروبي مع أن تركيا أفضل منها في معايير الانضمام وهذا يشير إلى ما يسمى “ازدواجية المعايير”.