لا يمكنك الحديث عن لندن دون ذكر ناديها الأول أرسنال “نادي الملكة” كما يسميه أنصار النادي، تلك التسمية التي اكتسبها من حب الملكة وتشجيها له، ومعه لا يمكنك الحديث عن نادي الملكة دون ذكر قلعته التاريخية الهايبري ووزيرها الأول أرسين فينغر اللذين يشكلان معًا تاريخ أرسنال الطويل.
الانتقال إلى هايبري
رغم أنه كان يلعب بالدرجة الثانية، فإن النادي كان قد قرر الانتقال إلى ملعب جديد وحصن جديد، وقد وقع الاختيار على ملعب يدعى الهايبري نسبة للمنطقة التي تأويه، ملعب كان بملكية الكنيسة فاكتراه أرسنال بعقد مدته 21 عامًا مع وجود بند غريب ينص على عدم إقامة المباريات في أيام الجمعة وأعياد الميلاد.
ليكون تاريخ 6 من سبتمبر 1913 موعدًا لإقامة أول مباراة على أرضيته التي حملت أول فوز للغانرز أمام نادي ليستر سيتي بنتيجة 2-1. وبعد مرور 12 سنة فقط، دفع النادي 64 ألف جنيه للكنيسة ثمنًا لشراء الملعب وأيضًا للسماح له بإقامة مبارياته أيام الجمعة وأعياد الميلاد وعمل على تجديد أجزاء من الملعب لتصل طاقته الاستيعابية إلى 38000 متفرج.
وصول المدرب الأول وبداية المجد
القلعة أصبحت بملكية النادي ولقيادتها لا بد من قائد جديد، هنا فكرت إدارة أرسنال في التعاقد مع مدرب جديد ووقع الاختيار على السير هيربرت تشابمان مدرب هيدرسفيلد تاون آنذاك، ليتولى تشابمان كرسي القيادة في النادي لفترة استمرت 9 سنوات كاملة، حقق خلالها كأس الاتحاد مرة واحدة ولقب الدوري ثلاثة مواسم 1931 و1933 وكان آخرها سنة 1934 وهو موعد رحيل المدرب الأول “دو فيرست وان” ومفارقته الحياة بعدما ضخ الروح في جنبات الهايبري وعبّد الطريق أمام الغانرز للضرب بمدافعهم وإعلان السيطرة على لندن وكل إنجلترا في فترة ثلاثينيات القرن الماضي؛ حيث حقق النادي لقب الدوري بعد المدرب الأول مرتين عامي 1935 و1938.
معركة الهايبري
تيمنًا بما قدمته قلعة الهايبري لناديها أرسنال جعله المنتخب أيضًا ملعبه الأساسي لفترة طويلة، مما ترك له الكثير من الذكريات مع المنتخب لعل أبرزها على الإطلاق ودية 1934 التي تحدى فيها الأسود الثلاث أبطال العالم الأزوري في مباراة بدأها الإنجليز بسبعة لاعبين أساسيين من نادي أرسنال، أسقطوا فيها أبناء موسوليني وحققوا الفوز بنتيجة 3-2 في لقاء اتسم بكثير من الخشونة والندية لتعرف بعدها المباراة باسم “معركة الهايبري”.
الهايبري ذاكرة كل إنجلترا
بالنسبة لمشجعي أرسنال القلعة هي ذاكرة النادي، لكن بالنسبة للإنجليز هايبري هو ذاكرة كل إنجلترا ولا يقل عن ويمبلي، فهو الملعب الذي أذيعت من خلاله وقائع المباراة على الراديو لأول مرة في تاريخ الدوري الإنجليزي سنة 1927، كما أنه كان على موعد بعدها مع نقل أحداث المباراة تليفزيونيًا من على أرضه.
القلعة احتضنت العديد من المناسبات الوطنية والتظاهرات الدولية أبرزها النزال الشهير على لقب بطولة العالم في الملاكمة للأسطورة الأمريكي محمد علي كلاي، كما كان ملعبًا للعديد من الرياضات الأخرى كالكريكت والبيسبول.
وصول فينغر ودوري اللاهزيمة
بعد 83 سنة وتعاقب العديد من الوزراء على كرسي القيادة، كانت قلعة الهايبري على موعد مع لقاء أهم وأكبر وزير لها على الإطلاق.
19 من أكتوبر 1996 تاريخ تذكره القلعة أكثر من سكانها مشجعي النادي، هو اليوم الذي خاض فيه فينغر أول مباراة له كمدرب على أرض الهايبري ومنها بدأت إنجازات الفرنسي مع النادي على هذا الملعب أين قاده لتحقيق كأس الاتحاد أربع مرات ولقب الدوري البريميرليغ ثلاث مرات، لعل أبرزها موسم 2004 موسم اللاهزيمة كما يطلق عليه عندما حقق أرسنال اللقب من دون خسارة واستمر في الفوز لـ49 مباراة متتالية وهو رقم يفخر به كل عشاق الغانرز.
سقوط الهايبري
الزمان: الأحد 7 من مايو 2006، المكان: ملعب الهايبري العتيق، المناسبة: ختامية 93 سنة من الأمجاد، الهدف بالنسبة للكبار توديع تاريخهم الشخصي الحافل بالأفراح الأمجاد والألقاب وكتابة خاتمة حكايتهم التي سيقصونها مستقبلًا على مسامع أحفادهم، أما الصغار فكل وهدفه لكن أغلبيتهم يريد كتابة تاريخ شخصي عندما يتباهى أمام أقرانه بأنه كان شاهدًا وحاضرًا في ختامية الهايبري الذي لا ينسى.
وعلى عكس كل من حضر، كان الوزير فينغر يرى في ختامية الهايبري أمام ويغان فرصة لخطف المركز الرابع وضمان مقعد في دوري الأبطال حتى في حال خسارة النهائي أمام برشلونة، نهائي يمثل هدية الختام من هايبري قبل سقوطه لجمهور الغانرز، فبعده لم يعرف أرسنال أبدًا الطريق لنهائي الأبطال.
بمظاهر الوداع على المدرجات انطلقت تلك المباراة التي حقق بها أرسنال الفوز أمام ضيف الختام ويغان بنتيجة 4-2، كان للإسباني رييس شرف افتتاحها قبل أن يختمها هنري الذي كان يحتفل بلقب الهداف والأفضل بالبريميرليغ بثلاثية، وعلى غير العادة صافرة النهاية جلبت معها الكثير من الحسرة والألم ومشاعر الحزن للحاضرين في مشهد يدل على مكانة الملعب في تاريخ النادي.
تيري هنري بعد المباراة: لم أرغب بالخروج من الملعب في ذلك اليوم، أردت البقاء حتى نهاية اليوم على المنصة، الجميع غادر الملعب حتى الجماهير، لكنني بقيت رفقة آشلي كول ودينيس بير كامب حتى إشعار آخر ولم نرغب بالخروج من الهايبري أمام دموع العاشقين، فينغر يعد الثواني مع ساعة الهايبري الشهيرة من عشرة إلى الواحد الذي أعلن معه نهاية 93 سنة من الذكريات الأمجاد والانتصارات.
إرث الهايبري
مباشرة بعد إعلان نهايتها تحولت تلك القلعة الشامخة إلى مجمع سكني، لكنها بالنسبة لكل أرسنالي عاشق مجمعًا للألقاب والمواهب، فعلى أرضيتها حقق نادي الملكة لقب الدوري في عشرة مواسم والبريميرليغ في ثلاثة وكأس الرابطة في مرتين ودرع الاتحاد لعشر سنوات.
العديد من المواهب عرفها العالم من على عشب الهايبري، فمن ينسى برج إيفل باتريك فييرا أو الهولندي الطائر دينيس بركامب أو الأنيق فابريغاس أو القائد غالاس أو أنيلكا، أو إيمانويل بيتيه أو ليونبرغ، وأبرزهم على الإطلاق رمز النادي الغزال الفرنسي تيري هينري.
فينغر: “نحن لا نشتري النجوم بل نصنعها”
بالنهاية ستظل قلعة الهايبري وإن رحلت ذكرى شاهدة على تاريخ أرسنال وسيظل مشجع الغانرز يفخر بها وستبقى كل الجماهير تردد: “هايبري هايبري هايبري”، على أمل أن تتحول تلك الكلمات في يوم ما إلى “إمارات إمارات إمارات”.
الإمارات الملعب الذي خلف قلعة الهايبري الذي لا تنطبق عليه عبارة خير خلف لخير سلف، فبمرور 12 سنة الماضية على ترك المدفعجية لقلعتهم القديمة والتحاقهم بقصر الإمارات الجديد مدافعهم أصبحت صدئة لا تضرب وصوتها خافت لا يخيف.
فينغر: “كنت أعرف أن الانتقال من الهايبري إلى الإمارات ستكون فترة حساسة”.
لكن ما كان يجهله المتيمون بحبها وحب النادي أن أرسنال بعدها لن يذوق طعم البريميرليغ وأفضل ما وصل له المركز الثاني في موسم 2016 وقبلها المركز الثالث أربع مرات، لم يكن في علمهم أن ناديهم لن يصل لنهائي الأبطال بعد هدية الهايبري في موسمه الأخير، لم يتصوروا يومًا أن ينبوع المواهب سينضب في الإمارات ويتحول لواد قاحل يعبره كل من انقطعت به السبل أملاً في مجد جديد.