في الوقت الذي يستعد فيه السعوديون للاحتفال بالذكرى الثالثة لعاصفة الحزم، أطلق الحوثيون سبعة صواريخ باليستية على مناطق متفرقة من المملكة في ذات الوقت، بينها مطار الملك خالد الدولي في الرياض وقاعدة جازان جنوب المملكة، ومطار أبها الإقليمي في عسير، بالإضافة إلى قصف أهداف أخرى داخل العمق السعودي، في رسالة واضحة مفادها أن الحل العسكري لن يكون الحل للأزمة اليمنية.
صواريخ الحوثيين السبع تزامنت مع زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة التي يقدم خلالها أوراق اعتماده كخليفة لوالده على عرش المملكة، وما تردد بشأن ضغوط مورست من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لإنهاء الحرب في اليمن في ظل الإدانات الموجهة للرياض وواشنطن على حد سواء مع بلوغ الأوضاع الإنسانية هناك كارثة حقيقية.
المأزق الذي أوقعت فيه المملكة نفسها بعد مرور 3 سنوات على حربها في اليمن تعمق بشكل واضح بعد تخلي الكثير من الحلفاء عنها، على رأسهم باكستان ومصر، وانسحاب قطر، وتقليل أعداد القوات السودانية المشاركة، بخلاف تباين وجهات النظر مع الإمارات التي لا يشغل بالها سوى السيطرة على الجنوب اليمني بجزره وممراته وموانئه، فهل بات الوجود السعودي في اليمن مسألة وقت؟
خسائر فادحة
منذ مارس/آذار 2015 أطلق الحوثيون مئات الصواريخ قصيرة المدى وما يقرب من 100 صاروخ بالستي، بخلاف الطائرات دون طيار، على مواقع متفرقة من السعودية، كبدتها العديد من الخسائر الكبيرة خاصة أن الصاروخ الواحد يحتاج لإسقاطه ثلاثة صواريخ باتريوت، في حين تبلغ كلفة الصاروخ منهم 3 ملايين دولار، بمعنى أن إسقاط صاروخ باليستي واحد يتكلف قرابة 9 ملايين دولار.
المملكة لأجل مجابهة هذه الهجمات اضطرت بين الحين والآخر إلى تجديد ترسانتها من الصواريخ الاعتراضية أو تغييرها بمبالغ طائلة، فمؤخرًا اتفقت على شراء صفقة صواريخ “إس 400” من روسيا ومنظومة “ثاد” من الولايات المتحدة.
تقارير سعودية ودولية تشير إلى أن كلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهريًا، تشمل التشغيل والذخائر والصيانة أي أكثر من 8 مليارات دولار في ثلاث سنوات، فيما أعلنت قوات التحالف التي تقودها المملكة في تقرير لها مارس/آذار العام الماضي أن عدد الطلعات الجوية التي نفذها الطيران التابع له في اليمن بلغت أكثر من 90 ألفًا، علمًا بأن تكلفة الطلعة الواحدة تتراوح بين 84 ألفًا و104 آلاف، وهي تكلفة الطلعة بمقاييس القوات الجوية الأمريكية.
مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية كشفت في تقرير لها أن نفقة القمرين الصناعيين التي تستخدمهما المملكة للأغراض العسكرية بلغت 1.8 مليار دولار في الأشهر الست الأولى للحرب، بينما تبلغ تكلفة طائرة الإنذار المبكر (أواكس) 250 ألف دولار في الساعة، أي 1.08 مليار دولار سنويًا، فيما ذهبت مجلة “التايمز” البريطانية إلى أن كلفة الحرب تتجاوز 200 مليون دولار يوميًا، مما يعني 72 مليار دولار سنويًا و216 مليار دولار في ثلاث سنوات.
زيارة ابن سلمان الأخيرة لواشنطن من المفترض أن تشكل فرصة للولايات للضغط على النظام السعودي من أجل إنهاء هذه الحرب الضارة
الخسائر السعودية لم تتوقف عند حد كلفة الحرب وفقط، بل إن الهجمات التي تشنها قوات الحوثي في المنطقة الجنوبية التي تتراوح وفق تقديرات ما بين 20 – 500 قذيفة يوميًا، تسببت في توقف عمل معظم الشركات الصناعية والتجارية في مناطق نجران وجازان وعسير، كما دفعت إلى إخلاء نحو 10 قرى ونقل أكثر من 7000 شخص من مناطق حدودية وإغلاق أكثر من 500 مدرسة.
علاوة على ذلك فقد تسببت الحرب في اليمن في عجز الاحتياطي النقدي السعودي بصورة ملفتة للنظر؛ إذ انخفض إلى 487 مليارًا في يوليو/تموز 2017 بعد أن كان 737 مليارًا دولار في الفترة نفسها من عام 2014، وزاد الإنفاق العسكري بنحو 22.6 مليار دولار في العام الأول من حرب اليمن، مقارنة بعام 2013، أما فيما يتعلق بالخسائر البشرية ففي تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كشفت فيه مقتل نحو 2500 جندي، و60 ضابط صف ومن الرتب العليا في صفوف القوات السعودية.
9 ملايين دولار كلفة إسقاط الصاروخ الباليستي الواحد
فشل عسكري استخباراتي
في تحليل لمجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية أشارت فيه إلى أن الذكرى الثالثة للحملة العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن، لن تكون للاحتفال في الرياض، فالتقديرات تشير إلى أن الحرب كلفت المملكة أكثر من 100 مليار دولار حتى كتابة هذه السطور.
المجلة أشارت إلى التعاون الاستخباراتي اللوجستي الواضح بين الرياض وواشنطن، فضلاً عن قائمة الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها عبر حزمة من الصفقات الأخيرة، غير أنه ورغم ذلك تجد المملكة صعوبة كبيرة في التغلب على عدو وصفته بأنه “مصمم على الوقوف على عتبة بابها” في إشارة إلى الحد الجنوبي للسعودية.
هذا الفشل في حسم المعركة وما جسده من فجوة واضحة بين حجم الاستثمار في الأمن والأداء العسكري على أرض الميدان، دفع العاهل السعودي وولي عهده إلى إحداث تغييرات واضحة في القيادات الأمنية في اليمن، شملت رئيس الأركان وقائد القوات البرية وقائد الطيران، ورغم ما تعكسه تلك التغيرات من ملامح التحديث في العملية العسكرية، لكنها تعكس في الواقع الإحباط المتزايد في النخبة السعودية في أداء الجيش، حسبما أشارت المجلة.
التحليل تطرق إلى أبعاد أخرى لفشل الإستراتيجية السعودية في إدارة الحرب في اليمن، مما وضعها في مأزق لا تحسد عليه، خاصة بعد تخلي حلفائها من الدول الإسلامية عنها واحد تلو الآخر، وهو ما أضعف قوات التحالف وجعلها عرضة للاستهداف الحوثي.
تسببت الحرب في اليمن في عجز الاحتياطي النقدي السعودي بصورة ملفتة للنظر، إذ انخفض إلى 487 مليارًا في يوليو/تموز 2017 بعد أن كان 737 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2014
المجلة أشارت إلى أن الأعوام الثلاث السابقة كشفت الطبيعة الضعيفة لعلاقات المملكة مع حلفائها المسلمين الرئيسيين، على رأسهم باكستان التي رفضت إرسال قواتها لمساعدة السعودية بداية الأمر، وهو الموقف الذي أثار جدلاً حينها، هذا بخلاف رفض القاهرة إرسال قواتها البرية للمشاركة في القتال، واكتفت بعدد قليل من الجنود وثلاث أو أربع سفن لدعم قوات التحالف، رغم المليارات التي قدمتها السعودية للنظام المصري الذي رفض وفق وصف المجلة “رد الجميل”.
علاوة على ذلك فهناك حالة من التباين في وجهات النظر بين الرياض وأبو ظبي، خاصة أن الأخيرة لا يهمها سوى السيطرة على الموانئ اليمنية الجنوبية، خدمة لأهدافها التوسعية، وهي صاحبة الدعوات المطالبة بفصل الجنوب، هذا بخلاف تضارب السياسات بين الحليفتين في المدن الجنوبية التي ألقت بظلالها القاتمة على قدرات قوات التحالف بشكل كبير.
تضارب المصالح بين الرياض وأبو ظبي في اليمن أضعف قوات التحالف
الصاروخ الواحد يحتاج لإسقاطه ثلاثة صواريخ باتريوت، في حين تبلغ كلفة الصاروخ منهم 3 ملايين دولار، بمعنى أن إسقاط صاروخ باليستي واحد يتكلف قرابة 9 ملايين دولار
ضغوط لإنهاء الحرب
يعد اليمن بالنسبة لولي العهد الطامع في كرسي والده هدفًا تاريخيًا لممارسة النفوذ ونصرًا إستراتيجيًا لدعم شعبيته داخليًا، إلا أنه في الوقت ذاته ساحة حرجة للأمن والاستقرار خاصة أنه خاصرة المملكة الجنوبية التي تشترك معه بحدود طويلة سهلة الاختراق.
بينما الأمر لطهران يختلف نسبيًا، فاليمن ساحة ثانوية مقارنة مع العراق وسوريا، وباستثمار منخفض جدًا في الحوثيين تمكنت إيران من الحصول على عائد اقتصادي وعسكري ودبلوماسي ضد غريمها في المنطقة (في إشارة للسعودية)، هكذا كشفت المجلة.
تطرقت أيضًا إلى أن زيارة ابن سلمان الأخيرة لواشنطن من المفترض أن تشكل فرصة للولايات للضغط على النظام السعودي من أجل إنهاء هذه الحرب الضارة، مشددة على أنه في مقابل زيادة الدعم الأمريكي للحملة السعودية لفترة محدودة، ينبغي على الرئيس ترامب أن يطالب السعوديين باتخاذ المزيد من التدابير الاحتياطية لمنع وقوع إصابات بين المدنيين، وزيادة المساعدات المقدمة للمدنيين اليمنيين المعرضين للأمراض والجوع، كمرحلة تدريجية نحو إنهاء الوضع تمامًا والتوصل إلى مخرج سياسي لهذه الأزمة.
المجلة أكدت في نهاية تحليلها أن الحرب اليمنية كارثة للأطراف كافة، ومن ثم فإن وقفها هو الشيء الذكي والصحيح الذي ينبغي القيام به، فبجانب إنقاذ المملكة من مستنقع الخسائر المتتالية، ففيه إضعاف لقدرة إيران على التدخل في الشؤون الإقليمية خاصة أن تدخلها هو الأكثر نجاحًا في المناطق التي تعاني من صراع وانعدام أمن.