ترجمة وتحربر: نون بوست
بأغلبية ساحقة، حكم 17 قاضيًا في محكمة العدل الدولية قبل أكثر من خمسة أشهر بـ”معقولية” ارتكاب إسرائيل للإبادة جماعية في غزة. وقامت أعلى محكمة في العالم بمحاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
لقد حدث الكثير منذ صدور ذلك القرار – وكل ما حدث يدين إسرائيل أكثر من الأدلة التي نظرت فيها المحكمة الدولية في كانون الثاني/يناير الماضي، فعشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين إما قتلى أو مفقودين، على الأرجح تحت الأنقاض، وأصبحت غزة الآن أرضًا قاحلة ستحتاج عقودًا عديدة لإعادة البناء.
وحتى ذلك الحين؛ ليس لدى السكان مكان للعيش فيه، ولا مؤسسات مثل المستشفيات والمدارس والجامعات والمكاتب الحكومية لرعايتهم، ولا بنية تحتية مثل الكهرباء وشبكات الصرف الصحي للاعتماد عليها.
في انتهاك لقرار ثانٍ من محكمة العدل الدولية؛ قامت إسرائيل بغزو وقصف رفح بشكل متكرر، وهي “منطقة آمنة” صغيرة كانت إسرائيل قد دفعت بسكان غزة إليها، بزعم حمايتهم.
وكثفت إسرائيل من حصار المساعدات إلى درجة حدوث مجاعة في معظم أجزاء القطاع للأطفال، والمرضى، والضعفاء يموتون بأعداد متزايدة بسبب كارثة من صنع الإنسان بالكامل.
مع تقديم الكثير من الأدلة، كيف تتعامل محكمة العدل الدولية مع قضية إبادة إسرائيل؟
الإجابة: تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية
يتفق معظم الخبراء على أنه من غير المرجح أن تصدر محكمة العدل الدولية حكمًا نهائيًا قبل سنة على الأقل، وحتى ذلك الحين، يبدو أن القوى الغربية ستستمر في منح إسرائيل ترخيصًا لإراقة المزيد من دماء في غزة – أي مواصلة في مسار الإبادة المحتملة
وبهذه الوتيرة، ستحدد المحكمة بشكل قاطع ما إذا كانت إسرائيل مذنبة بارتكاب إبادة جماعية فقط عندما تكون تلك الإبادة الجماعية على وشك الانتهاء.
عيون مغلقة بإحكام
في منتصف التسعينات، واجه العالم إبادة جماعية أخرى في رواندا، ثم تعهد الغرب بأنه والمؤسسات القانونية الموجودة هناك للحفاظ على القانون الدولي وحماية الضعفاء يجب ألا يتأخروا مرة أخرى، وألا يسمحوا بارتكاب جريمة ذات أبعاد وحشية بدون عائق.
ولكن بعد 30 سنة؛ لا يكتفي الغرب بالتباطؤ في مواجهة الجرائم ضد شعب غزة، فواشنطن وأقرب حلفائها، بما في ذلك بريطانيا، يزودون إسرائيل بنشاط بالأسلحة ويتعاونون في تجويع السكان.
وبصدور حكم ضد إسرائيل، فإن محكمة العدل الدولية ستجد ضمنيًا أن القوة العظمى العالمية العظمى الوحيدة وحلفاءها مذنبين بالتواطؤ في الإبادة الجماعية أيضًا.
وفي ظل هذه الظروف، فإن أسباب الحذر في المحكمة الدولية، وليس الاستعجال، واضحة للغاية.
فقد أظهرت المحكمة الشقيقة لمحكمة العدل الدولية، وهي المحكمة الجنائية الدولية، في أواخر الشهر الماضي أنها هي الأخرى لم تكن في عجلة من أمرها لوقف المذبحة والمجاعة الجماعية في غزة.
وبينما تحكم محكمة العدل الدولية على سلوك الدول، تحكم المحكمة الجنائية الدولية على أفعال الأفراد، وهي مخولة بتحديد ومحاكمة أولئك الذين يرتكبون جرائم نيابةً عن الدولة.
وفي شهر أيار/مايو، أغضب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، العواصم الغربية بإعلانه أنه يسعى للحصول على مذكرة اعتقال لرئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، بالإضافة إلى ثلاثة من قادة حماس.
وقد اتُّهم الخمسة جميعهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي حالة نتنياهو وغالانت، شمل ذلك جريمة إبادة الفلسطينيين في غزة باستخدام التجويع “كسلاح حرب”.
في الحقيقة، لقد تحركت المحكمة الجنائية الدولية في وقت متأخر جدًا – بعد حوالي ثمانية أشهر من بدء إسرائيل في ارتكاب جرائم الحرب.
ومع ذلك، قدم قرار خان لحظة وجيزة من الأمل لأسر غزة الحزينة، والمحتاجة، والجائعة.
وفي حين أن محاكمة الإبادة الجماعية المطولة التي تجريها المحكمة الدولية توفر إمكانية الانتصاف التي قد تستغرق سنوات، فإن مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تشكل تهديدًا مباشرًا وأكثر إلحاحًا لإسرائيل.
وفور توقيع هذه الأوامر، سيكون على جميع الأطراف الموقعة على نظام روما الأساسي، بما في ذلك بريطانيا ودول أوروبية أخرى، اعتقال نتنياهو وغالانت إذا ما وصلوا إلى أراضيهم.
وقد تحدثت تقارير إعلامية إسرائيلية عن قادة الجيش الخائفين من تنفيذ الأوامر في غزة خوفًا من أن يتم اتهامهم لاحقًا بجرائم حرب.
للحظة؛ بدا الأمر كما لو أن إسرائيل قد تضطر إلى التفكير فيما إذا كان بإمكانها تحمل مواصلة ذبح الفلسطينيين.
بلطجة القوة العظمى
لكن قضاة المحكمة الجنائية الدولية وافقوا على رفع السيف عن عنق نتنياهو وغالانت – بينما يتركون نساء وأطفال غزة، والمرضى والمسنين، معرضين مرة أخرى للقوة الكاملة لقصف إسرائيل وسياسة الجوع.
وبدلاً من الموافقة، كما كان متوقعًا، على اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه بتهم جرائم حرب، رضخت المحكمة الجنائية الدولية لضغوط من الولايات المتحدة وبريطانيا.
فقد كشفت المحكمة أنها كانت مستعدة لإعادة النظر في مسألة ما إذا كان لها اختصاص على غزة. أو بعبارة أخرى، ما إذا كان لها السلطة لمحاكمة نتنياهو وغالانت بتهم الجرائم ضد الإنسانية.
لقد كانت لحظة استثنائية، وهي لحظة أكدت مدى عدم نزاهة ادعاءات الغرب عن الإنسانية ومدى ضعف المؤسسات التي يفترض أنها مستقلة مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية عندما تواجه واشنطن.
لقد حسمت المحكمة الجنائية الدولية مسألة الاختصاص القضائي في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة الأخرى منذ فترة طويلة. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما تجرأ خان على طلب مذكرات الاعتقال في المقام الأول.
ومع ذلك، قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية المذكرات التي قدمتها سرًّا الحكومة البريطانية المنتهية ولايتها، والتي تشكك في السلطات القضائية للهيئة القانونية. ومما لا شك فيه أن المملكة المتحدة كانت تشن حملة الترهيب هذه ضد محكمة جرائم الحرب بالتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولم يقف أي منهما أمام المحكمة الجنائية الدولية لأنهما رفضا التصديق على قانون جرائم الحرب الذي أسس المحكمة.
وكانت خطوة المملكة المتحدة عبارة عن تكتيك شفاف للتأخير، يعتمد على جزء من السفسطة الإسرائيلية المعتادة: أن اتفاقيات أوسلو، منذ ثلاثين سنة، لم تمنح الفلسطينيين ولاية قضائية جنائية على المواطنين الإسرائيليين، وبالتالي لا تستطيع فلسطين تفويض هذه السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
والخلل في هذه الحجة واضح، فلقد انتهكت إسرائيل بنود اتفاقيات أوسلو منذ عقود ولم تعد تعتبر نفسها ملزمة بها. ومع ذلك فهي تصر حاليًّا – عبر بريطانيا – على أن الفلسطينيين ما زالوا مكبلين بهذه الوثائق التي عفا عنها الزمن.
والأهم من ذلك هو أن اتفاقيات أوسلو قد حل محلها منذ فترة طويلة واقع قانوني ودبلوماسي جديد. ففي سنة 2012، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح الاعتراف بفلسطين كدولة.
وبعد ثلاث سنوات؛ سُمح لفلسطين بأن تصبح عضوا في المحكمة الجنائية الدولية. وبعد تأخير طويل، قضت المحكمة أخيرًا في سنة 2021 بأن لها ولاية قضائية في فلسطين.
ومنذ ذلك الحين، ومرة أخرى بوتيرة بطيئة للغاية، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك الفظائع المرتكبة ضد الفلسطينيين وبناء المستوطنات المسلحة اليهودية حصرًّا على الأراضي الفلسطينية، مما يحرم الفلسطينيين من أي فرصة لممارسة حقهم في إقامة دولتهم.
وفي ظل نظام فعال للقانون الدولي، فإن أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وكبار الضباط في إسرائيل كانت ستصدر قبل سنوات، قبل وقت طويل من الإبادة الجماعية الحالية في غزة.
شراء الوقت
ولم تعد مسألة الاختصاص محل نقاش قانوني، ولكن إعادة النظر فيها بلا داع يشتري الوقت، وهو الوقت الذي تستطيع فيه إسرائيل أن تقتل المزيد من الفلسطينيين، وتدمر المزيد من غزة، وتجوّع المزيد من الأطفال الفلسطينيين.
إن مثل هذه التأخيرات هي جوهر الأمر. إن التأجيلات التي لا نهاية لها للمساءلة هي التي مكنت بشكل مباشر من حدوث الإبادة الجماعية الحالية في غزة.
وقد أدى تهرب إسرائيل من تنفيذ اتفاقات أوسلو في منتصف التسعينات إلى ردود فعل عنيفة متزايدة من جانب الفلسطينيين، بلغت ذروتها في اندلاع انتفاضة عنيفة في سنة 2000.
لقد دمرت التأجيلات التي لا نهاية لها من قبل القوى الغربية، بقيادة واشنطن، للاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ مصداقية السلطة الفلسطينية، والحكومة الفلسطينية المنتظرة.
لقد دفع الفشل الواضح لعملية أوسلو العديد من الفلسطينيين إلى أحضان الجماعات المسلحة المتنافسة مثل حماس التي وعدت بالسماح للفلسطينيين باستعادة السيطرة على مصيرهم.
وإن إحجام الغرب عن ممارسة أي نوع من الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية أعطى القادة الإسرائيليين الثقة لإحكام قبضتهم الخانقة: من خلال بناء المستوطنات والتطهير العرقي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والحصار الذي أدى إلى عزل غزة وبؤسها.
وكان التقاعس عن معالجة الظروف الصعبة المتزايدة في غزة سببًا في دفع حماس إلى تحطيم الوضع الراهن، وهو الوضع الذي كان يخنق السكان الفلسطينيين هناك بهدوء. وقد فعلت حماس ذلك من خلال تنفيذ هجوم مفاجئ ودموي على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وكان رفض الغرب التدخل بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سببًا في فتح الباب أمام المذبحة التي ترتكبها إسرائيل حاليا في غزة، وهي حملة إبادة مصممة لطرد أهل غزة من هذا الجيب، لتصبح مشكلة طرف آخر ــ مشكلة مصر في الحالة المثالية.
إن تأخر المحكمة الدولية في إصدار حكمها بشأن جريمة الإبادة الجماعية، وتأخر المحكمة الجنائية الدولية في إصدار مذكرات الاعتقال، ينذر بالمزيد من الكوارث التي لا يمكن التنبؤ بها في المستقبل.
ولكن الأمر المؤكد هو أن إسرائيل، من خلال المزيد من إراقة الدماء، لن تكون قادرة تماما على تحقيق هدفها المعلن المتمثل في “القضاء” على حماس.
إن أقصى ما يمكن أن تحققه إسرائيل من خلال إلحاق الموت والدمار الجماعي بغزة هو أن تثبت للفلسطينيين أن حماس على حق: وأن إسرائيل غير راغبة في السماح بأي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية، وقد ظلت كذلك منذ احتلت الأراضي الفلسطينية بالقوة قبل 57 سنة؛ أي منذ زمن طويل حتى قبل وجود حماس.
ومن خلال قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، لعبت إسرائيل دور أكبر رقيب تجنيد لدى حماس. ويشارك المزيد من الشباب الفلسطينيين في غزة في المقاومة المسلحة، ولو لمجرد الانتقام لمقتل أحبائهم.
ومن الواضح أن التوجه الذي تتبناه إسرائيل يشكل هزيمة ذاتية، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا كان الهدف الحقيقي هو العيش في سلام مع جيرانها، وعدم الانخراط في حرب دائمة مع المنطقة.
تواصل الإساءة
ردًّا على التأخير الأخير للمحكمة الجنائية الدولية، لاحظ كلايف بالدوين، المستشار القانوني في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن المملكة المتحدة يجب أن تضع حدا “لمعاييرها المزدوجة في وصول الضحايا إلى العدالة”.
وأضاف “سيتعين على الحكومة المقبلة أن تقرر على الفور ما إذا كانت تدعم الدور الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في تحقيق المساءلة والدفاع عن سيادة القانون للجميع”.
ويرأس الحكومة المقبلة حاليًا السير كير ستارمر، الذي فاز في الانتخابات العامة التي جرت الأسبوع الماضي بأغلبية ساحقة من المقاعد على أساس حصة ضئيلة من الأصوات.
وقد استفاد ستارمر بشكل كبير من الانقسام في أصوات اليمين. لكن الإقبال المنخفض شبه القياسي وانخفاض الأصوات لصالح حزب العمال مقارنة بسلفه، جيريمي كوربين، تشير إلى الافتقار العميق للحماس تجاه ستارمر وبرامجه المراوغة.
وطوال حملته الانتخابية، كان ستارمر حريصًا على إرسال إشارات إلى واشنطن ووسائل الإعلام التابعة للمؤسسة الحاكمة بأنه – تماشيًا مع تكتيكات المماطلة التي تتبعها حكومة المحافظين المنتهية ولايتها – سيكسب الوقت لصالح إسرائيل أيضًا.
وقد دفع ثمن ذلك في الانتخابات: فقد أدى إلى نفور العديد من العاملين في الحزب وخسر مقاعد لصالح حفنة من المرشحين المؤيدين لفلسطين الذين خاضوا الانتخابات كمستقلين، بمن فيهم كوربين نفسه، بعد أن حصلوا على نسبة كبيرة من الأصوات. كما وجد العديد من كبار نواب حزب العمال أنفسهم على قاب قوسين أو أدنى من خسارة مقاعدهم.
ولعل هذا ما يفسر لماذا لم يضيع مسؤولو حزب العمال الوقت في التأكيد على أن ستارمر اتصل بنتنياهو ليتحدث معه بصرامة وينأى بنفسه عن جهود الحكومة السابقة للتدخل العلني لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقًا لتقرير نُشر هذا الأسبوع في صحيفة الغارديان، من المتوقع أن يتخلى ستارمر عن التحرك الحالي للمماطلة في المحكمة الجنائية الدولية بشأن إصدار مذكرات الاعتقال.
ومع ذلك، تبقى قرارات مهمة؛ فهل سيعيد حزب العمال بسرعة تمويل وكالة الأمم المتحدة للاجئين (أونروا) التي هي الأقدر على معالجة المجاعة التي دبرتها إسرائيل في غزة؟ وهل سيوقف مبيعات الأسلحة؟
ولكن الأهم من ذلك كله، هل ستعترف بفلسطين، وترسل إشارة إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وإلى إسرائيل بأن الحكم الذي يحمي الفلسطينيين من الإبادة الجماعية سيُنفذ من قبل قوة غربية كبرى وحليف وثيق لواشنطن؟
لا توجد إشارات جيدة
في كانون الثاني/ يناير الماضي، قبل أيام من إعلان المحكمة الدولية أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، حطم ستارمر بهدوء سياسة حزب العمال الراسخة بشأن الاعتراف بفلسطين كدولة.
وقد اعترفت أكثر من 140 دولة أخرى بالفعل بفلسطين، بما في ذلك إسبانيا وإيرلندا والنرويج مؤخرًا.
وبدلًا من ذلك، أعلن ستارمر أن فلسطين لا يمكن أن تظهر للوجود إلا بعد موافقة إسرائيل على هذا الاعتراف. وبعبارة أخرى؛ فإن إسرائيل – المعتدي المتسلسل – هي التي ستقرر ما إذا كانت ستضع حدًا لانتهاكاتها المتسلسلة للشعب الفلسطيني.
دعونا نلاحظ أن ستارمر صنع اسمه كمحامٍ في مجال حقوق الإنسان.
بعد ذلك، في المراحل الأخيرة من الحملة الانتخابية، أطلع مساعدو ستارمر صحيفة التايمز اللندنية على عقبة أخرى في طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وذكرت الصحيفة أن ستارمر سيرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل أن يحصل على مباركة الولايات المتحدة، وذلك لتجنب خطر حدوث خلاف دبلوماسي. فإسرائيل هي الدولة الأكثر تفضيلاً لدى واشنطن.
ومثل هذا التأخير من شأنه أن يطمئن إسرائيل مرة أخرى أنها تستطيع أن تفعل ما يحلو لها بالفلسطينيين.
وكما يجب أن يكون واضحًا تمامًا الآن؛ فإن كسب الوقت لإسرائيل يعني السماح لها بتنفيذ إبادة جماعية في غزة وتكثيف سياسات التطهير العرقي التي بدأت منذ عقود.
سلسلة من الأكاذيب
ويشير المسار السياسي لستارمر نفسه إلى حقيقة غير مريحة حول سياسات القوة الدولية. فكلما اقترب القادة الغربيون من السلطة، كلما زاد الضغط عليهم لتنفيذ أوامر واشنطن – وهذا يعني دائمًا التخلي عن المبادئ.
لقد كان الإخلاص لإسرائيل – والاستعداد للتخلي عن الفلسطينيين في معسكر الموت الذي أصبحت عليه غزة – أحد الشروط الرئيسية للدخول إلى نادي السلطة في الغرب.
وخلال الحملة الانتخابية، اجتاز ستارمر هذا الاختبار بامتياز. وهذا هو السبب الذي جعله – على عكس سلفه – يحظى برحلة سهلة من المؤسسة البريطانية، بما في ذلك ذراعها للعلاقات العامة، وسائل الإعلام التابعة للشركات.
وقد اصطف المتبرعون فاحشو الثراء، بما في ذلك أولئك الذين تربطهم علاقات وثيقة بإسرائيل، لإغداق الأموال على حزب العمال الذي يتزعمه ستارمر، في نفس الوقت الذي انخفضت فيه أعداد الأعضاء.
الحقيقة هي أننا نعيش في عالم يتشدق فيه الأقوياء بحقوق الإنسان والقانون الدولي، إنه عالم يدّعون فيه أنهم يساعدون الضعفاء حتى وهم يساعدون في ذبحهم.
يزدهر القمع، محجوبًا بوعودهم الفارغة ومراوغاتهم التي لا تنتهي.
على مدار ثلاثة عقود من الزمن، روّج الغرب لخيره وإنسانيته، فقد شن غزوات وشن حروبًا بزعم حماية الضعفاء والمستضعفين، من كوسوفو إلى أوكرانيا، ومن أفغانستان والعراق إلى ليبيا. وكان من المفترض أن تكون الديمقراطية وحقوق المرأة شعار الغرب.
ولكن في الحقيقة – كما توضح غزة بوضوح شديد – كانت تلك الادعاءات نسيجًا من الأكاذيب. لقد كان الأمر يتعلق دائمًا بالتعامل مع العالم على أنه رقعة شطرنج عملاقة، وكان حق واشنطن في تحقيق “الهيمنة الكاملة” هو المبدأ المحرك، وليس حماية الضعفاء.
كان الحديث عن النزعة الإنسانية موجودًا لحجب حقيقة أعمق وأكثر وحشية: لا تزال القوة تصنع الحق، ولا أحد أقوى من الولايات المتحدة ومن يحابيها.
فالفلسطينيون، على عكس إسرائيل، لا وزن لهم في النظام الدولي؛ فهم محرومون من تكوين جيش، وليس لديهم طائرات حربية، وهم محرومون من السيطرة على حدودهم ومجالهم الجوي، وليس لديهم اقتصاد حقيقي أو عملة حقيقية، فهم يعتمدون كليًا على رضا المؤسسات المالية الإسرائيلية. ولا يملكون حرية الحركة من قطع أراضيهم، وأحيائهم اليهودية، ما لم توافق إسرائيل أولاً.
فهم لا يستطيعون حتى منع إسرائيل من تجريف منازلهم أو اعتقال أطفالهم في منتصف الليل.
لا يحتاج أحد على الساحة الدولية، وعلى الأقل الحكومات في واشنطن ولندن، إلى مراعاة المصالح الفلسطينية.
يأتي التنكيل بالفلسطينيين بأقل تكلفة سياسية ممكنة؛ فحمايتهم لن تقدم سوى القليل من المكاسب السياسية الملموسة. وهذا هو بالضبط سبب استمرار التنكيل بهم يومًا بعد يوم، وشهرًا بعد شهر، وسنة بعد سنة، وعقدًا بعد عقد.
المصدر: ميدل إيست آي