ترجمة وتحرير: نون بوست
في منطقة البحيرات في نيوهامشاير، ومع بداية ذوبان الثلج، استأنف موسم جمع القيقب السكري في حين ينهمك صانعي الشراب بتغلية نسغ الأشجار في أكواخ في الغابة. تعد هذه المنطقة معزولة عن بقية العالم، حيث تعتبر مدينة بوسطن أقرب مدينة رئيسية لها علما وأنها تبعد ساعتين بالسيارة عنها. ونادرا ما كانت المواضيع الدولية تحتل مكانة ضمن الصفحات الرئيسية للصحف المحلية.
لا تعد هذه المنطقة من الأماكن التي قد تنبثق منها دعاية تدعم مستبدًا قمعيًا يتزعم بلادا شرق أوسطية. لكن المتسوقين لاحظوا في أحد متاجر “وول مارت” مؤخرًا مجلة مؤلفة من 97 صفحة، تحت عنوان “المملكة الجديدة”، مخصصة للترويج لولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان. ويبلغ سعر هذه المجلة حوالي 13.99 دولارًا.
ظهر على غلاف هذه المجلة العديد من العناوين المختلفة منها “أقرب حليف لنا في الشرق الأوسط يُدمر الإرهاب”، فضلا عن عنوان آخر أورد: “طور حياة شعبه وزرع الأمل من أجل إرساء السلام”. وأشار عنوان آخر إلى أن “الزعيم العربي الأكثر تأثيراً يُغير العالم في عمر لم يتعدى 32 سنة”. عندما سافر ولي العهد السعودي إلى المملكة المتحدة في مطلع هذا الشهر، استقبلته لوحات وملصقات صحفية إعلانية تحمل صورته وقد طال الأمر حتى سيارات الأجرة. ويأتي كل هذا الاستقبال في صلب حملة دعائية ضخمة.
في الوقت الذي كان فيه محمد بن سلمان يزور مختلف مناطق الولايات المتحدة، كانت هناك بعض المجموعات التي تبذل جهودا حثيثة من أجل الترويج له بطريقة أكثر دهاءً. فقد كانت تعمل على نطاق واسع جدا في إطار مساعي المملكة إلى استقطاب الجمهور الأمريكي، الذي تساوره الكثير من الشكوك حول محمد بن سلمان، فضلا عن تقوية الروابط مع إدارة ترامب.
مثلما يوحي غلاف المجلة، يعد المحتوى الموجود في الداخل أبعد ما يكون عن الحيادية ومبادئ الصحافة
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجلة، التي اطلع عليها موقع ميدل إيست آي البريطاني، تتوفر في 100 ألف متجر للبيع موزعة في كامل أرجاء البلاد، وذلك فقا لما جاء في تصريحات شركة أمريكان ميديا، التي اضطلعت بمهمة نشرها والتي تنشر أيضا مجلة ناشيونال إنكوايرر. وتعرف هذه المجلة بأخبارها الساخنة على غرار وفاة هيلاري كلينتون الوشيكة، وكيف أن والد تيد كروز يضطلع بدور في عملية اغتيال جون إف كينيدي. ويمكن العثور على هذه المجلة، التي تصنف ضمن صحف التابلويد، في معظم الممرات ما قبل الخروج في محلات السوبرماركت المتمركزة في جميع أنحاء البلاد.
من يقف وراء نشر هذه المجلة؟
مثلما يوحي غلاف المجلة، يعد المحتوى الموجود في الداخل أبعد ما يكون عن الحيادية ومبادئ الصحافة، نظرا لأن طريقة تحريره تشبه الإعلانات الترويجية وتشمل الكثير من عبارات المديح والثناء الزائفة تجاه محمد بن سلمان. ولا يوجد في هذه المجلة أي مقال يتطرق إلى الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والاتهامات التي تم توجيهها لمحمد بن سلمان فيما يتعلق باعتقاله رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، خلال شهر تشرين الثاني / نوفمبر، وإجباره على الاستقالة.
في المقابل، تعتبر هذه المجلة أن حملة الاعتقالات التي شنّها محمد بن سلمان ضد أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال بمثابة إجراء فعال لمكافحة الفساد. وعلى الرغم من الاتهامات المتعلقة بأساليب التعذيب والقمع التي طالت ولي العهد السعودي، إلا أن المجلة اعتبرتها وسيلة لتعزيز سلطته في المملكة.
نفت السفارة السعودية في واشنطن أي علاقة لها بعملية بعث هذه المجلة
سلطت هذه المجلة الضوء على مواضيع رئيسية متعلقة بالمملكة العربية السعودية التي تشمل مسائل من قبيل “ولي العهد يمنح المرأة حقوقا لم تكن تتمتع بها من قبل”، “والمملكة العربية السعودية الحليف الوثيق للولايات المتحدة”، فضلا عن أن “المملكة تعمل على تنويع اقتصادها والتخلي عن الاعتماد الكامل على النفط”، كما أن “المملكة ستمسح للسائحين الأجانب بزيارتها قريباً من دون التمسك بقواعد اللباس العامة الصارمة التي يقع تطبيقها في البلاد”.
على الرغم من أن الخط التحريري لهذه المجلة يبدو واضحا، إلا أن شركة النشر والسفارة السعودية في واشنطن تنفيان أن تكون للحكومة السعودية يد في بعث هذه المجلة. في السياق ذاته، أفاد المتحدث باسم أمريكان ميديا أن “الشركة لم تُجري أي تنسيق مع الحكومة السعودية فيما يتعلق بهذه بالمجلة أو مع أي ممثل للحكومة السعودية”، مؤكدا أن الشركة لم تتلق أي مبالغ مقابل نشرها لهذه المجلة.
وأضاف المتحدث باسم الشركة أن “نشر مقالات بخصوص محمد بن سلمان يعد قرار ذا أبعاد تجارية بحتة اتخذته شركة أمريكان ميديا في محاولة منها للاستفادة من حديث الساعة”. وتابع المصدر ذاته أن “شركة أمريكان ميديا اغتنمت هذه الفرصة الفريدة لتوظيف الاهتمام الذي يحيط بزيارة ولي العهد للولايات المتحدة والفضول المتزايد حول المملكة العربية السعودية. وتقتصر الأرباح الوحيدة التي تجنيها الشركة من هذه المجلة على حجم المبيعات”.
رداً على تغريدة نشرت على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تناولت مسألة مجلة “المملكة الجديدة”، نفى كبير المستشارين في سفارة المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية، يوم السبت، فيصل بن فرحان، تورط حكومته في قضية هذه المجلة. وفي هذا الشأن، أفاد بن فرحان، أن “السفارة أو أي جهة أخرى تابعة للحكومة لم تكلف أي شخص ببعث هذه المجلة، ولا نعلم من قام بذلك. ولكن إذا اكتشفتم من يقف وراء ذلك، نود أن نعرف هويته. نحن نشعر بالفضول حقا”. كما نفت المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، فاطمة باعشن، من جديد اضطلاع السعودية بأي دور في إنشاء هذه المجلة في بيان نشره موقع ميدل إيست آي يوم الاثنين.
تعتبر كل من شركة أمريكان ميديا ومجلة ناشيونال انكوايرر غير محايدة سياسيا
دواعي التشكيك في تصريحات السفارة السعودية
صرح المعارض السعودي علي آل أحمد، من معهد دراسات شؤون الخليج في واشنطن، أنه غير مقتنع بتصريحات السفارة السعودية، التي نفت من خلالها الادعاءات المتعلقة بالمجلة. فضلا عن ذلك، زعم آل أحمد أن مصدرا في السفارة سرّب له نسخة إلكترونية من المجلة خلال الشهر الماضي، في حين أكد له أنه سيتم بيعها قريبا في المتاجر. وشدد آل أحمد على أن المصدر قد أخبره أنه لا يستطيع أن يصدق أن هؤلاء الأشخاص يعتقدون أن هناك أفرادا سيُقدمون على شراء هذه المجلة.
قام آل أحمد بمدّ موقع ميدل إيست آي بالنسخة الإلكترونية من المجلة التي حصل عليها من المصدر السالف ذكره. ولكن هناك أسباب أخرى تدعو للتشكيك في الدوافع الكامنة وراء إنشاء هذه المجلة. عموما، لا تتضمن المجلة تقارير كاملة، وتعتمد إلى حد كبير على اقتباسات تم جمعها من مصادر إخبارية أخرى. في الأثناء، أورد محررو المجلة مقابلة لشخص واحد، ألا وهو كاسي غرين، الذي يشغل منصب مستشار للأمير الوليد بن طلال، رجل الأعمال والمستثمر الدولي المشهور، الذي كان ضمن المعتقلين من أفراد العائلة المالكة في إطار حملة التطهير التي شنها بن سلمان.
احتجاجات ضد بن سلمان في نيويورك، في 26 من آذار/مارس
على صفحة حساب كاسي غرين على موقع التواصل الاجتماعي، إنستغرام، نُشرت صورة لاجتماع عقده غرين مع الرئيس التنفيذي لشركة أمريكان ميديا، ديفيد بيكر، كتب فوقها التعليق التالي: “وقت ممتع مع ديفيد بيكر”. وقد وقع التقاطها في لوس أنجلوس خلال شهر آيار/ مايو الماضي. وفي منشور آخر على موقع إنستغرام، عرض غرين مقالا يتضمن الحوار الذي أجراه مع موقع أمريكان ميديا. وضمن العديد من المنشورات الأخرى التي نشرها على موقع إنستغرام من داخل البيت الأبيض، قال غرين إنه يعمل على تحسين العلاقات الأمريكية السعودية. خلال شهر يوليو/ تموز سنة 2017، نشر غرين صورة مع الرئيس دونالد ترامب في المكتب البيضاوي. وتجدر الإشارة إلى أن غرين لم يرد على طلبات التعليق حول علاقته بشركة أمريكان ميديا، التي رفضت بدورها الإجابة على التساؤلات المتعلقة بهذه المسألة.
تعتبر كل من شركة أمريكان ميديا ومجلة ناشيونال انكوايرر غير محايدة سياسيا. فقد قدم الرئيس التنفيذي لشركة أمريكان ميديا، ديفيد بيكر نفسه على أنه صديق مقرب من ترامب، في حين أن مجلة ناشيونال انكوايرر دعمت حملته الانتخابية بشكل مكثف. وقد تورطت المجلة في التستر على فضائح الرئيس بهدف حمايته. فقد كانت تدفع للأشخاص الذين يملكون معلومات عن الرئيس من أجل الحصول على حقوق نشرها بصفة حصرية، ومنعهم من مشاركتها مع جهات أخرى.
معضلة الصورة الخارجية للمملكة
من خلال الزيارة التي أداها إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعد الأولى من نوعها منذ تعزيزه لسلطته على اعتباره القائد بحكم الأمر الواقع للمملكة العربية السعودية، سعى محمد بن سلمان إلى تغيير التصورات السائدة حول بلاده والترويج لنفسه على اعتباره قوة ليبرالية تحديثية. لكن هذا التحدي يبدو صعبا للغاية، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب، خلال شهر شباط/ فبراير، أن 55 بالمائة من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية إزاء المملكة العربية السعودية.
من جانب آخر، يبدو أن الجهات التي تعمل على الترويج لأجندة ولي العهد، بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، تقوم بتعديل تكتيكاتها وفقا لتغيُر وجهة محمد بن سلمان. فإثر السخرية من حملة الملصقات الإعلانية التي تحمل صورة محمد بن سلمان، التي تم تنظيمها في لندن أثناء الزيارة التي أداها في مطلع هذا الشهر إلى المملكة المتحدة، وقع التخلي عن فكرة تنظيم حملة مماثلة في الولايات المتحدة. بدلا من ذلك، اتخذت المملكة العربية السعودية وأنصارها نهجا مختلفا في واشنطن.
يمكن أن يكون للزعيم السعودي، الذي تحدث بصفة مباشرة إلى الشعب الأمريكي وظهر مع ترامب، بعض التأثير على الرأي العام
فضلا عن نشرها لمجلة المملكة الجديدة، استخدمت المملكة استراتيجيات توعوية أخرى أكثر حيوية، شملت إجراء محمد بن سلمان مقابلة مع إحدى المراسلات المعجبة به لمدة 60 دقيقة وتنظيم اجتماع مع ترامب، الذي أغدق عليه بالثناء، مع العلم أنه لطالما هاجم المملكة العربية السعودية خلال حملته الانتخابية الرئاسية. ومع انتشار مجلة دعائية تعمل على إيهام الناس بأنها تمتلك الحقيقة، كان التأثير واحدا، حيث قوبل الموقف الودي للغاية تجاه ولي العهد السعودي من قبل الرأي العام الأمريكي بالرفض.
من جهة أخرى، حظيت المقابلة الصحفية التي أجريت بتاريخ 19 آذار/مارس، والتي واجهت انتقادات شديدة نظرا لأنها كانت ودية جدا، بحوالي عشرة ملايين مشاهدة. خلال البرنامج، أشادت المحاورة نورا أودونيل بتفاني بن سلمان في عمله وإجراءاته الإصلاحية، دون أن تطرق بشكل معمق إلى الدور الذي اضطلع به في حرب اليمن، أو انتهاكات حقوق الإنسان وعملية التطهير التي شنّها.
أما في البيت الأبيض، رحّب ترامب بمحمد بن سلمان، واصفا العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بأنها تشهد فترة من الازدهار، بشكل يفوق ما كانت عليه في أي وقت مضى، الرسالة التي على الأغلب قد طالت العديد من الأمريكيين. في الأسبوع الماضي، عندما تحدث ترامب رفقة محمد بن سلمان للعامة من المكتب البيضاوي، كان الجو مرحا، فضلا عن أنه لم يكن يبدو أن ترامب على خلاف مع المملكة.
يمكن أن يكون للزعيم السعودي، الذي تحدث بصفة مباشرة إلى الشعب الأمريكي وظهر مع ترامب، بعض التأثير على الرأي العام. في المقابل، أكد المعارض السعودي علي آل أحمد أنه يؤمن بأن الحملات الدعائية التي تشنها السعودية بطريقة منظمة وواضحة، على غرار نشر المجلة واللوحات الإعلانية في لندن، تعد مجرد هدر لأموال المملكة. وأضاف آل أحمد أن “السعوديين محاطون بمجموعة من “المشعوذين” الذين يبيعونهم “آمالا كاذبة” بشأن فكرة تحسين صورة بلادهم”. وأشار آل أحمد إلى أن “السلطات السعودية تبدو وكأنها شخص يعاني من انعدام الثقة في النفس ومشاكل بشأن مظهره الخارجي. ويعزى ذلك إلى أنها تُنفق الكثير من المال من أجل تحسين صورتها دون أن يكون هناك سبب واضح ووجيه”.
المصدر: ميدل إيست آي