ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم 26 آذار/ مارس، أتم رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، سن الثالثة والثمانين وهو يعاني من حالة صحية متدهورة. وإلى حد الآن، لا يملك أبو مازن خليفة واضحة له، حيث يرزح تحت وطأة الضغوط سواء من الساحة الفلسطينية المقسمة، أو من المحور الإسرائيلي الأمريكي. وعند مروره بالولايات المتحدة الأمريكية، اضطر عباس إلى الدخول للمستشفى مرة أخرى لأسباب صحية، ما ضاعف الشائعات التي تحوم حوله.
حيال هذا الشأن، حاول المتحدثون الرسميون باسم رئيس السلطة الفلسطينية توضيح ما حدث مع أبو مازن خلال تلك الرحلة، مؤكدين أن زيارته للمستشفى كانت في إطار مجرد “مراقبة دورية”. لكن الأمر الروتيني الوحيد حيال حالة أبو مازن الصحية يتمثل في تواتر المعلومات بشأن هشاشة صحته البدنية.
في الواقع، كشف مسؤولون فلسطينيون لوكالة الأنباء “أسوشييتد بريس”، أن “أخصائيا في طب القلب ألماني الجنسية ومن أصول فلسطينية، تحول إلى المقاطعة في رام الله لينضم إلى فريق طبي مكون من طبيبين، تتمثل مهمته منذ سنوات في مرافقة الرئيس الهرم”. من جانب آخر، ندد عزام الأحمد، وهو أحد الممثلين الرئيسيين لحركة فتح، قائلا: “إن البعض يصرح بأنه مريض، ومصاب بالسرطان أو فقد الذاكرة. لكن، ذلك لا يعدو أن يكون إلا جزءا من الحرب النفسية ضد الشعب الفلسطيني وقائده” على حد تعبيره.
بعد مرور 14 سنة على تلك الأحداث، أصبح الرجل الثاني هو الذي يعتبر ترامب “جزءا من المشكلة”، بسبب احتضان القصة الإسرائيلية وتصديقها هي فقط
في الأثناء، تجهز حركة فتح نفسها وتتهيأ على النحو المناسب وفي كنف السرية، لخوض حرب الخلافة في صلب السلطة الفلسطينية. في الآن ذاته، يواجه عباس التوترات التي تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية بكل صرامة وحذر؛ في ظل المواجهة مع حركة حماس، وخيبة الآمال من البلدان العربية التي تعتقد أنه لم يعارض التدابير التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقوة. ومن بين هذه التدابير، نذكر الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، أو قرار نقل السفارة الأمريكية إلى هذه المدينة المتنازع عليها.
أما أبو مازن، فقد بات يشعر بخيبة أمل وبالخيانة في رقعة شطرنج إقليمية مضطربة، تخدم مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يحظى بتحالف قوي مع ترامب، واتحاد استراتيجي مع مصر (ضد تنظيم الدولة)، ومع المملكة العربية السعودية (ضد إيران).
في الوقت الراهن، يرى أبو مازن أنه خسر كل شيء، وكانت هذه الخسارة فادحة على جميع المستويات، إلى درجة أنه لا يتردد في أن يتمنى لترامب أن “يُهدم بيته”، أو يُلقب السفير الأمريكي في “إسرائيل” ديفيد فريدمان، “بابن الكلب والمستوطن”. وعموما، تعد العلاقة بين رام الله وواشنطن الأسوأ من نوعها، منذ أن اعتبر الرئيس الأمريكي بوش، ياسر عرفات “جزءا من المشكلة”، وراهن على قيادة الرجل الثاني، أبو مازن.
بعد مرور 14 سنة على تلك الأحداث، أصبح الرجل الثاني هو الذي يعتبر ترامب “جزءا من المشكلة”، بسبب احتضان القصة الإسرائيلية وتصديقها هي فقط. وبعد علاقة وثيقة مع أوباما الذي عارض المستوطنات والاستيطان في فلسطين، يخشى أبو مازن مخطط التسوية الذي يجهز له ترامب، والذي بات الآن في المرحلة الأخيرة. ومع ذلك، كشفت بعض التسريبات أن إعلان القدس، يمنح ترامب إمكانية عدم مناقشة المبادرة التي سيعرضها؛ والتي هي بعيدة كل البعد عن منح فرصة للزعيم الفلسطيني للوصول إلى التفاوض من أجل بلاده.
في هذا الإطار، لا يخفي نتنياهو فرحته العارمة بسبب الأزمة بين أبو مازن والولايات المتحدة الأمريكية. وفي “إسرائيل” التي تتابع بقلق معركة الخلافة الفلسطينية، قال نتنياهو إن “رئيس السلطة الفلسطينية يتصرف كما لو أنه طفل مدلل كان يقدم له كل ما يرغب فيه وفجأة قالوا له كفى عند هذا الحد”.
تضاف إلى هذه القائمة أسماء على غرار جبريل رجوب، وابن شقيقة عرفات ناصر القدوة، المستعدين لخوض معركة الخلافة في فلسطين، التي يمكن أن تتحول إلى معركة تعمها الفوضى والعنف
شأنه شأن ياسر عرفات، يبدو أبو مازن حذرا للغاية عند الإشارة إلى خليفته في السلطة الفلسطينية، إذ تتعدد الأسماء المرشحة لهذا المنصب من بينها محمود العالول الذي عينته اللجنة المركزية لحركة فتح نائبا للرئيس. وإلى جانب ترشيح اسمه لنيابة الرئيس، يعد العالول من الوجوه الرئيسية باعتباره جزءا من المجموعة التي يعدّ البرغوثي أحد عناصرها. ويواجه هذا الزعيم الفلسطيني المشهور عقوبة السجن المؤبد في “إسرائي”ل، حيث اتهم البرغوثي بارتكاب العديد من جرائم القتل عندما كان قائدا لحركة فتح خلال الانتفاضة الثانية.
لا يجب أن نسهى عن ذكر رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في الضفة الغربية، ماجد فرج، الذي يراقب كل ما يجري على أرض الواقع، ويملك اتصالات جيدة مع أجهزة الأمن الإسرائيلية والمصرية. وبعد أن خرج فرج سالما من الهجوم الذي استهدف موكب الوزير الفلسطيني الأول، رامي الحمد الله، في غزة؛ تعززت مكانة رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني في الضفة الغربية. وتضاف إلى هذه القائمة أسماء على غرار جبريل رجوب، وابن شقيقة عرفات ناصر القدوة، المستعدين لخوض معركة الخلافة في فلسطين، التي يمكن أن تتحول إلى معركة تعمها الفوضى والعنف.
في المقابل، يبدو أن أبو مازن قد “حمل الفأس لمهاجمة منافسيه”، خلال المرحلة الأخيرة من ولايته. كما توجد العديد من الأسباب التي يمكن أن تفسر هذا الوضع؛ فإما لم يرَ أبو مازن الضوء في النفق المظلم، أو لأنه قد سئم من هذه الحالة، أو لأنه يفكر في طريقة تجعل التاريخ يخلد اسمه. وفي جميع الأحوال، خلع أبو مازن القفازات، وتخلى عن الجانب السلمي الذي تميز به الفلسطينيون. وعلى هذا النحو، يبدو أن الصورة الفلسطينية المعتدلة والمقبولة على الساحة الدولية، قد ولى زمانها بعد أن كشرت عن أنيابها من خلال الرسائل العدوانية، منذ أن انتخب أبو مازن سنة 2005.
أشار القيادي في حركة حماس، إسماعيل رضوان، إلى أنه “من الممكن أن أبو مازن قد أطلق الرصاصة الأخيرة ضد المصالحة الوطنية”
إلى جانب تحميل حماس مسؤولية فشل المصالحة الفلسطينية، يتهم أبو مازن الحركة “بخطف غزة”، واتباع تقليد قديم من تنفيذ عمليات الاغتيال، بما في ذلك المحاولات الفاشلة ضد حمد الله وفرج. وفي احتجاج للرئيس من أجل دفع حماس إلى نزع سلاحها، وتعيد السلطة إلى حكومة الوحدة الوطنية في فلسطين، قال أبو مازن “إن حماس أخبرتنا بأنها تسيطر على قطاع غزة تحت الأرض (في الأنفاق)، ونحن نسيطر على هذا المجال فوق الأرض”.
لكن، لن يبقى لاسم حركة “حماس” معنى إذا ما نزع سلاحها. وإن لم يسجل أي تقارب، يخطط أبو مازن لتطبيق عقوبات جديدة ضد الحركة (على غرار سحب تمويل الكهرباء، وتجميد رواتب المسؤولين، والحد من الأعمال المصرفية للحركة…). وفي ظل معاقبة حماس، فإن سكان القطاع الضعيف الواقع تحت سيطرة حماس منذ سنة 2007، سيكونون المتضررين الرئيسيين من هذه الأفعال.
في شأن ذي صلة، أشار القيادي في حركة حماس، إسماعيل رضوان، إلى أنه “من الممكن أن أبو مازن قد أطلق الرصاصة الأخيرة ضد المصالحة الوطنية”. في نفس الوقت، طلب رضوان التدخل الفوري للوساطة المصرية. وحتى في مصر، تم تحليل تحركات أبو مازن الأخيرة على أنها مؤشرات وداع. وربما لن يكون هذا الوداع فوريا، إلا أنه سيكون وداعا في نهاية المطاف.
المصدر: الموندو الإسبانية