اكتسبت مدينة عفرين في ظل الثورة السورية أهمية بالغة على الساحة الاقتصادية، وذلك بعد انسحاب قوات النظام منها واستلام الوحدات الكردية إدارتها، ونتيجة الأمن الذي عم المنطقة جعلها مقصد الكثير من التجار في نقل مصانعهم وبضائعهم إليها، من مدينة حلب التي كانت تشهد قصفًا ومعارك بين قوات المعارضة وقوات النظام، وافتقادها للأمن الذي اكتسبته عفرين في تلك الفترة.
كما أن الزراعة والمشاريع الكبيرة كان ملاذها عفرين، فالكثير من الفلاحين ورؤوس الأموال في مدينة حلب وأريافها نقلوا مشاريعهم الزراعية إلى عفرين بسبب توفر الأمن بالدرجة الأولى والتربة الخصبة ومياه من الأنهار في الدرجة الثانية.
الموارد الطبيعية في عفرين
تتميز عفرين بموارد كثيرة وثروات طبيعية، حيث تشتهر بجودة الزراعة، وهي المصدر الرئيسي لدخل جل سكانها، وتحتل الزراعة المقام الأول لدى السكان المحليين وتسهم في تكوين الإنتاج المحلي بنسبة 70% من إجمالي إيرادات المنطقة، ويبلغ إجمالي مساحة منطقة عفرين 202775 هكتارًا وتتوزع المساحات إلى أراضٍ قابلة للزراعة وهي مستثمرة بالكامل، وأخرى غير قابلة للزراعة على شكل مروج وغابات وتجمعات سكنية ومنشآت اقتصادية.
يزرع الفلاحون في المناطق السهلية وقرب الأودية أنواعًا عديدة من الحبوب كالقمح والشعير والعدس والحمص، كما يزرعون الخضراوات بأنواعها، وتزرع الذرة الصفراء والبيضاء وعباد الشمس والسمسم وغيرها، إضافة إلى المحاصيل التي تدخل في الصناعات مثل الشوندر السكري والقطن والتبغ.
تشتهر منطقة عفرين بالأشجار المثمرة وأهمها الزيتون الذي يغطي معظم المساحات الزراعية، إذ احتلت شجرة الزيتون المرتبة الأولى في المنطقة من الناحية الإنتاجية، ويبلغ عدد أشجار الزيتون نحو 18 مليون شجرة، ووصلت كمية إنتاج الزيت في السنوات الأخيرة إلى 270 ألف طن في الأعوام المثمرة، كما يحتل الزيت العفريني الساحة التجارية والأسواق المحلية وكذلك الأسواق في الدول المجاورة.
تعتبر مدينة عفرين من أهم المناطق السياحية بريف حلب الشمالي نتيجة طبيعتها الجبلية والمناظر الطبيعية، مما جعلها مقصدًا لسكان الشمال السوري قبل عام 2011
كما تتنوع الأشجار المثمرة كالسفرجل والمشمش واللوز والتفاح والتين والفستق الحلبي وأشجار الرمان التي تحتل مرتبة عالية حيث تبلغ مساحة زراعته 18 ألف دونم، وبلغ عدد أشجار الرمان حسب إحصاءات 2011 نحو 721 ألف شجرة، وتنتج نحو 14500 طن سنويًا، كما أنها تنتشر في الأسواق السورية والدول المجاورة، وهناك مساحات واسعة من شجرة الكرمة في عفرين، وتعتبر منتجات شجرة الكرمة ومشتقات العنب كالدبس والزبيب وغيرها مصدر دخل جيد للكثير من سكان المنطقة.
في الوقت الحاليّ ينادي التجار ببدء تشكيل لجان ومكاتب زراعية لتأمين حاجيات الفلاحين ودعم المشاريع الزراعية في المنطقة لتأمين احتياجات المناطق المحررة من أنواع المنتجات المختلفة من الفاكهة والحبوب وخفض أسعارها وضبط الاستغلال في السوق المحلية، وينتج ذلك عن استطاعة العائلات المتوسطة الدخل شراء المستلزمات بأسعار مناسبة.
يعد نهر عفرين مصدرًا مهمًا للمياه في المنطقة ويبلغ طوله 149 كيلومترًا، إضافة إلى وجود عدد من الينابيع والجداول، وسد ميدانكي الذي يقع في ناحية شران شمال عفرين، وكان يغذي بمائه مناطق عفرين وإعزاز نتيجة التضخم السكاني في المنطقتين، وسد عشونة في ناحية راجو لتجميع مياه السهول.
وعلى الجانب السياحي تعتبر من أهم المناطق السياحية بريف حلب الشمالي نتيجة طبيعتها الجبلية والمناظر الطبيعية، مما جعلها مقصدًا لسكان الشمال السوري قبل عام 2011، وبالتحديد سكان محافظتي حلب وإدلب.
كما توجد عشرات المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور زمنية مختلفة، وأهمها مدينة مدنية “النبي هوري” وتبعد عن مدينة عفرين نحو 23 كيلومترًا، إلى الشمال الشرقي منها، كما تضم المنطقة “قلعة سمعان” الواقعة جنوب مدينة عفرين على بعد 20 كيلومترًا في القسم الجنوبي الشرقي، وتضم كنيسة مار سمعان التي كانت من أكبر كنائس العالم وأروعها، إضافة إلى مناطق “جبل شيخ بركات” وجبل “برصايا”، ومدينة عين دارا الأثرية الواقعة جنوبي عفرين، وتتكون من آثار ومعبد يضم تماثيل مختلفة.
تحتوي منطقة عفرين على 250 معصرة زيتون، ومعامل إنتاج صابون الغار ومعامل صناعة البيرين النباتي ومصانع للمشروبات ومعمل كونسروة ومعمل تعبئة مياه، ومصانع طحن الحبوب وثلاث مصاف للنفط ونحو 20 مقلعًا للأحجار التي تستخدم للأبنية السكنية
هذه الآثار جعلت المنطقة مقصدًا للزوار والمجموعات البحثية الأجنبية قبل اندلاع الثورة، خاصة مع اقترانها بتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول، لكن الوحدات عملت على تهريب آثار مدينة عفرين وتدمير أجزاء كبيرة منها خلال سيطرتها السابقة على المنطقة، لكن في هذا الوقت الحاليّ يجب تشكل لجان تختص بالحفاظ على ما تبقى من آثار المدينة لأنها ثروة تاريخية وسياحية تبقى على مر العصور.
الموارد الصناعية والتجارة
مع تزايد حدة الصراع في سوريا وتوقف الأسواق وعدد كبير من المصانع التي كانت في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في حلب ما قبل بسط سيطرة النظام عليها نهاية 2016، اتجه آلاف من تجار المواد الخام لتفعيل عمل مصانعهم في منطقة عفرين نظرًا للأمان الذي اكتسبته، كما كانت مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، لأنها تحتوي على عدد كبير من المصانع والمعامل انتقل أغلبها إلى منطقة عفرين، مما رفع اقتصاد المدينة لدرجة كبيرة.
وأمر الانتقال الذي أدى إلى إعطاء المجال للأيدي العاملة وفتح أبواب العمل أمام الشباب، والحد من نسبة البطالة في المنطقة فقد كانت تحتوي المدينة على العديد من المصانع الدائمة في العمل قبيل انطلاق غصن الزيتون، وكانت العمليات العسكرية الدائرة سببًا في توقفها عن العمل لفترة معينة، ويمكنها أن تعود للعمل في القريب العاجل.
تحتوي منطقة عفرين على 250 معصرة زيتون، ومعامل إنتاج صابون الغار ومعامل صناعة البيرين النباتي ومصانع للمشروبات ومعمل كونسروة ومعمل تعبئة مياه، ومصانع طحن الحبوب وثلاث مصاف للنفط ونحو 20 مقلعًا للأحجار التي تستخدم للأبنية السكنية، حيث كانت تغذي بها أرياف حلب وإدلب.
كما برزت العديد من الورش كالخياطة وتجارة الألبسة والأقمشة في المدينة نتيجة التدفق السكاني إلى المدينة والحرف المهنية التي انتقلت إليها، كما تحتوي المدينة على مدينة صناعية ضخمة كانت تغذي ببضائعها المتوفرة المناطق المحررة بشكل كبير، وأضف إلى ذلك الأسواق التجارية التي كانت تتمتع بها المدينة، والانتعاش الاقتصادي الذي كان عن المعابر التي تفصل قوات المعارضة سابقًا بريف حلب وإدلب، جعل للمدينة أهمية كبيرة، وزاد من اقتصادها خلال دفع إتاوات من العابرين من المنطقة.
ستشرف الحكومة التركية على وضع مجالس محلية للمنطقة تكون بمثابة الإدارة للمنطقة ولكن بإشراف تركي على غرار مناطق درع الفرات
وكخطوة أولى بعد تحرير عفرين يجب الحفاظ على ممتلكات المدنيين الخاصة من معامل ومصانع وورش حتى عودتهم، ثم تفعيل مكاتب اقتصادية للمدينة وتمكين عملها الفعلي في الحد من الاستغلال وعدم تعرض العسكريين لهم، لرفع اقتصاد المناطق المحررة، وقد تسهم في تبني الأيدي الماهرة والحد من انتشار البطالة نتيجة تفعيل عمل المصانع بشكل فعلي، كما أن الأمان الذي ستكتسبه مناطق درع الفرات وغصن الزيتون قد يعيد آلاف المهجرين إلى بلادهم في المراحل القادمة، وانتقال خبراتهم الصناعية والتجارية يمكنه أن يبرز في السوق المحلية ويزيد من الناتج الإجمالي.
نقلت وكالة الأناضول أمس عن رئاسة الوزراء التركية قررًا بفتح بوابة جمركية مع منطقة عفرين، لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وإعمار المنطقة ومن المقرر أن يكون موقع البوابة الجمركية في قرية حمام الحدودية التي تتبع قضاء “قوملو” شرقي ولاية هاتاي، وتبعد نحو عشرة كيلومترات عن بلدة ومركز ناحية جنديرس.
كما أن الحكومة التركية ستشرف على وضع مجالس محلية للمنطقة تكون بمثابة الإدارة للمنطقة ولكن بإشراف تركي على غرار مناطق درع الفرات، وهذه المجالس المحلية تنبثق عنها مكاتب عدة كالزراعة والسياحة والتجارة والاقتصاد والطبية وغيرها، يمكنها أن تدير شؤون المنطقة، تحت مظلة الحكومة التركية، وستكون خطواتها برفع الإنتاج الزراعي والاقتصادي، ودعم الأفران والمنتجات الصناعية عبر مكاتب المجالس المحلية، ومراقبة الأسواق من الاستغلال، ومن الممكن أن ترسل تركيا خبرات في المجالات الصناعية والتجارية لتحسين الجودة والإنتاج ونقل الخبرات للسوريين.