ترجمة وتحرير: نون بوست
إن نجاح عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المصرية أمر لا شك فيه. ومنذ صعوده للحكم، عقد عليه بعض المصريون آمالهم. وعلى الرغم من ذلك، لا تلوح في الأفق ملامح نهضة قريبة على ضفاف النيل. ولكن السؤال الأكثر أهمية هو التالي: لماذا يصمت الغرب عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في مصر؟
في مصر، يهدد رؤساء الشركات موظفيهم بالطرد بشكل فوري، في حال رفضوا الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المصرية. ومن جهة أخرى، وعد محافظ البحيرة بتوزيع المياه بشكل أفضل في المدن في المنطقة التي سترتفع فيها نسبة الإقبال على الانتخابات. كما أعلنت وكالات أنباء حكومية أن التصويت في الانتخابات إلزامي بموجب القانون. وتوعدت من يتخلف عن التصويت بغرامة مالية كبيرة. في المقابل، حصل من أدلى بصوته على أموال أو طعام.
في حقيقة الأمر، يريد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات، التي ستعيد تنصيبه رئيسا للبلاد، مرتفعة. وقد استخدام كافة الوسائل الممكنة لتحقيق ذلك. لكن، كشف الواقع أن السيسي يرغب في إضفاء بعض الشرعية، التي يفتقدها بالفعل، على وجوده في السلطة. في المقابل، تعد نتيجة “الاستفتاء” الذي يجريه السيسي، معروفة قبل أن يبدأ. وبالطبع، لن تحدث أي مفاجآت قبل نهايته.
في الأثناء، عادت البلاد مرة أخرى إلى النظام الديكتاتوري، بعد سبع سنوات منذ انطلاق الربيع العربي في مصر، وبعد أن خرج ملايين المصريين في الشوارع سنة 2011 للتخلص من القمع. وبالفعل، سقط الرئيس المستبد، حسني مبارك، وطالب المحتجون بالحرية والديمقراطية.
الجنرال المصري يعتبر بالنسبة للغرب أحد ركائز محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط
عامل للاستقرار بالنسبة للغرب
في الوقت الراهن، لا يوجد أي أثر لكل مطالب المصريين. ويؤكد العديد من المراقبين السياسيين الدوليين أنه لا توجد أية علاقة بين ما يجري في مصر ومفهوم الانتخابات. كما أن ما يحدث حاليا هو عبارة عن “استفتاء”. وعموما، يتفق الجميع حول هذه الحقيقة، سواء من الموالين أو المعارضين للسيسي. وخلال يوم الاثنين الماضي، نشرت السفارة الأمريكية في القاهرة على حسابها الرسمي على موقع تويتر، بعد زيارة مندوبيها لإحدى لجان الاقتراع، أنه “نحن الأمريكيون متحمسون جدا لما شاهدناه من حماسة ووطنية لدى الناخبين في مصر”.
في الواقع، يسمح الغرب للسيسي بفعل ما يحلو له في مصر، فالجنرال المصري يعتبر بالنسبة للغرب أحد ركائز محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط. فضلا عن ذلك، يعتبر الغرب أن السيسي واجهة للاستقرار في المنطقة، على غرار حسني مبارك. وبينما، تشتعل منطقة الشرق الأوسط بكثير من الصراعات، يعتبر الوضع في مصر هادئا نسبيا.
علاوة على ذلك، لا تعد مصر مصدر موجة اللاجئين التي توقعتها أوروبا في نهاية سنة 2016، والتي كانت نتيجة للصراعات الدائرة في الشرق الأوسط. وتشير الإحصائيات المصرية إلى أنه يعيش في مصر حوالي خمسة مليون لاجئ. لذلك، تعد بلاد الفراعنة أحد المناطق المحتملة التي تهدد بنزوح الكثير من اللاجئين إلى أوروبا. في نفس الوقت، يغض الغرب الطرف عما يحدث في مصر حاليا، مقابل عدم السماح لمزيد من اللاجئين بالنزوح إلى أوروبا.
من جهتها، تدرك القيادة المصرية هذه الحقيقة جيدا. واتخذت بعض الإجراءات لإضفاء طابع ديمقراطي على الانتخابات الحالية. وعلى هذا النحو، لم يكن للسيسي سوى منافس واحد، أعلن عن ترشحه للرئاسة قبل لحظات من إغلاق باب الترشح، لتكتمل الصورة التي أرادتها القيادة المصرية للانتخابات. وبالطبع، يعتبر نجاحه في الانتخابات أمرا ميؤوس منه. وقبل هذه الانتخابات، كان السياسي، موسى مصطفى موسى، رجلا غير معروف في مصر، كما أنه ليس معارضا للنظام. بالإضافة إلى ذلك، ساهم موسى بقوة في الحملة الرئاسية السابقة للجنرال السيسي.
كان لدى جميع منافسي السيسي مادة دسمة لاستغلالها في الترويج لأنفسهم خلال حملاتهم الانتخابية، خاصة وأن البلد الذي يضم 97 مليون نسمة، يعيش في حالة اقتصادية متدهورة للغاية.
في المقابل، أُجبِر المنافسون الأقوياء المحتملون للرئيس السيسي على الانسحاب من سباق الرئاسة. وقبل الانتخابات الرئاسية بفترة وجيزة، قال رئيس الوزراء السابق، وأحد أشرس المنافسين للرئيس السيسي، أحمد شفيق “لا يوجد ديمقراطية حقيقية في مصر، ولا احترام لحقوق الانسان”. وعلى خلفية هذا التصريح، ألقي القبض على شفيق وتعرض لتهديدات مباشرة، أدت إلى اتخاذه قرار حتى قرر الانسحاب من المشهد السياسي نهائيا، ومن ثم العودة إلى حياته الخاصة.
في الأثناء، حدث نفس الأمر مع مرشّحين آخرين للرئاسة، كان من بينهما ابن شقيق الرئيس المصري السابق، أنور السادات، الذي يعد أبرز رؤساء مصر في عصر الحديث، وخاصة بعد عقد اتفاقية السلام مع “إسرائيل” سنة 1979. وقد تعرض السادات للاغتيال بعد ذلك بسنتين على يد مجموعة من المتطرفين.
عشرات الآلاف من المعارضة قيد الاعتقال
كان لدى جميع منافسي السيسي مادة دسمة لاستغلالها في الترويج لأنفسهم خلال حملاتهم الانتخابية، خاصة وأن البلد الذي يضم 97 مليون نسمة، يعيش في حالة اقتصادية متدهورة للغاية. كما ارتفعت تكاليف المعيشة بسبب التضخم الذي تزداد نسبه يوما بعد يوم. في المقابل، انخفضت إيرادات الصادرات وقطاع السياحة بنسبة كبيرة للغاية، وارتفع الدين الخارجي لمصر في عهد السيسي ليصل إلى أكثر من 75 بالمائة.
من جهة أخرى، لا يوجد مكان لحرية التعبير عن الرأي في مصر. ولذلك، يقبع عشرات الآلاف من المعارضة داخل السجون، ومن بينهم بالطبع عشرات الصحفيين. وكانت آخر هذه الاعتقالات الأسبوع الماضي لمراسل صحيفة “التايمز” البريطانية في القاهرة، إلا أنه أجبر على الرحيل من مصر، بعد القبض عليه بساعات.
فشل السيسي ونظامه في القضاء على تنظيم الدولة في مصر. وعلى الرغم من ذلك، يتم استقبال السيسي بحفاوة في المحافل الدولية
فضلا عن ذلك، أغلقت منظمات حقوق الانسان الدولية، على غرار منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، مقراتها في مصر. وأجبر العاملون فيها على مغادرة البلاد بشكل فوري، بعد إدانتهم لانتهاكات حقوق الانسان.
في الأثناء، تعتبر جماعة الإخوان المسلمين العدو الأول لأجهزة الأمن في مصر. وقد صنفها النظام على أنها “جماعة إرهابية”، وأسكت أصوات جميع مؤيديها. وحاليا، يحظر عليهم ممارسة أي نشاط سياسي. ويعتبر الرئيس السابق، محمد مرسي، أحد أهم أعضائها، وقد انتخب رئيسا للبلاد سنة 2012. لكنه يقبع الآن في أحد السجون المصرية، بعد أن حكم عليه بالإعدام عدة مرات.
من جانب آخر، فشل السيسي ونظامه في القضاء على تنظيم الدولة في مصر. وعلى الرغم من ذلك، يتم استقبال السيسي بحفاوة في المحافل الدولية، خاصة بعد أن نجح في محاربة الإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة نفذ عدة هجمات ناجحة ضد قواعد عسكرية مصرية في شبة جزيرة سيناء، وفشل الجيش المصري باستمرار في التصدي لتلك الهجمات. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017، نفذ تنظيم الدولة أخطر هجماته في شمال شبة جزيرة سيناء على أحد المساجد، أسفر عن حوالي 300 ضحية. وأعقب ذلك هجمات متفرقة على كنائس في الإسكندرية وطنطا أطاحت بعشرات الأشخاص.
المصدر: فيلت