المضادات الحيوية في مواجهة الإنسان: كيف تحول الصديق لعدوّ قاتل؟

allarme-oms1

“عندما أستيقظت صبيحة يوم الثامن والعشرين من شهر أيلول لم أكن أخطط لأحدث ثورة في الطب باكتشافي لأول مضاد حيوي في العالم أو قاتل للبكتيريا، لكني أفترض بأن ذلك ما فعلته  بالضبط” . تلك الكلمات أرّخ بها العالم “ألكسندر فيلمنج” الحادثة التي استطاع من خلالها اكتشاف “المضادات الحيوية” التي غيرت مسار الطب الحديث وأنقذت آلاف الأرواح حول العالم.

استطاع فيلمنج اكتشاف المضادات الحيوية، وهي مركبات كيميائية باستطاعتها قتل البكتيريا التي تغزو الاجسام سواء بشرية أو حيوانية وتتسبب في إصابتها بالأمراض التي قد تكون وبائية وفتاكة.

عن هذا الاكتشاف تسلم فيلمينج جائزة نوبل عام 1945، وفي اللحظة التي كُرم فيها عن اكتشافه المضادات الحيوية، صرح بأنها اللحظة التي سيبدأ البشر فيها الاستخدام الخاطئ لهذه المركبات، وصدق الرجل في نبوئته.

المضادات الحيوية عدو أم صديق؟

ربما نظن جميعا أن العقاقير الطبية هي صديق للإنسان بحكم أنها صممت أصلا من أجل علاجه و شفاؤه من الأمراض، لكننا نجهل أو نتجاهل الوجه الآخر لهذه الحقيقة والناجمة عن سوء الاستخدام كالإفراط في تناولها أو الاستهتار في التعامل معها .

 العقار الخاطئ سيواجه البكتيريا الخاطئة والنافعة لجسم الإنسان مما يضعف مناعته و في نفس الوقت لا يواجه الفيروس

المضادات الحيوية أحد الأنواع الأكثر خطورة بين تلك العقاقير، في الآونة الأخيرة ظهر بعض التحذيرات من المنظمات الصحية تحذر من أن الإفراط في تناولها قد يؤدي لكارثة صحية عالمية.

 وُجدت المضادات الحيوية من أجل مواجهة البكتيريا والأمراض الناجمة عنها، لكن تعاطيها من قبل المرضى بدون وصفة طبية أو بوصفة طبية غير دقيقة يؤدي لمشاكل كارثية ليس على مستوى الشخص الذي يتناولها فقط وإنما لأبنائه وربما لمن يتعامل معه عن قرب أيضًا.

كيف يحدث ذلك ؟

الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا لا تحتاج لتناول مضاد حيوي، لأنها أمراض فيروسية، تناول المضاد الحيوي في حالة كتلك لن يؤدي لشفاء المريض بقدر ما سيؤدي لإضعافه، لأن العقار الخاطئ سيواجه البكتيريا الخاطئة والنافعة لجسم الإنسان مما يضعف مناعته و في نفس الوقت لا يواجه الفيروس ، هو صمم ليواجه البكتيريا وسيقتل البكتيريا أيا كان نوعها دون تمييز .

مسألة الإفراط في تناول المضادات الحيوية أيضا لها بالغ التاثير، البكتيريا طورت من دفاعاتها التي استطاعت أن تواجه بها تلك المضادات لينتج لدينا نوع جديد وخطير هو” البكتيريا المضادة ” الذي يقطن في أجساد العديد من المرضى ويواجه أنواع متعددة من المضادات الحيوية وينتصر عليها ليكون الخاسر في النهاية هو الجسد البشري .

تستطيع تلك البكتيريا طبعا الانتقال للأبناء من الآباء وراثيا ، والانتقال من مريض لآخر نتيجة الاحتكاك المباشر أو استخدام الأغراض أو العدوى أو حتى عن طريق مياه الصرف الصحي الملوثة بتلك البكتيريا والتي يعاد استخدامها في الزراعة لتنتقل للنبات والحيوان ومنهم للإنسان قد يبعد آلاف الأميال عن المُصاب نفسه ، لذا فالأمر ليس بسيطا كما يظنه البعض.

 كل عام يموت تقريبا 10 مليون شخص جراء إصابتهم بعدوى بكتيريا مضادة

في العام 2011 أشارت إحصائية إلى أن نصف لحوم الولايات المتحدة والتي يعتمد عليها البشر في غذائهم تحوي بكتيريا مضادة لـ 3 أنواع من المضادات الحيوية. وهو ما يعطي مؤشرًا مرعبًا إذا أخذنا في الاعتبار أنه في العام 1947 كان هناك 2% فقط من البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، زادت النسبة لتصل في العام 2002 إلى 57% من البكتيريا هي بكتيريا مقاومة.

إحصائيات الولايات المتحدة تشير لاستهلاكها سنويا 23000000 كجم من المضادات الحيوية سنويًا بمعدل حوالي 22 وحدة للفرد، ربع الرقم يذهب لعلاج حالات لا تحتاج للمضادات الحيوية أصلاً بينما نصفه يوجه للنباتات والحيوانات كإجراء وقائي من الإصابات أو من أجل زيادة الوزن وغزارة الإنتاج.

الاستهلاك المفرط للمضادات الحيوية في الولايات المتحدة وحدها يؤدي لإصابة مليوني شخص سنويًا ببكتيريا مضادة، يموت منهم تقريبا 90 ألف شخص جراء العدوى، نوع واحد من البكتيريا المقاومة يمكنه قتل عدد يساوي لعدد قتلى الإيدز والشلل الرعاش وانتفاخ الرئة والإنتحار مجتمعين.

التكلفة 

وجه آخر للتكلفة وهو تكلفة العلاج، لابد أن يؤخذ في الاعتبار لأنه كلما كان عدد المصابين أكبر احتاجوا لساعات إجازة أكثر فتنخفض الإنتاجية أكثر وتحدث خسائر مادية أكبر، علاوة على احتياجهم لعدد أطباء وممرضين أكبر، مما يكلف الحكومات مليارات في هذه الدائرة.

في دراسة تمت عام 2016  اكتشف العالم أن البكتيريا تغطي تقريبا 130% من جسم الإنسان، بالإضافة لوجودها في الماء والهواء والتربة اللصيقة بنا، لذا فعند التعامل مع كائن بهذه الغزارة لابد من التوازن عند مواجهتها والتعامل معها بحرص شديد

الإشكالية ليست فقط في مريض جاهل أو طبيب مستهتر، وإنما في العديد من الصيدليات حول العالم التي تقوم بصرف المضادات الحيوية لأي شخص دون وصفة طبية، الأمر لم يعد يعامل بجدية وأصبحت الكثير من تلك المنشآت لا تتعامل من باب المسؤولية الأخلاقية ولا الاجتماعية وإنما من باب العرض والطلب مثلها مثل أي سلعة أخرى.

كيف نستخدم إذا المضادات الحيوية؟

القاعدة الأولى: لا تستخدمها

القاعدة الثانية: إذا أردت استخدامها، فاستخدمها بشكل صحيح.

كيف ذلك؟

فقط حين يصفها لك الطبيب!

تناول الجرعات المحددة في وقتها وبنفس الكمية المدونة، تجاهلك للجرعات يعرض جسدك للإنهاك بسبب البكتيريا التي تطور من دفاعاتها ضد العقار فيطيل من مدة المرض.

إن محاولة تجاهل الخطر المحدق بالبشر جراء تلك الكائنات المجهرية قد يعرضنا لحرب بكتيرية لا قبل للبشر بها، التاريخ حافل بأمراض لم يعد لها وجود وارد جدا أن تعاود في الظهور، كالطاعون والجذام والسل الرئوي، دون أن يتمكن الطب من الوقوف أمامها.

الطب الحديث كعلم قد يتوقف تمامًا جراء انعدام فعالية المضادات الحيوية ونعود لفترة العصور الوسطى، ويصبح إجراء عملية جراحية – حتى لو بسيطة-  أمرًا بالغ الخطورة خوفًا من تسرب أي بكتيريا لجسد المريض دون وجود المصل المقاوم لها.

في المرة القادمة التي تشعر فيها بالمرض استشر الطبيب ولا تشخص بنفسك ولا تعالج نفسك، لأنه لاحقّا، إذا جرحت جرح صغير مكشوف في إصبعك قد يودي بحياتك، وربما تظل على قيد الحياة تعاني من أمراض لا علاج لها قد تفني البشرية وتفنيك.