هناك اتفاق عام تقريبا بين كافة المحللين والمتابعين للعلاقات التركية الأوروبية الذين علقوا على القمة التركية الأوروبية التي عقدت في مدينة فارنا في بلغاريا هذا الأسبوع بأن الحاجة الأوروبية للتعاون مع تركيا في أكثر من ملف قد ولّد الفرصة للتعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي من جديد برغم الخلافات والتوترات القائمة.
وكما ذكرنا في المقال السابق فإن تركيا توجهت هذه المرة للقمة بنَفس أقوى وبلهجة القوي الذي يريد تحقيق مصالحه غير آبه بالموقف الآخر كثيرًا، وقد وفر هذه الراحة والثقة الانتصار التركي في عفرين والدعم الشعبي الكبير للحكومة في قراراتها بشكل عام وخاصة ما يتعلق بالجانب الأوروبي سواء فيما يتعلق بقضية قبرص أو ما يتعلق بالخلافات حول بعض الجزر مع اليونان أو في الموقف من الدول الأوروبية، التي سمحت لمؤيدي حزب العمال الكردستاني وتنظيم غولن من العمل ضد تركيا من داخل دول الاتحاد الأوروبي.
ويقول الكاتب التركي باتوهان يشار الذي رافق وفد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى فارنا بأن هناك من حاول تخريب القمة التركية الأوروبية وخاصة رئيس وزراء النمسا سباستيان كروز حيث دعا في يوم القمة إلى تعليق محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن وفقا ليشار فإن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر علق على هذا الأمر بأن المحادثات ستستمر وأكد أنه سيضمن هذا الأمر بنفسه”.
ولكن هل هذا التعاون في الملفات المتعلقة باللجوء والهجرة والتأشيرات والتجارة سيكون مؤقتا أم سيستمر لأطول فترة ممكنة، وما هي الفترة التي يمكن أن تتحسن بها العلاقات ولماذا؟
في الغالب سيجري تكثيف التعاون في الأشهر الـ6 القادمة التي ستكون الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي هي لبلغاريا، بينما ربما يختلف الأمر عندما سترأس النمسا التي تتخذ موقفا علنيا منتقدا لتركيا الدورة القادمة في النصف الثاني من عام 2018، وهو ما قد يفتح التوتر من جديد. ومن المعروف أن أزمة وقعت بين البلدين بعد الانقلاب الفاشل في 15 تموز في تركيا حيث كان هناك تراشق بالتصريحات بين أنقرة وفيينا. وقد دعت فيينا الاتحاد الأوروبي إلى مناقشة انهاء محادثات العضوية مع تركيا وفي أكتوبر الماضي عندما تعرض أتراك للتفتيش بالكلاب البوليسية في مطار فيينا، ردت تركيا المعاملة بالمثل حيث فتشت النمساويين بالكلاب البوليسية في مطار أتاتورك الدولي. وقد حصلت موجة من الردود المتبادلة بين الطرفين.
أصدر وزير خارجية النمسا، سباستيان كورتس، “توجيهات إلى الخبراء والمعاونين بوزارة الخارجية تطالبهم بالإستعداد لفترة رئاسة النمسا الدورية للاتحاد الأوروبي المقبلة، في النصف الثاني من عام 2018
ومن أمثلة هذه التصريحات/ تصريح وزير الدفاع النمساوي هانز بيتر دوسكوزيل الذي وصف تركيا فيه بأنها “دكتاتورية”، وأن “مثل هذه الدول لا مكان لها في الاتحاد الأوروبي”. وكذلك وتصريح المستشار النمساوي كريستيان كيرن الذي قال: “اقتصاديا نحن لنا اليد العليا، تركيا تعتمد علينا“. وقد رد المسؤولون الأتراك على هذه التصريحات حينها مثل رد وزير الخارجية التركي بأن “النمسا هي عاصمة العنصرية المتطرفة”، ورد وزير الاتحاد الأوروبي في تركيا الذي قال فيه بأن تصريحات النسما مزعجة للغاية.
أما فيما يتعلق بالرد على التصريحات الأخيرة خلال الأيام الماضية فقد قال الوزير التركي تشليك أنّ رئيس الوزراء النمساوي كعادته يدلي بتصريحات غير عقلانية، في وقت يسعى فيه الجانبان التركي والأوروبي إلى تحسين العلاقات بينهما، متسائلًا عن سبب خوف النمسا من تحسن العلاقات التركية الأوروبية، وقد قال تشيلك أنّ “أكبر كذبة تمّ إنتاجها في القارة الأوروبية إلى الآن هي عبارة: “نعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد، لكننا نريد أن نبني علاقات جوار جيدة معها”. وهي العبارة التي ترددها النمسا في دعوتها في عدم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ولكن التعامل معها وفق قاعدة احترام الجوار.
وإذا كان هذا فيما مضى فقد أصدر وزير خارجية النمسا، سباستيان كورتس، “توجيهات إلى الخبراء والمعاونين بوزارة الخارجية تطالبهم بالإستعداد لفترة رئاسة النمسا الدورية للاتحاد الأوروبي المقبلة، في النصف الثاني من عام 2018، بدراسة المشاكل والتحديات التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي وإعداد “قائمة مقترحات”، توفر الحلول لأهم المشاكل والصعوبات التي تواجه الاتحاد الأوروبي، مثل أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وزيادة ديون بعض الدول الأعضاء، وفقدان الثقة فى مؤسسات الاتحاد الأوروبي”.
ومن المعروف أن موقف النمسا في هذا الموضوع يضع مسؤولية كبيرة على تركيا. وعلى كل حال فإن تركيا حتى وإن أكدت على استراتيجية انضمامها للاتحاد الأوروبي فهي تدرك صعوبة ذلك واستبعاده، وستعمل قدر الإمكان على الاستفادة من الوضع الراهن لكن بلا شك. وصحيح أن الاتحاد الأوروبي لا يحكم بسياسة دولة واحدة وهو مؤسسة بالرغم من تراجعها مؤخرا، إلا أنها تبقى مؤسسة قوية، ولكن الخلاف مع النمسا واليونان وقبرص الرومية والتوتر مع باريس وبرلين برغم مجالات التعاون مع الاتحاد لن يزول بسهولة.
ترى تركيا أنها ليس في عجلة من أمرها في التعاون مع الاتحاد الأوروبي فهي لم تعد تنتظر على باب الاتحاد الأوروبي كما السابق بل هي ماضية في طريقها الخاص
وفي هذا السياق جاءت أزمة اعتقال تركيا لجنديين يونايين لتضيف مزيد من التوتر على الاحتكاكات بين القوات البحرية للطرفين مؤخرا، حيث رفضت محكمة تركية طعنًا مقدما ضد الاستمرار بحبس عسكريين يونانيين جرى توقيفهما الخميس الماضي شمال غرب البلاد بعد دخولهما منطقة عسكرية محظورة وفقا للسلطات التركية وسياسيا تربط تركيا مسألة الجنديين بعدم تسليم اليونان ل 8 عسكريين أتراك فروا إلى اليونان بعد أحداث الانقلاب الفاشل في 15 تموز.
وقد قال الكاتب باتوهان يشار بأن اليونان طلب من الاتحاد الأوروبي المساعدة في الافراج عن الجنديين مضيفا بأنهم يتحدثون هنا عن الجنديين ولا يتحدثون عن تسليم الانقلابيين الفارين إلى الانقلاب ملمحًا أن الدولة التركية لن تقوم بتسليم الجنديين قبل تسليمها الضباط الانقلابيين وأن الرئيس أردوغان يدعم هذا الموقف.
وفي الختام ترى تركيا أنها ليس في عجلة من أمرها في التعاون مع الاتحاد الأوروبي فهي لم تعد تنتظر على باب الاتحاد الأوروبي كما السابق بل هي ماضية في طريقها الخاص فإن أراد الاتحاد الاستمرار في التعاون فهي جاهزة وفي نفس الوقت مستمرة في زيادة قوتها.