تهتم الأمم بالعلم والتعلم والثقافة بشكل واسع منذ بداية الإنسانية، وتبقى الأمة الأكثر نضجًا ووعيًا هي الأكثر اهتمامًا بالعلم، واليوم بعد أن تطور التعليم وتحول إلى مؤسسات حقيقية لها أهدافها التربوية والتعليمية، انطلق ما يعرف بالعمل أو الحراك الطلابي الذي ساهم في أحداث عديدة في الوطن العربي، والعراق على وجه الخصوص، الذي سيكون محور حديثنا اليوم في هذه المقالة.
فهذا الحراك الطلابي، كان له مشاركات في ثورات غيرت مسار الحكم في العراق، واليوم له مساهمات ميدانية في إنقاذ النازحين في المناطق المنكوبة، وأصبح له دور اجتماعي واضح، على الرغم من ضعفه الحالي.
الحراك الطلابي بين الحالة الاستعمارية والاستقلال.. لمحة تاريخية
في نهاية القرن التاسع عشر ، بدأ افتتاح المدارس في العراق، ومع هذه الانطلاقة انطلقت أولى شرارات النشاطات الطلابية، وقد حدث هذا في عهد داود باشا والي العراق، فافتتحت مدرسة الصنائع عام 1869 والمدارس الخاصة والأهلية للطائفتين المسيحية واليهودية، وكانت هذه الأنشطة متأثرة بالمشاعر الوطنية قبيل وبعد تأسيس الدولة العراقية أوائل القرن العشرين.
انتفاضة تشرين عام 1952 والتي أطلق شرارتها طلاب كلية الصيدلة ببغداد
ولعل أبرز المحطات التي شهدها الحراك الطلابي العراقي ما بعد تلك الحقبة كالتالي:
1. الإضراب الطلابي عام 1926 لطلاب الإعدادية المركزية في بغداد.
2. الاحتجاجات والتظاهرات التي شارك فيها الطلاب احتجاجًا على زيارة الداعية الصهيوني (ألفريد موند) لبغداد عام 1928.
3. التظاهرات والاعتصامات والإضرابات في الفترة من بداية الثلاثينيات حتى عام 1948 تعاضدًا مع فصائل الحركة الوطنية العراقية.
4. انتفاضة تشرين عام 1952 التي تفجرت شرارتها من كلية الصيدلة في بغداد وتضامنت معها المدارس، وهزّت أركان الحكومة وأجبرتها على إنزال الجيش إلى الشوارع.
5. انتفاضة 1956 التي انطلقت شرارتها مع العدوان الثلاثي على مصر وتأميم قناة السويس، وشارك الطلبة في الحشد بزخمٍ كبير.
6. الإضراب الطلابي في ثانوية الزراعة في مدينة الكوت في أبريل/نيسان عام 1960.
بعد ثورة 14 من يوليو/تموز عُقِد المؤتمر الثاني للاتحاد في 16 من فبراير/شباط 1959 وحضره الزعيم عبد الكريم قاسم وكذلك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري
بقي الحراك الطلابي حراكًا غير مؤسسي، ولكن في خريف 1945 ظهر “التنظيم الطلابي لطلبة دار المعلمين العالية” في بغداد (كلية التربية لاحقًا) إلى أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، فتأسس أول تنظيم طلابي يمثل عموم طلبة البلاد في 14 من أبريل/نيسان 1948، وسمي بـ”اتحاد الطلبة العراقي العام” وهذا الاتحاد هو الذي جمع جهود الحراك الطلابي، وطور فيما بعد عنوانه إلى اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية بعد ثورة 14 من يوليو/تموز 1958 “المجيدة”.
كان الأستاذ جعفر اللبان اول رئيس للاتحاد، وعقد أول مؤتمر للاتحاد في أجواء مناهضة أبناء الشعب العراقي الجسورة معادة “بورتسموث” وانتفاضة يناير/ كانون الثاني عام 1948، وحصل المؤتمر على شرف استضافة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
كل هذا الحراك المؤسساتي مهد لولادة اتحاد طلبة النهوض الديمقراطي الذي توسع وتصاعد معه نضالات الحركة الوطنية العامة. وبعد ثورة 14 تموز المجيدة عُقِد المؤتمر الثاني للاتحاد في 16 من فبراير/شباط 1959 وحضره الزعيم عبد الكريم قاسم وكذلك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ووزير المعارف ونقيب المعلمين وممثل عن اتحاد الطلاب العالمي.
أبرز أدوار الحراك الطلابي في الحالة السياسية العامة وتأثيراتها
انطلق الحراك بتاريخ حافل من المؤتمرات والتظاهرات، وكان له مشاركته في العديد من الثورات وتفاعله مع قضايا الأمة العربية، ولكن ما مدى تفاعل الحراك الطلابي مع الحالة السياسية العامة وتأثيره عليها؟
اكتسح اتحاد الطلبة العام الانتخابات الطلابية عام 1967 في العراق بتحقيقه 80% من مجموع أصوات الطلبة؛ مما اضطر الحكومة آنذاك لإلغاء الانتخابات وإعلان حملة ملاحقة شرسة ضد زملاء وزميلات الاتحاد
أحد أهم وأبرز محطات الحراك الطلابي العراقي هو مؤتمر السباع الخالد (نسبة إلى ساحة السباع في بغداد)، الذي شارك فيه طلاب ممثلون عن أغلب ثانويات ومعاهد وكليات العراق وعن أغلب ألوية بلادنا (بمشاركة 250 مندوبًا يمثلون 56 مدرسة ثانوية ومعهد من أصل 71 مؤسسة تعليمية آنذاك)، ولكن هذا المؤتمر بدأت عليه اعتداءات من شرطة العهد الملكي وجواسيسها، ولم يبق الأمر كذلك، فقد سقط عدد من الشهداء في وثبة 1948 قبل ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر الآنف الذكر وسقط عدد من الشهداء منهم: جعفر الجواهري أخ الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وقيس الألوسي وشمران علوان.
الجواهري يرثي شقيقة الأصغر جفعر
ومن جانب آخر أسهم اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية مساهمة كبيرة في دعم العمل التربوي بعد ثورة 14 من يوليو/تموز 1958 المجيدة، إلى جانب نقابة المعلمين والمؤسسات التربوية الحكومية.
وعلى صعيد العمل السياسي فقد اكتسح اتحاد الطلبة العام الانتخابات الطلابية عام 1967 في بلادنا بتحقيقه 80% من مجموع أصوات الطلبة؛ مما اضطر الحكومة آنذاك لإلغاء الانتخابات وإعلان حملة ملاحقة شرسة ضد زملاء وزميلات الاتحاد.
وفي حقبة حكم البعث الشمولي اضمحلّ دور العمل الطلابي الإيجابي وغُيّب تمامًا عن الساحة التربوية بسبب إصرار حكم البعث على الدور الاستئثاري المهيمن وتحويل هذا العمل إلى رافد للتجسس المخابراتي.
واستمر الحراك الطلابي يدفع الوزير الأكبر جراء نهج عسكرة الثقافة وازدرائها، وكان المثف في عرف الرئيس السابق صدام حسين هو خريج الجيش الشعبي أو خريج هيئة الرياضة والشباب ومنظمة فدائيي صدام وجيش القدس.
بعد هذه الحقبة التي مر بها اتحاد الطلاب العام في العراق استطاع أن يعلن في 15 من أبريل 2003 بدء العمل العلني في بغداد وافتتح مقره المركزي في العاصمة
وبعد كل هذا التضييق من سلطة البعث على اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية عام 1979 اضطرت إلى تكثيف عملها من كردستان العراق بسب قمع السلطات، واستمر النضال من هناك إلى جانب القوى الوطنية من أجل إسقاط النظام، وقد عمل الاتحاد طيلة نضال عمله السري إبان العهد السابق على فضح العقلية الشمولية للنظام السابق .
كما أقام اتحاد الطلبة العام العلاقات الوثيقة مع اتحاد طلبة كردستان وتبادل معه المشورة والأدبيات، وساهم الاتحادان في فعاليات نضالية مشتركة.
ومع نهاية حكم صدام حسين للعراق في الـ9 من نيسان/أبريل 2003، حذر اتحاد الطلبة العام من الكارثة الوطنية المحدقة لسقوط الدولة بمؤسساتها وشيوع فوضى الاحتلال والسوق معًا، وسعوا لصهر الجهد الطلابي المناهض للنظام السابق في بوتقة إعمار العراق وإزالة آثار الحرب وإعادة بناء المؤسسات والبنية التحتية للبلاد، والمساهمة كذلك في صياغة القوانين والتشريعات الجديدة والإعداد لبناء الدولة الديمقراطية الحقة على أسس سليمة والعمل في سبيل جلاء القوات الأجنبية ومغادرتها أرض الوطن كي ترجع البلاد إلى حياتها الطبيعية.
احدى فعاليات اتحاد الطلبة العراقيين بعيد احتلال العراق 2003
وبعد هذه الحقبة التي مر بها اتحاد الطلاب العام في العراق استطاع أن يعلن في 15 من أبريل 2003 بدء العمل العلني في بغداد وافتتح مقره المركزي في العاصمة، ولكن ما زال الاتحاد يعاني من جملة عراقيل موضوعية في مقدمتها نهوض الفكر الرجعي لا لأسباب فكرية خالصة، بل لأسباب تعود إلى الأساس القديم منذ ثورة 14 تموز المجيدة، وبلغت ثورتها بعد انقلاب يوليو 1968 وبعدها الاحتلال الامريكي للعراق فضلًا عن المحاصصات الطائفية والقومية. وأخذ الحراك الطلابي بعد الاحتلال إلى أبواق طائفية جعلت المجتمع الطلابي الذي يغلب عليه سمة الثقافة والعلم، مروّجًا للنزاعات وغيرها.
أبرز شخصيات الحراك الطلابي تاريخيًا
لمع في تاريخ الحراك والعمل الطلابي شخصيات بارزة، أصبح لبعضها شأن سياسي وللآخر شأن أدبي أو فكري، ومن أهم هذه الشخصيات:
– عبد الكريم قاسم الزبيدي، يعد من أبرز الذين عملوا في العمل الطلابي العراقي الذي أصبح بعد ثورة 14 تموز المجيدة رئيسًا للعراق، وكان قد حضر المؤتمر الثاني لاتحاد عام طلاب العراق الذي انعقد بعد الثورة في 16 من فبراير/شباط 1959، ويعتبر عبد الكريم قاسم أحد المخططين لثورة 14 تموز التي أطاحت بالحكم الملكي في العراق.
– محمد مهدي الجواهري، عُرف الجواهري بأنه أديب وشاعر وكان والده عالمًا معروفًا لذلك ألبسه العمامة وهو في سن العاشرة، ودرس في المدرسة العلوية، ولكن الجواهري كان له مشاركات بارزة في العمل الطلابي؛ فقد شارك في مؤتمر السباع عام 1948 الذي حضره طلبة من أرجاء العراق كافة، وكذلك كان له حضور في المؤتمر الثاني للاتحاد العام لطلاب العراق الذي عقد بعد ثورة 14 من تموز المجيدة.
– جعفر مهدي الجواهري، من الشهداء الذين سقطوا في وثبة 1948 (هي انتفاضة شعبية قام بها الشعب العراقي في يناير 1948 بهدف إسقاط حكومة رئيس الوزراء سيد صالح جبر ومعاهدة پورتسموث، وكانت في الفترة من 1 إلى 27 من يناير 1948) وسقط فيها عدد من العاملين في الحراك، أبرزهم جعفر أخ الشاعر الكبير الجواهري. وفي الرابط التالي أبرز شهداء وثبة 1948.
زينة جاكوب شيفاجي
– زينة جاكوب شيفاجي، من الكوادر النسائية الشابة في الحزب الشيوعي العراقي، وكانت قد شاركت في ثورة يوليو/تموز 1958 ولها مساهمات في ذاك التاريخ بالعمل الشبيبي والطلابي، وشاركت بالإضرابات التي قام بها البعثيون ضد حكم عبد الكريم قاسم، وفي عام 1959 شاركتْ في المهرجان العالمي للشبيبة في فيينا ضمن وفد العراق، حيث توجهنا إلى بيروت ومنها أخذنا باخرة إلى رومانيا ومن رومانيا بالقطار إلى فيينا، وتعرضت لاعتقالات لأكثر من مرة في زمن حزب البعث.
– جعفر اللبان الذي شغل منصب رئيس الاتحاد العام لطلاب العراق الذي عُقد عام 1948 وهو أول رئيس شغل هذا المنصب.
واقع الحراك الطلابي بعد انهيار النظام السابق شهد تحركات، ربما لم تكن على قدر مستوى العمل الطلابي مقارنة في بداياته
– خليل عبد العزيز، ولد في مدينة الموصل من عائلة متوسطة الحال، أسهم في الحركة الوطنية منذ أعوام الخمسينيات؛ حيث بادر بتشكيل اتحاد الطلبة العراقي العام في مدينة الموصل وأصبح رئيسًا له، وشارك في تظاهرات انتفاضة عام 1952.
وبعد ثورة 14 تموز تقلد منصب رئيس اتحاد الطلبة العراقي في الموصل، واعتقل ليلة مؤامرة الشواف وأودع في الثكنة العسكرية.
هذه لمحة موجزة عن أبرز الشخصيات في العمل الطلابي على سبيل المثال لا الحصر وهناك أسماء أخرى كـ”قيس الألوسي، شمران علوان، حمدي أيوب، ومهدي عبد الكريم، وطاهر عبد الكريم، وغيرهم الكثير.
واقع الحراك الطلابي العراقي
واقع الحراك الطلابي بعد انهيار النظام السابق شهد تحركات، ربما لم تكن على قدر مستوى العمل الطلابي مقارنة ببداياته، إذًا لم يكن هذا الانفتاح دافعًا لتطوير العمل الطلابي وللحديث عن واقع الحراك الطلابي في هذه الحقبة إلى هذه الأيام.
أجرينا مقابلة مع مجموعة من الناشطين في العمل الطلابي في هذه الحقبة الزمنية، ففي حديث مع الأستاذ دريد عبد العزيز الناشط السابق في العمل الطلابي في محافظة بغداد تحدث قائلًا: “الحراك الطلابي بعد عام 2003 أصبح منفتحًا وكان من الممكن أن يكون حرًا، وكان بإمكان أي جهة أو مؤسسة أو جماعة، أن تعمل في الساحة الطلابية وبشكل واضح بعد عام 2003 و2004 و2005 حتى عام 2006، اشتدت الأمور وتغير الواقع كثيرًا، وأصبح الوضع صعبًا خصوصًا في الجامعات والكليات الخاصة، وذلك بسبب الأحداث الطائفية، كان هذه المرحلة العمل في أوج عمله وازدهر وأبرز شخصيات واكتشف طاقات وإمكانات شبابية، والساحة كانت تزهو وتزدخر بالطاقات الشبابية.
بعد عام 2015 و2016 عاود العمل الطلابي أنشطته، ولكن جمعيات المجتمع المدني المستقلة انعدمت، وأصبحت جمعيات وكيانات تابعة للأحزاب
بعد هذه الفترة من عام 2006 حتى 2008 وجزء من عام 2009 بدأ العمل يضعف بسبب الضغوطات الطائفية، وبعض الضغوطات السياسية والحزبية المقيتة في بعض الجامعات، وخصوصًا منها الجامعات الأدبية وبعض الجامعات العلمية، إلا أن الأمر أصبح به شيئًا من الانفراج بعد عام 2009، أصبح هناك فسحة ومساحة أكثر للطلاب، إلا أن طبيعة الطلاب اختلفت وتخندق الطلاب في خندق الأحزاب وأصبح العمل الطلابي تابعًا للأحزاب الموجودة في الساحة، بالتالي العمل الحر أصبح شبه معدوم، بل هو معدومٌ في هذه الفترة وإلى يومنا، أصبح العمل الشبابي أو الطلابي مخندقًا سياسيًا بعيدًا عن الحرية والجمعيات غير السياسية.
في الفترة الأخيرة بعد عام 2015 و2016 عاود العمل الطلابي أنشطته، ولكن كما ذكرنا أن جمعيات المجتمع المدني المستقلة انعدمت، وأصبحت جمعيات وكيانات تابعة للأحزاب وهي من تعمل في الوسط الطلابي وهي المسؤولة عنه وبملفات خاصة وأجندات وسياسات خاصة، كلٌ حسب حزبه وانتمائه أو ما يتبع له، وبالتالي هذا الأمر هو الحاصل وإلى اليوم، أسمع عن أعمال طلابية خارج هذا النطاق ولكن يكون صعبًا جدًّا في الفترة الحاليّة على أقل تقدير.
حسب رؤيتي، أتوقع أن يكون هناك قريباً أنشطة لمؤسسات مجتمع مدني بعيدة عن السياسة، بسبب الواقع السياسي الموجود والتجربة السياسية في العراق، التي كانت فاشلة، بالتالي كل الطلبة والشباب بصورة عامة لا يفضلون الانتماء ولا يريدون الانخراط في العمل الطلابي، فالذي اعتقده بالمرحلة القادمة بعد عام 2018 أتوقع أن يكون هناك ازدهار وإنشاء بعض الجمعيات أو المؤسسات المستقلة المهنية التي من الممكن أن تنشأ وتخوض هذا الميدان.
وفي حديث مع الأستاذ حسام بوتاني الناشط السابق في العمل الطلابي، قال: “بعد عام 2003 على الرغم من الانفتاح الذي يفترض حصل في العراق بعد انهيار النظام السابق، فإن العمل الطلابي الطبيعي لم يكنْ بهذا المستوى، ابتداء الحركة الطلابية بعد 2003 شبه توقفت، لأن الاتحادات الطلابية كان يسيطر عليها الحزب الحاكم (حزب البعث) بالنتيجة تعرضت سمعته للتشويه.
بدأ النشاط الطلابي بالتحول خلال السنوات الأخيرة للعمل التطوعي والإنساني بعد الحروب الأخيرة – (الموصل)
بعد هذا بدأت بعض المنظمات الطلابية هي التي تصدت للعمل الطلابي، كرابطة الطلبة والشباب العراقية التي كانت منتشرة في أغلب مدن العراق، وبعض الروابط والمنظمات في كردستان العراق، هذه الروابط كان لها دور كبيرٌ في تنظيم الحراك الطلابي على مستوى محافظات بغداد والوسط، كانت رابطة والطلبة والشباب التي استطاعت أن تنظم صفوف الطلاب وجعلت الطلبة يقودون العديد من المسيرات ضد الاحتلال الأمريكي وكثير من الممارسات.
بعد 2014 بدأ العمل التطوعي عمومًا، ودخول المجتمع المدني انعش العمل الطلابي كثيرًا، لا سيما المناطق التي تحررت من داعش بعد معركة الموصل 2016
إلا أن الحراك الطلابي تعرض لتحديات حقيقية بعد هذه المرحلة تمثل بما يلي:
أولًا: التدهور الأمني الكبير وتصفية كل الناشطين في مجال المجتمع المدني الذي انعكس سلبًا على الحراك الطلابي؛ لذلك تراجع العمل بشكل كبير جدًا.
ثانيًا: دخول بعض الأحزاب السياسية على هذا الخط ومحاولة أن يكون لها دور فيما يتعلق بالعمل الطلابي، هذا نوعًا ما واجه رفضًا من المجتمع الطلابي في العراق على اعتبار أن التجربة الحزبية على الشعب العراقي تجربة جديدة، العراقي بطبعه ينفرُ من الحزب السياسي، وإن ذهب إلى صندوق الاقتراع واختار حزبًا موجودًا.
بعد 2014 بدأ العمل التطوعي عمومًا، ودخول المجتمع المدني انتعش العمل الطلابي كثيرًا، لا سيما المناطق التي تحررت من “داعش” بعد معركة الموصل 2016، نجد اليوم أن فئة الشباب أخذت زمام المبادرة، وخرجت عن طور السلبية، وهذا انعكس على الحراك الطلابي بشكل إيجابي، وبالنتيجة يفترض أن تكون فرصة كبيرة لإعادة تفعيل العمل الطلابي أن يكون للعراق تجربة طلابية رائدة.
عمومًا العراق يعاني للأسف الشديد ضعفًا واضحًا وصريحًا للأسباب التي ذكرناها سابقًا، ولكن نأمل الآن أن يعود العمل الطلابي ومن المؤمّل أن يُعاد تنظيمه ويكون للحراك الطلابي أثره في رسم مستقبل العراق.
ويبقى الأمل بالفترة المقبلة وهي مرحلة عراق ما بعد داعش أن يظهر عمل طلابي حر يخدم المجتمع على أسس إنسانية بعيدًا عن العمل السياسي، وهذا ظهرت بوادره بحملات الشباب لإنقاذ النازحين والفارين من مناطق الحرب، على أمل أن يتحول إلى ظاهرة مؤسساتية لها دور في إعادة الأمل إلى المجتمع العراقي والمساهمة في بناء ورسم مستقبل العراق الحديث.
الحركة الطلابية العربية والإسلامية في زحمة الأحداث ووقع الحقائق المتسارعة ومخططات عرقلة الثورة وسيرورتها، مدعوة إلى تجاوز عقباتها وخلافاتها والإسهام بوعي ناضج وشمولي في حركة الأمة
هل يلعب الحراك الطلابي دوره الكبير مجّددًا؟
يبقى التساؤل الأبرز أن العمل الطلابي يلعب دوره مجّددًا في المجتمعات العربية، ويحدث تغييرًا في واقعه السياسي والاجتماعي. عل موقع الحركة الطلابية المتقدم ومواقفها المناهضة للسياسات اللاشعبية للأنظمة الاستبدادية جعلها أقرب مكون معبر عن إرادة الشعب ومدافع عن حاجاته الحقيقية ووفيًا لآماله التحررية، وجعلها من جهة أخرى في مواجهة مباشرة مع دوائر القرار ومواقع السلطة، الأمر الذي جعل منطلق تحدياتها في واقع الاستبداد بنيويًا مرتبطًا بالنظم السياسية الاستبدادية الساعية لخلق واقع سياسي مطاوع مفصل على المقاس، يخنق ويحاصر كل معارضة حقيقية متحرر قرارها، واقعي ومستقبلي مشروعها، سعيًا لتركيعها أو استئصالها.
بعد أن هبت نسائم الربيع العربي وتحررت الحركة الطلابية من تحدياتها البنيوية لتلعب دورها في الثورة أصبح لزامًا عليها تقييم زخم إضافتها لحركة المجتمع الثورية وتقويم ممارستها والنظر في التحديات الذاتية المرتبطة بها وبفضاء اشتغالها والتي كان للأنظمة الدور المحوري في ظهورها وتعميق أثرها.
يبقى هذا الحراك يعاني من عدة أشياء على مستوى العراق والأمة العربية، أبرزها على سبيل المثال: الانكفاء على الذات وغياب الفعل الإستراتيجي وغياب عنصر المحاسبة التي لم تكن فاعلة بشكل مستمر
إن الحركة الطلابية العربية والإسلامية في زحمة الأحداث ووقع الحقائق المتسارعة ومخططات عرقلة الثورة وسيرورتها، لمدعوة إلى تجاوز عقباتها وخلافاتها والإسهام بوعي ناضج وشمولي في حركة الأمة بما يتيحه لها موقعها إلى جنب الفاعلين الآخرين في منظومة التغيير والانتقال إلى دولة الإنسان.
مطلوب اليوم من الحركة الطلابية أن تبقى أمل الأمة المضيء الذي يبث معاني العزم والهمة والإرادة فيمن فقدها، والحركة التي تحيي في الشعوب بحيويتها وفتوتها الفكر والقلب والعزائم.