تيارالتربية يمتد منذ الطفولة إلى المراهقة وما بعدها على غرار نهر جارٍ بلا انقطاع، فالأسباب التي تؤدي إلى نمو العنف لدى المراهق تشكل مراحل متوالية، منها الذي يتعلق بالعوامل الطبيعية physiology،ومنها ما يتعلق بالعوامل النفسية Psychology، ولا نستطيع الجزم أن سببا ما بعينه يؤدي إلى السلوك العنيف لدى المراهق.
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوْحَى)،الرسول صلى الله عليه وسلم أرسى قاعدة استراتيجية في التعاطي التربوي مع مراحل النمو البشري، بما يتلاءم مع القدرات والإستعدادات، عندما أطلق تحديده للمراحل العمرية للولد منذ أكثر من 1400 سنة، ولم يكن في دائرة النصيحة التوجيهية العابرة، بل لتعليمنا سراً من أسرار الخلق، ليوفر علينا تجارب الإستكشاف ويسهّل طريق تنمية معارفنا، ودعائم إسلامية لعلم النفس التربوي الحديث.
ونأسف أن يكون لدينا معينٌ تربويّ غني تمثّل في كلّيات القرآن الكريم والتي برزت في نصائح لقمان التي أوصى فيها بحُسن الصلة تجاه الخالق والمخلوق في سورة لقمان الآية 13 وما بعدها، وأيضا تفصيل الكتاب الذي جاء به رسولنا من الحكمة إذ كان يوجّه الشباب في سن المراهقة الخطر، فترشيد السلوك في الطعام والشراب للصغار مع البدء بالبسملة، وعدم الأثرة واحترام جلساء الطعام، إلى دفعهم إلى الرياضة التي تكسبهم شدة والبأس، والإجابة على المراهق الذي يطلب الإذن في ارتكاب المحرم وعلاجه صلى الله عليه وسلم للموقف وغيرها.
بالطبع كانت التوجيهات في عهد الرسالة عملية، ومنها الجانب التعليمي حيث يلازم الشاب مسجد الرسول ويستمع إلى هديه، وهناك جانب عملي يحمل فكرة بناء الإنسان وتأهيله للقتال؛ في وقت كانت عوادي القبائل تتحرش بالدولة الناشئة، فكان تدريب الصبية على المصارعة والقوة مثالا، وتقدم رافع بن خديج وكان راميا وظاهره أقوى من صديقه ، وسمرة بن جندب أردا أن يلتحقا بالقتال ولكنه كان أصغر سنا فلم يوافق النبي عليه لصغره، ولكن سمرة كان متشوفا لخوض المعركة، وكان مصارعا فذهب للنبي وقال: “أنا أصرع رافع”، فوافق القائد.
الجانب التربوي التوجيهي يحتاج منّا إلى التوجيه المباشر وغير المباشر والصبر
كان المجتمع العربي يلتزم بالقوة ، وخاصة لم تكن هناك حكومات إلا شيخ القبيلة والملأ، وهم القوم المحيطون بالزعيم ، وأهل الحلّ والعقد والمشروة، وحين هاجر النبي إلى المدينة وضع أو دستور يجمع سكانها أما أعداء الرسالة الوليدة، وكتب العقود المواثيق ووضعت التحالفات حتى مع يهود المدينة لولا خيانتهم .
يتساءل الكثيرون عن دوافع العنف لدى المراهق، ونجد إجابات عديدة كلّها تفسر التغييرات في جسم ونفس المراهق، ولا شك أن لدى الناشئة طاقات متعددة إن لم تستثمربطريقة جيدة تحول إلى كائن يتصرف بعشوائية بدافع الاستكشاف وتحقيق الذات ، وأن لم يقم المجتمع باحتواء المراهققين، وتأمين “دور الرعاية اللاصفية” والنوادي والعمل الطوعي في المؤسسات الخيبرة والاجتماعية تحول إلى كائن كاسر يعتمد الإثارة والشغب، ويذيق المجتمع من حوله الأمرين.
جانب الأنشطة الرياضية والمسابقات، وفتح النوادي، والمراكز الخاصة بالشباب وتعويد المراهقين على الانشطة الاجتماعية هام جدا لكسر شوكة المراهقة لتمر بسلام على الأسرة والمجتمع .
والجانب التربوي التوجيهي يحتاج منّا إلى التوجيه المباشر وغير المباشر والصبر، وخاصة في ظل تفكيك الإعلام الهدام للمبادئ التي تلقاها الطفل من صغره، وتركيبة الإنسان ينتج عنها سلوك قد لا يتضح سببه للكثيرين، وقد يعجز المربون عن الإجابة فيلجأون إلى تخمينات Speculation ربما تكون قائمة على تجارب معملية فنردها إلى عواملها، وربما نجد الإجابة يكتنفها الغموض Ambiguity، حتى السلوكيات غير المبررة يذكر العماء أنها نتاج لعوامل كيميائية في الجسم، تدعمها عوامل خارجية، ويستمر السلوك العام وسط تدارك من المربين حتى الوصول إلى مرحلة المراهقة الآمنة .
للحديث صلة