نشأ الأدب التركي العثماني في آسيا الوسطى، واختلفت موضوعاته وأشكاله باختلاف المنعطفات التاريخية التي مر بها وباختلاف الشعوب التي اختلط بها وتأثر بعاداتها وأفكارها، وانقسمت مراحل تطوره إلى مرحلة ما قبل الإسلام وما بعده وحتى فترة التنظيمات الإصلاحية التي نتج عنها تأثر كبير بالأفكار الأوروبية وخاصة بالثقافة الفرنسية، كما تنوعت أنماطه بين الأدب الديواني والشعبي.
الأدب العثماني ما قبل التأثير الإسلامي وما بعده
سميت الإنتاجات الأدبية التركية في مرحلة ما قبل الإسلام، أي من القرن السابع حتى التاسع، بأدب الأحجار الأبدية، وأهمها كتابات أورخون أو الغوك تورك -جماعة مرتحلة من الأتراك في آسيا الوسطى- التي كتبت بأبجدية تركية قديمة على حجر يسمى البانغو في منغوليا، وكانت كتاباتهم تتحدث عن النسب وتاريخ الأنبياء والأساطير، وظلت أعمالهم غير مطبوعة ومنقوشة إلى أن اكتشف الصينيون صناعة الورق في النصف الثاني من القرن الثامن.
وبعد أن اعتنق الأتراك الديني الإسلامي، تأثروا بالعرب في العلم والدين، وبالفرس في الشعر والأدب، وفي الغالب كان الأدب العثماني عبارة عن ترجمات للكتب العربية والفارسية وتحديدًا في الموضوعات التي تتحدث عن الدين والأخلاق، وسماه بعض العلماء بالأدب التركي القديم الإسلامي، لتأثره بالتراث الإسلامي وخاصة الشق الصوفي منه، والذي برع فيه الشعراء العثمانيين إلى حدٍ كبير.
ازدهر أدب الديوان أو المدون، وهو الأدب الذي عبر عن فكر النخبة المثقفة من الأتراك، وهي الطبقة التي تعلمت اللغة العربية والفارسية والتركية وتعمقت في التعرف على الثقافات الثلاثة
في نفس الفترة، أي في القرن الثالث عشر، ازدهر أدب الديوان أو المدون، وهو الأدب الذي عبر عن فكر النخبة المثقفة من الأتراك، وهي الطبقة التي تعلمت اللغة العربية والفارسية والتركية وتعمقت في التعرف على الثقافات الثلاثة، لذلك كان معظم القادة الأتراك يكتبون الشعر لغنائه، فلقد ارتبط الشعر بالموسيقى ارتباطًا وثيقًا في الإمبراطورية.
أم الناس العاديون فلقد لعبوا دورًا هامًا في الأدب الشعبي الذي يقال شفويًا وكان عبارة عن أشعار نثرية أو قصص، وغالبًا ما كنت تغنى أو تروى في المقاهي أو في المناسبات الخاصة وأغلب موضوعاتها اجتماعية أو سياسية تعكس أحداث حياتهم اليومية وآرائهم.
وبصفة عامة، اهتمت الدولة بهذه الأعمال الأدبية، فنظمت محافل ومناظرات بين الشعراء في القصور، وجعلت من ساحاتها مركزًا لتعلم الأدب، لذلك سمي بأدب الطبقة الحاكمة أو “السراي”، وتميزت هذه الفترة بالتنوع لجمعها أكثر من ثقافة في موضوع واحد، فلقد تناول الأدب العثماني مواضيع العلم والفلسفة والتاريخ واحتلت قصص الأنبياء والأولياء والسير والأساطير والتكايا جزءًا كبيرًا من منتجاته الأدبية لتأثر الشعراء والأدباء بالفكر الصوفي، مثل أشعار يونس إمري، وديوان قاضي برهان الدين عن العشق الصوفي والإلهي.
في القرن الخامس عشر، غلب الغزل على الشعر، واشتهر به الشاعر نجاتي الذي صنع لنفسه طابعًا جديدًا في هذا الاتجاه من الأدب، كما كثرت نظم الأمثال الشعبية والتعبيرات المتداولة بين الأوساط التركية المحلية
تطورت الكتابات العثمانية في القرن الرابع عشر، فابتعدوا عن استخدام الكلمات العربية والفارسية في أبياتهم الشعرية، وتجنبوا التقاليد الفارسية والعربية، وابتكروا لأنفسهم نهجًا خاصًا يعبر عن ثقافتهم وقوميتهم وبيئتهم، فأصبحوا منافسين لغيرهم من الشعراء والأدباء في المناطق الأخرى، وذلك بالتوافق مع ظهور تيار “اللغة التركية” الذي حرص على دمج الألفاظ التركية في مؤلفاتهم، وكان كلشهري وعاشق باشا من أوائل الشعراء الذين حاولوا إتمام منتجاتهم الأدبية باللغة العثمانية التركية دون اقتباس أي ألفاظ أجنبية من اللغات الأخرى.
أما في القرن الخامس عشر، غلب الغزل على الشعر، واشتهر به الشاعر نجاتي الذي صنع لنفسه طابعًا جديدًا في هذا الاتجاه من الأدب، كما كثرت نظم الأمثال الشعبية والتعبيرات المتداولة بين الأوساط التركية المحلية، والذي مهد لظهور “تيار المحلية” الذي اعتمد على اللغة التركية البسيطة في مؤلفاته.
التأثير الأوروبي على المؤلفات الأدبية العثمانية
انتعشت المنتجات الأدبية العثمانية في القرن السادس عشر، حيث امتلأت مؤلفاتهم بالهجاء الاجتماعي والسياسي، والتي عكست الواقع الحقيقي الذي يعيشه المجتمع التركي لينتهي هذا العصر الذهبي بعد أربعة قرون من التقليد والتنوع والابتكار والمنافسة.
ويؤكد على ذلك، الباحث برأي آكاه سراي الذي قال: “لقد بلغ الأدب ذروة كماله في القرن السادس عشر للميلاد، ونظم الشعراء في كل الأنماط الأدبية وظهرت شخصيات مرموقة استطاعت أن تنافس شعراء الفرس، ولكن في القرن السابع عشر للميلاد؛ عمت الفوضى السياسية والاجتماعية غير أن جهود الشعراء السابقين لم تذهب أدراج الرياح بل امتد تأثيرها إلى القرن السابع عشر ولكن لم يكن لهذا التأثير الدوام”.
تلاشت تقاليد الأدب الكلاسيكي القديم وظهرت أنماط أدبية جديدة، سميت بــ”أدب التنظيمات”، والتي وثقت موضوعات مختلفة عن القومية وحب الوطن والحرية
ونتيجة لفترة التنظيمات في القرن التاسع عشر التي حدثت بسبب تبني الفئات الشبابية للأفكار الغربية من خلال البعثات العلمية إلى أوروبا والعلاقات التجارية تأثر الأتراك المصلحون بالأفكار الأوروبية، وامتلأ الأدب العثماني بعناصر الأدب الغربي واحتوى على أشكال جديدة من الروايات والقصص القصيرة حتى تلاشت تقاليد الأدب الكلاسيكي القديم وظهرت أنماط أدبية جديدة، سميت بــ”أدب التنظيمات”، والتي وثقت موضوعات مختلفة عن القومية وحب الوطن والحرية، ومن أهم رواد هذه الحركة عاكف باشا ونامق كمال، وإبراهيم شناسي وضيا باشا.
انتقد هؤلاء الشعراء أدب الديوان واعتبروه تقليد تام للمؤلفات العربية والفارسية، لاستخدامها نفس الألفاظ والكلمات والأنماط، وهذا بالرغم من الآراء التي رأت أن أدب التنظيمات لم ينجح في عكس حياة الأتراك، واعتبروه غريب عن المجتمع التركي وتاريخة لكثرة الألفاظ الفرنسية المقتبسة والتشبيهات الغربية الغريبة عن الذوق التركي.
وعند تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، ظهر الأدب الوطني وكانت الشخصيات الأدبية البارزة في تلك الفترة، ضيا غوكالب، ويوسف ضيا أورتك وخالد كاراي، واتسمت كتاباتهم باللغة البسيطة التي تعكس المجريات الاجتماعية والسياسية في البلاد، والتي تجمع بين العناصر الإسلامية والعثمانية والقومية الجديدة، وبعد إعلان الانقلاب اللغوي الذي حول أبجدية اللغة التركية العربية إلى اللاتينية اختلف مظهر الأدب التركي شكلًا ومضمونًا، وشكلت السلطات الحاكمة ضغطًا قمعيًا واضحًا على الشعراء الذين تعمدوا في كتاباتهم إلى نقد سياسة ما أو إبراز توجه مخالف لتوجهات الحكومة، فاعتبرت الدولة كتاباتهم أداة تحريضية ضد مفاهيمها.