ترجمة وتحرير: نون بوست
ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابا في ولاية أوهايو، أعلن فيه عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في القريب العاجل، مؤكدا “لقد هزمنا تنظيم الدولة، وسنخرج من سوريا في وقت قريب جدا. فلندع الآخرين يتولون العناية بها الآن”.
في الحقيقة، يعد الصراع السوري بمثابة المستنقع الذي ورثته إدارة ترامب عن أوباما. وخلال الحملة الانتخابية، أعرب ترامب في العديد من المناسبات عن عزمه الانسحاب من الأراضي السورية. ولكن بعد فترة من الزمن، غير الرئيس الأمريكي موقفه على خلفية الهجوم الكيميائي الذي شنته قوات الأسد في مدينة خان شيخون.
لقد أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جدلا واسعا، ولكنها جددت آمال وطموحات عدة أطراف. ويظل السؤال المطروح، من سيحل مكان الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا؟ يمكن أن نستشف الإجابة عن هذا السؤال من تصريح أدلى به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال اجتماعه الأخير مع وفد من قوات سوريا الديمقراطية، حيث أكد دعم باريس لأنقرة.
في هذا الصدد، أفاد إيمانويل ماكرون بأنه “على قوات سوريا الديمقراطية أن لا تنخرط في أعمال مشتركة مع حزب العمال الكردستاني، الذي يعتبر منظمة إرهابية، وتعمل على إدانة أي عمل إرهابي”. وفي الآن ذاته، قدم الرئيس الفرنسي وعدا لعضو حزب الاتحاد الديمقراطي، خالد عيسى، مفاده أن فرنسا سترسل المزيد من الجنود لشمال سوريا.
أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن “تركيا ليست في حاجة إلى وسيط، ولم يسبق لها التفاوض مع المنظمات الإرهابية”
تجدر الإشارة إلى أن إيمانويل ماكرون لعب دورا مهما في الأزمة السعودية اللبنانية، التي بلغت ذروتها عندما أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن استقالته من الرياض. آنذاك، قدم ماكرون نفسه على أنه سيد الموقف ولديه القدرة على لعب دور الوسيط بين طرفي النزاع، ما من شأنه أن يحقق مكاسب هامة لفرنسا. ويبدو أن ماكرون من خلال هذه الخطوة يسعى إلى إصلاح ما أفسده سلفه، فرانسوا هولاند.
تنتظر ماكرون مهمة صعبة، تتمثل في التدخل في الشأن السوري عوضا عن واشنطن، وهذا يثير قلق وزارة الخارجية الفرنسية لأن الأمر لا يقتصر على التدخل في صراع شديد التعقيد فحسب، بل يمكن أن يدفع بفرنسا إلى وضعية كارثية، خلفتها القيادة الأمريكية في سوريا.
فمن جهة، يجب أن تتعامل فرنسا مع تركيا التي تتقدم في اتجاه منبج وتسعى للحصول على ضمانات كبيرة. ومن جهة أخرى، يوجد الأكراد الذين تخلى عنهم الأمريكيون، ليكتشفوا أنه لا وجود لصديق في الحرب. ومن جانب آخر، ستواجه فرنسا الجيش السوري، الذي يحظى بدعم حلفاء الأسد الذين ساعدوه لاستعادة عدة مناطق؛ ومن المستبعد أن يرحب النظام السوري بوجود قوات أجنبية داخل أراضيه.
مؤخرا، رفضت أنقرة وساطة فرنسا للحوار مع الأكراد، حيث أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن “تركيا ليست في حاجة إلى وسيط، ولم يسبق لها التفاوض مع المنظمات الإرهابية”. ولعل ذلك ما أكده الناطق باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم كالين، في خطاب ورد فيه “نرفض أي محاولات تهدف إلى تشجيع الحوار أو الوساطة بين تركيا وهذه المجموعات الإرهابية”.
لقد سبق للإدارة الأمريكية أن عبرت عن رغبتها في اتخاذ هذه الخطوة، نظرا لأنها لا ترغب في مواصلة تقمص دور الوصي على حلفائها
في حال حدث تغيير على مستوى القوى المسيطرة في سوريا، وتدخلت فرنسا عوضا عن الولايات المتحدة، فإن ثمن هذه الخطوة سيكون باهظا. ففي النظام الجيوسياسي من النادر أن يحدث فراغ؛ فبمجرد انسحاب قوة ما ستحل محلها قوة أخرى. وفي الوقت الراهن، تمر سوريا بمرحلة انتقالية ولكن هذا ليس مؤشرا على الاستقرار، وإنما دليل على إعادة خلط الأوراق لخلق توازن بين القوى. ومما لا شك فيه، ليست فرنسا المرشح الوحيد لأخذ مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.
ستساهم هذه الخطوة في تعزيز نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط، حيث تسعى باريس إلى أن تظهر في دور الوسيط من أجل أن يكون لها ثقل في العالم. في المقابل، تراجعت مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما جعل واشنطن مستعدة للتخلي عن مناطق كانت مصدر نفوذ لها، لصالح حلفائها الذين يمكنهم تحمل المسؤولية.
لكن، لقد سبق للإدارة الأمريكية أن عبرت عن رغبتها في اتخاذ هذه الخطوة، نظرا لأنها لا ترغب في مواصلة تقمص دور الوصي على حلفائها، بل تسعى إلى تشريكهم في العديد من المهام على غرار تمويل حلف شمال الأطلسي، أو التدخل في الصراعات الإقليمية. وفي نهاية المطاف، لا يعني انسحاب الولايات المتحدة من سوريا أنها لم تعد تهتم بالقضايا الدولية، بل هي بصدد إعادة خلط أوراقها.
المصدر: لي أوكي ديلا غويرا