مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية هربت خارج مصر مع اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية في بداية عام 2022، ما أدّى إلى استنزاف احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، لتجد الحكومة المصرية نفسها في ورطة غير مسبوقة، وتندفع في اتخاذ سلسلة طويلة من الإجراءات ستظهر آثارها المدمرة سريعًا، كان أهمها تخفيض قيمة الجنيه المصري وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لتنشأ بذلك واحدة من أعنف الأزمات الاقتصادية التي عاشتها مصر، والتي ما زالت مستمرة، وما زال المواطنون يعانون من تبعاتها حتى بعد مرور أكثر من عامين.
ما يعرفه الجميع أنه منذ بداية الأزمة كان لدى السلطة المصرية الحاكمة خطاب ثابت لا تتخلى عنه، وهو أن الأزمة عالمية، وبالتالي المعاناة التي يعيشها المواطنون سببها خارجي، وذلك من خلال إلقاء اللوم على وباء كورونا والحرب الروسية بشكل رئيسي، وهو الخطاب الذي تبنّاه الرئيس المصري وجميع المسؤولين، ومعهم الإعلام الرسمي والخاص شبه الرسمي، واتُّخذ كمبرر أمام الرأي العام الغاضب طوال الأزمة.
حتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قال في أحد خطاباته العام الماضي: “لولا استعدادات الدولة المسبقة لاحتواء الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، لكانت آثار هذه الأزمة مضاعفة ومؤثرة”، كما أكد أن الدولة نجحت في التعامل مع الأزمة.
وقبل أن نخوض في النقاش حول جدلية الأسباب الحقيقية في الأزمة الاقتصادية، وإذا ما كانت ناتجة عن أسباب داخلية أم خارجية، من الضروري ملاحظة نتائجها، وكيف أثبتت بشكل قاطع مدى ارتباط الاقتصاد المصري بالعوامل الخارجية، إذا كانت دليلًا واضحًا على عدم قدرة الاقتصاد على الصمود أمام الصدمات والمتغيرات الطارئة.
كيف أشعلت الحرب الروسية فتيل الأزمة؟
مثل العديد من دول العالم الثالث، يعدّ الاقتصاد المصري جزءًا من النظام المالي العالمي الذي يرتبط بالدولار الأمريكي، وقد أثبت النظام القائم خلال العديد من الأحداث أنه ليس في مقدوره حماية الدول النامية من تأثير الأزمات المالية التي تتسبّب بها الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
إذ تسبّبت سياسة البنك الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة بشكل مستمر، وفي دخول معظم اقتصادات العالم في حرب أسعار فائدة من أجل الحفاظ على قيمة العملات أمام الدولار. لذلك كان من الطبيعي أن تهوى وتنسحق العملات الأضعف، لتصبح العملة المصرية واحدة من أكثر العملات في العالم انخفاضًا منذ بداية الحرب الروسية.
قبلها، كان الظاهر للعيان أن الحكومة تتبع توجّه صندوق النقد الدولي، بعد أن وقّعت اتفاق بقيمة 12 مليار دولار عام 2016، خفضت على إثره قيمة العملة من 8.8 جنيهات للدولار إلى نحو 20 جنيهًا.
بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية عنيفة أدت إلى تدهور مستوى المعيشة، كان أهمها تقليص الدعم على السلع والخدمات، ورغم صعوبة وضغط هذه الإجراءات وتكلفتها الاجتماعية الباهظة، إذ أدت إلى إفقار ملايين المواطنين من الطبقة الوسطى، كانت الحكومة المصرية متفائلة تدافع عن سياساتها، بزعم أن المكاسب التي سيجنيها الاقتصاد المصري تستحق التضحية.
وقد حقق الاقتصاد المصري أرقام نمو مرتفعة بفضل تدفقات النقد الأجنبي الذي كان معظمه من القروض، كما أصبحت مصر أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب بفضل أسعار الفائدة المرتفعة التي تمنحها، ما جعلها تتلقى مليارات الدولارات من الأموال الساخنة، واعتبرت أن سهولة الحصول على القروض الأجنبية أمر مفروغ منه.
وكانت تروج للأمر على أنه نتيجة إيجابية للسياسة التي انتهجتها، كما كانت تعدُ بتحسّن الأوضاع، مع بعض الإشادة التي كانت تصدر عن صندوق النقد الدولي نظرًا إلى التزام مصر في تنفيذ سياساته، وبدت الأمور مستقرة تمامًا.
إلا أن كل شيء تغير مع انفجار الحرب الروسية. وبحسب رئيس الوزراء المصري، فقد خرج نحو 25 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية في أقل من شهر، وهي الأموال التي كانت تعتمد عليها مصر في تمويل احتياجاتها من الواردات، والتزاماتها من الديون الخارجية.
ومن ناحية أخرى، ارتفعت تكاليف الاستيراد، وبشكل خاص أسعار الطاقة والحبوب الغذائية التي وصلت إلى مستويات قياسية، وذلك في وقت كانت مصر فيه أكبر مستورد للقمح في العالم، كما أنها مستورد صاف للنفط الذي اقتربت أسعاره من 100 دولار للبرميل، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء وقيام الحكومة برفع أسعار الطاقة.
جراء ذلك قفز التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وصلت نحو 40%، وذلك بالتزامن مع انخفاض قيمة العملة، وتراجعت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل حادّ، ما أدّى إلى انخفاض قيمة الدخل والأجور وارتفاع تكاليف المعيشة.
بشكل أو بآخر، كانت الحرب الروسية السبب الرئيسي في تفجر الأزمة، لكن ما هي الأسباب الجوهرية وراء الأزمة التي تعيشها مصر؟
جذور الأزمة: سياسات غير مستدامة واعتمادية متزايدة على الخارج
تعاني مصر من أزمة عميقة تعود جذورها إلى عقود السابقة نتيجة العديد من المشاكل الهيكلية، وقد تفاقمت هذه الأزمات خلال العهد الحالي، ولم تتوقف للحظة مؤشرات التدهور، بل أنها تزداد سوءًا عامًا بعد عام.
إذ يعاني الاقتصاد من عجز دائم بالموازنة، وهو الفارق بين المصروفات والإيرادات العامة للدولة، ما يجعل الحكومة تتجه إلى تمويل الموازنة من خلال الاقتراض، وتشير موازنة العام المالي الحالي 2024-2025 إلى استحواذ خدمة الدين على 62.1% من استخدامات الموازنة العامة.
بالإضافة إلى أزمة النقد الأجنبي الناتجة عن الفارق الضخم بين حجم الاستيراد الضخم مقابل حجم التصدير الضئيل، وعلى سبيل المثال، نرى خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024-2023، أن عجز الحساب الجاري اتسع بنسبة 225% على أساس سنوي، ليسجّل 17.1 مليار دولار.
ولّد ذلك فجوة تمويلية آخذة في الاتساع خلال الأعوام الماضية، وتشير هذه الفجوة إلى الفرق بين احتياجات الدولة والنقد والموارد المالية المتاحة. ووفقًا لأحدث تقارير الصندوق، فإن الفجوة التمويلية لمصر من النقد الأجنبي تبلغ 28.5 مليار دولار، بعد احتساب التدفقات الواردة من صفقة رأس الحكمة وقرض الصندوق.
خلال السنوات الماضية انتهج النظام الحالي سياسة اقتصادية غير مستدامة، من خلال استراتيجية للاستثمار الرأسمالي المكثف في مشاريع بنية تحتية منخفضة أو معدومة العائد، وفي أحدى المؤتمرات أشار الرئيس السيسي إلى أن الدولة أنفقت 10 تريليونات جنيه على المشاريع القومية، وأضاف أن المبلغ يعادل اليوم ما قيمته 300 مليار دولار أمريكي، وعلى أسعار الماضي 600 مليار دولار.
هذا المسار جعل الحكومة تعتمد بشكل متزايد على الاقتراض من الخارج باستخدام جميع الطرق والوسائل المتاحة، سواء كان ذلك من خلال قروض مؤسسات التمويل والبنوك الأجنبية، أو عبر جذب تدفقات العملة الأجنبية مقابل تقديم أسعار فائدة كانت ضمن الأعلى في العالم، او من خلال إصدار سندات بعملات أجنبية عديدة.
ورغم ذلك، فشلت سياسة الاقتراض المفرط في خلق استدامة اقتصادية وصنع قيمة مضافة في الإنتاج، كما فشلت في معالجة مشكلة العجز الدائم في ميزان المدفوعات، ولم تساهم في زيادة الصادرات والحدّ من الواردات، بما يجعل مصر تتمكن من التخلي عن الاستدانة في المستقبل.
تخبرنا الأرقام قبل اندلاع الأزمة أن قيمة الواردات السلعية الخارجية لم تنخفض، ولم ترتفع الصادرات بنسب كبيرة كما كان يروَّج، وبعد أن كانت قيمة الواردات حوالي 60 مليار دولار في عام 2014، ارتفعت رقميًا لتصل إلى 89.2 مليار دولار خلال العام 2021، بالمقابل نجد أن الصادرات ارتفعت رقميًا من 24.1 مليار دولار عام 2014 إلى 43.6 مليار دولار 2021.
ما يعني أن هذا المسار جعل مصر معتمدة على الخارج أكثر من أي وقت مضى، ومندمجة في سلاسل القيمة العالمية من موقع ضعيف. إذ فشلت في توليد الإيرادات اللازمة لتمويل استثماراتها واستيراد السلع التي تعتمد عليها، وأصبح لا سبيل لديها من أجل سداد الديون الخارجية والوفاء بالالتزامات الأساسية، بما فيها تأمين مشتريات القمح والطاقة، إلا من خلال المزيد من الاستدانة.
ونجد أن مصر مطالبة خلال العام الحالي فقط بسداد 36.3 مليار دولار من الديون، وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن إجمالي خدمة الدين الخارجي متوسطة وطويلة الأجل المستحقة حتى عام 2071 يبلغ نحو 191.5 مليار دولار، مقسمة ما بين 132.9 مليار دولار من الديون، و58.5 مليار دولار قيمة الفوائد.
حدّت الدولة خلال السنوات الماضية من تنمية القطاع الخاص، وعملت على منافسته والتضييق عليه في بعض الأحيان، وتوضح المؤشرات تراجع نصيب القطاع الخاص في الائتمان المصرفي، بعد أن تحولت البنوك في مصر إلى مصادر تمويل للعجز الحكومي بفائدة مرتفعة، فيما تستخدم الحكومة هذه الأموال لتمويل مشاريعها الضخمة.
انعكس ذلك على أداء القطاع الخاص، في تقزمه وعدم قدرته على النمو وتراجع مساهمته في الاستثمار، كما يرصد الخبير الاقتصادي عمرو عادلي في مقال بعنوان: “كيف ابتلعت الدولة فرص القطاع الخاص؟”، لذلك تطالب المؤسسات الدولية بضرورة إجراء إصلاحات هيكلية، تأتي على رأسها زيادة نصيب القطاع الخاص في الاقتصاد.
وبعد هيمنة الدولة على الاقتصاد، فشل تركيزها على أنشطة البنية التحتية والمشاريع الضخمة في حلّ المشكلات طويلة الأجل المتمثلة في محدودية الإنتاجية، وركود الاستثمار وتراجعه. كما لم تفلح السياسات النيوليبرالية الموجّهة نحو السوق في زيادة وتنوع حجم الصادرات.
هل الظروف الخارجية هي من صنعت الأزمة الحالية؟
كما أوضحنا سابقًا، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية ما زالت الحكومة تلقي كل اللوم على المتغيرات الخارجية، ومن هنا يمكن البدء في رصد بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة نفسها خلال الأزمة، وتقييم النتائج المترتبة عنها، لفهم كيفية تعاملها مع الأزمة، وهل كانت هذه الإجراءات فعّالة في احتواء آثار الأزمة، أم أنها ساهمت في تفاقمها؟ وفي هذا الصدد يمكن التركيز على ملف الغذاء لما يمثله من أهمية.
في بداية أزمة نقص العملة الأجنبية الناتجة عن تخارج الأموال الساخنة في فبراير/ شباط 2022، كان أول قرار اتخذته الحكومة المصرية هو تقييد الاستيراد، وحصر عمليات الاستيراد على الاعتمادات المستندية البنكية، مع إجبار المستوردين على دفع قيمة الشحنة كاملة عند التعاقد. وكان للقرار تداعيات سلبية ومدمرة على السوق المصري، و ستمتد آثاره سريعًا مثل كرة النار.
منذ ذلك الحين، واجه المستوردون العديد من الصعوبات بسبب نقص الإتاحات التي توفرها البنوك، ما أدى إلى تراكم السلع والبضائع في الموانئ لشهور طويلة، في انتظار تدبير البنوك العملة الصعبة اللازمة للإفراج عنها، وأيضًا إلى حرمان القطاع الصناعي من مستلزمات الإنتاج والمواد الخام اللازمة للإنتاج ورفع تكلفة المنتجات.
وفي تقرير لمنصة “متصدقش” الصحفية، يرصد كيف أدى القرار إلى تراجع المعروض من السلع الغذائية في الأسواق، وساهم في ارتفاع الأسعار على المستهلكين بشكل غير مسبوق.
ويركز التقرير على قطاع إنتاج البروتين الحيواني الذي يعتمد بنسبة 90% على مستلزمات إنتاج الأعلاف، ونتيجة قرار الحكومة بتقييد الاستيراد واختفاء الأعلاف من الأسواق، ارتفعت أسعار الأعلاف المستخدمة في إنتاج الدواجن واللحوم الحمراء والاستزراع السمكي، لتصل إلى مستويات قياسية بلغت نحو 300% في عام 2022.
أدّى ذلك إلى تراجع حجم إنتاج صناعة البروتين الحيواني وخروج المنتجين من السوق بعد تحقيق خسائر هائلة، وتكشف لنا الأرقام أنه في عام 2022 خرج نحو 40% من المنتجين والمربّين في صناعة الدواجن ما أدى إلى تراجع الإنتاج، وبعد أن كان القطاع ينتج 14 مليار بيضة سنويًا، أصبح ينتج 9 مليارات بيضة في العام التالي، كما انخفض عدد الدواجن إلى مليار دجاجة في عام 2023، بعد أن كان الإنتاج 1.4 مليار دجاجة في عام 2022.
وبحسب تقرير منصة “مدى مصر”، فقد خسرت مصر نحو 60% من القدرة الإنتاجية لصناعة الماشية خلال عام 2022، مع خروج عدد كبير من المزارعين من السوق، وقيام المربّين بتخفيض أعداد التربية، مع ارتفاع أسعار الألبان ومشتقاتها من الأجبان بنسب بلغت 70% في عام 2023.
وفي قطاع الأسماك الذي تعتمد فيه مصر على نحو 75% من احتياجاتها عن طريق الاستزراع السمكي، وفي الوقت نفسه تشكّل أعلاف الأسماك نسبة من 85% إلى 90% من إجمالي تكلفة الإنتاج، لذلك كان من الطبيعي بعد تضاعف أسعار الأعلاف أن ترتفع أسعار الأسماك بمستويات غير مسبوقة.
وفي عام 2023، يشير تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى تسجيل أسعار مجموعة اللحوم والدواجن ارتفاعات جنونية بلغت 93%، فيما ارتفعت أسعار الأسماك بنسبة 83% على أساس سنوي. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كشف تقرير صادر عن البنك الدولي أن مصر سجّلت أعلى معدل تضخم عالميًا في أسعار الغذاء، في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول من العام نفسه.
ولا يمكن للأرقام وحدها أن تعبّر عن كارثية القرارات الحكومية التي تسبّبت في انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، و أعاقت قدرة معظم الأسر المصرية على شراء الاحتياجات الأساسية من الغذاء.
وكشفت دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أغسطس/ آب 2022، أن 74% من الأسر المصرية قلّلت من استهلاكها للسلع الغذائية نتيجة ارتفاع الأسعار في عام 2022. ووفقًا للدراسة التي شملت 10 آلاف أسرة، فإن 90% من الأسر قلّلت استهلاكها من اللحوم والدواجن والأسماك، كما قلّلت 68% من الأسر استهلاك البيض، ونسبة 57% من الأسر قلّلت استهلاكها من الخضروات.
ومن الضروري ملاحظة أن الدراسة أُجريت في العام الأول من الأزمة خلال أغسطس/ آب 2022، لذلك من المتوقع أن يكون الوضع قد ازداد سوءًا مع استمرار التضخم في الارتفاع وتضاعف أسعار السلع الغذائية منذ ذلك الحين، ما يدفع المواطنين إلى اتباع حيل للتكيُّف مع الوضع، من خلال تعديل نظامهم الغذائي وتقليص استهلاكهم من الأطعمة الصحية واستبدالها بأطعمة رديئة وذات قيمة غذائية منخفضة، ما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي، وبالتبعية انتشار سوء التغذية بين شرائح ضخمة من السكان.
وبالطبع فشل الحكومة المصرية في التعامل مع ملف الغذاء خلال الأزمة لم يكن مجرد استثناء، بل هو نموذج واحد يوضح مدى كارثية السياسات التي تتبعها، وكيف أنها هي المتسبّب الرئيسي في الأزمة، كما تنبع المشكلة الرئيسية في أن جزءًا كبيرًا من الأزمات التي عاشتها مصر تتمثل في عدم قدرة الأنظمة الحاكمة على الصمود أمام الأزمات العالمية، أو التعامل مع الأحداث الطارئة، أو التفاعل السريع مع ما يستجدّ من تغيرات.
خاتمة
من المعروف أن اقتصاد أي دولة معرض لمتغيرات طارئة وجوهرية، ومنذ بداية القرن العشرين شهد العالم العديد من الأزمات الاقتصادية والأوبئة وحروب عالمية وإقليمية، كما شهد العالم نفسه ثورة تكنولوجية ضخمة انعكست على كل مناحي الحياة، كل ذلك بالإضافة إلى الحروب والأزمات الداخلية والمتغيرات التي مرّت بها مصر خلال الفترة نفسها.
يثبت لنا ذلك حقيقةً لا يمكن إنكارها، أنه لا يمكن ادّعاء أن هناك نموذجًا لاقتصاد دولة يعيش في حالة استقرار دائم، وعلى العكس من ذلك يجمع الخبراء على أن عدم الاستقرار ربما هو القاعدة الأساسية وليس الاستثناء، وأن المسبّبات الخارجية لن تنتهي، ومن ثم لا يجب أن تُتّخذ كحجّة أو مبرر لفشل السياسات التي تتبعها الحكومات، ومن المفترض أن يكون اقتصاد أي دولة قادر على تلقي وتحمل الصدمات والأحداث الطارئة والتكيف والتعامل معها.
وعلى النطاق العالمي والإقليمي، من المتوقع أن تزداد وتيرة القلق والصراعات خلال المستقبل القريب، وبسبب موقعها الجغرافي لن تكون مصر بعيدة عنها.