أجمل ما يميز المدن هو العبق الثقافي المتجذز بعمق المعرفة والقيم الإنسانية بعيدًا عن البُعد السياسي الملطخ في الغالب بدماء الأبرياء، رغم أن بغداد عرفت بدايتها بأنها العاصمة السياسية للدولة العباسية، فإنها رفضت إلا أن تكون عاصمة ثقافية علمية لكل العلماء في المجالات كافة، ومرة أخرى تعود بغداد لتحتضن العلم والثقافة وهذه المرة بطعم الأخوة العربية؛ فقد عادت الرابطة الثقافية بين الشعب العراقي والكويتي بعد قطيعة طويلة.
لمحة موجزة عن انطلاقة المعرض
انطلقت الخميس فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب بعنوان “نقرأ لنرتقي” بمشاركة 600 دار نشر عراقية وعربية وأجنبية، وحضر في افتتاح الدورة الجديدة للمعرض، الأمين العام لمجلس الوزراء مهدي العلاق نيابة عن رئيس الوزراء حيدر العبادي، وفي هذه المناسبة قال العلاق: “العراق وعلى مدى تاريخه ظل منارة للعلم والأدب والثقافة والفنون”، وتحدث قائلًا: “من يتطلع إلى حجم الدمار الذي حصل في احتلال داعش لمدننا يلاحظ كما لاحظنا أن هناك إمعانًا في حرق الكتب ودور المعرفة، وليس أدل على ذلك مما حصل في جامعات محافظة نينوى وبالذات مكتبة نينوى العريقة، لكن العلم يظل شامخًا بإصرار رواد المعرفة والثقافة”.
وقال عبد الوهاب الراضي رئيس اتحاد الناشرين العراقيين في كلمة بحفل الافتتاح: “عودتنا بغداد أن يكون لنا معها موعد ربيعي ثقافي سنوي ومربد يلتقي فيه طلاب المعرفة والثقافة والأدب بصناع الكتاب من مختلف دول العالم لتنبثق من خلاله ورشة ثقافية يتفيأ ظلالها الوارفة أبناء شعبنا وضيوفنا وإخواننا الناشرون”.
وتابع قائلًا: “نتمنى أن يكون هذا المعرض الدولي مهرجانًا ثقافيًا متميزًا ولبنة تضاف إلى سابقاتها في ربط الثقافة العراقية بما هو جديد من نتاجات العلماء والمثقفين والأدباء، وأتمنى لكل المشاركين التوفيق والنجاح”.
سادت المعرض حالة من المحبة عبرت عنها العديد من الصور التي نشرها جمهور المعرض سواء من القراء أو الكتاب والناشرين
ومن جانب آخر يستمر المعرض إلى يوم الخميس 8 من أبريل 2018، ويفتح المعرض أبوابه من الساعة التاسعة صباحًا إلى التاسعة مساءً.
ما أهم الدول المشاركة؟
تحدثنا أن المعرض افتتح بمشاركة 600 دار عراقية وعربية وأجنبية، وهذه الدور من دول عربية متعددة، ولكن أبرزها: العراق ومصر وسوريا ولبنان والأردن وليبيا والإمارات والسعودية وإيران وقطر وتونس والجزائر والهند وبريطانيا، وذلك مقارنة مع نحو 250 دار نشر في دورة العام الماضي، حسبما نقلت مواقع إخبارية.
وقال رئيس اتحاد الناشرين العراقيين عبد الوهاب الراضي في تصريحات تليفزيونية: “سنقيم معرضًا للكتاب سيكون من أكبر معارض كتاب (بغداد) منذ تأسيس دوراته، أي منذ عام 1978 وحتى الآن”.
كما سادت المعرض حالة من المحبة عبرت عنها العديد من الصور التي نشرها جمهور المعرض سواء من القراء أو الكتاب والناشرين، إضافة إلى الحدث الأهم وهو استضافة الكويت في المعرض بعد 28 عامًا مرت على غزو العراق للكويت 1990.
وفيما نشر الكاتب العراقي أحمد سعداوي الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر، صورة له مع الكاتب الكويتي سعود السنعوسي الفائز أيضًا بجائزة البوكر، وقال سعداوي عن الصورة التي نشرها: “سعود السنعوسي بين أهله في معرض بغداد الدولي للكتاب”.
وقال سعد العنزي مدير معرض الكويت الدولي للكتاب: “عندما تلقينا دعوة كريمة من الإخوان في اتحاد الناشرين العراقيين للمشاركة بمعرض بغداد الدولي للكتاب، عادت بنا الذاكرة إلى قبل 29 عامًا”.
فعاليات معرض بغداد للكتاب الدولي هذا العام، لم تقتصر على حضور كتّاب عرب فقط، بل كان للكتّاب العراقيين دور واضح في فعاليات هذا العام
وأضاف “آخر مشاركة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ممثلاً لدولة الكويت في المعرض تعود لعام 1989، لذلك نشكر اتحاد الناشرين العراقيين على هذه الدعوة الكريمة التي سعدنا بها”.
ولعل هذه الخطوة ترجع البلدين إلى حالة من الود والمحبة، بعد أن قطعت بينهما نيران السياسة، عسى أن تجمعهم أروقة الكتاب والثقافة، ويعود العراقيون والكويتون أخوة كسابق عهدهم.
من أبرز الكتاب العرب المشاركين في المعرض؟
شهد المعرض هذا العام حضور عدد من الكتّاب والروائين والأدباء ولعل من هذه الشخصيات:
1. الكاتب الجزائري الكبير واسيني الأعرج، صاحب “سيدة المقام” و”أصابع لوليتا” و”ذاكرة الماء” وعناويين أخرى لروايات شهيرة في العالم العربي، تُرجمت أعماله إلى لغات عالمية عديدة، رواياته باتت محط اهتمام الكثيرين في العالم العربي وحول العالم.
2. سعود السنعوسي (مواليد 1981) كاتب وروائي كويتي عضو رابطة الأدباء في الكويت ورابطة الصحفيين الكويتيين، فاز عام 2013 بالجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته ساق البامبو، وهي رواية تتناول موضوع العمالة الأجنبية في دول الخليج، وقد اختيرت من بين 133 رواية مقدمة لنيل الجائزة.
3. بثينة وائل العيسى هي كاتبة ومؤلفة وروائية كويتية جاء ميلادها بتاريخ 3 من سبتمبر عام 1982، قدمت عددًا كبيرًا من المؤلفات والروايات كان أبرزها رواية “سعار” ورواية “ارتطامٌ.. لم يسمع له دوي”.
4. علوية صبح أديبة وصحفية ومفكرة وناقدة لبنانية، ولدت في بيروت سنة 1955، من أسرة أصلها من الجنوب اللبناني نزحت قبل ولادتها إلى منطقة الأشرفية في بيروت، عاشت طفولتها متنقلة مع أهلها بين الأشرفية وبرح حمّود والسبتية.
بجانب هؤلاء الكتاب حضرت شخصيات مهمة لمعرض الكتاب لهذا العام منهم اللاعب العراقي المعروف نشأت أكرم، وشهد المعرض كذلك حضور وزير الثقافة العراقي الأستاذ فرياد روانزدي والشاعر العراقي حازم جابر
من أشهر الكتّاب العراقيين المشاركين في المعرض؟
فعاليات معرض بغداد الكتاب للدولي هذا العام، لم تقتصر على حضور كتّاب عرب فقط، بل كان للكتّاب العراقيين دور واضح في فعاليات هذا العام ومن هذه الشخصيات المهمة التي ساهمت في المشاركة:
1. يعد الكاتب العراقي ضياء جبيلي واحدًا من أبرز الروائيين في الجيل الذي خرج إلى الساحة الثقافية بعد احتلال بغداد في أبريل/نيسان عام 2003، سبق أن أصدر روايات حظيت بالاهتمام في العراق مثل “لعنة ماركيز” و”بوغيز العجيب” و”تذكار الجنرال مود”.
2. الكاتب العراقي علي بدر الذي ولد في بغداد/الكرادة الشرقية 1964 بكالوريس في الأدب الفرنسي 1985، بين عامي 1985 و1991 أدى الخدمة العسكرية حيث أمضى نصفها في الحرب العراقية الإيرانية، من ترجماته: “بيير جوردا: رحلة إلى الشرق” (دمشق 1999) “صلاح ستيتية: كمان العناصر”، يمكن اعتبار علي بدر أفضل روائي عراقي ظهر رغم حالة الحصار الثقافي في السنوات العشرة الأخيرة.
3. الروائي لؤي حمزة عباس من مواليد البصرة، دكتوراة آداب، ويعمل في التدريس الجامعي، وأصدر أكثر من عشرة كتب من بينها أربع مجموعات قصصية وروايتان وأربع كتب نقدية، فاز بجوائز عديدة منها جائزة مجلة الأقلام القصصية للقصة القصيرة عامي 1992-1993، وجائزة الدولة التشجيعية عام 1997 عن مجموعته على دراجة في الليل، وجائزة الإبداع القصصي في العراق لعام 2009م.
إقبال الشباب على معرض الكتاب ظاهرة إيجابية، وفيها دلالات كبيرة تدلل أن المجتمع العراقي مهتم بالقراءة
وفي حوار مع الدكتور جاسم السدر الباحث والأكاديمي العراقي تحدث عن حضور فعّال لطلبة الجامعات قائلاً: “طلبة الجامعات كان لهم حضور مميز، والأكاديميون تبضعوا بما يُلبي حاجات تخصصاتهم”.
فعاليات على جانب معرض الكتاب
شهد معرض الكتاب الدولي في بغداد هذا العام حضورًا مميزًا من دول عربية وأجنبية وكذلك حضور لشخصيات عراقية وعربية مهمة، لكن المعرض لم يكتفِ بهذا بل كان على جانبه فعاليات متميزة.
1. حفلات توقيع كتب وروايات، وكانت الكاتبة الكويتية بثينة العيسى قد أقامت حفل لتوقيع روايتها “كل الأشياء”، بالإضافة إلى بقية إصداراتها السابقة، وشهد المعرض حفل توقيع رواية “حمام الدار” للكاتب سعود السنعوسي مع إصداراته وأعماله السابقة.
2. البرنامج الثقافي الذي حدث على جانب معرض الكتاب هذا العام امتاز بحضور شخصيات عراقية وعربية متميزة، من بين الحضور الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج والكاتبة والروائية علوية صبح، ومن العراق الروائي الكبير محمد خضير والروائي علي بدر.
ما مستقبل الكتاب في العراق؟
إقبال الشباب على معرض الكتاب ظاهرة إيجابية، وفيها دلالات كبيرة تدلل أن المجتمع العراقي مهتم بالقراءة، ولكن يبقى سؤال يطرح نفسه: أين مستقبل الكتاب في العراق؟ خصوصًا أننا مجتمع خرج من أزمات وحروب.
يجيبنا عن هذا التساؤل الدكتور جاسم السدر الباحث والأكاديمي العراقي قائلًا: “العراقيون يتميزون بشغف معرفي يعلن عن ذاته حيثما كانوا، ولا سيما الشباب منهم، المعرض هذا العام تألق بإقبالهم وارتيادهم لأروقته، دور النشر العراقية المتميزة بمشاركاتها في المحافل العراقية وفوز الكتّاب العراقيين بالجوائز المتنوعة وإقبال القراء وتفاعلهم حوافز لمستقبل واعد للكتاب العراقي”.
بعد هذه الجولة الجميلة التي تعرفنا فيها على أهم ما جاء في معرض بغداد الدولي للكتاب، لا بد أن نشير أنه لا زال للعلم والثقافة اهتمام كبير من الشعب العراقي وخصوصًا الطلبة والأكاديميين، وما زال العراقي يقرأ ويؤلف وينشر، ورغم كل هذه الأزمات والحروب والصراعات الطائفية والسياسية لكن يومًا بعد يوم يثبت العراقيون أنهم شعبٌ يحبون القراءة والكتابة والثقافة وهذه معركتهم المقبلة معركة الوعي والفكر التي ستنتصر على كل تطرف وإرهاب.