بعد انتهاء عملية الاقتراع على انتخابات الرئاسة المصرية ببضع ساعات، وقبل إعلان النتيجة النهائية بشكل رسمي، تطوّع عدد من الموالين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بطرح مسألة تعديل الدستور الحاليّ (دستور 2014)، بحيث يتمكن السيسي من الترشح لفترات رئاسية أخرى، وهو الأمر المحظور دستوريًا.
فالمادة 140 من الدستور (باب نظام الحكم) تنص على “يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة، وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بـ120 يومًا على الأقل، ويجب أن تُعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة”.
رغم النص الدستوري الواضح والصريح، انطلقت حملة تأبيد السيسي في السلطة، وتعديل الدستور الذي اكتسب وصف “دستور النوايا الحسنة”، وهو الوصف الذي طالما لجأ إليه أنصار السيسي، طيلة السنوات الأربعة السابقة، للتعبير عن ضجرهم من المواد التي يعتبروها “مقيدة” لسلطات الرئيس.
تزّعم هذه الحملة كل من مصطفى الفقي سكرتير الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك للمعلومات، والإعلامي الموالي للنظام عماد أديب.
الفقي قال خلال لقائه ببرنامج “يحدث في مصر” المُذاع على فضائية “إم بي سي مصر”: “تحديد مدة الرئيس في الدستور بـ8 سنوات على فترتين رئاسيتين، قصيرة جدًا ويجب تعديلها وزيادتها”.
لم تكن حملة تعديل الدستور التي تزّعمها أديب والفقي الأولى من نوعها، فسبق طرح هذا الأمر عقب تفجير الكنيسة البطرسية 11 من ديسمبر 2016
وبرر طلبه قائلًا: “الرئيس عبد الفتاح السيسي يسعى لإنقاذ الأحزاب وإعطائها مساحة من الحرية والتحرك، كما يهتم بالشباب والصحة والتعليم في فترة رئاسته الثانية، وهي أمور قد تحتاج إلى وقت أطول من 4 سنوات”.
أما عماد أديب الذي هاجم ثورة يناير من قبل وطالب ببقاء مبارك في الحكم حتى نهاية فترته الرئاسية، عاد من جديد وتحدث عن ضرورة تعديل الدستور الحاليّ لمصر، بما يضمن لرئيس الجمهورية الاستمرار في السلطة، وضرب مثلًا بالتعديل الذي أجراه مجلس الشعب الصيني، مارس الماضي، ولغى به جميع القيود المفروضة على مدة وولايات حكم الرئيس ونائبه التي كانت محددة بولايتين اثنتين مدة كل منها 5 سنوات، لتصبح مدة الحكم مفتوحة “مدى الحياة”.
وأضاف أديب خلال لقائه مع برنامج “بالورقة والقلم” المُذاع عبر فضائية “TEN“: “هذا الدستور بالطريقة التي صيغ بيها غير صالح للتنفيذ قولًا واحدًا”.
ليست المرة الأولى
لم تكن حملة تعديل الدستور التي تزّعمها أديب والفقي الأولى من نوعها، فسبق طرح هذا الأمر عقب تفجير الكنيسة البطرسية 11 من ديسمبر 2016، بهدف إخضاع جرائم الإرهاب أمام محاكم القضاء العسكري، لكن علي عبد العال رئيس مجلس النواب، نفى التعديل لاحقًا في جلسة عامة للبرلمان.
وقبل عام، تحديدًا في فبراير 2017، تقدم نائب برلماني يُدعى إسماعيل نصر الدين، بمقترح لتعديل الدستور وزيادة فترة حكم السيسي من 4 إلى 6 سنوات، حينها برر نصر الدين مقترحه بأن الدول حديثة العهد بتحولات الديمقراطية والاقتصاد تحتاج لخطط طويلة لبناء الدولة الحديثة، مما يستدعي أن تكون مدة السلطة التنفيذية طويلة نسبيًا، حتى تستطيع إنجاز المهام والبرامج التي أعدتها.
ورغم المساندة الإعلامية التي وجدها “نائب تعديل الدستور”، فإنه فشل في تمرير مقترحه، نتيجة الرفض المجتمعي له.
أزمة المادة 226
يواجه التيار المؤيد لتعديل الدستور أزمة دستورية كبرى، حيث يحظر الدستور بشكل واضح تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة.
إذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يومًا من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة
وتنص المادة 226 من الدستور (باب الأحكام العامة والانتقالية) والتي تبين حالات طلب تعديل الدستور، على:
“لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل، وفى جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًا، أو جزئيًا بأغلبية أعضائه، وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي.
وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يومًا من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذًا من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.
وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات”.
هل يناقض السيسي نفسه؟
ربما لا يعلم أنصار تأبيد الجنرال العسكري في الحكم أن السيسي نفسه قال ذات يوم: “سوف أحترم نص الدستور المصري الذي يسمح للرؤساء بشغل مناصبهم لفترتين فقط، مدة الواحدة منهما أربع سنوات”!
رغم هذا الموقف المعلن والصريح من السيسي إزاء مسألة تعديل الدستور وترشحه لولاية رئاسية ثالثة، فإن الشعب المصري لا يعول عليه كثيرًا
صرّح السيسي بذلك خلال مقابلة بثتها محطة “سي إن بي سي” الأمريكية، نوفمبر 2017، وأكد أنه “مع الالتزام بفترتين رئاسيتين وعدم تعديل الدستور”، وأنه “لن يترشح لولاية ثالثة في عام 2022”.
وأضاف السيسي: “ما يجب أن نضعه في الاعتبار أنه ليس هناك رئيس سيتولى السلطة من دون إرادة الشعب المصري، ولن يستطيع أيضًا أن يواصل لفترة أخرى دون إرادة هذا الشعب، وفي كلتا الحالتين فهي ثماني سنوات”، بل وشدد قائلًا: “أقول إن لدينا دستورًا جديدًا الآن، وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة”.
رغم هذا الموقف المعلن والصريح من السيسي إزاء مسألة تعديل الدستور وترشحه لولاية رئاسية ثالثة، فإن الشعب المصري لا يعول عليه كثيرًا، فسبق وأن وعد السيسي بعدم الترشح مطلقًا لرئاسة الجمهورية وأنه غير طامع في الحكم، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، ثم ترشح بالبدلة العسكرية في انتخابات 2014، ثم أبعد جميع منافسيه في انتخابات 2018، فهل يكرر السيسي ما فعله السادات عام 1980 عندما عدّل دستور 1971، ليجعل من حق الرئيس الترشح لمدد أخرى دون تقييد؟