نشط الحراك الطلابي الأردني خارج المملكة في وقت مبكر، إذ كان لعدم وجود جامعات في البلاد، واضطرار الطلبة الراغبين بمتابعة دراستهم الجامعية للالتحاق بجامعات الدول العربية المجاورة، دور مهم في الدفع باتجاه تشكيل الحراك منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي.
فمنذ العام 1951 تحديدًا، أخذ الحراك الطلابي في داخل البلاد ينشط نتيجة ظهور الأحزاب السياسية واتساع حجم الجسم الطلابي، وقاد ذلك إلى تأسيس “مؤتمر الطلبة الأردنيين” ليكون أول تنظيم طلابي في البلاد، وذلك في صيف عام 1953.
ارتبط حراك الطلبة منذ انطلاقته ونشأته بالحركة السياسية، إذ كان يعبر عن البرامج السياسية أكثر من الهموم الأكاديمية والطلابية، علاوة على ارتباطه بالقضية الفلسطينية. وكان الحدث الأبرز في تاريخ الحراك الطلابي، الإضراب الذي نفذه طلاب الجامعة الأردنية عام 1978 ومدته 11 يومًا ضد اتفاقية “كامب ديفيد”.
انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية داخل مقصف كلية الاقتصاد والتجارة عام 1973
لقد عاشت الجامعات الأردنية غضبًا طلابيًا مستمرًا في أواخر السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات، وكانت أسباب هذا الغضب سياسية واقتصادية، أما السياسية فهي لرفض الموقف الأردني الهادئ تجاه “إسرائيل”، بينما الأسباب الاقتصادية كانت بسبب رفع الرسوم الجامعية.
من المراحل الفارقة في الحراك الطلابي الذي لا يمكن تجاوزها، اعتصام الطلبة في جامعة اليرموك عام 1986 وما تبعه من أحداث
بالنسبة لموقع القوى الإسلامية في خريطة الحراك، لم تكن هذه القوى فاعلة وناشطة في المراحل الأولى من نشأة الحراك والاتحادات الطلابية، على عكس القوى اليسارية والقومية، إلا أنها دخلت على الخط وسيطرت على الحراك وقادته وتصدرت صفوفه فيما بعد.
إذ دخل الإسلاميون في أول تجربة نقابیة بقیادتھم لاتحاد الطلبة في الجامعة الأردنیة عام 1974، وخاضوا معركة طاحنة مع رئیس الجامعة آنذاك الدكتور عبد السلام المجالي، في خضم إضراب كلیة العلوم الشھیر الذي قلب الأوضاع لاحقًا؛ لیتم إلغاء اتحاد الطلبة والتحول إلى نظام الجمعیات الطلابیة في محاولة لاحتواء الحركة الطلابیة الفتیة.
من المراحل الفارقة في الحراك الطلابي الذي لا يمكن تجاوزها، اعتصام الطلبة في جامعة اليرموك عام 1986، عندما رفعت رئاسة الجامعة رسوم التدريب العملي في كلية الهندسة؛ مما دفع الطلاب إلى تنظيم احتجاجات لكي تتراجع الإدارة عن قرارها.
لكنّ إدارة الجامعة قررت قبل الامتحانات النهائية أن تفصل أكثر من 30 طالبًا من الذين شاركوا في الاحتجاج على القرار فصلًا جزئيًا لمدد مختلفة، وأُتبع ذلك بملاحقة أمنية واعتقال لطلاب آخرين مما زاد من حدة المشكلة.
لكل هذا امتنع الطلاب عن دخول الامتحانات، فتعاطف معهم بعض أساتذة الجامعة وذلك بتأجيل الامتحانات، ثم تتابعت المظاهرات والاحتجاجات والتجمعات الطلابية، حتى أعلن الطلاب اعتصامًا مفتوحًا، ولم يخرج أحد الطلاب من الجامعة، لأن كل من يخرج كان يعتقل.
إلى أن جاء الرد الأمني بفض الاعتصام بالقوة في منتصف الليل، وقتل في هذا الفض الطالبتين مها محمد قاسم ومروة طاهر الشيخ، إضافة إلى الطالب إبراهيم حمدان بعد أن قامت قوات البادية بإطلاق النار بشكل عشوائي.
مع بدایة التسعینیات من القرن الماضي، دخل الأردن في مرحلة الانفتاح السیاسي وخاضت الحركة الطلابیة معركة لصناعة جسم شرعي یمثلھا، لتبدأ في التحضیر للاتحاد العام لطلبة الأردن الذي جاھدت الحركة الطلابیة في سبیل إخراجه إلى حیز الوجود، لكنھا فشلت جراء تعنت حكومي.
كانت آخر إنجازات الحراك التي تمت في جامعة “البوليتكنك” في مايو/أيار 2017، عندما انتزع طلبة الجامعة حقوقهم ومطالبهم بعد اعتصام مفتوح دام نحو 10 أيام
لاحقًا تعرضت الحركة الطلابیة في مقدمتھا الاتجاه الإسلامي إلى حرب شعواء، ابتدأت بفرض نظام الصوت الواحد والتضییق على عمل مجلس الطلبة، لتصل الأحداث إلى ذروتھا مع فرض نظام التعیین، ولتدخل الحركة الطلابیة الإسلامیة في نفق مظلم وتجاھد بكل ما أوتیت بقوة، للحافظ على ما تبقى للطلاب ومحاولة استعادة حقھم في مجلس حر ومستقل.
كانت آخر إنجازات الحراك التي تمت في جامعة “البوليتكنك” بتاريخ مايو/أيار 2017، عندما انتزع طلبة الجامعة حقوقهم ومطالبهم بعد اعتصام مفتوح دام نحو 10 أيام، تمثلت بالعدول عن قرارات الفصل والإنذارات النهائية التي أصدرتها الجامعة بحق مجموعة من الطلبة.
دور الحراك في الحياة العامة
في آخر إحصائية رسمية صادرة عن رئيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم الدكتور بشير الزعبي، فإن أعداد الطلبة في الجامعات الأردنية بلغ 280 ألف طالب، في حين يصل عدد الجامعات الحكومية إلى 10 جامعات، بينما بلغ عدد الجامعات الخاصة 20 جامعة.
“لطالما كان الحراك الطلابي مصدرًا أساسيًا في صناعة القيادات الوطنية والكفاءات المهنية، حيال ذلك يسهل ملاحظة أهمية الدور الذي لعبه، إذ كان لها إسهام حقيقي في تحريك المياه الراكدة للحياة السياسية العامة”.
هذا ما عبر عنه رئيس اتحاد طلبة الجامعة الأردنية السابق المهندس عمرو منصور، مشيرًا إلى أن “الحراك الطلابي ما زال يتطور برؤى واضحة وأساليب وبرامج متجددة، في إسهام فعلي منه لملء الفراغ السياسي ونشر الوعي في الحياة العامة”.
حاول الحراك الطلابي الأردني “إثارة الوعي ولفت الأنظار والانتباه إلى مجريات الأحداث العربية خاصة القضية الفلسطينية، مما ساعد على منح الحياة السياسية العامة جرعة وطنية وقومية زادت من التصاق الشعب بقضاياه وهمومه”
وقال منصور لـ”نون بوست”: “الحراك الطلابي الأردني لا يقل عن غيره من الحراكات العربية والعالمية التي أثرت في مجتمعاتها وتركت بصمات عبر التاريخ لا تنسى”، منوهًا إلى أنه “مما لا شك فيه أن للحراك دور وإسهام حقيقي في الحياة السياسية منذ انطلاقته ونشأته في القرن الماضي”.
واستدرك بقوله “يعتبر الطلبة من خلال حراكهم عضوًا قياديًا مهمًا، فالإصلاح السياسي لن يكتمل إلا بمشاركتهم، لذلك لا بد من إشراكهم في عملية صنع القرار لأنهم قادرون على تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي”.
وأضاف “صحيح أن الحراك الطلابي لم يرتق للصورة المطلوبة منه، غير أنه لعب دورًا كبيرًا في تكوين أساسيات العقلية السياسية للشباب الأردني، ففيها تكونت شخصيته الحقيقية ومن خلالها يستطيع المشاركة في الانتخابات الجامعية، كنموذج مصغر لطبيعة الحياة السياسية”.
https://www.youtube.com/watch?v=1tgqxG_vVGY
وحسب وجهة نظر منصور الذي شغل منصب رئيس الاتحاد من العام 2013 إلى 2014، فقد حاول الحراك الطلابي “إثارة الوعي ولفت الأنظار والانتباه إلى مجريات الأحداث العربية خاصة القضية الفلسطينية، مما ساعد على منح الحياة السياسية العامة جرعة وطنية وقومية زادت من التصاق الشعب بقضاياه وهمومه، فهم القوة الدافعة المتجددة وأداة التغيير الحاسمة في المستقبل”.
وأفاد بأن “الحراك الطلابي طالب بفتح ملفات الفساد في كافة الجامعات، ضمن منھجیة واضحة المعالم وتحویل كافة المتورطین في استنزاف أموال الطلبة إلى القضاء، كما دعا إلى إغلاق كافة المكاتب الأمنیة داخل الجامعات”.
بات الحراك الطلابي بنشاطاته وإنجازاته واقعا لا ينكره أحد، فهو الذي ينادي ويدعو لإصلاح قطاع التعليم العالي ويدعو إلى تطويره ومراعاة احتياجات الطلبة ورغباتهم
وشدد منصور في نهاية حديثه على أن “الحراك عمل على وحدة الصف الطلابي وتوثیق عرى الوحدة الوطنیة، عن طریق سلسلة من الأنشطة والفعالیات على مستوى المملكة، وتنمیة الممارسات الدیمقراطیة وروح الحوار، واحترام الرأي والرأي الآخر بین الطلبة في مختلف المواقع الطلابیة، وتوثیق العلاقات مع الاتحادات الطلابیة العربیة والإسلامیة والعالمیة المناظرة”.
أبرز وجوه الحراك الطلابي تاريخيًا
شھد العام 1955 تظاھرات عارمة اجتاحت معظم المدن والقرى والمخیمات في الأردن، رفضا لمحاولات الدول الإمبریالیة جر الأردن للدخول في حلف بغداد العسكري، حیث كانت الجماهير الطلابية أبرز المشاركين في فعالیات الاحتجاج والرفض، عبر “مؤتمر الطلبة الأردنیین”.
وحسب مقال للصحفي عناد أبو وندي تحت عنوان “الحركة الطلابية الأردنية”، فإنه “من أبرز الناشطين في الحركة الطلابية الطالبة رجاء حسن أبو عماشة، التي قتلت في تاریخ 1955/12/18، خلال اعتصام احتجاجي أمام السفارة البریطانیة”.
طلاب يتجمعون حول ضريح أول شهيدة للحركة الطلابية الأردنية رجاء أبو عماشة عام 1957
كما أشار أبو وندي إلى أنه “في 19/12/1955، أي في الیوم التالي لمقتل رجاء أبو عماشة، قتل أيضًا الطلبة عبد الله تایه وعبد الكریم عقل وإسماعیل الخطیب، وهم أبرز الطلبة الذين قادوا الحراك آنذاك، في الوقت الذي جرح فيه واعتقل المئات من الطلبة، في مقدمتھم أعضاء اتحاد الطلبة الأردني أو مؤتمر الطلبة الأردنیین في ذلك الوقت”.
وأردف أبو وندي أنه “مع ما سبق، قدمت الحركة الطلابیة الناشئة عشرات الضحايا، على رأسھم الشھید حقي الخصاونة أول رئیس للمكتب التنفیذي للمؤتمر العام لطلبة الأردن، الذي قتل برصاص الجیش في أثناء قيادته للتظاهرات بمدينة إربد في العام 1954”.
واقع الحراك الحاليّ
بات الحراك الطلابي بنشاطاته وإنجازاته واقعًا لا ينكره أحد، فهو الذي ينادي ويدعو لإصلاح قطاع التعليم العالي ويدعو إلى تطويره ومراعاة احتياجات الطلبة ورغباتهم، علاوة على إسهاماته وبصماته في الحياة السياسية العامة، وفق ما رأى رئيس اتحاد طلبة الجامعة الأردنية سابقًا عبد السلام منصور.
وقال عبد السلام منصور الذي شغل منصب رئيس الاتحاد من العام 2011 إلى 2012 لـ”نون بوست” إن “الحراك الطلابي يهدف ويخطط في المرحلة الحاليّة إلى كف يد الجهات الأمنية وإغلاق مكاتبها المفتوحة في الجامعات، واستبدالها بمكاتب تابعة لوزارة التنمية السياسية على أن تكون فاعلة في عملها”.
دعاس: “بدا واضحًا أن الحراك الطلابي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن المطالب التعليمية، لتكون على قمة ورأس هرم عمله”
وشدد على أن “الحراك لا يغفل في كل مراحله عن هدفه الأسمى وهو تشكيل الاتحاد العام لطلبة الأردن، وتعديل الأنظمة والقوانين الناظمة للحياة الطلابية، ورسم آليات العمل والتنفيذ وتوحيد قوانين الجامعات، بما يتوافق مع الدستور الأردني، وتخفيض رسوم التسجيل الجامعي وتبعاته المالية سعيًا إلى مجانية التعليم”.
واعتبر أن “الحراك “يحاول تولي دوره الإصلاحي المنشود، لكن في ضوء ذلك لا يخفى على أحد أهمية الجهود الحكومية والأمنية المضادة التي تهدف ضربه وتفتيته وإضعافه، عبر الضغوط المختلفة التي تمارس بحق الطلبة الناشطين”.
ونوه منصور إلى أن “أساليب الضغط والتضييق على الطلبة كثيرة ومتعددة، لكن هنا نسوق هنا مثالاً واحدًا وبارزًا في الفترة الأخيرة يدل على ذلك، وهو الشكوى التي قدمتها جامعة البلقاء التطبيقية عبر مستشارها القانوني، بحق المنسق العام للحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة ذبحتونا الدكتور فاخر دعاس، بناء على منشورات عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، احتج فيها على قرار رفع رسوم الدبلوم في الجامعة”.
مستقبل الحراك الطلابي
وفقًا لمنسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” الدكتور فاخر دعاس، فإنه “بدا واضحًا أن الحراك الطلابي أخذ على عاتقه مسؤولية الدفاع عن المطالب التعليمية، لتكون على قمة ورأس هرم عمله”. وقال دعاس لـ”نون بوست”: “من الأهمية بمكان استقرار حالة الاصطفاف والتماسك الطلابي بين مختلف التيارات الفكرية الطلابية، لتطغى على الصراعات الداخلية وترتكز على الأسس الموحدة”.
ورأى أنه من أجل مستقبل واعد للحراك، فإنه “لا بد من ضرورة تفرغ العاملين في الحراك الطلابي، لتوجيه دفة الأمور بالاتجاه الذي يخدم أهدافه، ويجعله أكثر فاعلية من خلال مواقفه وأنشطته وأعضائه، وتنظيم لقاءات حوارية وندوات طلابية تدرس العديد من المحاور التي من شأنها دعم الحراك داخل الجامعات وتوضيح أهميته من خلال تاريخه الحافل”.
“ما تشهده المنطقة العربية من رياح تغيير، تستوجب من القطاع الطلابي الارتقاء فوق كل الخلافات والتباينات الضيقة، لمصلحة الهدف العام للطلبة المتمثل بإقامة الهيئة النقابية المستقلة”
وطالب طبيب الأسنان الذي ينشط ويدافع عن الحراك الطلابي “بإعادة النظر بأنظمة التأديب المعمول بها في الجامعات، على أرضية إعطاء مساحة حقيقية لحرية العمل الطلابي، بالإضافة لإشراك الطلبة ومنظمات حقوقية في صياغتها، من أجل الارتقاء بالعمل الطلابي وتوفير حريات طلابية حقيقية”.
وشدد على “ضرورة وقف التدخلات الأمنية كافة في انتخابات مجلس الطلبة، وحصر استدعاءات الجهات الأمنية للطلبة في القضايا الأمنية فقط، دون التذرع بهذه الاستدعاءات من أجل الضغط على الطلبة في الأمور الانتخابية، بالإضافة إلى الحد من نفوذ الأمن الجامعي ووضع التعليمات الواضحة التي تحدد المهام المنوطة بأمن الجامعة على أن تتم محاسبة كل من يتجاوز صلاحياته منهم”.
ودعا إلى “وقف سطوة رؤساء الجامعات على مجالس الطلبة، وذلك من خلال توسيع صلاحيات هذه المجالس وإعطائها حق اتخاذ قراراتها دون الحاجة لمصادقة إدارة الجامعة عليها، كما دعا إلى إقامة اتحاد عام لطلبة الأردن له استقلاليته التامة يضم جميع طلبة الجامعات وكليات المجتمع”.
ولتحقيق مستقبل ناجح للحراك الطلابي، ذكر صديق الطلبة الدكتور فاخر دعاس أن “ما تشهده المنطقة العربية من رياح تغيير، تستوجب من القطاع الطلابي الارتقاء فوق كل الخلافات والتباينات الضيقة، لمصلحة الهدف العام للطلبة المتمثل بإقامة الهيئة النقابية المستقلة التي تتبنى قضاياهم وتدافع عن مصالحهم”.