الشريحة الأكبر، التي يتضاعف أعداد منتسبيها يومًا بعد يوم، الأكثر حيوية وتدفقًا في المجتمعات، والمتحررة من أعباء الوظيفة والمعيشة والأفكار المجتمعية المتوارثة، إنها شريحة الطلاب التي يتفق جميع علماء الاجتماع والسياسة على تسميتها “الشريحة الذهبية” في المجتمعات بشكل عام وفي أي مجتمع يتوق للتغيير، فكيف لا يكون ذلك والطلاب كانوا أول من يرفع شعار “لا”، والمجد لمن قال لا!
ما زالت الحراكات الطلابية الأكثر إثارة للاهتمام للدارسين والباحثين حول منهجيات التغيير الحديث في المجتمعات، وذلك بسبب الموقع الفريد الذي يحتله الطلاب في المجتمع، فهم غالبًا ما يكونون في طليعة الجيل الذي غالبًا ما يختلف اختلافًا كبيرًا عن أسلافهم، وهم أيضًا الخط الأمامي الذي تتنافس فيه الأيديولوجيات وتتصادم فيه الهويات الثقافية بشكل مباشر ودون مواربة.
الطلاب كونهم “طلاب” يعني أنهم منخرطون في الجدالات الفكرية، وكثيرًا ما يكونون قد تبنوا معتقدات سياسية معينة، وهم كثيرًا ما يحفزون قطاعات أخرى من المجتمع المدني ويجرونها لمربع التغيير
لقد أحدثت حالة الحراكات الطلابية ونشأتها في القرن الماضي زلزالًا كبيرًا حول العالم، فكيف لا يكون ذلك وهم الذين ساهموا في كثير من الأحيان بتغيير التاريخ رأسًا على عقب، أو على الأقل حاولوا ذلك، كإنهاء قوانين الفصل العنصري في الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، وإسقاط رئيس تشيكوسلوفاكيا بعد سقوط جدار برلين، والانتفاض على الحكومات الفاسدة في أمريكا الجنوبية وفرنسا والصين وحتى إيران ومصر والسودان وغيرها من دول العالم.
إن الانتفاضات الطلابية تميل إلى أن تكون جزءًا من التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي على المدى الطويل، فبعد كل شيء، عندما تختفي الاحتجاجات الطلابية، يمضي الطلاب أنفسهم ليصبحوا جزءًا من جيل أكثر نضجًا، يحتفظ بكثير من قناعته الأيديولوجية المختلفة.
فالطلاب كونهم “طلاب” يعني أنهم منخرطون في الجدالات الفكرية، وكثيرًا ما يكونون قد تبنوا معتقدات سياسية معينة، وهم كثيرًا ما يحفزون قطاعات أخرى من المجتمع المدني ويجرونها لمربع التغيير، ولذلك فغالبًا ما يكون الطلاب حافزًا جيدًا للتغيير، لأنهم بالفعل يتجمعون في فضاءات الجامعات وميادين العلم في مراكز المدن، وهذا ما يُمكّن الحملات الطلابية من التطور إلى مظاهرات وحركات احتجاج أوسع تشمل جل فئات المجتمع.
من كان يتوقع أن يقود هؤلاء الشباب عموماً والطلبة خصوصًا، ثورات عربية هادرة قبل 7 أعوام فقط، في وقت كان الإحباط يشل حركة العقول والقلوب والضمائر، تماماً كأيامنا هذه، وإن كانت أشد حلكة وسوادًا
للحركة الطلابية أهمية واسعة في دراستها وفهم فلسفتها وانعطافات حركتها الهادرة في الشوارع والميادين وسجلات التاريخ. في العالم العربي، كان للطلبة تجارب كثيرة، بحلوها ومرها، وبنجاح بعضها وفشل كثيرها في ظروف ربما بعضها مثالية – والتاريخ نفسه يعجّ بالفشل- منذ بداية تأسيس الجامعات والمعاهد العلمية العالية، فبعضها قاوم المحتل والمستعمر، وكثير منها قاوم أنظمة الاستبداد والفساد التي تركها المستمر عندما قرر الرحيل.
ولأننا نرى أن الطلاب سيكونون في طليعة التغيير طويل الأمد لمجتمعاتهم، حتى لو لم يكونوا هم الأكثر حسمًا في تحقيق ذلك التغيير، فتوجّب علينا دراسة واقع الحركة الطلابية كذلك، والدور الذي ينتظر منها في المستقبل القريب، حيث أن نسبة الطلاب والجامعات ما زالت ترتفع في الدول العربية والعالم الثالث بشكل عام، عامًا بعد عام بشكل مضطرد، وذلك إذا اعتبرنا أن بنية السكان في العالم العربي هي بنية شابة، وعليه فإن قطاع الطلاب يمثل شريحة كبيرة من فئة الشباب هذه.
نعم، ليس كل الطلاب حراكيّين، وواعين لمصائر أمتهم وبلادهم، وليس بالضرورة أن تجد الجميع يرفع شعار الوعي والنضال من أجل قضايا الطلبة أو المجتمع الذي أتوا منه، ولكن من كان يتوقع أن يقود هؤلاء الشباب عموماً والطلبة خصوصًا، ثورات عربية هادرة قبل 7 أعوام فقط، في وقت كان الإحباط يشل حركة العقول والقلوب والضمائر، تماماً كأيامنا هذه، وإن كانت أشد حلكة وسوادًا.
سنناقش ونستعرض أهم هذه التجارب، ونضعها في مكانها الصحيح، ونذكر سير أول من صنعها، ودافع عن فلسفتها ومشروعيتها من المحيط إلى الخليج
وسواد أيامنا يحتاج لشمس ساطعة حرة تمزّق أستاره، ولا تبقي من زيفه ولا تذر، فإن كان لا بد من محاولة جديدة لطرق الباب فليكن، لأن التجربة تستحق، ولأن التاريخ دوائر متتالية من نجاح وفشل، ولأن روح الشباب أصيلة متجددة بتجدد ماء النهر الهادر كل يوم.
اليوم، نحاول في “نون بوست” تسليط الضوء أكثر، في تجربة صحفية بحثية هي الأولى من نوعها من حيث التسلسل والترابط وعرض تجارب جل الدول العربية بملف واحد، كتب بأقلام أبناء هذه الأقطار، التي لا يعرف كثير منّا قصص طلبتها وتجاربهم من قبل، رغم أنهم كانوا رواد تغيير وتأثير كبيرين نلمسه حتى يومنا هذا، وقدموا الكثير من الدماء والتضحيات من أجل من تبعهم من أجيال.
سنناقش ونستعرض أهم هذه التجارب، ونضعها في مكانها الصحيح، ونذكر سير أول من صنعها، ودافع عن فلسفتها ومشروعيتها من المحيط إلى الخليج، وسنضع أيدينا عن مكامن الوجع الذي أصاب الجسد الحراكي الطلابي العربي اليوم، والتحديات التي تواجهه، ونناقش حلول نهوضه، والدور المناط به مستقبلًا في قيادة المجتمعات نحو التغيير، والأدوات التي يجب استخدامها للوصول لذلك.
تابعونا..