يُعد السودان من أوائل دول المنطقة التي أثّر فيها الحراك الطلابي على المجتمع بصورة عامة، فقد بدأت الاتجاهات السياسية في الظهور عند تكوين أول اتحاد لطلاب كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) في العام 1941، وفي ذلك العام ترشح الطلاب لرئاسة الاتحاد بشكل فردي أي أنهم لم يكونوا يمثلون الأحزاب السياسية الموجودة داخل السودان.
مؤتمر الخريجين.. أول كيان سياسي طلابي
في فترة الثلاثينيات، كان يوجد اتحاد يمثل طلاب المدارس العليا المقيمين في العاصمة وانتخب أحمد خير أول رئيس له ومبارك زروق نائبًا للرئيس واقتصر نشاطه على النشاط والثقافي والاجتماعي وبعض من النشاط السياسي داخل حرم كلية غردون بتصريح من سلطات الاحتلال، وتزامن ذلك مع بوادر قيام مؤتمر الخريجين الذي أحدث نقلة نوعية في العمل الطلابي بالسودان.
ومؤتمر الخريجين هو كيان سوداني أُنشئ عام 1938 إبان فترة الحكم الثنائي “الإنجليزي ـ المصري” بالسودان على غرار المؤتمر الهندي الذي ساهم في استقلال الهند، وكان ميلاد مؤتمر خريجي السودان على أيدي خريجي كلية غردون التذكارية، وخريجي الكليات الأجنبية الموجودة بالعاصمة الخرطوم.
إذ كان هدفه سياسيًا في المقام الأول، وهو تحرير السودان من المستعمر البريطاني وبسبب ظروف الموظفين السودانيين التي لم تكن تسمح لهم بالعمل السياسي في الفترة الصباحية جاءت فكرته كهيئة اجتماعية ـ ثقافية كانت النواة التي أحدثت حراكًا نال السودان بنهايته الاستقلال في الأول من يناير عام 1956.
بدأت فكرة مؤتمر الخريجين في الظهور على المسرح السياسي السوداني تدريجيًا نتيجة لنشاط المثقفين السودانيين في المجالات الثقافية والاجتماعية، وجاءت أول دعوة لقيام تجمع الخريجين في مقالٍ لخضر حمد في جريدة السودان عام 1935، ثم أبرز الفكرة ونادى بها أحمد خير في محاضرةٍ له بنادي الخريجين في مدينة ود مدني عام 1937 حيث نادى بالاتحاد الفكري.
نشرت مجلة الفجر المحاضرة وعُرضت الفكرة على لجنة نادي الخريجين بأم درمان برئاسة إسماعيل الأزهري الذي لم يتحمس للفكرة في بادئ الأمر، ثم عُقدت المؤتمرات والندوات في كل مكان من أم درمان وبورتسودان وود مدني، وبعد مجهوداتٍ عدة وافقت الحكومة على قيام المؤتمر، وأصدر السكرتير الإداري منشورًا بعدم التعرض لدعاة تأسيس المؤتمر.
في السبعينيات ظهرت حركة الطلاب المحايدين، مما جعل التنافس شرسًا في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وما صاحب الانتخابات من أحداث عنفٍ في فترة الثمانينيات بين طلاب الجبهة الإسلامية وطلاب اليسار والقوى التقليدية
وبعد سنوات عدة من تأسيس مؤتمر الخرجين تحولت كلية غردون إلى جامعة الخرطوم في 1945، وأصبح للاتحاد دور أكبر وسط الطلاب والحياة السياسية في السودان برز من خلالها اسم جامعة الخرطوم عاليًا في مسيرة الحياة السياسية في القارة السمراء والمنطقة العربية.
ويمكن القول إن مؤتمر الخريجين شكّل البذرة الأولي للحركة الطلابية السودانية، فاستمرت وتطورت فيما بعد حتى فوجئت حركات الوسط السياسي في الخمسينيات ببروز الأدوار السياسية للطلاب بشكل أكبر فكان انضمام أعداد مقدرة من طلاب الجامعة والمعاهد العليا إلى أحزاب الجبهة الديمقراطية والجبهة الاسلامية، مؤتمر الطلاب المستقلين في مطلع الستينيات.
https://www.youtube.com/watch?time_continue=188&v=j20udWEz4dw
أحد الأغاني السودانية التي عاصرت الدور الطلابي في ثورة 1964
مقتل طالب بجامعة الخرطوم يشعل ثورة شعبية
شكلت اللحظة التي سقط فيها الطالب أحمد طه القرشي برصاص الشرطة السودانية في أكتوبر/تشرين الأول من العام 1964، نهاية حتمية لحكومة الرئيس إبراهيم عبود، فقد انطلقت من جامعة الخرطوم أول ثورة في إفريقيا ضد حاكم ديكتاتوري أفضت إلى الإطاحة بالرئيس عبود.
طلاب سودانيون يرفعون صورة الطالب المقتول أحمد طه القرشي عام 1964
وفي السبعينيات ظهرت حركة الطلاب المحايدين، مما جعل التنافس شرسًا في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وما صاحب الانتخابات من أحداث عنفٍ في فترة الثمانينيات بين طلاب الجبهة الإسلامية وطلاب اليسار والقوى التقليدية حيث استمر الصراع إلى 30 من يونيو/حزيران 1989 تاريخ تولي الرئيس عمر البشير مقاليد الحكم بانقلاب عسكري على حكومة الأحزاب الائتلافية.
معاناة في مطلع التسعينيات
في التسعينات وبداية الألفية الثالثة عانت الحركة الطلابية في السودان بسبب صعود الإسلاميين للسلطة؛ إذ اتخذوا قرارات بإلغاء السكن والإعاشة التي كانت تمنح لطلاب الجامعات، ثم أخذت السلطات الأمنية تضيق على الطلاب المعارضين وتستخدم ضدهم العنف داخل سور الجامعات وذاق المئات من الطلاب مرارة الاعتقال والتعذيب والمطاردة.
فقط يحسب لنظام الرئيس عمر البشير أنه توسع في إنشاء الجامعات ضمن ما يعرف بثورة التعليم العالي التي أطلقها الحزب الحاكم في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ورغم التضييق والقبضة الأمنية والميزانيات المفتوحة أحزر طلاب المعارضة الذين كانوا يشكلون تكتلات ضد طلاب الحزب الحاكم، انتصارات في عدة جامعات على منسوبي الحكومة، فقد نجحت المعارضة في انتزاع اتحاد جامعات (الخرطوم – الجزيرة – سنار – كردفان – شندي – كسلا – البحر الأحمر – جوبا).
حضور قوي لطلاب السودان في الحراك ضد الحكومة
شارك طلاب الجامعات السودانية بفعالية في احتجاجات سبتمبر/أيلول الشهيرة عام 2013 التي أدت إلى مقتل 200 شخص حسب منظمات حقوقية، واضطرت حينها إدارة جامعة الخرطوم والجامعات الكبرى مثل أمدرمان الإسلامية والسودان إلى إغلاق أبوابها لفترات متباينة خشيةً من اتساع دائرة العنف.
كما اندلعت مواجهات أخرى بين قوات الأمن السودانية من جهة، وطلاب جامعة الخرطوم من جهة أخرى عام 2016 عندما تسربت أنباء عن اعتزام الحكومة بيع مباني الجامعة، ونفذت السلطات آنذاك حملة اعتقالات واسعة وسط الطلاب، رغم نفي مجلس الوزراء وإدارة الجامعة صحة تلك الأنباء.
وامتدت الأحداث بعدها إلى جامعات ولائية مثل جامعة الجزيرة “جنوب شرق” وجامعة كردفان غرب العاصمة الخرطوم، كما دخلت على الخط جامعات خاصة مثل “أم درمان الأهلية” التي شهدت اشتباكات بين طلاب مؤيدين للحزب الحاكم ورابطة طلاب الاتحادي الديمقراطي المعارض، حيث شهدت الجامعة دخول عناصر ملثمة مجهولة إلى الجامعة، ومن ثم سقط طالب قتيل برصاص مجهول ومعه أكثر من 5 طلاب مصابين.
تاريخيًا، لعب طلاب السودان دورًا حاسمًا في تغيير أنظمة حكم ديكتاتورية مثل نظام الرئيس عبود في العام 1964 ونظام نميري في 1985
إلى جانب ذلك، لم يغب طلاب السودان عن الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة الخرطوم ومدن اخرى مطلع العام الحاليّ ضمن ما يعرف بـ”احتجاجات الخبز” بعد اتخاذ السلطات قرارًا بمضاعفة أسعار الدقيق وزيادة سعر الوقود.
مستقبل الحراك الطلابي في السودان
تاريخيًا، لعب طلاب السودان دورًا حاسمًا في تغيير أنظمة حكم ديكتاتورية مثل نظام الرئيس عبود في العام 1964 ونظام نميري في 1985، وفي العهد الحاليّ لم يتوقف الحراك الطلابي رغم التضييق الأمني والقمع بالاعتقال واستخدام سلاح الفصل من الجامعات.
الأحداث الأخيرة تؤكد أن البذرة موجودة وحماس الطلاب لم ينطفئ، بل إن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي في السودان يجد اهتمامًا كبيرًا من طلاب الجامعات بالأوضاع السياسية الداخلية ومقارنة وضع السودان بدول الجوار، ويلاحظ وعيًا سياسيًا واضحًا وتعاطٍ مستمر مع تفاعلات الساحتين الداخلية والخارجية.
السواد الأعظم من طلاب السودان بحاجة إلى قيادة مقنعة فهُم زهدوا جدًا في الحزب الحاكم الذي يرونه واجهة للفساد والظلم والفشل، وبالقدر نفسه ينظرون إلى المعارضة بأنها ضعيفة وهشة لا تمتلك أي برنامج ولا شعبية تتمكن بها من اجتذابهم.