دوما المعقل الأخير الذي يخضع لسيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية، حرب تدميرية نفسية وإعلامية يلعبها النظام السوري والجانب الروسي الذي يشرف على المفاوضات مع جيش الإسلام، لا يزال مصير دوما مجهولًا وسط تكتم لجيش الإسلام بشأن القرار الذي اتخذه حيال خروجه من الغوطة الشرقية.
ترقب حذر شهدته مدينة دوما السبت 31 من مارس/أذار الماضي خلال اجتماع بين وجهاء المدينة وفعالياتها المدنية مع جيش الإسلام للتوصل إلى قرار موحد إزاء موقفهم من المفاوضات الجارية مع الجانب الروسي، وذلك بعد موجة تهديدات وجهها النظام باقتحام مدينة دوما، واستخدام الحل العسكري في حال رفضت المعارضة الانسحاب منها، كما بدأ طيران الاستطلاع منذ ليل السبت، بالتحليق فوق سماء المدينة، فيما ذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام وصول تعزيزات عسكرية إلى محيط المدينة.
وأفادت مصادر ميدانية أن جيش الإسلام مُصر على موقفه في البقاء داخل مدينة دوما، ورفض أي مفاوضات تؤدي إلى التهجير القسري، وأضافت أن المفاوضات مع الجانب الروسي لم تتوقف، وهناك تقدمٌ في مجريات الاتفاق، مشيرة إلى أن النظام وروسيا يعملان على الحرب النفسية لزعزعة الصفوف داخل الغوطة، من خلال التهديدات تارة، أو بثّ أخبار كاذبة عن قبول جيش الإسلام بالتهجير تارة أخرى.
ونشرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام، الأحد 1 من أبريل/نيسان عن دبلوماسيين في دمشق، تأكيداتهم أن الاتفاق مع جيش الإسلام تم، وتنفيذه بدأ بتسليم السلاح الثقيل، والشروع بالتحضير لمغادرة المدينة نحو مناطق في شمال سوريا تخضع لفصائل معارضة مدعومة تركيًا.
من جانبه نفى جيش الإسلام ما تتداوله وسائل إعلام محسوبة على النظام، وقال المتحدث بهيئة أركان الجيش “حمزة بيرقدار”: “لا صحة لما تتداوله وسائل الإعلام عن اتفاق يقضي بإخراج جيش الإسلام من مدينة دوما، ولا زال موقفنا واضحًا وثابتًا وهو رفض التهجير القسري والتغيير الديمغرافي لما تبقى من الغوطة الشرقية”.
النظام وحلفاؤه يرفضون رفضًا باتًا أي وجود لجيش الإسلام قرب مركز العاصمة السورية، وهو مصر على موقفه في إخراج جيش الإسلام من الغوطة بشتى الوسائل
وذكرت مصادر ميدانية في دوما أن القافلة الأولى من مهجري مدينة دوما، تستعد للخروج إلى محافظة إدلب شمال سوريا، بعد توصل اللجنة المدنية للمفاوضات إلى اتفاق مع الجانب الروسي يقضي بخروج الحالات الإنسانية، والقافلة تضم نحو 1300 شخص، بينهم مقاتلون من الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام وهي تابعة لفيلق الرحمن وعائلاتهم، في حين أفاد ناشطون أن الاتفاق الذي يقضي بخروج مقاتلين ومدنيين تم بمعزل عن جيش الإسلام.
والعائلات التي ستخرج كانت قد سجلت أسماءها في الأيام القليلة الماضية لدى إدارة فيلق الرحمن، حيث فاوض الأخير الجانب الروسي في وقت سابق لإخراج العائلات والأشخاص المحسوبين عليه من مدينة دوما عبر مخيم الوفدين، طبقًا لما أفادت المصادر، ومن المفترض خروج قوافل أخرى في الأيام القادمة إلى مدينة جرابلس في ريف حلب، الخاضعة لسيطرة قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا شمالي حلب، بمن فيهم جيش الإسلام الذي نفى توصله لاتفاق من أجل خروجه من دوما، وسط تأكيدات لوسائل إعلام موالية للنظام.
النظام وحلفائه يرفضون رفضًا باتًا أي وجود لجيش الإسلام قرب مركز العاصمة السورية، وهو مصر على موقفه في إخراج جيش الإسلام من الغوطة بشتى الوسائل، لأن الأخير له تأثير كبير على النظام، فقد واجهه طوال السنوات السابقة ناهيك عن الخسائر التي تكبدها النظام في العاصمة.
ويبدو جيش الإسلام بتنسيقه مع تركيا سيسمح له بالتوجه إلى مدينتي جرابلس والباب بريف حلب، لأن عناصر جيش الإسلام غير مرحب بهم في إدلب التي تسيطر على معظمها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)، الفصيل المعادي لجيش الإسلام الذي خاض ضده اشتباكات ضارية في الغوطة الشرقية.
وإلى الآن خيارات جيش الإسلام مفتوحة أمامه إزاء اتخاذ قراره في مفاوضات دوما، هل سيبقى في المدينة ويحارب إلى الرمق الأخير؟ أم أنه سيرضخ للمفاوضات مع الجانب الروسي؟ ويسحب مقاتليه والتخلي عن معقله الرئيسي في العاصمة دمشق، كما أن بعد الغوطة الشرقية عن حدود أي دولة يبعد الضغوطات من الحلفاء، وهنا الخيار لجيش الإسلام دون حلفاء.
تتواصل حملات التهجير من الغوطة الشرقية، بعد حصار دام عدة سنوات
أوضاع سيئة يعيشها مهجرو الغوطة الشرقية
مع اشتداد الحرب والقصف بأشكاله المتنوعة وانتشار القتل، والحصار وسياسة التجويع التي يتبعها النظام وحلفاؤه في جميع المناطق التي يحاصرها، تتواصل موجات التهجير القسري أو عن طريق المفاوضات، منطقة تلو الأخرى ومن يدفع الثمن غير السوريين الذين يواجهون ميليشيات عدة تنكل بهم، تقتل وتغتصب وتخرب وتدمر ما تبقى من مناطقهم، في ظل صمت دولي وخنوع عربي، بما يحدث في الساحة السورية، وإن نجوا من حرب النظام كانت شبيحته تنتظرهم لإذلالهم دون تعاطف معهم.
تتواصل حملات التهجير من الغوطة الشرقية، بعد حصار دام عدة سنوات، ذاق السوريون فيه أشد المآسي والمواجع وفقدوا الكثير من أبنائهم وعائلاتهم، آلاف العائلات من الغوطة الشرقية بريف دمشق تتدفق منذ عدة أسابيع إلى مدن وقرى ريف إدلب، بعد الحملة الوحشية للنظام وروسيا وفرض التهجير القسري على سكان الغوطة.
بحسب منسقي الاستجابة في الشمال السوري خلال شهر مارس/آذار من عام 2018 وصل عدد المهجرين إلى 47450 شخصًا، حيث خرج من حي القدم 1351 شخصًا، ومن حرستا 5204 أشخاص، ومن عربين 40895 شخصًا، وبلغت إحصاءات الحالات الطبية الوافدة إلى إدلب 4370 حالة مرضية، منها 991 إصابة أطفال و1064 حالات نسائية، وإضافة لحالات سوء تغذية بالمئات، ولا تزال عمليات الإحصاء مستمرة للمهجرين لتوثيق أعداد جميع العائلات التي ما زالت تصل يوميًا من مناطق الغوطة الشرقية.
وتواجه هذه العائلات انعدام أبسط مقومات الحياة، لأنهم خرجوا دون أن يصطحبوا معهم أيًا من الحاجيات الأساسية، وأصبحت حالتهم سيئة جدًا يفتقرون إلى الطعام والشراب، وسط عجز كبير من المنظمات الإنسانية والإغاثية عن تلبية متطلبات هذه الأعداد الكبيرة من النازحين الوافدين من الغوطة الشرقية.