الحديث عن المواطنين متحدي الإعاقة في العراق ليس فقط لتسليط الضوء على معاناة هذه الطبقة المسحوقة من المواطنين، وإنما هو حديث للكشف عن جيل ضُرب في أحلامه، وضاع حاضره ومستقبله، وضاعت معهم أحلام وطموحات عوائلهم، أو من ارتبطوا بهم نتيجة الإهمال الرسمي لهم.
معاناة متحدي الإعاقة العراقيين، تشمل الجوانب الحياتية والفيزيائية (عدم ملاءمة وسائط النقل للمعاقين في العراق) والصحية والاجتماعية والإنسانية والعلمية والاقتصادية وربما القانونية في ظل عدم وجود رعاية قانونية فاعلة لحمايتهم أو تحصيل حقوقهم.
ويمكن إرجاع أسباب انتشار الإعاقة بين العراقيين إلى أهم الأسباب الآتية:
1. حرب احتلال العراق.
2. التفجيرات بمختلف أنواعها.
3. عمليات الاغتيال الفاشلة.
4. الحروب الداخلية ضد المدنيين بحجة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
5. مخلفات الحروب على مختلف أنواعها، وبالذات الألغام منها.
حينما ندقق النظر في هذه الإحصائية الرسمية نجد أن أعداد متحدي الإعاقة أكثر من مليون ونصف، والغريب أنه في 10 من ديسمبر 2010 أكد النائب طلال الزوبعي أن عدد المعاقين في العراق بلغ 3 ملايين شخص، وهذه الشريحة الكبيرة تعاني التهميش والإهمال
عند سعي الباحث أو الكاتب لمعرفة أو متابعة أعداد متحدي الإعاقة من المصادر الرسمية نجد أن هنالك إحصاءات غير دقيقة، – وربما – متناقضة، والتناقض أو التضارب في الإحصاءات ليس ضمن المعدلات المقبولة، بل أرقام متنافرة، والفرق بينها بالملايين.
وهنا سنتطرق لبعض الإحصاءات الرسمية المتناقضة، ففي نهاية مارس/ آذار 2018، قالت وزارة التخطيط: “من بين سبعة وثلاثين مليون عراقي يوجد أكثر من مليون ونصف المليون من ذوي الإعاقة موزعين في عموم البلاد، ونحو خمسين شخصًا يضافون شهريًا إلى قائمة المعاقين بسبب الألغام التي خلّفتها الحرب على مدار السنوات الماضية بينهم أطفال ونساء”.
وحينما ندقق النظر في هذه الإحصائية الرسمية نجد أن أعداد متحدي الإعاقة “أكثر من مليون ونصف”، والغريب أنه في 10 من ديسمبر 2010 أكد النائب طلال الزوبعي أن عدد المعاقين في العراق بلغ 3 ملايين شخص، وأن هذه الشريحة الكبيرة تعاني التهميش والإهمال.
في منتصف سبتمبر/أيلول 2015، كشف رئيس تجمع المعاقين في العراق موفق الخفاجي وجود ما يقارب من 4 ملايين معاق وفق إحصاءات غير رسمية بحاجة إلى خصوصية في التأهيل وعلاجات نفسية وتأهيل اجتماعي وتدريب للحصول على فرص عمل وحق العيش والتكامل الاقتصادي والاندماج المجتمعي!
وهذا التناقض فيه العديد من الدلالات، ومنها:
- غياب دور الوزارات والدوائر الرسمية في إحصاء أعداد المعاقين، وهذا أمر خطير يدل على عدم الاهتمام، بل هو إهمال رسمي وعلني.
- قساوة الآلة الحربية – الأجنبية والمحلية – في التعامل مع المدنيين دون تمييز بين من يحملون السلاح ومن هم في منازلهم، وبالتالي هي عمليات انتقام وليست تحرير كما يزعمون.
- عدم تأهيل الحكومة – رغم وعودها – للمدن التي كانت مسرحًا لعمليات عسكرية قاسية، مما جعل حياة الناس عرضة لخطر الألغام والمقذوفات وغيرها من الأسلحة غير المنفلقة حتى الساعة.
المادة 32 من الدستور العراقي نصت على “ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع، وينظم ذلك بقانون”
هذه الأسباب وغيرها جعلت المجتمع العراقي أمام جيش من المعاقين المهملين الذين لم يجدوا من يداوي جراحهم الجسدية والنفسية.
هذه الإحصاءات الرسمية واضحة التناقض، وإذا كانت الإحصائية الأخيرة صحيحة – وكما لاحظنا أن الفرق بينها وبين إحصائية العام 2015 يتجاوز المليوني معاق – وعليه نتساءل: أين تبخر أكثر من مليوني ونصف معاق؟ وهل تم التخلص منهم بطريقة رسمية عبر علاجات قاتلة خاصة قضت عليهم؟ وهذا يعني أننا – ربما – نكون أمام جريمة رسمية، أم أن الدولة لا تمتلك إحصاءات دقيقة، وبالتالي كل يصرح من فكره دون وجود مؤسسات علمية رغم المليارات التي تنفق عليها، أم أن حياة المواطن لا تعني لهم شيئًا، بدليل أنهم لا يمتلكون إحصاءات دقيقة!
على مستوى الدستور فإن المادة 32 من الدستور نصت على “ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع، وينظم ذلك بقانون”، وهذه الوعود الحكومية هي مجرد حبر على ورق، وواقع حال متحدي الإعاقة في العراق مؤلم جدًا، والإهمال متعدد الجوانب، ومنه أن المعاق المتقاعد يذهب بنفسه لاستلام راتبه التقاعدي على الرغم من عدم وجود وسائل نقل خاصة بهذه الشريحة الكبيرة، ومعلوم كم هي المعاناة في مثل هذه الحالات، وكان بمقدور الحكومة عبر بضعة موظفين أن يوصلوا تلك الرواتب لمستحقيها.
وفي جانب آخر، هنالك إهمال في توفير الأطراف الصناعية، إضافة لنقص الاهتمام بهم من ناحية توفير الكراسي المتحركة ومراكز التأهيل، بل تشير دراسات محلية وأخرى أجنبية إلى أن أعدادًا كبيرة منهم تعاني من أوضاع نفسية متردية بسبب غياب المتابعة النفسية لهم في وقت ينظر إليهم المجتمع بأنهم عبء عليه.
إن من أهم واجبات الحكومة تجاه متحدي الإعاقة توفير مدن خاصة بهم تمامًا كما كان في مرحلة ما قبل الاحتلال، وتصميمها وفقًا لمقاييس خاصة بهم؛ حتى يشعروا أنهم جزء من مجتمع مهتم بهم، وإلا فهؤلاء سيشعرون – وهو الحاصل – بكراهية للذات والمجتمع؛ لأنهم في لحظة من الزمن صاروا في عداد المحتاجين والمعاقين.
ينبغي أن نعمل لرعاية متحدي الإعاقة لأنهم جزء من الشعب، وهم بحاجة للخدمات أكثر من غيرهم، فهل ستعي الحكومة ذلك؟